المقدمـــة
إن المجموعات المسيحية الشابة في الأردن، بِمُسَمّياتها وحركاتها ونشاطاتها الرعوية، هي تاج الكنيسة ومستقبلها الواعد. ولهم عليّ أن أضع في متناول أيديهم الأجوبة على أسئلتهم الدينية الكثيرة التي كانوا وما زالوا يطرحونها علي وعلى المرشدين الروحيين، تعبيرا عن رغبتهم في المزيد من المعرفة الدينية.
إنهم يُكثِرون من الأسئلة لكي يستنيروا، وينبذوا الجهل والضلال، ويثبتوا على "الحق". ومن أسئلتهم الكثيرة، نفهم أنهم يتمتعون بالحرية، وأنهم يريدونها حرية إنجيلية أصيلة. ولذلك نراهم يصغون إلى المسيح يقول لهم: "إن ثبتم في كلامي، كنتم تلاميذي حقا، تعرفون الحق، والحق يحرركم ... أنا الطريق والحق والحياة " (يو 8/31- 32، 14/6) إنهم يؤمنون بأن يسوع هو الطريق المؤدي إلى الحق والحياة، وأنه ينبوع الحياة الأبدية. ويوجهون القلب إلى الأعالي ويلتزمون بالتوبة، ويشهدون "للحق" شهادة حسنة بأخلاقهم المسيحية والإنسانية، ويدركون أن الله محبة، ويقولون مع بولس الرسول:
"ما أبعد غور غنى الله وحكمته. وما أعسر إدراك أحكامه وتَبيِّن طرقه. فمَن الذي عرف فكر الرب أو مَن كان له مشيرا؟ ومَن الذي تقدمه بالعطاء فيكافأ عليه؟ فكل شيء منه وبه وإليه. له المجد إلى الدهور.آمين" (رو 11/33-36).
***
وفي أيامنا هذه، كثيرون يطلبون الحق في غير مكانه، فلا يهتدون إليه، ويسيرون في الضلال بعلم أو بغير علم، فيحتارون ويقلقون. في بلادنا العربية، تتكاثر الجماعات الدينية التي تدعي أنها تحمل إلى العالم كلمة الله صافية شفّافة، وهي خالية من الصدق والحق والصفاء. وكثيرون من الشباب ينبهرون بتعليمهم ويتبعونهم لأنهم لا يملكون من الدين المسيحي سوى معلومات سطحية حفظوها في طفولتهم، واطلعوا عليها في الكتب المدرسية، ولم يترك منها الزمن في أذهانهم إلا النزر القليل. هؤلا ينسون تحذير بطرس الرسول حيث قال:
"إعلموا قبل كل شيء أنه ما من نبوءة في الكتاب تقبل تفسيرا يأتي به أحد من عنده. إذ لم تأت نبوءة قط بإرادة بشر ... كما كان في العهد القديم أنبياء كذابون، كذلك يكون بيننا: علماء كذابون يُحدِثون بِدَعا مُهلِكة ... وسيتبع كثير من الناس فواحشهم ويكونون سببا للتجديف على طريق الحق. ويستغلونكم بكلام ملفق لما فيهم من طمع" (2 بطرس 1/20-21، 2/1- 3).
حياة الإنسان على الأرض لا تتكرر، وعند نهايتها مستقبل أبدي. فإذا كان الإنسان منطقيا مع ذاته، فهو لا يجازف بحياته، بل "يلعبها صح" كما يقول الشباب. لأنه إذا خسرها فيكون الخسران أبديا، وإذا ربحها فيكون الربح أيضا أبديا. فالحياة هبة من الله، وهي سر يلتقي سر الله. ولا تجد لها تفسيرا إلاّ في سر الله. وبالتالي فإن الحياة ليست لعبة نلهو بها، وليست نزوة ننجرف لها. ولا شيء أجمل في الحياة، من أن يضع الشاب في قلبه وعقله الإلتزام الدائم والمتجدد "بالطريق والحق والحياة"، فيعطي حياته معانيها السامية، ويتحمل متناقضات الحياة الإنسانية الكثيرة، فلا ينجرف لقوى الشر المدمرة، بل يحيى في النور والحب والإيمان، وينعم براحة الضمير والإطمئنان.
***
وردتنا أسئلة كثيرة تتناول جميع نواحي الحياة الروحية والإجتماعية والإيمانية كالعقائد والأخلاق المسيحية والليتورجية والخطيئة وأواخر الإنسان ...الخ. وقد أسهبنا في الكثير من الأجوبة عن قصد لكي يجد القارىء مزيدا من النور، وغذاء روحيا لنفسه وعقله. ولا ندّعي أن أسئلة الشبيبة تنحصر في ما احتواه هذا الكتاب. فهي أكثر من ذلك بكثير. والشباب قادرون دوما على أن يُخرِجوا من جعبتهم "جُدُدا وعُتُقا".
لقد تركنا جانبا الأسئلة في السياسة، والتي تثير حساسيات دينية وطائفية. وتجاهلنا الأسئلة التي يقتصر الجواب عليها ب "نعم" أو "لا". وجمعنا الأسئلة بحسب مواضيعها، مع العلم أن بعضها يُمكن أن يوضع تحت أكثر من عنوان. وبعضها جاء مكررا، ونظرا لِأهميتها أجبنا عليها مطولا. وأما بالنسبة لعدد من الأسئلة التي احتوت أكثر من سؤال، فقد فصلنا بعضها عن بعض، كي لا نطيل الشرح على القارىء، كما فعلنا على سبيل المثال، بالاسئلة التي تناولت الوحي والإلهام من منظور مسيحي ومنظور إسلامي.
ما يميز هذا الكتاب هو الصبغة الروحية والطابع الراعوي، مما ينير طريق الشباب، ويوطد إيمانهم ويفتح عقولهم وقلوبهم على كلمة الله وكنيسته "عمود الحق وركنه" (1 طيم 3/15). نحن في إجاباتنا على الأسئلة لا نعطي آراء، ولا نعطي تفاسير وشروح شخصية، قد تصيب وقد تخطىء. بل نجيب بما تُعلِّمه الكنيسة الكاثوليكية المقدسة التي أسسها السيد المسيح على الرسل، وجعل لها رأسا منظورا هو بطرس الرسول وخلفاؤه. فمِن لاهوت الكنيسة الكاثوليكية ومِن تعليمها وتوجيهاتها للحياة المسيحية وشرحها الكتاب المقدس، نجيب على الأسئلة المطروحة، مدركين مع بولس الرسول أن: " كل ما كُتِب هو من وحي الله" (2 طيم 3/16).
إن الشباب في بلادنا المقدسة، تاج الكنيسة ومستقبلها الواعد، يردّدون مع بطرس الرسول: "يا ربّ، إلى مَن نذهب وكلامُ الحياة الأبدية عندك؟ ونحن آمنّا وعرفنا أنك قُدّوس الله" (يو 6/68-69)، كما يردّدون مع صاحب المزامير: "وجهك يا رب التمِس، فلا تحجب وجهك عني" (مز 27/8-9)، ويشجع بعضهم بعضا بكلام القديس اغسطينوس:
"لِنُنشد، أيها الإخوة، الآن، لا للراحة المستقرة، ولكن للعزاء في الجهاد، مثلما اعتاد أن يُنشد المسافرون. أنشِد وسِر. ما معنى سِر؟ تقدّم. وتقدّم في الصلاح. بحسب قول الرسول، هناك مَن يتقدمون إلى الأسوأ. وأما أنت فإنك تسير إذا سِرت إلى الأمام. سر إلى الأمام في الصلاح. سِر إلى الأمام في الإيمان القويم. سِر إلى الأمام في الأخلاق الحسنة. أنشِد وسِر".
+ المطران سليم الصائغ