المجموعة الرابعة - الصلاة

أضيف بتاريخ 07/25/2023
rania.kattan

المجموعة  الرابعة

الصلاة


356
لماذا نطلب من الله ونحن نؤمن أنه يعلم حاجاتنا ونعرف أنه يعمل الأفضل لنا ؟ لماذا نطلب منه ونحن نعرف أنه  لن يغير إرادته القدوسة بناء على طلبنا؟

1 - نحن نؤمن بأن الله يعرف حاجاتنا كلها، وأنه يريد الأفضل لنا ويخطط الأفضل لحياتنا، وبما أن إرادته هي الفضلى وهو يحبنا حبا يفوق إدراكنا فإنه لن يتنازل عن الخير الأسمى لنا وعن إرادته القدوسة. وهذا كله إن دل على شيء فإنما يدل على أنه يجب علينا أن نطلب منه أن يرشدنا إلى إرادته القدوسة لكي نقبلها  فتحقق الأفضل لنا في الحياة.  وهذه هي صلاة الطلب على حقيقتها السامية، وهذا ما علمنا إياه السيد المسيح في صلاة "أبانا". والرب يستجيب للصلاة عندما تعبر الصلاة عن الإيمان. ويكفي أن نأخذ العبرة من الأبرص (مر1/ 40-44) ومن يائير (مر 5/36)، ومن المرأة الكنعانية (مر 7/29) ولص اليمين (لو 23/39-43)... وغيرهم.

كون الله يعرف حاجاتنا لا يبرر التوقف عن الطلب إليه لأننا بطلبنا نُعبِّر عن وعينا بعلاقتنا معه. فالطلب يعني أننا نعود إليه وأننا في علاقة حية  معه نحن الأبناء وهو الآب الحنون الذي لا حد لصلاحه. ويكفي أن نُذكِّر بقول السيد المسيح بهذا الصدد:

"اسألوا تُعطوا. أُطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم. لأن كل من يسأل ينال. ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له. من منكم اذا سأله ابنه رغيفا أعطاه حجرا. أو سأله سمكة أعطاه حية؟ فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تعطوا العطايا الصالحة لأبنائكم، فما أولى أباكم الذي في السموات بأن يعطي ما هو صالح للذين يسألونه" (متى 7/7-11). 

2 - الصلاة المسيحية هي علاقة "عائلية" بين الأبناء وأبيهم، بها نستحضر الله في حياتنا، وندخل معه في مشاركة، لأننا بالمعمودية  صرنا كائنا واحدا مع المسيح، وأبعاد صلاتنا  هي أبعاد محبة المسيح. والطلب يجب أن يتصف بالثقة البنوية وأن نسأل الله الخيرات الموافقة.

يقول القديس أغسطينوس:

"إن الرب إلهنا لا يريد أن يعرف منا ما نرغب فيه، فهو لا يجهل ذلك. وإنما يريد أن نزداد شوقا إليه من خلال الصلاة، وبها نُعِدّ أنفسنا لإدراك وقبول ما يريد أن يمنحنا إياه ...  قال الرسول: "لا تكفّوا عن الصلاة" (1تسا 5/17). وماذا يعني هذا الكلام إلا أن اطلبوا من غير انقطاع الحياة السعيدة، أي الحياة الأبدية ممن يقدر وحده أن يعطيكم إياها"

3 - إن الله لا يفرض ذاته علينا فرضا لأنه يحترم إرادتنا وحريتنا ولا يفتح الباب بالقوة ولا يدخل عنوة في نفوسنا، ولا يدوس على كرامتنا وعلى شخصيتنا، بل ينتظر منا أن نتوجه إليه بالطلب لكي يعطينا. والله أبونا يعرف جيدا بما نحتاج إليه، قبل أن نسأله، (متى 6/8) ولكنه ينتظر سؤالنا لأن كرامتنا هي في حريتنا.

فالله، على سبيل المثال، يعرف أننا ارتكبنا الخطيئة وأنه يريد خيرنا الأعظم وأنه يريد أن يغفر لنا خطيئتنا، ولكنه لا يرغمنا على ذلك ولا يغفر لنا إلا إذا طلبنا منه ورجعنا إليه بتوبة صادقة. فالعشار لو لم يطلب من الرب المغفرة وقرع صدره قائلا: "إرحمني يا رب فإني رجل خاطىء" لما نال المغفرة ولما عاد إلى بيته مبررا (لو 18/13). كذلك المسيحي الذي يطلب من الرب المغفرة والرحمة  الآن وكل أيام  حياته يعني أنه يعود باستمرار إلى الله. يعقوب الرسول يقول لنا: "إن كان أحد منكم تنقصه الحكمة فليطلبها عند الله يُعطَها، لأنه يعطي جميع الناس بلا حساب ولا عتاب. فليطلبها بإيمان من غير أن يرتاب" (يع 1/5-6).

4 - يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:

"الطلب المسيحي مرتكز على الرغبة في الملكوت الآتي والسعي إليه، بحسب تعليم يسوع. فهناك تراتبية في الطلب: أولا الملكوت، وبعده ما هو ضروري لقبوله وللمساهمة في مجيئه. وهذه المساهمة في رسالة المسيح والروح القدس، التي هي الآن رسالة الكنيسة، هي موضوع صلاة الجماعة الرسولية. انها بامتياز صلاة بولس الرسول، الذي أعلن لنا كيف أنه من الواجب أن يُنعش الصلاة المسيحية الإعتناء الإلهي بكل الكنائس. بالصلاة يعمل كل معمد على مجىء الملكوت"

"عندما يشارك الإنسان هكذا في محبة الله المخلصة، يدرك أن كل حاجة يمكن أن تكون موضوع طلب. والمسيح الذي أخذ كل شيء على عاتقه، لكي يفتدي كل شيء يُمجَّد بالطلبات التي نقدمها للآب باسمه. ففي هذا الإطمئنان يحرضنا يعقوب وبولس على الصلاة في كل ظرف" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 2632 – 2633)

357
إذا صليت من أجل فلان الذي يعيش حياة سيئة، فهل الله يستجيب؟ الله يعرف أن ذاك الشخص بحاجة لمساعدة، ألا يكفي ذلك ولماذا أصلي من أجله؟ ماذا تزيد صلاتي؟

يعود بنا هذا السؤال إلى صلاة الشفاعة، أي الطلب من أجل الأخرين. المسيح هو الشفيع الوحيد عند الآب في كل البشر. والشفاعة المسيحية من شفاعة المسيح، وهي تعبير عن شركة القديسين. 

وفي الشفاعة، من يصلي يسعى إلى ما هو لنفسه وإلى ما هو لغيره. هذه هي المحبة المسيحية في أبهى معانيها. وقد عاشت الجماعات المسيحية الأولى بقوة هذه الشركة. (راجع بهذا الشأن كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 2634 – 2636).

أما ردا على القول بأن الله يعرف أن ذاك الشخص بحاجة إلى مساعدة فلماذا لا يساعده؟ نقول بأن الله يحترم حرية الإنسان وكرامته، ولا يريد أن يكون الناس قطيعا من الغنم مسيَّرين. فالله يريد من الإنسان أن يتوجه إليه بتواضع بالصلاة وبعاطفة بنوية. 

358
تعلمنا أن الله لا يستجيب أحيانا لأن ما نطلبه ليس لخيرنا. فلماذا إذن قال السيد المسيح: "كل شيء تطلبونه" وأنتم تصلون بإيمان تنالونه" (متى 21/22). فقد قال "كل شيء" بدون استثناء.

1 - في مفهومنا للصلاة علينا أن ننتبه لمفاهيم وعقليات خاطئة، ومنها الخيبة لعدم الاستجابة لنا بحسب إرادتنا الخاصة، وجرح كبريائنا وأنانيتنا. لاحظ أن السيد المسيح يقول "كل شيء تطلبونه وأنتم تصلون بإيمان تنالونه". وهذا يعني أنه إذا كانت صلاتك بإيمان فإنك لن تطلب فيها إلا أن تتمم إرادة الله عليك وعلى من تصلي من أجلهم، وبالتالي لن تطلب منه إلا ما يراه الله مفيدا ومناسبا وضروريا لخلاص نفسك. وفي هذه الحالة فإن الله يستجيب بكل تأكيد، وليس بالضرورة بالطريقة التي تريدها أنت. قال يوحنا الرسول: "الثقة التي لنا به هي أنه إذا سألناه شيئا موافقا لمشيئته استجاب لنا" (1 يو 5/14)

2 - لا يخفى عليك أن الشدائد في هذه الحياة هي من نصيب كل إنسان، كما ورد مرارا كثيرة في الإنجيل المقدس. ويكفي بهذا الصدد أن نذكّر بكلام المسيح: 

"ادخلوا من الباب الضيق. فإن الباب رحب والطريق المؤدي إلى الهلاك واسع والذين يسلكونه كثيرون. ما أضيق الباب واحرج الطريق المؤدي إلى الحياة، والذين يهتدون اليه قليلون" (متى 7/13-14). 

"ملكوت السموات يؤخذ بالجهاد، والمجاهدون  يختطفونه" (متى 11/12) 

فلا بد للإنسان من أن يجاهد ويبذل أثمن ما عنده لكي يدخل ملكوت الله. فالمؤمن يثق بالله الذي يؤتيه النصر في الحياة. نحن أبناء. والأبناء يثقون بوالديهم في الشدة والرخاء. ويقول بولس الرسول بهذا الصدد:

"نفتخر بشدائدنا نفسها لعلمنا أن الشدّة تلد الثبات، والثبات يلد فضيلة الاختبار، وفضيلة الاختبار تلد الرجاء، والرجاء لا يخيّب صاحبه، لأن محبة الله أٌفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا" (رو 5/3-5).

هذا من جهة، ومن جهة أخرى: إذا كان الله حقا لا يستجيب لنا، فلنسأل أنفسنا: "لماذا لا يستجيب؟. "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" يوجز الجواب ويقول:

"ليس لكم شيء لأنكم لا تطلبون. تطلبون ولا تنالون لانكم تسيئون الطلب إذ تبتغون الإنفاق في ملذاتكم (يع 4/2-3). فإذا طلبنا بقلب فاجر لا يستطيع الله الاستجابة لنا، لأنه يريد خيرنا وحياتنا. أوتظنون ان الكتاب يقول عبثا: ان الله يحب، حتى الغيرة، الروح الذي أحله فيكم؟ (يع 4/5).إلهنا غيور علينا، وهذا هو الدليل على صدق محبته. لندخل في رغبة روحية فيستجاب لنا: "لا تجزع إذا لم تتلقَّ من الله على الفور ما تسأله. فهو يريد أن يزيدك خيرا بمواظبتك على البقاء معه في الصلاة. إنه يريد أن تُمتحن رغبتنا في الصلاة. إنه يهيئنا لتقبل ما هو مستعد لمنحنا إياه". (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2737)

يقول كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:

"صلاة يسوع تجعل الصلاة المسيحية طلبا فاعلا. إنه مثالها، فهو يصلي فينا ومعنا. وبما أن قلب الابن لا يلتمس إلا ما يرضي الآب، فكيف يتعلق قلب الأولاد بالتبني بالعطايا اكثر مما بالمُعطِي؟" (رقم 2740)

"يسوع يصلي أيضا لأجلنا، وبدلا منا ولمصلحتنا ... وإذا كانت صلاتنا متحدة بقوة صلاة يسوع، في ثقة وجرأة بنوية، فإننا نحصل على كل ما نسأل باسمه، وأكثر من هذا وذاك، نحصل على الروح القدس عينه الذي يحوي جميع المواهب" (رقم 2741).

قال يسوع:

"إذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تعطوا العطايا الصالحة لابنائكم، فما أولى أباكم الذي في السموات بأن يعطي ما هو صالح للذين يسألونه" (متى 7/11)

فإذا حفظنا وصايا الرب وعملنا بما يرضيه فإن الرب يستجيب لنا (1 يو 3/21-22)

359
لماذا يجب علينا أن نصلي بلا انقطاع؟ (1 تسالونيكي 5/17) وهل الصلاة  بلا انقطاع ممكنة؟

1 - الصلاة ممكنة دائما. قال القديسون أقوالا كثيرة ورائعة بهذا الصدد. وعلى سبيل المثال يقول القديس يوحنا فم الذهب:"من الممكن حتى في السوق أو في نزهة منفردة أن تصلي صلاة كثيرة وحارة، وأنت جالس في حانوتك سواء للشراء أو للبيع، أو حتى للطبخ". ويقول اوريجانيبوس: "يصلي بلا انقطاع من يقرن الصلاة بالأعمال، والأعمال بالصلاة. هكذا فقط نستطيع أن نرى  الصلاة بلا انقطاع قابلة للتطبيق". 

بالإضافة إلى كل ذلك فإن الصلاة الدائمة، سواء كانت في الكنيسة أو في البيت أو في أي مكان هي خبرة عملية يقوم بها الكثيرون من الرجال والنساء والشباب والصبايا في أيامنا هذه. فعندما تبدأ عملك بصلاة فانت تجعل من عملك صلاة. وفي اثناء قيامك بالعمل، من حين الى آخر، ارفع قلبك إلى الله وجدد له تقدمة عملك الذي تقوم به. وهكذا كل عمل يمكن أن يكون صلاة تمجد بها الرب.

2 - كثيرا ما يبين العهد الجديد  وجوب المداومة على الصلاة. وعلى سبيل المثال، فإن بولس الرسول قال لأهل روما: "كونوا في الرجاء فرحين وفي الشدة صابرين وعلى الصلاة مواظبين" (رو 12/12). قال السيد المسيح:

"اسهروا مواظبين على الصلاة، لكي توجدوا أهلا للنجاة من جميع هذه الأمور التي ستحدث، وللثبات لدى ابن الإنسان" (لو 21/36)

3 - إن السيد المسيح لم يفرض علينا أن نعمل وأن نسهر ونصوم دائما، بينما طلب الينا أن نلتزم بالصلاة بلا انقطاع، وذلك:

أ -     لأن جهاد الصلاة هو جهاد المحبة المتواصعة الواثقة  المثابرة.
ب –  لأن الصلاة ضرورية للحياة. فنحن إن لم نتقد بالروح فسنقع تحت
      عبودية الخطيئة. 

يقول القديس أغسطينوس:

"إذا أطلنا الصلاة، فهذا لا يعني كما يظن البعض أننا نكثر الكلام. الكلام الكثير أمر، والمشاعر المستديمة أمر آخر. فقد جاء في الكتاب عن الرب نفسه أنه قضى الليل في الصلاة، وأنه أطال الصلاة. ما معنى هذا إلا أنه أعطانا قدوة لنقتدي به هو الذي عرف أن يصلي في حياته الزمنية. وفي ألأبدية يستجيب مع الآب لنا في كل صلاة".

القديس يوحنا فم الذهب يقول:

"لا شيء يساوي قيمة الصلاة. إنها تجعل المستحيل ممكنا، والصعب سهلا. ومن المستحيل على الإنسان الذي يصلي أن يخطأ.

3 – لا يمكن فصل الصلاة عن الحياة المسيحية، لأن موضوع الصلاة هو المحبة البنوية المطابقة لإرادة الله القدوسة والتي تجعلنا نزداد تطابقا مع المسيح يسوع ونحب جميع البشر.

360
لماذا يجب أن أصلي يوم الأحد وأن أحضر القداس في الكنيسة؟ أنا اصلي في البيت ألا يكفي ذلك؟

من أقدس الواجبات وأهمها أن تصلي وحدك بصفتك الشخصية، ومع أسرتك ومع الآخرين ومع جماعة المؤمنين في الكنيسة بصفتك ابنا للكنيسة وعضوا من أعضائها وأن تُعَبِّر في كلا الحالتين عن حبك وإيمانك ورجائك، وأن تقدس حياتك كلها بما فيها من أفعال وأقوال وأفكار. قال  القديس الفونس دي لليغوري: "مَن يصلي يخلص بالتأكيد، ومَن لا يصلي يهلك بالتأكيد"

1 – بصفتك الشخصية، المسيحية، بصفتك إنسانا مات المسيح من أجل خلاصك على الصليب، واجبك أن تصلي في حياتك الفردية،  في بيتك، في مكان عملك، وفي أي مكان وزمان. فالسيد المسيح أوصانا بأن نصلي وأن لا نمل من الصلاة، وطلب الينا أن نسهر مواظبين عليها (لو 21/36). وعندما نصلي، لا يريدنا أن نكون كالمرائين الذين يحبون أن يراهم الناس: لكي يعظموا أمرهم:"أما أنت فاذا صليت فادخل حجرتك وأغلق عليك بابها وصلِّ إلى أبيك الذي يرى في الخفية وهو يجازيك (متى (6/6-8). لا بد أن يراك الناس تصلي، وأن يعرفوا أنك تصلي، أما أنت فتصلي لكي تمجد الله وتسهر، بنعمة الله، على خلاص نفسك وتطلب من الرب نعمة التوبة المستمرة ونعمة الخلاص الأبدي لك ولنفوس كثيرة.

2 – وبصفتك  عضوا تنتمي إلى أمك الكنيسة، فإن الكنيسة تلزمك بحضور القداس والمشاركة فيه أيام الآحاد وأعياد البطالة تحت طائل الخطأ المميت، لعدد من الأسباب اللاهوتية والراعوية:

أ – لأن يوم الأحد هو في صلب إيماننا. فهو يوم الرب، أي يوم قيامة المسيح من القبر منتصرا على الموت. وهو أيضا يوم الكنيسة، اليوم الذي فيه نرى المسيحيين يعيشون ما اختبره الرسل المجتمعون عشية الفصح، عندما ظهر لهم يسوع القائم من بين الأموات (يو 20/19). بالإضافة إلى ذلك فإن قيامة الرب وصعوده إلى السماء وحلول الروح القدس على الرسل، كلها أعياد مرتبطة بمعاني يوم الأحد الذي فيه تحتفل الكنيسة بسر القربان، قلب إيماننا المسيحي. فيوم الأحد هو اليوم الذي يدعى فيه المسيحي أكثر منه في أي يوم آخر إلى أن يتذكر الخلاص الذي حصل عليه في المعمودية والذي جعل منه إنسانا جديدا في المسيح.

ب – لأن يوم الأحد هو يوم الأسرة المسيحية وهو أجمل يوم للتعبير عن هويتها المسيحية ودعوتها  إلى أن تكون كنيسة بيتية، عندما تشارك الأسرة كلها  في المائدة الواحدة مائدة الكلمة وخبز الحياة.

ج – لأن يوم الأحد هو يوم الرعية. هو يوم لقاء المجموعات والحركات والجمعيات والجماعات الرهبانية المقيمة فيها، حول مائدة الرب. إنه يوم جماعة المؤمنين. وأنت واحد منهم. وهذا يحمي ويدعم حياة الجماعة الكنسية ويصون وحدتها.

د – اجتماع المؤمنين يوم الأحد للاحتفال بالذبيحة الإلهية هو في نفس الوقت احتفال بسر الوحدة الذي يطبع الكنيسة بطابع عميق، ويجعلها شعبا مجتمعا ومتحدا بوحدة الآب والابن والروح القدس. فهو يوم الإيمان  ويوم الرجاء المسيحي لأن المشاركة في المناولة، في "عشاء الرب" إنما هي استباق للوليمة الاخروية "لعرس الحمل" (رؤ 19/9)

هـ - قداس الأحد يذكر المؤمن بهذه الحقائق الإيمانية ويخرجه من دوامة الحياة المادية ويذكّره بأن الله في وسط العمل والحياة، في وسط الأسرة والمدرسة والمصنع، وفي سائر ظروف الحياة المتنوعة، ويعود به إلى الله مرجعه السامي، ويربط حياته المحدودة بالحياة الأبدية غير المحدودة التي يسير نحوها.

على المسيحي أن يحافظ على  يوم الأحد وأن يعيشه في العمق، مهما كانت العوائق التي تعترضه في أيامنا الحاضرة، وأن يجدد فيه اتحاده بالمسيح وبانجيله وبكنيسته، وينعش وعيه لمواعيد المعمودية وإيمانه بالمسيح القائم من القبر ممجدا، والموجود معنا في حقيقته الإلهية والإنسانية تحت شكلي الخبز والخمر. الفكر المسيحي أقام عفويا صلة بين يوم القيامة وهو اليوم الأول بعد السبت  واليوم الأول من الخلق أي اليوم الذي خلق الله فيه النور. والمسيح القائم من القبر هو نور العالم.

وخلاصة القول: لا غرابة أن تولي الكنيسة يوم الأحد اهتماما كبيرا للقداس بصفته احتفالا تلتقي فيه الجماعة المؤمنة بقلب واحد. ولا غرابة أن تلزم الكنيسة أبناءها بحضور قداس الأحد وبالاشتراك فيه كي يحملوا في نفوسهم فرح القيامة، ويعلنوا إيمانهم بموت الرب وقيامته. فلا يجوز للمسيحي على الإطلاق أن يتنكّر لقداس الأحد، وأن يقضي اسبوعه بمنأى عن المسيح وذبيحته على الصليب. الالتزام بقداس الأحد والمشاركة فيه بنفس تغمرها النعمة الإلهية هو مصدر جوهري من مصادر سعادته وحياته المسيحية. عالمنا الممزق بالحروب والإرهاب يحتاج إلى جماعة المسيحيين المتحدين بالمسيح، والمتحدين بعضهم مع بعض لأنهم مدرسة سلام وحوار وشركة، يبنون مجتمعات أكثر عدالة وأكثر أُخوّة.