المجموعة السابعة
الباباوات
401
متى بدأ المسيحيون يسمون خليفة القديس بطرس بروما "بابا" و "الحبر الاعظم"؟ هل هاتان التسميتان هما حديثتان أم قديمتان؟
بعد استشهاد بطرس الرسول، ممثل المسيح على الأرض وراعي القطيع، يبين التاريخ سلسلة خلفائه الذين ترأسوا الكنيسة في روما وفي العالم. كما يبين كيف خدموا الكنيسة وقادوا سفينتها. وكلمة بابا من أصل يوناني وتعني "أب" وقد اصبحت قيد الاستعمال منذ عام 304 في عهد البابا القديس مرشلينوس. والمقصود بلقب "بابا" أبوته ورعايته لجميع المؤمنين.
أما كلمة "الحبر الأعظم" فقد اصبحت اللقب الشرقي لخليفة القديس بطرس، على الأرجح منذ القرن الخامس الميلادي. وجدير بالذكر، أنه منذ مطلع المسيحية وحتى اليوم، لا يوجد خليفة للقديس بطرس إلا بابا روما.
402
نسمع كثيرا عن تصاعد الدخان الأبيض والأسود من مكان اجتماع الكرادلة الذين ينتخبون البابا، فهل لك أن تفيدنا ما معنى ذلك وكيف يتم انتخاب البابا؟
البابا غريغوريوس العاشر عام 1271 نص قانونا على أنه يجب أن يكون انتخاب البابا بسرية مطلقة. ذلك لأنه عند انتخابة، استمر الآباء المجتمعون عاما ونصف في حالة نقاش طويل دون التوصل إلى اتفاق في ما بينهم، وبسبب تدخل السلطات المدنية في اوروبا، فاضطر المؤمنون أن يحجزوا على الآباء المجتمعين في مدينة "فيتربو" الإيطالية داخل مكان الاجتماع حتى ينتخبوا البابا الجديد.
أما في أيامنا هذه، فيعقد الكرادلة أصحاب حق الانتخاب اجتماعهم للانتخاب في الكنيسة المعروفة ب "الكابيلا سكستينا"، ويُعرف اجتماعهم ب Conclavus وهي من اللغة اللاتينية ومعناها الحرفي "المكان المغلق بالمفتاح". ويتم قبل الاجتماع عزل المكان عزلا مطلقا وتُتخذ الاجراءات المشدّدة جدا للمحافظة على السرية التامة. وينضم إليهم كاتم أسرار المجمع وطبيب ومعرِّف وقندلفت وبعض المسؤولين عن التشريعات وخدام الذبيحة الإلهية. ولا يجوز لاحد منهم أن يغادر المجمع قبل نهاية عملية الإقتراع التي تتم بالسرية المطلقة.
بعد الإقتراع، إذا لم يتم الحصول على الأغلبية المطلقة، أي بنسبة ثلثي الأصوات زائد صوت، عندئذ تُحرق أوراق التصويت باستعمال نشارة من الخشب مضاف إليها ورق مبلل بالماء فيتصاعد الدخان الأسود، فيفهم جمهور المؤمنين في الخارج، ويفهم العالم كله أنه لم يتم بعد انتخاب البابا. ولكن إذا حصل أحد الكرادلة على ثلثي الاصوات زائد صوت. وإذا قَبِلَ بالانتخاب يكتسب تلقائيا السلطة التامة على الكنيسة الكاثوليكية جمعاء، عندئذ يتصاعد من المدخنة الدخان الأبيض اللون ويمكن للمشاهدين في ساحة القديس بطرس وفي العالم كله بواسطة وسائل الإعلام الحديثة رؤيته بسهولة. ويعلن أكبر الكرادلة سنا على شرفة كاتدرائية القديس بطرس للمؤمنين المجتمعين في الساحة قائلا: "لدينا بابا" ويعلن اسمه الأصلي والاسم الجديد الذي اختاره. ثم يظهر البابا الجديد في الشرفة ذاتها ليمنح المشاهدين البركة الرسولية للمدينة، أي لروما وللعالم كله.
403
هل حقا تتوفر في الكنيسة الخلافة الرسولية ؟
إن السيد المسيح القائم من القبر وهب الروح القدس لتلاميذه، سلطان التقديس، وبقدرة الروح القدس، فوّض الرسل هذا السلطان إلى خلفائهم، لكي تحافظ بشارة الإنجيل على صفائها وحيويتها بلا انقطاع، وقلدوهم ما كانوا يضطلعون به من مسؤولية التعليم، ورسموا لهم للمستقبل أن يتسلم زمام خدمتهم بعد مماتهم رجال آخرون مختبرون، وأوصوهم بالسهر على القطيع الذي أقامهم فيه الروح القدس ليرعوا كنيسة الله.
هذه "الخلافة الرسولية" تحمل الطابع الأسراري، لأنها تنتقل بواسطة سر الكهنوت. فالقاعدة التي تكفل الإيمان القويم، كما تكفل للتقاليد الليتورجية وحدتها ضمن التنوع هي الأمانة على التقليد الرسولي أي الشركة في الإيمان والأسرار الموروثة من الرسل، تلك الشركة التي تعبر عنها الخلافة الرسولية. وكما أن المهمة التي أناطها الرب ببطرس منفردا، يجب أن تنتقل إلى خلفائه وأن تدوم باستمرار، كذلك أيضا مهمة رعاية الكنيسة التي تسلمها الرسل والتي يجب أن تزاولها هيئة الأساقفة المقدسة، يجب أن تدوم باستمرار. فلذلك تعلم الكنيسة أن الأساقفة يخلفون الرسل، بوضع إلهي، على رعاية الكنيسة. فمن سمع منهم سمع من المسيح، ومن احتقرهم احتقر المسيح.
إن الخلافة الرسولية عنصر تكويني للكنيسة وعلامة للكنيسة الحقيقية، لأن الكنيسة حقيقة تاريخية ملموسة وليست مجرد فكرة. فالكنيسة بحاجة إلى شرعية الخلافة الرسولية. ومن الواضح في الكتاب المقدس أن شرعية التبشير بالإيمان تمتد إلى شرعية المبشرين (مر 16/15، متى 28/18-20، لو 10/16) وأما بالنسبة للأسقفية فهي التي تخلف الجماعة الرسولية وعلى رأسها قداسة البابا خليفة بطرس. وكل أسقف عضو في الجماعة الأسقفية يخلف الرسل.
404
من يُعاقب بالحُرم الكنسي؟ وما هي مبررات الحرم وأنواعه؟
السلطة في الكنيسة الكاثوليكية، المخولة صلاحية إنزال عقوبة الحرم قداسة البابا للكنيسة الجامعة، والاسقف المحلي في أبرشيته.
أما العقوبات الكنسية فأنواع، منها:
1 - العقوبات الجزائية. ويُشترط أن يكون المُعاقب مسؤولا عن المخالفة الخارجية والخطيرة للقانون بدافع التدليس أو بذنب منه.
2 – العقوبات التأديبية: وبها يكون المحروم ممنوعا من الاشتراك كخادم في الاحتفال بذبيحة القداس أو باحتفالات العبادة أيا كانت، كما تحظر عليه قبول الأسرار والقيام بوظائف أو خدمات أو مهمات كنسية مهما كانت.
3 – العقوبات التكفيرية: وهي التي يُنزلها القانون بالجانح. والأسقف يستطيع أن يضيف اليها عقوبة أخرى بصورة دائمة أو لمدة غير محددة إذا اقتضى الذنب ذلك.
الهدف من الحرم هو إبراز جسامة الخطيئة المرتَكَبة وحث المحروم على التوبة والمصالحة مع الكنيسة. فإذا ما تاب المذنب ورجع إلى الكنيسة استطاع بكل تأكيد أن ينال الحل من العقوبة.
أما الجُنَح التي تقع بنوع خاص تحت طائلة العقاب الكنيسي فمنها:
أ - الجُنَح ضد الديانة ووحدة الكنيسة،
ب - والجُنَح ضد السلطات الكنسية وحرية الكنيسة،
ج - وجُنَح انتحال المهمات الكنسية والجنح في ممارستها،
د - وجريمة التزوير
هـ - والجُنَح ضد الالتزامات الخاصة
و - والجُنَح ضد حياة الإنسان وحريته.
405
من كان أول قديس أعلنته الكنيسة وما هي الاجراءات لاعلان المؤمن قديسا؟
بدأ اكرام القديسين وخصوصا الشهداء منهم في الكنائس المحلية. وكان إكرامهم ينتشر بين الشعوب وكان المبدأ هو: "صوت الشعب هو صوت الله".
ثم أخذت الكنيسة تسن القوانين لإعلان القديسين في أواخر القرن العاشر. فكان القديس اولتريش هو أول قديس أَعلنت الكنيسة قداسته. وقد أعلنه قديسا البابا يوحنا الخامس عشر سنة 993 . وأما تاريخ الإجراءات لإعلان القديسين فيعود إلى سنة 1588، إلى البابا سيكستوس الخامس الذي أسس مجمع الطقوس المقدس ومن صلاحياته دراسة موضوع إعلان القديسين.
أما الإجراءات السارية المفعول اليوم لإعلان أحد المؤمنين الذين ماتوا برائحة القداسة فهي باختصار:
1 - يجب أولا إثبات أن هذا الشخص المطلوب إعلانه قديسا قد مارس في حياته على الارض الفضائل الإلهية: الإيمان والرجاء والمحبة، ممارسة فائقة الطبيعة. وهذا يتم باستجواب الشهود وبالتدقيق في حياته وأعماله وكتاباته. فاذا ما ثبت ذلك فإن الكنيسة تعلنه مكرما. فيسمح للمؤمنين أن يطلبوا شفاعته. وهذه الاجراءات قد تأخذ عشرات السنين.
2 - إذا ما جدث أعجوبة بشفاعته، تعتمدها الكنيسة بعد التأكد من صحتها، فتعلنه الكنيسة طوباويا وتسمح بتكريمه رسميا في الكنيسة المحلية.
3 – وإذا ما حدثت أعجوبة أخرى بشفاعته واعتمدتها الكنيسة عندئذ تعلنه قديسا. ويُسمح بتكريمه في الكنيسة الجامعة.
406
ماذا غيّر المجمع الفاتيكاني الثاني؟ هل تستطيع أن تقول لي باختصار: ما هو الخطأ الذي كان قبل المجمع الفاتيكاني الثاني وما هو الجديد الذي جاء به المجمع؟
لم يُعقد المجمع الفاتيكاني الثاني لإصلاح أخطاء قائمة، بل عُقِد للتعبير عن أمور اللاهوت برؤية جديدة ونمط جديد وللحوار مع سائر الأديان. ولذلك جاء بالكثير من الجديد في ميادين دينية واجتماعية متنوّعة. كُتُب كثيرة تناولت أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني، ومع ذلك فإنها لم تتمكن بعد من التعبير عن غنى هذا المجمع الروحي واللاهوتي والكنسي والثقافي ....الخ تعبيرا كافيا.
عُقد المجمع الفاتيكاني الثاني في روما من سنة 1962 حتى سنة 1965 وشارك فيه أكثر من 2500 أسقف من مختلف أنحاء العالم. وأصدر 16 وثيقة تؤكد على الإيمان الكاثوليكي الذي ورثته الكنيسة عبرالقرون السابقة وتطالب المسيحيين بمزيد من التقوى والتامل في الإنجيل المقدس في هذا العالم المتجدد لكي، كما قال البابا يوحنا الثالث والعشرون: "نساعد الرجال والنساء والعائلات والشعب كله ليرتفعوا بافكارهم وحياتهم إلى الأمور السماوية".
تناول المجمع في وثائقه مواضيع لاهوتية وراعوية، والوحي الإلهي والليتورجيا والأساقفة والكهنة والحياة المكرَّسة للرجال والنساء والعلمانيين والتربية المسيحية والاتصالات والرسالات والحركة المسكونية والكنائس الشرقية والحرية الدينية والكنيسة في العالم المعاصر. ولم يحدد المجمع أية عقيدة إيمانية جديدة، وكان هدفه توضيح نظرة الكنيسة إلى ذاتها وعلاقاتها بسائر الكنائس وبالعالم. وقد تميز موقف المجمع بانفتاح على الكنائس الأخرى وعلى سائر الأديان، وبانفتاح على مختلف الثقافات المعاصرة.
إن أفضل طريقة لمعرفة ما قاله المجمع الفاتيكاني الثاني وما جاء به من جديد هي أن تطلع على وثائقه فتقرأها بتأن وتمعّن لئلا تفوتك المعاني الكثيرة الرائعة التي يحتويها الكلام البسيط الذي هو في متناول معظم الناس. فيجب عليك أولا أن تقتني وثائق المجمع، وبعد أن تطلع عليها سوف تكتشف أن الكثير مما يُسند اليه من أخطاء إنما يأتي بها من يدعونها ولم يأت بها المجمع. كذلك من الضروي أن يكون لديك كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاتثوليكية فهو يحتوي على العقائد الكاثوليكية ويحتوي على اقتباسات كثيرة من المجمع الفاتيكاني الثاني.
أبرشيات كثيرة في بلاد كثيرة من العالم لم تكن على استعداد لتقبّل الرؤيا الجديدة التي جاء بها المجمع الفاتيكاني الثاني، فسبّب ذلك للكثيرين "أزمة إيمان" واخذوا في فترة معينة يرتكبون أخطاء كثيرة وينسبونها إلى المجمع، والمجمع منها براء. وبالرغم من ذلك قال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني: "إن المجمع الفاتيكاني الثاني كان عطية الله العظيمة للكنيسة". لذلك يجب أن يتم تفسير وثائقة تفسيرا صحيحا غير مغرض. وقال أيضا أن الروح القدس الذي تكلم من خلال المجمع الفاتيكاني الثاني لم يتكلم عبثا. خبرة السنوات الماضية تبيّن مزيدا من انفتاح المؤمنين على حقيقة الله، تلك الحقيقة التي يجب على الكنيسة أن تعظ بها في وقته وفي غير وقته (2 طيم 4/2). فكل خادم للإنجيل يجب أن يشكر الله وأن يشعر أنه مدين للروح القدس من أجل عطية المجمع. ولكي يقف المسيحيون على حقيقة هذه النعمة لا بد أيضا من سنوات كثيرة قادمة.
407
ماذا نعني بقولنا بأن قداسة البابا معصوم عن الغلط؟ أليس هو إنسان مثلنا يخطىء ويصيب؟
1 - نعني بقولنا أن قداسة البابا، أي الحبر الروماني، رئيس هيئة الأساقفة الكاثوليك في العالم كله، معصوم عن الغلط، عندما، يعلن بصفته راعيا ومعلما أعلى لجميع المؤمنين، بما له من سلطة كخليفة للقديس بطرس ورئيس الكنيسة على الأرض مكلف بتثبيت إخوته في الإيمان، وبتصميم مُطلق، عقيدة من الإيمان والآداب، وينبغي على جميع الكاثوليك بأن يؤمنوا بها باعتبارها حقيقة إلهية، ومن الإيمان الكاثوليكي. (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 891).
العصمة من الغلط تعني أن الكنيسة عندما تعرض عقيدة إيمانية بصورة نهائية وموجبة، يكون تعليمها هذا معصوما من الغلط. فالكنيسة هي عروس المسيح، وهي تُجسِّد وجود يسوع المسيح في البشرية. ومن الواجب أن تكون معصومة من الغلط بقوة الله لكي لا تحيد عن الحقيقة الإلهية.
2 - من الواضح أن السيد المسيح أراد أن يقي بطرس وخلفاءه من الغلط عندما قال له: "أنت صخر، وعلى الصخر هذا سأبني كنيستي. فلن يقوى عليها سلطان الموت. وسأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فما ربطته في الارض رُبط في السموات وما حللته في الأرض حُلّ في السموات" (متى 16/18-19). فالمسيح لا يمكن أن يبارك في السماء قرارات خاطئة بشأن الإيمان. وهو يقي كنيسته من الإنحرافات والعثرات في ما كان من شأن الإيمان والاداب، فيبقى شعبه على الحق فلا يحيد عن الحقيقة الإلهية.
إن رعاة الكنيسة الذين يُعلِّمون بسلطة المسيح، ما يجب على الناس أن يؤمنوا به، يجب أن يكون تعليمهم معصوما من الغلط لئلا يكون معاكسا للحقيقة الإلهية الموحاة. ويتضمن موضوع العصمة كل الحقائق الإيمانية والأخلاقية الموحاة من الله في المسيح لكنيسته، كما يتضمن أيضا كل ما هو ضروري لوضع هذه الحقيقة الموحاة في منأى عن كل تحريف، أي أن الكنيسة وحدها تحكم على ما هو مرتبط بالعقيدة الموحاة.
3 - فالعصمة لا تعني أن قداسة البابا لا يستطيع أن يخطأ. قداسة البابا يتوجه إلى سر التوبة مرارا وتكرارا ويقر بخطاياه للكاهن المعرف ويطلب المغفرة، مثلي ومثلك. كذلك لا تعني العصمة أن قداسة البابا لا يستطيع أن يغلط عندما يتكلم في أمور علميه أو اقتصادية أو سياسية أو امور اخرى غير دينية.
4 - البابا بيوس الثاني عشر، عندما أعلن عقيدة انتقال مريم العذراء إلى السماء سنة 1950 كان من الواضح أنه كان يتكلم بصفته راعي الرعاة ومعلم الإيمان ومثبتا لإخوته الأساقفة والشعب المسيحي بالإيمان وأنه كان يعلن رسميا عقيدة من عقائد الإيمان.
5 - هل قداسة البابا الحالي ينعم بالعصمة التي أعطيت لبطرس؟ بكل تأكيد. فالسيد المسيح وعد أن يكون في كنيسته حتى منتهى الدهر (متى 28/20) وأن أباه سيرسل الروح القدس لكي يكون في كنيسته (يو14/16-17). والروح القدس، روح الحق هو في الكنيسة الكاثوليكية، يعمل فيها، ينيرها ويقودها. ويثبت تاريخ الكنيسة طيلة الألفي سنة أن البابا لم يرتكب أي خطأ في مجال الإيمان أو الأخلاق.
6 - بالاضافة إلى ذلك فان العصمة التي وعدها السيد المسيح للكنيسة مستقرة أيضا في هيئة الأساقفة مُتّحدة مع قداسة البابا خليفة بطرس، عندما تأمر بسلطانها التعليمي الأعلى في مجمع مسكوني. فعندما تعرض الكنيسة بسلطانها التعليمي الأعلى، حقيقة من حقائق الإيمان على أنها موحى بها من عند الله، فعلى الناس أن يقبلوا ويؤمنوا بها.
وقد قال أيضا المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستور العقائدي للكنيسة بنفس المعنى: "إن الأساقفة وإن كانوا لا يتمتعون بالعصمة منفردين فانهم، وإن كانوا متفرقين في العالم، مع احتفاظهم برباط الشركة فيما بينهم وبين خليفة بطرس، إذا أجمعوا على عقيدة إيمانية أو خُلقية إنما يعلنون تعليم المسيح إعلانا معصوما من الخطأ" (25).
(راجع بهذا الصدد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 891- 892)
408
على أي أساس نبني إيماننا بان البابا في روما هو رئيس الكنيسة في العالم كله، ومن أقامه رئيسا عليها؟
البابا هو الاسم الحالي لاسقف روما بصفته الرئيس الأعلى للكنيسة كلها.
إن يسوع عندما أسس الكنيسة، أي جماعة المؤمنين به، وضع هذه الكنيسة تحت سلطة الرسل وحكمهم. وهو شخصيا اختار الرسل وأقام سمعان رئيسا وأعطاه اسم الصخرة وجعله الشخصية المدبرة في الجماعة الرسولية. وصوّر المسيح دوره كدور الصخرة أساسا لكنيسته، ومدبرا لها يحمل "المفاتيح"، أي سلطان الحل والربط بصورة فعالة أمام الله، كما صوره راعيا تقع عليه مسؤولية إيمان قطيع المسيح كله ويحمل مهمة تثبيت إخوته في الإيمان.
وبما أن المسيح أراد أن تدوم كنيسته حتى آخر الأزمنة، وبما أن فكرة الخلافة في السلطة كانت أمرا طبيعيا حتى في الإطار الديني، فكان لا بُدّ بعد موت بطرس الذي كان متوقعا (يو 21/18)، أن يخلفه أحد في مهمة رئاسة الكنيسة وإدارة جماعة الرسل، كما كان من البديهي أن يقيم الرسل خلفاء لهم كي تدوم الكنيسة حتى منتهى الدهر. وسنة 64 للميلاد استشهد بطرس وهو أسقف لروما، فخلفه أسقف جديد لروما في الرسالة وجميع الصلاحيات التي خولها المسيح لبطرس. وفي تاريخ الكنيسة طيلة الألفي سنة لم يَدّعِ أحد آخر أنه خليفة بطرس وأنه يتمتع بالسلطان الذي أعطاه المسيح لبطرس.
لا شك أن سلطة أسقف روما الوضعية والتمييز الواضح لسلطان البابا خليفة بطرس وحقوقه والتعبير عنها تطور عبر التاريخ، وعبّر عنها بدقة المجمع الفاتيكاني الأول سنة 1870. وأصبح من الواضح أن أولوية بطرس وخلفائه، حسب إرادة المؤسس الإلهي، تعني سلطانا أسقفيا حقيقيا ومباشرا على الكنيسة كلها، مع من فيها من أساقفة، وبالتالي سلطانا تشريعيا عاليا، وحقا ساميا في إدارة شؤون الكنيسة في كل مكان، وسلطة قضائية عليا. وكمعلم أعلى فإن البابا له الامتياز بأن يكون بنعمة الله معصوما عن الضلال في شرح العقيدة الايمانية كما وعد بذلك المسيح كنيسته. وهذا ما يعلمه المجمع الفاتيكاني الأول.
409
أوليست أولوية بابا روما في كنائس العالم المسيحي هي السبب الرئيسي في الانفصال المؤسف القائم بين الكثير من الكنائس الشرقية والغربية عن كنيسة روما؟ فإلى أي عهد تعود أولويته في الكنيسة؟
إن أوّلية خليفة القديس بطرس في روما هي، بالنسبة للكنائس الأرثوذكسية السبب الحاسم للانفصال الذي تم سنة 1054.
نعتُ قداسة البابا بالمسيح الدجال من جهة، والصعوبات الكثيرة التي واجهتها الكنيسة في الثورة الفرنسية ونتائجها الوخيمة على كل أوروبا اسهمت كثيرا في إبراز الإولية البابوية بوجه أقوى، فحددها المجمع الفاتيكاني الاول سنة 1870 واعتبرها عقيدة من عقائد الإيمان. وأما الأساس لهذه العقيدة فيكمن في الوحي نفسه، في الأناجيل وتقليد الكنيسة. خليفة بطرس الرسول، يتمتع بمسؤولية خدمة وحدة الكنيسة الجامعة في الإيمان والمحبة. وسلطته مرتبطة ببنية الكنيسة الأساسية، وبالتقليد الكنسي، وببنية الأسقفية.
خليفة بطرس الرسول يمثل إيمان الكنيسة، ولكنه لا يحل محل الأساقفة. فالسيد المسيح أنشأ وظيفته لكي تبقى الأسقفية واحدة غير منقسمة، والكنيسة واحدة في الإيمان والشركة والمحبة. وعليه فإن خليفة بطرس الرسول هو خادم الوحدة في الكنيسة الجامعة من خلال وحدة الإيمان للكنائس المحلية في تنوع الثقافات والليتورجيات. ويمكن للكنيسة الجامعة، أن تتكلم وأن تعمل على نحو محسوس من خلال خليفة بطرس الرسول، لأنه أعلى ممثل شخصي لها. هذه المسؤولية أساسية للكنيسة، ولو لم توجد، لنقص شيء في الكنيسة وفي المسيحية بأجمعها.
أما المسيرة التاريخية ووقوف المسيحية على أن خليفة بطرس الرسول هو خادم المحبة ووحدة الإيمان في الكنيسة، فهي واضحة من كلام يسوع لبطرس وفي سفر أعمال الرسل. وقد استشهد بطرس في روما سنة 64 للميلاد. ومن بعده كانت كنيسة روما المثال ومقياس الإيمان لسائر الكنائس. فالقديس اغناطيوس الأنطاكي الذي استشهد في روما سنة 110 نعتها ب "المتقدمة في المحبة". والقديس صفرونيوس وصف كنيسة روما بأنها "منارة جميع الكنائس تحت الشمس". وفي مشاكل كثيرة، أعطت الكنائس المحلية لروما أن تكون المرجع النهائي للقرار. وفي ظروف كثيرة غيرها أخذت روما المبادرة كونها الأولى في الكنائس كلها وكونها تدرك أنها مسؤولة بنوع خاص عن حرية الكنيسة وعن وحدتها في الإيمان والمحبة. هذه الممارسة عبر القرون والأجيال منذ انطلاقتها ذكرتها الكنيسة في مجمع ليون الثاني سنة 1274 ثم في مجمع فلورنسا سنة 1439.
410
هل لك أن تزودني ببعض المعلومات عن المجمع
الفاتيكاني الأول ؟
إلتأم المجمع الفاتيكاني الأول في عهد البابا بيوس التاسع من الثامن من كانون الأول سنة 1869 الى 18 تموز 1870 وهو المجمع المسكوني العشرون.
تناول المجمع مشاكل النظام في الكنيسة، وشجب "الحلولية والمادية"، كما تناول التميز اللامتناهي بين الله والعالم، والعلاقة القائمة بين حرية الإنسان والوحي وطبيعة الإيمان من جهة وبين العقل الطبيعي. وحدد المجمع اولوية البابا الشاملة وعصمته في التحديدات الإيمانية الرسمية. وقد توقف هذا المجمع ولم يُختتم بسبب الحرب الألمانية الفرنسية سنة 1870 .
411
عقدت الكنيسة المجمع التريدنتيني للرد على الانشقاقات والهرطقات البروتستنطية. فما هي أهم العقائد الكاثوليكية التي خرج عنها البروتستنط؟
المجمع التريدنتيني هو المجمع المسكوني التاسع عشر، وقد عقد في مدينة ترنتو في شمال إيطاليا من 13 كانون الاول 1545 إلى 4 كانون الأول 1563 في حبرية البابا بولس الثالث والبابا يوليوس الثاني والبابا بيوس الخامس.
تناول هذا المجمع بنوع خاص ما أثاره لوثر وما يُسمى بحركة الإصلاح في القرن السادس عشر من تساؤلات وتعاليم خارجة عن الإيمان الكاثوليكي: مثل تعليمهم بشأن الكتاب المقدس والتقليد، وعقيدة الخطيئة الأصلية والميل إلى الشهوة، وعقيدة النعمة والتبرير والاستحقاق وتأكيد الخلاص، والأسرار السبعة عامة وعقيدة المطهر وإكرام القديسين والغفرانات، وغيرها.
412
المجمع الفاتيكاني الثاني، ما هو رقمه في المجامع المسكونية؟ وما هي الأمور الرئيسية التي جاء بها؟
المجمع الفاتيكاني الثاني هو المجمع المسكوني الحادي والعشرون. دعا إلى انعقاده البابا الطوباوي يوحنا الثالث والعشرون. وقد عقد أربع جلسات من 11 تشرين أول سنة 1962 إلى 8 كانون أول 1965.
جاءت قراراته وارشاداته وتعاليمه في 16 دستورا وقرارا وإعلانا. وتناول بنوع خاص:
1 – طبيعة الكنيسة وحقيقتها اللاهوتية وحياتها الروحية وطقوسها، ومهماتها الإدارية، وتعليمها وقداسة أعضائها.
2 – رسالة الكنيسة الخارجية وموقفها من المسيحيين غير الكاثوليك والديانات غير المسيحية، وصِلتها بالعالم عامة في أوضاعه الحديثة.
413
كثيرا ما نسمع تعبير "الحركة المسكونية" فما هي هذه الحركة؟
تدل الحركة المسكونية على الجهود التي بُذلت وتُبذل لتوحيد المسيحيين في إيمان واحد، أي في إيمان بطرس الرسول وخلفائه، لكي يكوّن المؤمنون بالمسيح كنيسة واحدة كما أرادها المسيح.
هذه الغاية لا تتحقق في برامج عقائدية ترضي هذا وذاك من رؤساء الكنائس، بل يجب عكس ذلك التوصل إلى الوحدة في ملء الحقيقة الإيمانية وفي الكنيسة الواحدة. وهذا يتطلب الكثير الكثير من الصلاة بالإضافة إلى الصبر والتفهم المتبادل وبُعد النظر والمحبة والمحادثات والمؤتمرات ... الخ.
في الحركة المسكونية يجب أن نميز بين الوحدة العقائدية، أي وحدة الإيمان، وبين أشكال الطقوس الليتورجية وأشكال الحياة المسيحية.
من أين يبدأ الاتجاه الحقيقي إلى الوحدة بين المسيحيين؟ يبدا من حبهم بعضهم بعضا. هذه "الأرضية الوحيدة" من الحب قد تكون خصبة لبذار وحدة الإيمان. وهذه الأرضية لا تتوفر في مجتمعات مسيحية كثيرة.
414
بين الباباوات خلفاء القديس بطرس، كان عدد منهم فاسدين أليس كذلك؟ ولكن لا بد أن عددا من الباباوات عاشوا حياة قداسة، فهل أعلنت الكنيسة قداسة البعض منهم؟
1 - على وجه العموم يذكر التاريخ أن أربعة باباوات لحقتهم ملامة كبيرة بالنسبة لبعض سلوكياتهم الأخلاقية. وقد حاول أعداء الكنيسة إنطلاقا من ذلك أن يشوّهوا صورة الكنيسة وصورة عقيدتها بأن البابا معصوم من الغلط، وهم بذلك يخلطون الحابل بالنابل، ويخلطون العصمة من الغلط عندما يتكلم البابا باسم الكنيسة في أمور عقائدية وأخلاقية، وبين سلوك البابا الشخصي. فالبابا بصفته الشخصية هو إنسان مثلنا قابل للخطأ والتوبة. ولكنه عندما يعلم العقيدة والآخلاق بصفته رأس الكنيسة خليفة القديس بطرس ممثل المسيح على الأرض، فإنه يكون في تعليمه معصوما من الخطأ استنادا إلى وعد السيد المسيح بالذات: أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
إن ضعف بعض الباباوات في حياتهم الفردية لا يُعتبر برهانا ضد العقيدة الكاثوليكية. فعلى سبيل المثال، هل يُعتبر ضعف رئيس أمريكا الشخصي برهانا على تصدع وحدة الولايات المتحدة وعلى ضعف قوتها وتأثيرها في العالم؟.
صحيح أن الكنيسة تألمت وتتألم اليوم من ضعف البعض من رؤسائها وأبنائها. إلا أن ضعف هذا أو ذاك من البابوات أو من المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات، يؤكد على أن الكنيسة بالرغم من ضعف بعض قادتها، بقيت صامدة أمينة على تعاليم المسيح وعلى كل ما يتناول الإيمان والأخلاق، كما تسلمته من المسيح والرسل.
2 – أما بالنسبة للقديسين من الباباوات، فالاغلبية الساحقة منهم عاشوا حياة القداسة والزهد والتقوى، وأداروا الكنيسة بكل ما آتاهم الروح القدس من حكمة، وقوة، ونور.
أما عدد الباباوات الذين أعلنت الكنيسة قداستهم، فقد بلغ 81 بابا، والذين أعلنتهم طوباويين فهم 10 وكان آخرهم البابا يوحنا بولس الثاني.
415
قال لي أحد المتجددين إن المسيح الدجال سوف يأتي من روما، ويبدو واضحا أنه يعني أن البابا هو المسيح الدجال وأن اسمه، كما يدعي يشير إلى الاعداد 666 التي يتألف منها اسم الوحش و/ أو المسيح الدجال. فماذا تقول لي بهذا الشأن؟
1 - ورد اسم المسيح الدجال في رسائل يوحنا وفي سفر الرؤيا:
"يا أبنائي الصغار ها هي ذي الساعة الأخيرة قد أتت. سمعتم أن المسيح الدجال سياتي. وقد أتى كثير من المسحاء الدجالين ... من هو الكذاب إن لم يكن ذاك الذي ينكر أن يسوع هو المسيح؟ هذا هو المسيح الدجال الذي ينكر الآب والابن" (1 يو 2/18 ، 22)
"وكل روح لا يعترف بيسوع لم يكن من الله. ذاك هو المسيح الدجال الذي سمعتم انه سيأتي وهو اليوم في العالم" (1 يو 4/3)
"انتشر في العالم كثير من المضلّين لا يعترفون بيسوع المسيح الذي تجسّد. هذا المضل هو المسيح الدجال. فخذوا الحذر لأنفسكم..." (2 يو 7-8).
وأما في سفر الرؤيا، فإن يوحنا يقول: "هذه ساعة الحذاقة، فمن كان ذكيا فليحسب عدد اسم الوحش: إنه عدد اسم إنسان وعدده ستمائة وستة وستون"
(رؤ 13/18).
2 - بولس الرسول لا يستعمل عبارة "المسيح الدجال" بل يستعمل تعابير أخرى فيقول: ... يظهر أخو الإلحاد، ابن الهلاك، والخصم الذي يناصب كل ما يحمل اسم الله أو ما كان معبودا، حتى إنه يجلس في هيكل الله ويُظهر نفسه أنه إله" (2 تسا 2/3-4).
"ويكون مجيء الملحد بقدرة من الشيطان على جميع المعجزات والآيات والأعاجيب الكاذبة وعلى جميع مغاوي الباطل للذين يسلكون سبيل الهلاك" (2 تسا 9-10)
ويقول بولس إن الرب يبيده بنَفَس من فمه ويمحقه بضياء وجهه. (2 تسالونيقي 2/8).
3– ويعتقد الكثيرون أن "المسيح الدجال" هو شخص يحارب المسيح في أتباعه قبل نهاية العالم. وقد ورد بهذا الخصوص في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
"لا بد للكنيسة، قبل مجيء المسيح، من أن تجتاز امتحانا أخيرا يزعزع إيمان كثيرين من المؤمنين. والإضطهاد الذي يرافق زيارته للأرض يكشف "سر الجور" في شكل تدجيل ديني يقدم للبشر حلا ظاهرا لقضاياهم ثمنه جحود الحقيقة. والتدجيل الديني الأعظم هو تدجيل المسيح الدجال، أي تدجيل المسيحانية الكاذبة حيث يمجد الإنسان نفسه في مكان الله ومسيحه المتجسد" (675)
"هذا التدجيل المناهض للمسيح يرتسم في العالم كلما إدعى الناس أن يحققوا في التاريخ الرجاء المسيحاني الذي لا يمكن أن يتم إلا بعده في الدينونة المَعَادية، والكنيسة نبذت هذا التزوير للملكوت الآتي حتى في صيغته المخففة المعروفة بالألفية ولا سيما صيغتها السياسية كمسيحانية علمانية فاسدة في جوهرها" (676)
"الكنيسة لن تدخل في مجد الملكوت إلا من خلال هذا الفصح الأخير حيث تتبع ربها في موته وقيامته. فالملكوت لن يتحقق اذن بانتصار تاريخي للكنيسة يكون في تطور صاعد بل بانتصار الله على الشر الأخير الذي سيُنزل عروسَه من السماء، وانتصار الله على ثورة الشر سيتخذ شكل الدينونة الأخيرة بعد الزلزال الكوني الأخير لهذا العالم المتلاشي" (677).
3- ومن المعروف في التاريخ أن المسيحيين كانوا يسمون نيرون المسيح الدجال وابن الهلاك لأنه إضطهد المسيحيين إضطهادا شديدا ولأنه اذا جمعنا عدد اسمه لوجدنا أنه يساوي 666 لانه من المعروف في اللغة اللاتينية أن الحروف تدل أيضا على أرقام.
4 - بعض أعداء الكنيسة يلعبون بتسميات قداسة البابا ويجعلونه يحمل لقب "خليفة ابن الله Vicarius Filii Dei لكي يصلوا إلى العدد 666 ويدّعون أن قداسة البابا هو المسيح الدجال. هذا اللقب أي "خليفة ابن الله" لم يكن في يوم من الأيام من التاريخ لقبا أو اسما أو عنوانا لقداسة البابا. فالبابا كان ولا يزال معروفا في الكنيسة ويُعرِّف على ذاته بأنه: "خليفة بطرس الرسول"، "ممثل المسيح على الارض"، "بطريرك الغرب"، "خادم خدام الله"، "رأس الكنيسة الكاثوليكية" التي هي "كنيسة الله الحي، عمود الحق وركنه" (1 طيم 3/15)
وختاما: قل لصديقك أننا إذا أردنا أن نلعب هذه اللعبة ... لوجدنا أناسا كثيرين ممن ذكرهم التاريخ ينطبق عليهم العدد 666، منهم لوثر الذي كان نقطة اندلاع الحركات البروتستنطية في اوروبا.
416
ماذا عن البابا بيوس الثاني عشر: هل حقيقة تقاعس في مساعدة اليهود الذين اضطهدهم هتلر وقتل منهم كثيرين؟
ليس صحيحا ما يدعيه اليهود بأن البابا بيوس الثاني عشر تقاعس عن مساعدة اليهود المضطهدين اثناء حبريته في الحرب العالمية الثانية.
إن البابا قد خلص الكثيرين منهم وفتحت الأديرة أبوابها للهاربين من الاضطهاد والموت، وخبأ قداسته الكثيرين منهم في مكان اقامته في الفاتيكان. ويعتقد كثير من المؤرخين أن البابا بيوس الثاني عشر قد خلص ما لا يقل عن 860000 يهوديا.
عندما مات البابا بيوس الثاني عشر سنة 1958 قالت جولدا مايير ممثلة إسرائيل لدى الامم المتحدة: "نحن نشارك العالم حزنه على قداسة البابا بيوس الثاني عشر. فقد رفع علم السلام والرحمة طيلة حبريته. وكذلك طيلة سني الحرب العالمية الثانية، عندما كان شعبنا يعاني الاضطهاد من النازيين فان البابا رفع صوته وأدان النازيين وطالبهم بالكف عن الإضطهاد".
وعلى سبيل المثال، فإن جريدة Morgenpsot الناطقة باسم الحكومة النازية قالت بعد انتخاب الكردينال باشلّي خلفا للبابا بيوس الحادي عشر والذي اتخذ اسم بيوس الثاني عشر: " نحن لا نؤيد انتخاب باشلّي على السدة البابوية لأن باشلّي كان دائما ضد النازية وهو الذي جعل البابا الراحل يقف دائما ضدها".
417
هل تؤمن بنبوءة ملاخي؟ كم من الباباوات سوف يأتي بعد البابا يوحنا بولس الثاني؟
وُلد المطران ملاخي سنة 1098 وتوفي سنة 1148) وقد عاش حياة قداسة في إرلندا وأعاد البلاد إلى التقوى والعبادة في القرن الثاني عشر. وقد اشتهر بتنبؤآته وتوفي بين ذراعي القديس برناردوس. إلا أنه عُرف بالأكثر بسبب تنبؤاته بشأن الباباوات الذين يخلفون بطرس الرسول وحتى نهاية العالم منذ زمن البابا شلشتينوس الثاني الذي توفي سنة 1144 وحتى نهاية العالم.
وقد وُجدت اللائحة بالباوات بعد موته بحوالي أربعة قرون. وهي تدل على أنه بعد البابا شلستينوس الثاني سوف يكون 112 بابا وستنتهي لائحة الباباوات بالبابا بطرس الروماني. الذي سوف يقود قطيع المسيح بين صعوبات كثيرة، وبعدها فإن روما سوف يصيبها الدمار ويأتي المسيح الديان. البابا بطرس الروماني هو الوحيد المذكور باسمه أما الاخرون فقد دل على كل منهم بجملة بسيطة قابلة للتأويل. مثلا :
- "الحاج الرسولي" طُبقت على البابا بيوس السادس لأنه سافر إلى ألمانيا.
- "النار الآكلة" طُبقت على بيوس العاشر لأنه أعاد العبادة للقربان الأقدس.
- "راعي وبحار" طبقت على البابا بيوس الثاني عشر لأنه سافر إلى امريكا بالباخرة قبل انتخابه بابا، وعلى البابا يوحنا الثالث والعشرين طُبقت أيضا "راعي وبحار" لأنه كان يركب البحر في البندقية.
- "زهرة الزهور" طُبقت على البابا بولس السادس لأنه وضع زنبقة في شعاره البابوي.
- "من منتصف القمر" طُبقت على البابا يوحنا بولس الأول الذي توفي بعد حوالي شهر من انتخابه.
- "من نتاج الشمس" طبقت على البابا يوحنا بولس الثاني لإكرامه المميز لمريم البتول المرتدية الشمس.
وبالنسبة للائحة نبوءة ملاخي، هناك فقط باباوان يذهبان إلى أقصى أقاصي الأرض ولكن اللائحة لا تبين هل هما مضافان إلى الباباوات قبل بطرس الروماني أم يعتبران من اللائحة. وفي جميع الأحوال فان هذه النبوءة هي ضبابية وتتطلب خيالا كبيرا لتطبيقها على باباوات عصرنا.
هنالك من يؤمن بها ويؤمن بأن نهاية العالم على الأبواب، وهناك من لا يؤمن. أما الأهم فهو أن يضع المسيحي أمام عينيه قول السيد المسيح: "أما ذلك اليوم وتلك الساعة، فما من أحد يعلمهما، لا الملائكة في السموات ولا الابن إلا الآب وحده" ( متى 24/36)، وأن يُصغي لتحذير السيد المسيح: "إسهروا إذا لأنكم لا تعلمون أي يوم يأتي سيدكم ... فكونوا أنتم أيضا على أُهبة، لأن ابن الإنسان يأتي في ساعة لا تتوقعونها" (متى 24/42-44).
418
هل لك أن تعطيني أسماء الرسل الاثني عشر وأن تذكر لي متى وأين ماتوا وأن تعطيني اسماء الباباوات الذين خلفوا بطرس الرسول في روما؟
1 - تجد اسماء الرسل الإثنني عشر في انجيل متى حيث ورد:
"ودعا يسوع الاثني عشر فأولاهم سلطانا يطردون به الأرواح النجسة ويشفون الناس من كل مرض وعلة. وهذه أسماء الرسل الإثني عشر: اولهم سمعان الذي يقال له صخر، وأندراوس أخوه، فيعقوب بن زبدى ويوحنا أخوه، ففليبس وبرتلماوس، فتوما ومتى العشار، فيعقوب بن حلفى وتداوس، فسمعان الغيور ويهوذا الاسخريوطي" (متى 10/1-4).
2 - لا يوجد توثيق تاريخي لوفاتهم. وأما التقليد المسيحي فقد حفظ لنا ما يلي:
1 – سمعان (بطرس) استشهد صلبا في روما ما بين سنة
64 وسنة 67
2 – أندراوس استشهد في باتراس حوالي سنة 70
3 – يعقوب الكبير قُطع رأسه في القدس سنة 44
4 – يوحنا مات موتا طبيعيا في أفسس حوالي سنة 100
5 – فيلبس صُلب في افريجيا
6 – برتلماوس (نتنائيل) قُطع رأسه في ارمينيا
7 – توما استشهد في الهند
8 – متى استشهد في اثيوبيا
9 – يعقوب بن حلفى (يعقوب الصغير) رُجم حتى الموت سنة 62
و/أو طرحوه عن جناح الهيكل الى أسفل سنة 66
10 – تداوس ( يهوذا) استشهد في بلاد فارس (إيران)
11 – سمعان الغيور استشهد أيضا في بلاد فارس (ايران)
12 – يهوذا الاسخريوطي شنق ذاته في القدس سنة 30
3 - أما الباباوت خلفاء بطرس فإني اكتفي بذكر اسماء الباباوات العشر الأوائل منهم:
1 – بطرس استشهد كما ذكرنا ما بين سنة 64 وسنة 67 أي أنه
خلف المسيح منذ صعوده الى السماء وحتى تلك السنة التي
استشهد فيها
2 – لينوس 67 – 76
3 – اناكليتوس 76 - 88
4 – اكليمنضوس 88 - 97
5 - ايفاريستوس 97 – 105
6 - الاسكندر 105 – 115
7 – سيكستوس 115 – 125
8 – تيليسفورس 125 – 136
9 – هيجينوس 136 – 140
10 – بيوس الاول 140 - 155
419
هل كرسي خليفة القديس بطرس في روما محجوز للإيطاليين؟ وهل جلس عليه باباوات من بلادنا؟
لم يكن كرسي خليفة القديس بطرس الرسول هامة الرسل وقفا على إكليروس روما أو على الإيطاليين. فالكنيسة جامعة وعلى رأسها خليفة بطرس الرسول. وهذا يعني أنها ليست إيطالية ولا شرقية ولا غربية، ومن أركانها أنها واحدة جامعة مقدسة رسولية. فهي لجميع المسيحيين الكاثوليك من كل جنس وثقافة ولغة. ويتم انتخاب البابا بسرية مطلقة من بين الكرادلة الذين ينتمون لجميع شعوب الأرض.
جلس على كرس بطرس الرسول كثيرون، من غير الاكليروس الإيطالي، ومن مختلف الجنسيات. فعلى سبيل المثال: البابا الحالي بندكتوس السادس عشر ألماني الجنسية، والبابا السابق يوحنا بولس الثاني بولوني الجنسية، وفي العصور القديمة جلس على كرسي بطرس باباوات من جنسيات مختلفة: فرنسية وإسبانية وألمانية ... الخ، وأيضا باباوات من الشرق. فالبابا أنيسيتوس ( أنيس ) هو سوري المولد. وقد اُنتخب سنة 155 خلفا للقديس بطرس الرسول ومات شهيدا عام 166، وهو البابا الحادي عشر. ومن المعروف أن البلاد التي نسميها اليوم: سوريا والأردن ولبنان وفلسطين كان اسمها "سوريا" في العهد الروماني. والبابا يوحنا الخامس وهو البابا الثاني والثمانون. وُلد في انطاكية سورية وتم انتخابه في 23/7/658 خلفا للقديس بندكتوس الثاني وتوفي في 2/8/686. وكذلك يذكر التاريخ أن البابا القديس سرجيوس الأول (687)، والبابا غريغوريوس الثالث (731)، والبابا القديس زكريا (741) كانوا من أصل سوري. وسمعت من أحد الباحثين في التاريخ أن أحد الباباوات كان أصلا من بيت لحم.
420
لماذا، من حين إلى آخر، تنعت وسائل الإعلام خليفة بطرس الرسول بأنه بابا الفاتيكان؟ وما هو الفاتيكان؟
عندما نتحدث عن قداسة البابا في روما يتوجه فكرنا حالا إلى الفاتيكان. والفاتيكان هو اسم التلة حيث استشهد ودُفن بطرس الرسول هامة الرسل وخليفة السيد المسيح على الأرض في عهد الامبراطور نيرون. وقامت كاتدرائية مار بطرس فوق قبره ورفاته. فالفاتيكان هو المقر الشرعي لخلفاء بطرس الرسول ومركز السلطة العليا للكنيسة الكاثوليكية وقلب العالم الكاثوليكي النابض. ومنذ حوالي 90 سنة أصبح الفاتيكان دولة معترف بها من قبل دول العالم. ولقداسة البابا ممثلوه لدى 176 دولة، وكلهم عيون ساهرة وقلوب مستعدة لخدمة الكنائس المحلية.
ينظر الناس إلى قداسة البابا في روما نظرة دنيوية ويعتبرونه رئيسا لأصغر دولة في العالم، لا سلاح لها سوى المناداة بالعدل والمحبة، ولا اقتصاد لها سوى حسنات المؤمنين من مختلف أنحاء العالم. ولكن العالم كله ينحني لقداسته إجلالا وإكبارا لأنه يرى فيه أعظم قوة روحية وأدبية. فهو السلطة الروحية الوحيدة، القادرة على قول كلمة الحق دون مراوغة، والمطالب الوحيد باحترام حرمة الحياة وكرامة الإنسان في المختبرات العلمية والاكتشافات الطبية، والمدافع عن كرامة الأسرة وحقوقها، والداعي بصدق إلى العدالة الاجتماعية والمصالحة والتضامن والسلام، واحترام الحريات وحقوق الشعوب.
أما بالنسبة للمسيحي الكاثوليكي، فإن الفاتيكان هو مقر خليفة القديس بطرس، رأس هيئة الأساقفة، ونائب المسيح، وراعي الكنيسة جمعاء على هذه الارض. وهو ينعم بالاستقلال عن دول العالم وسيطرتها ونفوذها.
نحن نؤمن بأن الكنيسة تحت رعايته لا تخضع لإرادة بشرية ولا تصبو إلى مآرب دنيوية ومصالح بشرية بل حسبها أن تشهد للعالم أن الله حب وأن لا خلاص له بغير الحب، وتعلن أن المسيح هو ابن الله الحي فادي البشر بالامه وموته وقيامته المجيدة.
421
كيف يزاول قداسة البابا خليفة القديس بطرس الرسول سلطته في خدمة الكنيسة الجامعة؟
يزاول قداسة البابا سلطته في خدمة الكنيسة الجامعة كما يلي:
1 – يزاولها شخصيا إذ يرأس الكنيسة ويدبرها ويدير شؤونها الروحية والزمنية ويحافظ على وديعة الإيمان وعلى بشارة الإنجيل والتبشير والكرازة، في تعليمه وإرشاده، وفي توجيهاته وتعليماته. وهو لا يتصرف كعضو بل كرأس، كهامة الرسل. وهو رمز الوحدة وضمانة الإيمان بتعاليمه وأعماله، بعظاته وأحاديثه، بلقاءاته وحواراته مع المؤمنين، في روما وفي رحلاته الرسولية التي يقوم بها إلى مختلف دول العالم لتثبيت إخوته الأساقفة وابنائه المؤمنين في الإيمان. فهو المرجع النهائي في الكنيسة. وكلمته هي الفصل في كل المشاكل والهموم التي تُرفع إليه. وهو يصغي إلى اخوته الأساقفة شركائه المباشرين في رسالة المسيح. فهو المبدأ الدائم والمنظور والأساس للوحدة التي صلى من أجلها المسيح والتي تربط بين الأساقفة، وتربط بين جمهور المؤمنين. وهو يملك السلطان الأعلى والشامل الذي يستطيع أن يمارسه على الدوام بحرية تامة. البابا المالك سعيدا، بندكتوس السادس عشر، هو رجل لاهوت كبير، قادر على تقديم حقائق الإيمان، حتى الأصعب منها، ببساطة فائقة. وقد كان شعاره في الأسقفية Cooperatores Veritatis أي شركاء في الحقيقة.
2 – يساعد البابا مباشرة (الكوريا) - أي الدوائر - الرومانية والمجامع الكنسية وعلى رأسها عدد من الكرادلة، كل مجمع منها مختص بشأن من شؤون الكنيسة الجامعة.
3 - يساعد البابا في إدارة الكنيسة مباشرة الأساقفة الذين يشكلون الجسم الرسولي وعددهم يبلغ حوالي 7500 اسقف ويساعد هؤلا مباشرة الكهنة والرهبان والراهبات وسائر المؤمنين الذين يحملون معهم مسؤولية بشرى الخلاص إلى العالم كله. وكما أن القديس بطرس وسائر الرسل يؤلفون، بتدبير الرب بالذات، هيئة رسولية واحدة، كذلك أيضا، وعلى النحو نفسه يؤلف قداسة البابا خليفة بطرس والأساقفة خلفاء الرسل وحدة في ما بينهم. هيئة الأساقفة المؤلفة من كثيرين تُعبِّر عن التنوع والشمول في شعب الله، وهي في تجمعها تحت رأس واحد تُعبِّر عن الوحدة في قطيع المسيح. وتزاول هيئة الأساقفة السلطان على الكنيسة كلها وبصورة رسمية في المجمع المسكوني. حتى عصرنا هذا، التأم في تاريخ الكنيسة 21 مجمعا مسكونيا كان آخرها المجمع الفاتيكاني الثاني الذي دعا اليه البابا يوحنا الثالث والعشرون سنة 1962 وأداره واختتمه البابا بولس السادس في 8 كانون الأول 1965. ولا يكون المجمع مسكونيا إلا بأمر البابا أو بحضوره شخصيا أو بمن ينوب عنه.
4 – بالإضافة الى ذلك، فإن البابا بولس السادس أسس سينودس الأساقفة او المجمع الأسقفي العالمي. وهو مؤسسة استشارية تقوِّي الصلة والاتحاد والتعاون بين الحبر الأعظم وسائر الأساقفة، وتوفر لقداسته المعلومات الصادقة والمباشرة عن معضلات الكنيسة ومشاكلها الحيوية. سينودس الأساقفة مُنَظَّمة تخضع مباشرة للبابا الذي يدعوه الى الإلتئام ويقرر مواضيع الدراسه ويحدد تاريخ انعقاده، ويترأس اجتماعاته شخصيا أو بمندوبين عنه. هذه المؤسسة حققت نشاطا كبيرا وساهمت كثيرا في توحيد المواقف في النقاط الأساسية للإيمان، وفي معالجة المشاكل والهموم التي تجتازها الكنيسة في مختلف أنحاء العالم.
422
أعرف أن الفاتيكان هو أصغر دولة في العالم، فكم تبلغ مساحته؟ وما هي ممتلكاته؟
جغرافيا، تتكون حاضرة الفاتيكان من تلة الفاتيكان ومن بعض المعالم التاريخية خارج حدود التلة، منها الدياميس وأماكن أخرى في المدينة لتسيير أعمال الكنيسة الجامعة. وتقع تلة الفاتيكان خارج أسوار مدينة روما وتبلغ مساحتها 440 دونما أي ما يعادل ثلث مساحة إمارة موناكو. ولها حصانة دولية وتخضع مباشرة لسلطات الفاتيكان. وقد عُقِدت المعاهدة بين الفاتيكان والحكومة الإيطالية عام 1929.
كذلك يمتلك الفاتيكان قصر غاندولفو الواقع جنوب روما ويبعد عنها حوالي 30 كيلومترا. وهو ايضا يتمتع بالحصانة الدولية، وفيه مرصد للافلاك. وأما قاعة البابا بولس السادس فقد بنيت على الحدود ما بين الفاتيكان ومدينة روما، افتتحها البابا سنة 1971 وشكلها الهندسي شبيه بالصدفة وتسع ل 12000 شخص وهي روعة من روائع الفن الهندسي للمهندس الإيطالي لويجي نيرفي.
كذلك يملك الفاتيكان أماكن مختلفة في مدينة روما وبلديتها ولكنها تخضع للقوانين الإيطالية نظير ممتلكات الأجانب في بلد القانون. ويقع معظمها في الشارع المعروف ب Via della Conciliazione المؤدي إلى بازيليكا القديس بطرس.
ويمتلك الفاتيكان أربع بازيليكات كبيرة وهي: بازيليكا القديس بطرس، وبازيليكا القديس يوحنا اللاطران، وبازيليكا مريم الكبرى، وبازيليكا القديس بولس خارج الأسوار. كما يملك أيضا ثلاث بازيليكات صغيرة وهي بازيليكا القديس لورنسيوس خارج الأسوار، وبازيليكا الصليب المقدس قرب اللاترانو، وبازيليكا القديس سبستيانوس. أما بازيليكا اللاتيرانو فقد كانت أساسا قصرا لعائلة رومانية اسمها "لاتيراني"، أهداه الإمبراطور قسطنطين إلى البابا ميلتيادوس الثاني فبنى فيها كنيسة. وجددها البابا لاون الكبير (440 – 461) وفي القرن السادس عشر أخذت البازيليكا حجمها وشكلها الحاليين. وفوق المذبح الرئيسي طاولة خشبية يُقال أنها الطاولة التي كان القديس بطرس يقيم عليها الذبيحة الالهية. وتُعتبر بازيليكا اللاتيرانو كرسي البابا الأول أي كاتدرائية روما وأم الكنائس.
423
أسمع بوجود الدياميس في روما، فما هي الدياميس وهل هي مفتوحة لزيارة الحجاج؟
الدياميس هي في الأصل مقابر، والمسيحيون لجأوا إليها للاستفادة من القانون الروماني القائل: "إذا لجأ المجرم إلى المقبرة فهو آمن حتى يغادرها". والدياميس هي أنفاق تحت الأرض كان المسيحيون يدفنون فيها موتاهم وشهداءهم. وعندما كانت تشتد الاضطهادات كان المسيحيون يلجأوون اليها هربا من جنود الدولة ورجالها. ولذلك لها أهمية كبرى بالنسبة لتاريخ الكنيسة في روما. ولما انتهى عصر الإضطهاد أصبحت الدياميس محط أنظار الحجاج من مختلف دول العالم المسيحي، فشيدت فوقها الكنائس والمعابد وزُيِّنت السراديب بالزخارف والرسوم وحفرت الأدراج ليتسنى للحجاج الولوج إليها. وفي القرن السادس عشر أُهملت الدياميس فترة طويلة من الزمن إلى أن أعاد إليها أهميتها التاريخية البابا بيوس التاسع وجعلها من جديد محط أنظار العالم المسيحي. أما أهم الدياميس فهي:
1 – دياميس القديس سبستيانوس وفيه عُثر على الأحرف اليونانية المحفورة في الحجر والتي تشير إلى "اكتوس" أي "السمكة". والمعروف لدى المسيحيين أن كل حرف من حروفها هو بداية كلمة إذا جمعت كلها أعطت الجملة الإيمانية التالية : "يسوع المسيح ابن الله المخلص"
2 – دياميس القديس كاليكتوس حيث دُفن باباوات القرن الثالث. ونجد فيه أيضا صورة للقديسة سيسيليا البتول الشهيدة وللقديس ترسيسيوس الشهيد وصورة المسيح الراعي الصالح.
3 – دياميس بريشيلا. وقد رسمت على أحد جدرانه صورة تكثير الأرغفة التي ترينا السيد المسيح محاطا بالرسل من كل جانب وهو يبارك الأرغفة قبل توزيعها على الناس.
4 – دياميس دوميتيلا. ودوميتيلا هذه هي ابنة الإمبراطور دوميسيانوس وزوجة قائد المائة فلافيانوس الشهيد.
424
معروف أن الفاتيكان هو "دولة". فهل هو دولة رمزية أم له حقا مقومات الدولة ؟
ليس الفاتيكان دولة رمزية، مع العلم أنه ليس له جيش لحمايته والدفاع عنه أسوة بباقي الدول. ولكن دولة الفاتيكان تملك جميع الأدوات القانونية والإدارية لممارسة سلطاتها الدولية كاملة. فلها الإدارة المدنية، والمحكمة المدنية، والبرق والبريد، وسكة حديد، والإذاعة والمواصلات اللاسلكية، وتصدر العملة، ولها الشرطة الداخلية والحرس السويسري، ووسائل الاعلام الحديثة.
وتشترك دولة الفاتيكان في المنظمات الدولية العالمية مثل اتحاد البريد، والاتحاد العالمي للمواصلات، والاتحاد لحماية المنتجات الأدبية والفنية، والمؤسسة العالمية للعلوم الادارية وجمعية الطب العالمية، وهي عضو عامل وفعال في منظمة اليونسكو.
أما قضايا الأمن فهي من صلاحيات الحرس الداخلي أي رجال الشرطة ومنظمة الحرس السويسري التي يرجع تأسيسها الى سنة 1506 حين أمر البابا يوليوس الثاني باحضار مائتي جندي سويسري إلى روما للسهر على شخص البابا والقصر الرسولي. ومنذ ذلك الحين ما زال شبان سويسرا يتطوعون تباعا في الحرس السيوسري للسهر على شخص البابا وحماية الكرسي الرسولي. وحتى أيامنا هذه لا يستطيع أن ينخرط في الحرس السويسري إلا المواطنون السويسريون. وللفاتيكان علم خاص ذو لونين، أصفر وأبيض يرمز الى وجهي الكرسي الرسولي: الروحي والزمني.
فالفاتيكان دولة صغيرة الحجم جدا من حيث المساحة الجغرافية، ولكنه دولة كبيرة في نفوذه المعنوي والأدبي في العالم المسيحي وغير المسيحي وله تاريخ عريق أقدم من تاريخ دول العالم المعاصر.
425
أسمع الكهنة تارة يقولون "دولة الفاتيكان أو "حاضرة الفاتيكان"، وتارة أخرى "الكرسي الرسولي"، فهل من فرق بينها وماذا يجب أن نفهم بالكرسي الرسولي؟
الحاضرة بالعربية هي المدينة الكبيرة المُهمّة. وحاضرة الفاتيكان تعني دولة الفاتيكان. أما "الكرسي الرسولي" فهو يعني أولا دولة الفاتيكان، وسلطة البابا الزمنية والروحية على الكنيسة الجامعة. ويعني ثانيا الآلية التي بها يمارس البابا مسؤولياته فبصفته رأس الكنيسة الجامعة ورئيس دولة الفاتيكان. القانون الدولي يعترف له بهذين الوجهين. وتُعرف هذه الآلية باسم "الكوريا الرومانية" أي الدوائر الرومانية التي تعمل تحت سلطة البابا وتساعده في أداء رسالته الجامعة وسيادته الزمنية والروحية.
أما الكوريا الرومانية فهي مؤلفة من:
1 - أمانة سر الدولة أو الأمانة البابوية:
وهي الجهاز المركزي الأول الذي ينفذ أوامر البابا وتوجيهاته، فيجتمع رؤساؤها بالبابا كل يوم وباسمه وبايعاز مباشر منه تدير أمانة السر مقومات الإدارة الكنسية الجامعة. إنها الذراع التنفيذي للبابا ولذلك فهي تتمتع بصلاحية النظر في شؤون المراجع الأخرى في الفاتيكان، سواء كانت سياسية أو كنسية. وتُقسم أمانة السر إلى قسمين: قسم يرعى القضايا العامة الخاصة بالكنيسة وشؤونها الداخلية، وقسم يرعى شؤونها السياسية والعلاقات مع الحكومات والمؤسسات الدولية. وجدير بالذكر أن للفاتيكان مدرسة خاصة للعلوم الدبلوماسية أسسها البابا اكليمنضوس الحادي عشر سنة 1701 لتهيئة الكهنة الشباب لخدمة الكنيسة في السلك الدبلوماسي التابع للكرسي الرسولي.
2 – المجامع أي الدوائر الخاصة لإدارة شؤون الكنيسة الجامعة:
مهمتها السهر على التعليم العقائدي في الكنيسة والسهر على حسن سير الأمور الداخلة في صلاحياتها. وأما المجامع فهي:
مجمع الإكليروس وتأسس سنة 1564
مجمع الرهبانيات وتأسس سنة 1564
مجمع الجامعات والمعاهد الإكليريكية وتأسس سنة 1588
مجمع الأساقفة وتأسس سنة 1588
مجمع دعاوي القديسين وتأسس سنة 1588
مجمع تبشير الشعوب وانتشار الإيمان وتأسس سنة 1599
مجمع العبادة الإلهية ورتب الأسرار وتأسس سنة 1908
مجمع الكنائس الشرقية وتأسس سنة 1917
3 – المحاكم:
للكرسي الرسولي ثلاث محاكم تنظر في المشاكل والخلافات بين المؤمنين الكاثوليك في كل أنحاء العالم والتي تمس الدين والأسرار المقدسة والحقوق الكنسية، وهي:
- محكمة التوبة الرسولية وهي محكمة خاصة بقضايا الضمير والغفرانات
- ومحكمة "التوقيع الرسولي" وهي المحكمة العليا في الكنيسة
- ومحكمة السكراروتا الرومانية وهي محكمة التمييز لجميع المحاكم الكنسية
في العالم الكاثوليكي.
4 – المجالس البابوية
وقد تم انشاء معظمها بعد المجمع الفاتيكاني الثاني لتعالج الهموم الدينية والأدبية والأخلاقية التي تنشأ نتيجة تقدم العلوم وتطور العمل الراعوي في العالم الحديث منها مجلس العلمانيين، ومجلس العائلة، مجلس العدالة والسلام، ومجلس الخدمة الرعوية للمهاجرين والمسافرين، ومجلس الحوار مع غير المؤمنين ... الخ.
5 - المكاتب:
ومنها المكتب الرسولي ومهمته إدارة الكرسي الرسولي وتأمين النشاط في حال شغوره بوفاة البابا وقبل انتخاب خلفه، ومكتب إدارة املاك الكرسي الرسولي، ومكتب مديرية الشؤون الإقتصادية، والمكتب المركزي للأحصاءات الكنسية ... الخ.
6 – الجامعات والمعاهد الثقافية
وهي الجامعات التابعة للكرسي الرسولي والمنتشرة في روما وفي العالم. نذكر منها: الجامعة الغريغوريانية نسبة إلى البابا غريغوريوس (1572- 1585)، وجامعة اللطران التي أسسها البابا اكليمنضوس الرابع عشر (1769-1774)، والجامعة الأوربانية المعروفة بجامعة البروباقندا فيده والتي أسسها البابا اوربانوس الثامن سنة 1827 ... الخ.
كذلك للكرسي الرسولي معاهد كثيرة، منها معاهد للعلوم والليتورجيا والحياة الرهبانية والموسيقى والآثار المسيحية القديمة، ومعهد للدروس العربية الإسلامية ... الخ.
426
لكون الفاتيكان دولة، هل له سفراء معتمدون لدى دول العالم؟
للفاتيكان أكثر من 130 سفيرا معتمدا لدى دول العالم منها الأردن وعشر دول عربية. وله ممثلوه في الهيئات الدولية مثل ال UNESCO وال FAO وغيرها. وله ممثلوه في الأمم المتحدة، ومجموعة الدول الأوروبية ومنظمة دول امريكا، ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.
427
نسمع أن الفاتيكان اشتهر بالمتاحف التي لديه فهل لك أن تعطينا لمحة عنها وهل يُسمح للناس بزيارتها والاطلاع عليها أم هي مغلقة للجمهور؟
متاحف الفاتيكان من أشهر المتاحف في العالم وقد بدأها البابا يوليوس الثاني (1503-1513) الذي أمر بجمع تماثيل وأعمدة مبعثرة وتابع عمله هذا باباوات كثيرون. وكانت المتاحف كثيرة ولكنها جُمعت أخيرا في بناية واحدة كبيرة اسمها "متاحف الفاتيكان". وكان آخرها متحف الآثار التاريخية الذي دشنه البابا بولس السادس سنة 1973. وبالطبع مسموح للجماهير أن تزور هذا المتحف وقد أصبح قبلة أنظار الحجاج إلى روما في العالم كله.
428
سمعت برسومات فنية كبيرة في "الكابيلا السكستينا". فما معنى "كابيلا" وما معنى "سكستينا" وما هو سبب شهرتها العالمية؟
معنى "كابيلا" الكنيسة الصغيرة، و "سكستينا" هي نسبة إلى البابا سكستوس الرابع الذي رتبها بشكلها الحالي إكراما لمريم العذراء. وكانت أساسا كنيسة البابا الخاصة للصلاة والتعبد والتقوى. وقد زينها فنانون كُثر بالرسومات. وأشهر رسوماتها تلك التي رسمها الفنان الايطالي مايكل أنجيلو وهي الرسومات التي رسمها على سقف الكنيسة وأنهاها سنة 1534 ورسم مشهد الدينونة الأخيرة على الحائط وراء المذبح وأنهاه سنة 1541. ومن القصص الطريفة أن أحد الكرادلة كان ينتقد الفنان باستمرار. فرسم ماكيل أنجيلو صورته في جهنم فشكاه الكردينال إلى البابا فقال له البابا إذا انت ذهبت إلى جهنم فلا صلاحية لي لإخراجك من هناك. وجدير بالذكر أنه في الكابيلا السكستينا يجري انتخاب الباباوات. ومن مكان ما، من سطح الكنيسة يتصاعد الدخان الأسود عندما لا يتوصل الكرادلة إلى انتخاب البابا الجديد، ويتصاعد الدخان الأبيض عند انتخابه.
429
أرجو ان تجيبني على هذا السؤال الذي يُطرح عليّ مرارا من أناس متجددين يعادون الكنيسة معاداة شديدة: هل اصحاب السلطة في الفاتيكان يميزون بين ما هو لله وما هو لقيصر؟
ما أسهل أن ينتقد الإنسان عدوا له انتقادا لاذعا يتناقض مع الواقع، وان يذمه ذما لاذعا وان يكيل له التهم ويفتري عليه. وردا على سؤالك أجيب باختصار شديد ما يلي:
1 – ورث الكرسي الرسولي الامبراطورية الرومانية في الغرب، بعد أن عانت الكنيسة منها الإضطهاد المرير طيلة ثلاثة قرون وتحملت همها في زمن انحطاطها وغزو البرابرة. وقد بشرت الكنيسة اللاتينية البرابرة الغزاة فانضموا إلى حظيرة الإيمان بالمسيح. فهذب الإيمان المسيحي الكثير الكثير من خشونتهم وعنفهم وطباعهم الفظة. واستولى الإسلام على الشرق وشمال افريقيا، وانشقت بيزنطة، وانضمّت روسيا إلى الإنشقاق بتبنيها الطقس البيزنطي، وانسلخ عن الكنيسة الكاثوليكية الشمال الاوروبي في الانشقاق البروتستنطي، وتفكك الغرب. ولم تندم الكنيسة الكاثوليكية على أنها تركت ما لقيصر لقيصر لكي تهتم فقط بما كان لله.
2 – لم تحتفظ الكنيسة سوى بتلة الفاتيكان لكي تضمن حريتها واستقلاليتها وتلتزم بإنجيل المسيح وتحفظ الإيمان الكاثوليكي، وتعمل الخير، وتسعى إلى السلام ونشر المحبة في العالم كله. وحفظت ما في الشرائع والأنظمة من الإيجابيات والفنون والطقوس والأخلاقيات. فالفاتيكان قبل أن يكون دولة وتراثا وحضارة ومتحف، هو كيان روحي، ورمز للكثلكة. ومن هذا الكيان الروحي تلج الكنيسة إلى سرها وجوهرها ورسالتها. ودولة الفاتيكان تُعرَف أنها اصغر دولة في العالم وأن ليس لها أي مطمح مادي أو سياسي أو اقتصادي، وتعرف أنها مستقلة عن العالم وملتزمة برعايته روحيا. والكنيسة الكاثوليكية، وعلى رأسها خليفة بطرس الرسول لم تبرح منذ ألفي عام، تعلن الشهادة العظمى ألا وهي أن الله محبة، وأن لا خلاص للناس بغير المحبة.
3 – إن سفراء دولة الفاتيكان في العالم كله هم خدام ومعاونون للكنائس المحلية. العالم برمته يعترف بما للكرسي الرسولي من شأن وعظمة ونفوذ ديني وأدبي وأخلاقي، وذلك لأنه يعرف أن الكرسي الرسولي يترك ما لقيصر لقيصر ولا يهتم إلا بما لله.
4 - بحكم وظيفته الشاملة ومسؤولياته الجسام، وبقوة الروح القدس، فإن حسّ الإيمان يبلغ كماله عند قداسة البابا خليفة بطرس الرسول الذي يهتم بالرعية والرعاة معا. فكلمته ليست كلمة أسقف عادي بل كلمة راعي الكنيسة الجامعة الذي يثبت الرعاة والمؤمنين على الإيمان.
لا يزال الصخر صخرا، ولا تزال أبواب الجحيم عاجزة عن الاطاحة بكنيسة المسيح، ولا يزال بطرس في كل خلفائه يشهد للحق، وكلُّ مَن كان من أهل الحق يصغي الى صوته. نحن نصغي إلى صوته، ونعتز بإيماننا الكاثوليكي. نحن نؤمن بأن "القديس بطرس هامة الرسل هو أب لجميع المسيحيين، وبأنه الراعي الأول بعد المسيح، وبأن الكنيسة الرومانية المقدسة هي أم الكنائس جميعها.
430
هل لك أن تعطيني بعض المعلومات عن البابا بندكتوس السادس عشر؟
احتفل قداسة البابا بندكتوس السادس عشر بميلاده الخامس والثمانين. وقال بهذه المناسبة: "إني اقف أمام المرحلة الأخيرة من حياتي التي سطع فيها نور الرب". فقد ولد قداسته في السادس عشر من شهر نيسان سنة 1927 في بلدة صغيرة من مقاطعة بافاريا في ألمانيا، واسمه في العالم جوزيف راتسينجر. سيم كاهنا في التاسع والعشرين من حزيران سنة 1951 وعلم اللاهوت في الجامعات وشارك في أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني مستشارا. وفي الرابع عشر من شهر آذار من عام 1977 انتخبه البابا بولس السادس رئيسا لأساقفة ميونخ في ألمانيا، ثم انتخبه كاردينالا. وفي الخامس والعشرين من تشرين الثاني عام 1981 عيّنه البابا يوحنا بولس الثاني عميدا لمجمع عقيدة الإيمان ورئيسا للّجنة الحبرية البيبلية واللجنة الحبرية اللاهوتية الدولية. وترأس اللجنة المكلفة بإعداد كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكة من سنة 1986 إلى سنة 1992. وفي الثلاثين من تشرين الثاني عام 2002 أُنتخب عميدا لمجمع الكرادلة. وفي التاسع عشر من نيسان سنة 2005 انتخبه الكرادلة خلفا للبابا يوحنا بولس الثاني. واختار اسم بندكتوس ومعناه "مبارك". فالروح القدس أسند قيادة السفينة البطرسية الى بندكتوس السادس عشر راعيا وربانا. فاصبح الخليفة المائتين والخامس والستين للصخرة التي انتقاها المسيح وأقام عليها كنيسته، أي لبطرس الرسول هامة الرسل.
وتساءل الكثيرون ما عسى أن تكون مواقفه من التيارات الكثيرة المتطرفة في عالم اليوم التي تسعى إلى النيل من ثوابت الإيمان المسيحي القويم، بحجة التقدم العلمي والصناعي، والتمدن العصري، ووسائل الرفاهية الحديثة التي تطيح بالكثير من قيم الأسرة وتقود الكثيرين من شبيبتنا المسيحية إلى لجة الفساد. إلا انه سرعان ما ثبت للعالم المسيحي وغير المسيحي، أن البابا بندكتوس السادس عشر ربان فطن، حكيم، يتميز بفضائله الراسخة، وعلمه الزاخر، وهمته العالية، وفكره السديد، وتواضعه الشديد، وتقشفه الصارم على طريقة النساك الزاهدين التماسا لرضى الله على العالم الملطخ بدم الأبرياء. قلبه مفعم حبا لله ولكل الناس، يغار على كنيسة المسيح غيرة إيليا النبي. في صدره روح سماوية وقوة علوية للدفاع عن حقوق الشعوب وحقوق الكنيسة، تبعث في النفس الهدوء والإطمئنان. فهو، بدعم من الروح القدس، كالصخر قوة ورسوخا، يقود سفينة المسيح على بحار الدنيا الى ميناء الخلاص بحكمة واقتدار.
البابا بندكتوس السادس عشر رجل لاهوت كبير، قادر على تقديم حقائق الإيمان، حتى الأصعب منها، ببساطة فائقة. وقد كان شعاره في الأسقفية Cooperatores Veritatis أي شركا في الحق.