الصلاة كخروج من الذات "قفزة"
الصلاة هي قفزة إيمان، قفزة حبّ، قفزة تواضع. يعني يمكننا أن نقول أنه يوجد فيها حركة خارجية وداخلية وتقودنا حتماً إلى التقدم على المستويين الداخلي والخارجي. إن هذا "العمل" الذي على أساسه أقبل نفسي كابن لله، وأعي ذاته بعلاقتها معه، هو أول فعل تواضع أقوم به قبل الخوض بهذه العملية. إنه الفعل الذي من خلاله نعرف ذواتنا بأننا صغار جداً أمام عظمة الرب، نتذكر نشيد سيدتنا مريم العذراء: "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي [...] لأنه نظر إلى تواضع أمته [...]" (لوقا 1: 46) أو كما قال يوحنا المعمدان: "له أن يكبُر ولي أن أصغر" (يوحنا 3: 30). فهذا العمل هم مفتاح يساعدني على دخول الخطوات التي تتبع. ففي أي قفزة أقوم بها، فإني أترك كل شيء وأرمي نفسي إلى حيث أود التقدم. فإني بهذه القفزة أعرف كل ما لدي وكل ما أنا عليه وما هي إمكانياتي، وألقي بنفسي بدون خوف ولا تردد لأنه هو الذي سيأتي لنجدة ضعفي لأقوم بهذه القفزة :" كذلك فإن الروح يأتي لنجدة ضعفنا لأننا لا نُحسن الصلاة كما يجب، ولكن الروح نفسه يشفع لنا بأنّات لا توصف." (روم 8: 26).
إننا نترك أنفسنا عندما نقفز. نتركها لذلك الذي نثق به، نؤمن بأنه معنا، ونعرف أننا بين يديه ونحن أبناءه.فما هذه القفزة إلا صورة مصغّرة للقفزة التي قام بها هو نفسه من أجلنا بالتجسد: عندما ترك كلّ ما له، ونزل من السماء ليكون معنا. ومن هنا نفهم كيف ترك كلّ شيء، "تجرّد من ذاته" (فليبي 2: 7) وقفز إلينا. وهنا تظهر إلينا أولى الصعوبات التي من خلالها نكتشف الفرق بيننا وبينه إذ نقول: "أننا لسنا يسوع ولا نستطيع أن نكون مثله...". وهنا تكون أيضاً نقطة الانطلاق الثانية، إذ نعي بأن الله هو الذي أقام العهد معنا، "هو الذي أحبنا أولا" (1 يوحنا 4: 19)، وهو يجدد هذا العهد مع كلّ واحد فينا بطريقة شخصية كل يوم من خلال الصلاة. فهذا ليس ضعف بل مناسبة لكي ننطلق ونقوم بهذه القفزة لأنه هو الذي يقول لنا :"إني أحببتك حباً أبدياً [...]" (إرميا 31: 3). ففعل التسليم هذا يساعدنا بأن نترك الله يحبنا، أن يملأنا من عطفه وعذوبته، من تعزيته "أي من تقويته لنا"، وأيضاً بأن نتخلص من كلّ ما يعيق وصول هذا الحب إلينا. أن نترك أنفسنا نستشعر برحمته وتضامنه معنا. لذلك لا ننسى أن قبولنا لهذا الحب هو تعبيرنا للرب عن حبنا له حتى لو كنا نشعر بأننا غير قادرين على حبه. فبهذه القفزة أثبت للجميع بأن الله حاضر في هذا العالم من خلالي، وأنا أُظهر ذلك من خلال عمله الذي يعمله فيّ. والحوار الذي يجري بينه وبينه في هذه القفزة ما هو إلا تأكيدلإصغائه لي وحديثه معي أمام الجميع.