المجموعة الثالثة
الأسرار المقدسة والصلاة
1 - العماد
237
إذا ارتأى الأهل تأخير عماد الطفل، هل أحاول أن أقنعهم بأن مصلحة الطفل تتطلب أن يسرعوا في عماده؟
الوالدون ملزمون بالسعي إلى تعميد أطفالهم دون تأخير، وذلك نظرا لأهمية المعمودية في الحياة المسيحية. إنها سر الولادة الجديدة بالماء والروح، وركيزة الحياة المسيحية والباب الذي يُفضي إلى الأسرار الأخرى. وبها نُعتق من الخطيئة ونولد ولادة ثانية، ولادة ابناء الله، ونصير أعضاء للمسيح، ونندمج في الكنيسة ونصبح شركاء في رسالتها. لذا على الوالدين مراجعة كاهن الرعية، في أقرب وقت بعد الولادة، وحتى قبلها أيضا ليطلبوا السر لأطفالهم، ويتهيأوا له بالصورة اللازمة (البند 1 من القانون 867 من مجموعة الحق القانوني).
القديس غريغوريوس النازينزي، في عظة له يقول:
"المعودية هي أجمل وأبهى عطية من عطايا الله ... فهي عطية لأنها تُمنح للذين لا يأتون بشيء، وهي نعمة لأنها تُعطى حتى للمذنبين، وهي تغطيس لأن الخطيئة تُدفن في الماء، وهي مسحة لأنها مقدسة وملكية، وهي استنارة لأنها ضياء سني، وهي ثوب لأنها تستر خزينا، وهي غسل لأنها تطهر، وهي ختم لأنها تحمينا ولأنها علامة سيادة الله"( كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية, رقم 1216)
238
كم نوعا الأسرار؟
الأسرار ثلاثة أنواع:
1 – أسرار التنشئة: العماد وهو سر الولادة الروحية، والتثبيت وهو سر القوة بالروح القدس الرب المحيي، والقربان وهو سر التغذية الروحية. بهذه الأسرار يحظى المؤمنون بثروات الحياة الإلهية ويتقدمون نحو كمال المحبة.
2 – أسرار الشفاء: سر التوبة وسر مسحة المرضى. فالسيد المسيح هو طبيب نفوسنا وأجسادنا الذي غفر للمقعد خطاياه وأعاد إليه صحة الجسد. وقد أراد لكنيسته ان تواصل، بقوة الروح القدس، عمل الشفاء والخلاص لأعضائها. ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1412).
3 – أسرار الخدمة: سر الكهنوت وسر الزواج . وهدفهما خدمة الآخرين للخلاص، أفرادا وجماعات ويساعدان في بناء شعب الله (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1534). فالذين يقبلون سر الكهنوت يُكرَّسون ليكونوا باسم المسيح وبنعمة المسيح، رعاة للكنيسة". والذين يقبلون الزواج ينالون قوة ويُكرَّسون، ويؤهَّلون للقيام بواجباتهم الزوجية والعائلية بقوة هذا السر المقدس متشبّعين بروح المسيح الذي يملأ الحياة بالإيمان والرجاء والمحبة (دستور في الكنيسة في العالم المعاصر 48).
239
متى بدأت الكنيسة الكاثوليكية تعمد الاطفال؟ هل عمد الرسل أطفالا؟
الكنيسة منذ نشأتها، في الشرق وفي الغرب، كانت تُعمد الأطفال. إنه تقليد أخذته عن الرسل. سفر أعمال الرسل يذكر لنا أن بولس، عمّد في مدينة فيليبي "ليديا هي واهل بيتها" (رسل 16/15). وكذلك عمّد السجان الذي آمن بالرب يسوع "هو وذويه جميعا" (رسل 16/33) أي هو وزوجته وأولاده.
إن هذا التقليد في الكنيسة مبني على قول المسيح: "ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله إلا إذا ولد وكان مولده من الماء والروح" (يو 3/5)، "دعوا الأطفال لا تمنعوهم أن يأتوا إلي، فإن لأمثال هؤلا ملكوت السموات" (متى 19/14). فإذا كان العماد مطلوبا لدخول ملكوت السموات، وإذا كان ملكوت السموات للأطفال، فمن البديهي ان تستنتج الكنيسة منذ نشأتها أنه يجب أن يُعمَّد الأطفال. كلام المسيح هذا يُعبِّر عن حبه الشامل الذي لا حد له.
كتب اوريجينيوس (185 – 255) يقول بان الكنيسة نالت من الرسل التقليد بان تعمد الأطفال. ويُعتبر أمرا عاديا وجود أطفال وأولاد إلى جانب الفتيان والشباب والمتقدمين في السن في عداد المقدمين على العماد.
ونقرأ في أقدم رتبة للعماد في كتاب "التقليد الرسولي" الذي يرقى إلى بداية القرن الثالث:
"فليُعَمّد الأولاد أولا. جميع الذين يستطيعون التكلم عن أنفسهم، فليتكلموا. أما الذين لا يستطيعون فليتكلم عنهم والدوهم أو ذووهم"
القديس يوحنا فم الذهب (347 – 407) قال:
"نحن إنما نُعمِّد الأطفال وهم لم يرتكبوا بعد خطايا شخصية لكي ينالوا القداسة والتبني ويرثوا الحياة الأبدية ويكونوا اخوة ليسوع واعضاء في جسده السري وأغصانا على كرمته".
قال البابا بولس السادس:
"لا بد من أن يُمنح العماد حتى للاطفال الذين لم يرتكبوا خطيئة شخصية. لقد ولدوا محرومين من النعمة الفائقة الطبيعة، وبالعماد يولدون ولادة جديدة من الماء والروح القدس للحياة الإلهية في المسيح يسوع".
إن غير المُعَمّد يمكنه ان يقبل سر العماد حتى ولو كان طفلا لان الولد يعمد لكي يدخل في الكنيسة. فكما يولد الإنسان بالخطيئة الأصلية بدون خطأ شخصي منه، كذلك بالعماد يولد الطفل ولادة جديدة من الماء والروح القدس للحياة الإلهية في المسيح يسوع استنادا إلى إيمان والديه. ويسهل فهم هذه الحقيقة عندما نعتبر أن القدرة على الإيمان هي عطية النعمة الإلهية. هذه الإرادة الخلاصية عند الله الذي يعطي أولا الحياة، تُطبَّق على الطفل في العماد.
راجع بهذا الصدد الإرشاد الرسولي "في عماد الاطفال" الصادر عن "مجمع الإيمان" في روما والذي صادق عليه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1980.
240
العماد هو السر الأساسي في المسيحية. ولكن لماذا نعطي له كل هذه الأهمية؟
العماد هو الولادة للحياة الجديدة في المسيح، وهو ضروري للخلاص. إنه السر الأول والأساسي في المسيحية. بالمعمودية يصير الإنسان ابنا وعضوا في الكنيسة التي أسّسها المسيح وجعلها وسيلة للخلاص، ويبلغ ملء النعمة التي تبرّره وتجدده وتُشركه في موت المسيح وقيامته بقوة الروح القدس الحاضر في الكنيسة. بالعماد تُمحى الخطيئة الأصلية والخطايا الفعلية إن وجدت، وينال المُعمَّد الحلَّ من كل العقوبات الأبدية والزمنية. فالعماد كما يقول القديس ايريناوس هو ختم الحياة الأبدية.
العماد في الكنيسة، ثلاثة أنواع: عماد الماء، وعماد الشوق وعماد الدم:
1 – عماد الماء ويتم في الكنيسة وفقا للطقوس المحددة، وقد يكون "صبّا" أو "تغطيسا" أو "رشّا". وتتم المعودية وفقا للطقس اللاتيني، عندما يصب الكاهن الماء على رأس المعمَّد قائلا: " يا (فلان) أنا اعمدك باسم الاب والابن والروح القدس".
2 – عماد الدم أي الاستشهاد الذي يبرّر الإنسان الذي يموت في سبيل إيمانه بالمسيح، قبل ان ينال العماد، فهو يُعتبر مشتركا حقيقيا بعمل الكنيسة الذي يقوم بالتأكيد على حضور الخلاص النابع من موت المسيح.
3 – عماد الشوق هو شوق ضمني فقط لسر العماد يبرر الإنسان الذي، بدافع النعمة، يلتمس الله بإخلاص ويكون جادا في عمل إرادته القدوسة، من غير أن يعرف الكنيسة.
كان العماد معروفا لدى الديانات منذ القِدم. فنجده مثلا في عماد يوحنا، وفي عماد المتهودين عند اليهود، وفي جماعة قُمران، وفي الممارسات الغنوصية والسرية والمندائية، دون أن توجد فكرة الولادة الجديدة الفائقة الطبيعة، المرتبطة به تحديدا.
241
الإنسان الذي لا ينتمي بطريقة رسمية إلى الكنيسة بالعماد المقدس ولا يؤمن بيسوع المسيح هل يمكن أن يشمله الخلاص؟
1 - نحن نؤمن أن العماد ضروري للخلاص. ومن الواضح تاريخيا وواقعيا أن الإنجيل لم يصل بعد الى كل الناس. فلا ذنب على الذين لم يحظوا بعد بمعرفة المسيح كي يؤمنوا به. فهل يمكن أن يشملهم الخلاص؟ "نعم"، فالخلاص يشمل الكثيرين منهم لانهم ابناء الكنيسة ب "عماد الشوق".
يكون الإنسان غير المسيحي الذي يحيا حسب ضميره، عاملا الخير ومبتعدا عن الشر، متمما بذلك إرادة المسيح المخلص، من حيث لا يدري مُعمّدا بالشوق . هذا التمسّك بالخير وتجنّب الشر تعتبره الكنيسة انتماء روحيا – الشوق الضمني - إلى الكنيسة لنيل الخلاص فيما لو مَنَّ ألله عليه بالإيمان بالمسيح وبكنيسته. وجوب قبول سر العماد بالماء للخلاص يُعوَّض عنه بعماد الشوق الضمني إلى الخلاص الذي تُعبّر عنه الحياة الصالحة والنّيّة في عمل ما يراه ضميره من خير والإبتعاد عما يراه شرا. وقد أعلن مجمع العقيدة والإيمان سنة 1949 انه ليس من الضروري أن يكون هذا الشوق واضحا او معلنا عنه رسميا، فالشوق الضمني يكفي.
2 - تُعلِّيم الكنيسة، إستنادا إلى الكتاب المقدس، أن أساس الهلاك هو في عمل الإنسان الشخصي، وأن باب الخلاص مفتوح لكل إنسان من ذوي الإرادة الصالحة. ففي الكنيسة أنواع من الانتماء اليها، وفيها أيضا أنواع من الاشتراك بالعماد ينبوعا للخلاص: عماد الماء وعماد الدم وعماد الشوق. ذلك أن النعمة التي يعطيها الله لخلاص الناس الذين لا يزالون خارج الكنيسة بدون ذنب منهم، هي دوما "نعمة السر" النابعة من المسيح المخلص. وهذه النعمة المعطاة في المسيح ومن أجل المسيح هي أيضا نعمة الكنيسة التي أرادها المسيح أداة للخلاص.
242
تقول بعض الشيع إن العماد باسم الآب والابن والروح القدس ليس من يسوع (متى 28/19) بل يسوع طلب أن يُعمّد الناس باسمه، كما ورد في سفر اعمال الرسل (2/38، 8/16 10/48) فماذا نقول لهم؟
أولا – كل من يتأمل بتأن في سفر أعمال الرسل، يلاحظ أن التعبير عن الدخول في المسيحية والإيمان بالمسيح جاء على انواع كثيرة:
1 - العماد "باسم يسوع المسيح" أو "باسم الرب يسوع".
والعماد باسم يسوع يعني العماد الذي أسسه يسوع والذي ننال به الخلاص. "ففي العماد يضع المسيح يده على الذين تكرسوا له. نحن نتعمد من أجل خدمة المسيح، من أجل اسم المسيح. وهذا يعني فعل إيمان يعلن تكريس المُعمَّد للمسيح" (دراسات بيبلية -6- أعمال الرسل للخوري بولس الفغالي صفحة 297).
2 – العماد للجنسين:
"اعتمدوا رجالا ونساء" (رسل 8/12).
3 - الإنضمام الى الإيمان بالمسيح:
"أخذ عدد المؤمنين بالرب يزداد بانضمام جماعات من الرجال والنساء" (رسل 5/14).
4 - الإهتداء إلى الرب:
"رآه جميع سكان اللدّ والشارون فاهتدوا الى الرب" (رسل 9/35).
5 - الإيمان بالرب:
"آمن بالرب خلق كثير" (رسل 9/42)
"آمن جميع الذين كُتِبَت لهم الحياة الأبدية" (رسل 13/48).
6 – الإنتشار وتضاعف عدد المؤمنين:
"كان كلام الله ينتشر وعدد المؤمنين به يتضاعف" (رسل 12/24).
وقد جاءت جميع هذه التعابير للدخول في المسيحية توضيحا عقائديا للإيمان بالمسيح.
ثانيا – إن لفظة "عمّد" ("باسم يسوع - الذي هو - المسيح") تشير إلى الطقس الأسراري، وهي ليست التعبير "الليتورجي" لهذا الطقس.
هذا النص والنصوص الأخرى المذكورة أعلاه تشدّد على الإيمان الذي يعلنه كل مؤمن "شخصيا بالمسيح". بالمعمودية يعترف المؤمن أن يسوع هو الرب الفادي، ويصبح ملكا ليسوع ويتحد روحيا بشخصه الكريم ويصبح عضوا في جماعة "الذين كتبت لهم الحياة الأبدية". (دراسات بيبلية، للخوري بولس الفغالي، رقم 6 أعمال الرسل، صفحة 275).
ثالثا - لقد بيّن السيد المسيح إرادته بكل وضوح عندما قال للرسل:
"إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به، وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28/19-20). لم يقل "عمدوهم باسمي أنا" بل باسم الثالوث الاقدس: "الآب والابن والروح القدس".
رابعا - من الثابت تاريخيا أن العماد باسم الآب والابن والروح القدس هو الذي كان معمولا به في الكنيسة الأولى.
نذكر على سبيل المثال، أنه ورد في الديداكيه، التي هي من القرن الأول للمسيحية والتي تبين تعليم الرسل:
"بالنسبة للعماد، عمدوهم بعد أن تكونوا قد علمتموهم واطلعتموهم على الإيمان بالمسيح، عمدوهم بالماء باسم الاب والابن والروح القدس".
منذ مطلع القرن الثالث وما بعد أظهرت المخطوطات التي عُثر عليها اهتمام المسيحيين الكبير بكلام الليتورجيا الذي ينسب إلى الرسل. ففي مطلع القرن الثالث، في شمال سوريا، تحتوي مخطوطة الديدسكاليا أي تعليم الرسل على صفحات من الصلوات وعلى تعليمات دقيقة للأدوار الليتورجية التي يقوم بها الكهنة والشمامسة والرجال والنساء والأطفال والشباب والأرامل واليتامي والضيوف. وتبين أن العماد كان يتم دائما "باسم الاب والابن والروح القدس".
وحوالي سنة 215 م فان هيبوليتوس الروماني قد ترك لنا كتاب " التقليد الرسولي" حيث تطرق إلى الليتورجية وإلى اللاهوت الذي تعلمه كنيسة روما منذ عهد الرسل. وفي نفس الفترة التاريخية، نعثر على اقدم النصوص الليتورجية التي تعود إلى عهد الرسل: منها ليتورجية القديس بطرس في روما، وليتورجية القديس يعقوب في أورشليم، وليتورجيات كثيرة. أما ليتورجية القديس يعقوب فهي التي كانت مستعملة في أورشليم. وأما يعقوب فهو أول أسقف على مدينة القدس وهذه الليتورجيات تحتوي كلها على ذات العناصر اللاهوتية، وعلى العماد باسم الآب والابن والروح القدس. كذلك ذكر ترتليانوس في كتابه عن المعمودية الذي كتبه ما بين سنة 200 و 206: "إن قانون العماد ساري المفعول، وكلامه الزامي بحسب قول المسيح اذهبوا وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس". فهذا ما استقرت عليه الكنيسة في جميع أنحاء العالم منذ تأسيسها وذلك استنادا إلى أمر المسيح: "عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس".
243
في ليتورجية العماد صلاة تُسمى صلاة التعزيم، فما هو التعزيم؟
لقد قهر السيد المسيح الشيطان كما ورد في مرقس 1/25 - 26 عندما جاؤوه برجل فيه روح نجس. انتهر يسوع الروح النجس وقال: "اخرس واخرج منه. فخبطه الروح النجس، وصرخ صرخة شديدة، وخرج منه". وذكر لوقا أن يسوع كان يشفي الذين كانت تخبطهم الأرواح النجسة (لو 6/18). وقد أعطى السيد المسيح تلاميذه سلطانا يطردون به الشياطين كما ورد في مرقس 3/15 وفي متى 10/1-4. التعزيم هو أن تطلب الكنيسة باسم يسوع المسيح، رسميا وعلنا وبقوة السلطة الروحية التي وكلها يسوع إلى كنيسته، حماية الأشخاص أو الأشياء من قبضة إبليس ونفوذه، فتطرد الشياطين وتعتق النفس من هيمنتهم عليها.
ويُمارَس التعزيم في شكل بسيط، عندما يُحتفل بسر المعمودية حيث تطلب الكنيسة إلى الله القادر على كل شيء أن يعتق نفس الطفل من نير الخطيئة الأصلية ليصير هيكلا يقيم فيه الروح القدس. وأما التعزيم الإحتفالي أو "التعزيم الكبير" فلا يقوم به إلا كاهن بإذن خاص من الأسقف وعلى أن يتقيد بالقواعد التي تضعها الكنيسة.
وتلفت الكنيسة النظر إلى أن هناك فرقا كبيرا بين الإستحواذ الشيطاني على النفس والحالات المرضية، ولاسيما الأمراض النفسية التي تخضع للعلاج الطبي. ولذلك يجب قبل القيام بالتعزيم، التأكد من أن الشخص يعاني من استحواذ شيطاني وأن حالته ليست مرضا نفسيا. (راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1673:
244
هل يجوز في الطقس اللاتيني العماد بالتغطيس؟
نعم، يجوز للكاهن اللاتيني أن يعمد إما بصب الماء على رأس المعمد وفقا للتقليد القديم في الكنيسة اللاتينية، وإما بالتغطيس. وقد نص القانون 854 من مجموعة الحق القانوني للكنيسة الكاثوليكية اللاتينية على ذلك بوضوح تام حيث قال:
" يمكن أن تمنح المعمودية، إما بالتغطيس، وإما بالصب ".
وكذلك ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
" ... تتم المعمودية بأعمق معانيها بالتغطيس ثلاثا في ماء المعمودية. ولكن المعمودية يمكن أن تُمنح، تبعا لتقليد عريق، بصب الماء ثلاثا على رأس المعمَّد" (رقم 1239).
245
كثيرون من الوالدين يؤجلون عماد أطفالهم سنوات... ماذا تقول بذلك؟
تأجيل عماد الطفل يناقض تعليم الكنيسة. فالكنيسة تحث الوالدين على تعميد اطفالهم خلال الاسابيع الأولى من ولادتهم، كما ورد في البند الأول من القانون 867 من مجموعة الحق القانوني للكنيسة اللاتينية. ويبين البند الأول من القانون 868 أنه يجب موافقة الوالدين أو أحدهما على الأقل، أو من يقوم مقامهما بصورة شرعية. عماد الأطفال يبرز عناية الله ولطفه ومجانية الحب الذي يغمر حياتنا: "لسنا نحن أحببنا الله بل هو الذي أحبنا ... إننا نُحب لأن الله نفسه هو أحبنا أولا ... لا بسبب أعمال بر عملناها، بل برحمته خلصنا بعماد الولادة الثانية وتجديد الروح القدس".
إن الأطفال هم أيضا يجب أن يولدوا ولادة جديدة بالمعمودية ويُعتقوا من سلطان الظلام، ولا يجوز للأهل والكنيسة أن يحرموهم هذه النعمة التي لا تُقدّر وهي أن يصيروا أبناء لله (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1250).
246
يقول المتجددون إنه يجب تأجيل العماد ريثما يبلغ الإنسان عمرا يستطيع فيه أن يختار بحرية، فبماذا نجيبهم؟
على الصعيد الطبيعي، إذا كان من بديهيات المسؤولية الوالدية، أن يسهر الوالدون على صحة اولادهم، ونموهم الطبيعي وتعليمهم وتربيتهم الإنسانية وتوجيههم نحو القيم الصحيحة، فلماذا يُحرمون القيام بمسؤولياتهم الدينية تجاههم والسهر على نموهم الروحي والديني كي ينشأوا على الإيمان والحياة بالمسيح ؟
موقف المتجددين السلبي بشأن عماد أولادهم يحرم الأولاد خيرا جوهريا، ويناقض واقع حياتهم، لأنهم يقولون هذا وقلما يعملون به لأنهم هم أيضا يقومون بتربية أولادهم الدينية، ويوجهونهم نحو المسيح ويعرفونهم بكلمة الله في الكتاب المقدس، ولا ينتظرون ريمثا يكبر أولادهم ويختاروا الإيمان الذي يحبون .
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الزعم بأن سر العماد ينال من حرية الأولاد، يتنافى والإيمان المسيحي، لأن الدخول في الإيمان بالمسيح بسر العماد هو دخول في رحاب الحرية المسيحية، حرية أبناء الله، وهو ليس عبودية أو إكراها. العماد يزرع فيهم بذار الحياة الأبدية وعندما يكبر الأولاد، يتحملون عندئذ وحدهم مسؤولية هذا البذار وتنميته، والوالدون يتحملون مسؤولية مساعدتهم وتوجيههم بقدوة حياتهم المسيحية وبصبرهم وحبهم وصلاتهم.
247
هل يجوز أن يكون للطفل أكثر من اشبين في العماد؟ وما هي واجبات الاشبين؟
يمكن أن تختار إشبينا واحدا لابنك في العماد، ويمكن أن تختار له إشبينة بدلا من الإشبين، كما يمكن أن تختار له إشبينا وإشبينة. ولا يجوز أن تختار له اشبينين معا، أو إشبينتين معا، بل على الأكثر إشبين وإشبينة. (القانون 873 من مجموعة الحق القانوني). وقد جرت العادة في بلادنا، أن يتخذ الوالدون إشبينا واحدا لإبنهم، وإشبينة واحدة لإبنتهم.
ويختار الإشبين الشخص المقبل على المعمودية أو والداه أو من يقوم مقامهما، أو كاهن الرعية. ويجب أن تتوفر لدى الإشبين الأهليّة والنيّة للقيام بهذه المهمة. كذلك يجب أن يكون الإشبين قد أتم قلما يكون السادسة عشرة من عمره، وأن يكون كاثوليكيا ومثبتا وقَابلا الإفخارستيا، وأن يكون ذا سيرة إيمانية تتفق والمهمّة التي يقوم بها، وألا يكون واقعا تحت أية عقوبة قانونية أُنزلت به، أو أُعلنت عليه شرعا. وإذا كان الإشبين غير كاثوليكي فهو يُعتبر شاهدا على المعمودية، ويجب أن يكون معه إشبين كاثوليكي.
الإشبين مع والدي الطفل يطلبون له المعمودية. والإشبين يحمله إلى جرن المعمودية. وأما واجباته تجاه الطفل فهي تتلخص في أنه يجب عليه أن يساعد والديه في توجيهه إلى سيرة مسيحية تليق بنعمة المعمودية، فيسهر معهما على تربيته المسيحية وتعليمه مبادىء الديانة المسيحية، ويكون له في الحياة المسيحية قدوة ومثالا.
راجع بهذا الشأن القوانين 872 – 874 من مجموعة الحق القانوني للكنيسة الكاثوليكية اللاتينية.
248
هل من الضروري أن نعطى الطفل اسما مسيحيا؟
نص القانون 855 من مجموعة الحق القانوني على ما يلي:
"ليحرص الوالدون والأشابين وكاهن الرعية، على ألا يُعطى للمعمد اسم غريب عن المعنى المسيحي".
فليس من الضروري إعطاء اسم أحد القديسين، ولكن من الضروري أن يكون للاسم معنى مسيحي. وما أكثر المعاني المسيحية في العربية مثلا: بشير، فادي، سليم، سلامة، سلام، حبيب ... الخ. وبالتالي لا يجوز أن يُعطى للطفل اسما يهين الاسم المسيحي، مثلا: جحيم، هلاك، سخط، ... الخ.
249
هل يمحو العماد الخطيئة الأصلية؟ كثيرين لا يؤمنون بالخطيئة الأصلية. فما رأيك؟
الخطيئة الأصلية هي هي لم تتغير سواء آمن بها الناس أم لم يؤمنوا. بعض الناس لا يرغبون في التحدث عنها، فهذا شأنهم. أما الكنيسة الكاثوليكية وأبناؤها فهم يؤمنون بها. تاريخ البشر كله موسوم بالخطيئة الأصلية التي اقترفها أبوانا الأولان باختيارهما. فالله خلق الإنسان على صورته وأقامه على صداقته. وعندما جرّب الشيطان الإنسان، سقط الإنسان في التجربة وتمرد على الله، ورفض الخضوع له، وفضّل نفسه على الله، واختار ذاته على الله. بإغراء من إبليس أراد أن يكون مثل الله، ولكن بدون الله، وليس بحسب الله.
الكتاب المقدس يبين عواقب هذه الخطيئة. فقد خسر آدم وحواء حالة البرارة الأصلية ودخل الموت في تاريخ البشرية.
الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة يؤكدان على وجود الخطيئة وشمولها في تاريخ الإنسان. وعلى غرار القديس بولس عَلّمت الكنيسة دائما ان شقاء البشر وميلهم الى الشر والى الموت لا يُفهم بمعزل عن علاقتهم بخطيئة آدم وحواء إذ نولد حاملين وزرها وهي "موت النفس". وبسبب وحدة الجنس البشري فجميع البشر داخلون في خطيئة آدم، كما أنهم داخلون جميعا في تبرير المسيح.
وانطلاقا من هذا اليقين العقائدي بالخطيئة الأصلية تمنح الكنيسة المعمودية لمغفرة الخطايا، حتى للاطفال الصغار الذين لم يرتكبوا بعد خطيئة شخصية.
راجع بهذا الصدد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 385 - 421.
250
إنسان وُلد بروتسطنطيا أو انتمى إلى كنيسة غير كاثوليكية، ثم انتمى إلى الكنيسة الكاثوليكية، هل يجب أن يُعمد من جديد؟
طُرِحَ هذا السؤال في القرن الثالث بالنسبة للهراطقة الذين قبلوا المعمودية في الهرطقة ثم أرادوا العودة الى الكنيسة: فهل يجب أن يُعمَّدوا ثانية؟
في شمال أفريقيا، كان العلامة اللاهوتي ترتليانوس وأسقف قرطاجة قبريانوس يقولان بأنه يجب إعادة العماد، بينما كانت الكنيسة الرومانية وكنيسة الاسكندرية تقولان بعدم إعادة العماد.
مجامع كثيرة بحثت هذا الموضوع وقررت أن العماد لا يمنح من جديد إلا للذين عمدوا بصيغة عمادية باطلة. وقد حافظت الكنيسة الكاثوليكية على موقفها هذا. فالعماد يمكن أن يمنح بطريقة صحيحة من قبل الهراطقة ايضا، ذلك أن مفعول سر العماد ليس مرتبطا بقداسة خادم السر ولا بقداسة قابل السر.
251
المتجددون يرفضون عماد الأطفال فهل يحق لهم ذلك مع العلم أنهم يؤمنون أن المسيح قال: "دعوا الأطفال يأتون إلي"؟
تُعَلِّم الكنيسة أن العماد هو السر الذي به يصبح الإنسان عضوا في الكنيسة، شريكا في حياة الثالوث الأقدس، ويصبح من أهل بيت الله الواحد في ذاته المثلث في أقانيمه، وابنا للعهد الجديد حيث يكون مخدوما إذا كان طفلا، ومخدوما وخادما للكلمة إذا كان بالغا، يحمل رسالة المسيح ويشهد له بقوة روح الرب. ويفترض هذا الانتماء المجاهرة بايمان الكنيسة. وتُعلِّم ايضا أن الأطفال المعمدين إنما هم في الحقيقة مؤمنون، وأن تصديق العماد عندما يبلغ المعمد سن الرشد غير ضروري لصحة العماد. يستند هذا التعليم إلى الممارسة الرسولية التي في الكتاب المقدس. فالرسل انفسهم منحوا سر العماد لعائلات بكاملها، بكبارها وصغارها (1 كو1/16 أعمال 16/15 و 33).
هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فمن الواضح أن الخطيئة الأصلية قد ارتُكِبَت وطالت كل الناس، كبارا وصغارا، بدون خطأ شخصي، باستثناء مريم البتول وبنعمة خاصة من الله. فالله يعتق المعمَّد، كبيرا كان أم صغيرا من هذه الخطيئة الأصلية. وأما إيمان الصغار فهو إيمان الكنيسة، ويتعهد الوالدان والأشبينان أن يربوهم على هذا الإيمان الذي يزرعه الله في نفوسهم عطية إلهية مجانية. وهذه النعمة نفسها معطاة مجانا للكبار، وهي تسبق إرادتهم الحرة وتحرك هذه الإرادة الحرة إلى قبول سر العماد المقدس. عطية الله المجانية، تسبق، في نظام الأشياء العمل الذي يقوم به الإنسان بدافع النعمة.
هذه الإرادة الخلاصية الفردية عند الله الذي يعطي أولا الحياة الروحية بذارا سماويا، بسر العماد المقدس تُعطى مجانا للطفل كما للبالغ. وعلى الطفل عندما يكبر ويدرك كما على الإنسان البالغ أن يكون أمينا على نعمة العماد ومتفاعلا معها.
2 – سر التثبيت
252
نقول: "سر الميرون" ونقول أيضا "سر التثبيت" فهل ما نعنيه بالتسميتين هو واحد؟ ولماذا هذا التنوع في التسمية؟
عندما نقول "سر الميرون" فإن هذه التسمية مشتقة من "الميرون" وهو الزيت المقدس والمعطر الذي يُدهن به المُثبّت على جبينه. وعندما نقول "سر التثبيت" فالكلمة مشتقة من مفاعيل السر ألا وهي التثبيت في الحياة الإلهية التي أفاضها سر العماد في النفس، والنمو فيها. وإذا قلنا سر التثبيت أو سر الميرون فإننا نعني السر الذي به يتوثق ارتباط المعمدين بالكنيسة على وجه أكمل، ويمنحهم وسم الروح القدس، ويؤتيهم قوة خاصة تُلزمهم التزاما أشد بنشر الإيمان، والذود عنه بالقول والعمل، وتأدية الشهادة الحسنة للمسيح، والثبات في الجهاد ضد قوى الشر. فيثمر الروح القدس في النفس ثمار المحبة والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف (غلا 5/22-23). المُثبَّت يتعهّد بأن يكون أمينا للجماعة المسيحية وأن يلتزم بمسؤولياته الكنسية.
253
أعتقد أن سر الميرون هو بالاحرى السر الأقل ضرورة للحياة المسيحية، أليس كذلك؟
كلا، لأن سر التثبيت هو سر الثبات في الحياة الإلهية التي يمنحها سر العماد المقدس، وسر نمو هذه الحياة ونضوجها للوصول إلى الكمال المسيحي. وكما أنه من الضروري للإنسان بعدما يولد أن ينمو لكي ينضج ويكتمل إنسانيا ولا يبقى طفلا، كذلك من الضروري للمُعمَّد الذي يولد في العماد ابنا لله وللكنيسة ويصيرهيكلا للروح القدس ومسكنا للثالوث الأقدس، أن ينمو في النعمة وأن ينال مواهب الروح القدس لكي يقاوم الشرير ويثبت في الحياة الإلهية وينضج فيها ويعطي ثمار الخلاص الأبدي.
ولذلك قبل نيل سر الكهنوت وسر الزواج وقبل إبراز النذور والتكريس، فإن الكنيسة تسأل عن شهادة التثبيت، لأن سر التثبيت ضروري للمتزوج كي يثبت في الأمانة لنعمة سر الزواج المقدس، وضروري للكاهن لكي يثبت في الأمانة على نعمة سر الكهنوت، وهو كذلك ضروري للراهب والراهبة والمكرس والمكرسة لكي يثبتوا على نعمة الحياة الرهبانية والتكريس. فالمسيحي يتسلح بسلاح الروح القدس لكي يقاوم قوة الشر ويحاربها.
254
ما هو زيت الميرون؟ وكيف يُمنح السر؟
زيت الميرون هو زيت الزيتون المعطر الذي يكرسه غبطة البطريرك في كنيسة القيامة في القدس الشريف، صباح خميس الأسرار، ويُوَزع على جميع الرعايا في الأبرشية أي في الأردن وفلسطين وإسرائيل وقبرص، رمزا لوحدة الكنيسة واتحادها براعيها.
في الطقس اللاتيني تبدأ ليتورجية التثبيت بتجديد مواعيد المعمودية وإعلان إيمان المتقدمين من السر. ويتضح هكذا أن التثبيت يبقى في خط المعمودية. ثم يبسط الأسقف يديه على المتقدمين، وذلك من عهد الرسل علامة موهبة الروح، ويلتمس الأسقف إفاضة الروح. ثم يمنح السر بأن يبسط يده على الرأس ويمسح الجبين بالزيت المقدس قائلا: "إقبل وسم موهبة الروح القدس". ثم يهنئه التهنئة الكنسية، ويعطيه الأسقف السلام قائلا: "السلام لك"، علامة الشركة مع الأسقف ومع جميع المؤمنين.
255
لماذا يُحفظ سر الميرون في الطقس اللاتيني للاسقف، من دون الكاهن إلا في ظروف خاصة وبتفويض من الأسقف، بينما في الطقوس الشرقية، يمنحه الكاهن مع العماد؟
مبدئيا، الأسقف هو خادم الأسرار كلها. "في القرون الأولى كان التثبيت يُمنح عادة مع المعمودية، في حفلة واحدة، مكونا معها، على حد تعبير القديس قبريانوس "سرا مزدوجا". من بين الأسباب التي منعت حضور الأسقف في كل حفلات المعمودية، تكاثر عدد معموديات الأطفال، في كل أوقات السنة، وتكاثر عدد الرعايا، ومن ثم توسع الأبرشيات.
في الغرب، بسبب الرغبة في أن تُحصر في الأسقف حفلة تتويج المعمودية بالتثبيت، بدأت عادة الفصل بين السرين بمسافة زمنية. وأما الشرق فقد ظل على إقامة السرين معا، بحيث بات الكاهن المعمِّد هو الذي يمنح سر التثبيت. ولكن لا يجوز لهذا الكاهن أن يمسح إلا "بالميرون" الذي يقدسه الأسقف" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1290).
"الطريقة المتبعة في الكنائس الشرقية تشير إلى وحدة الأسرار في الحياة المسيحية. وأما الطريقة اللاتينية فتعبر بوضوح أكثر عن الشركة القائمة بين المعتمد حديثا وأسقفه. والأسقف هو كفيل وخادم وحدة الكنيسة وشموليتها ورسالتها. ومن ثم فالطريقة اللاتينية تعبر عن الرباط الذي يصلها بكنيسة المسيح وجذورها الرسولية" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1292).
عندما يمنح الأسقف التثبيت في الرعية يكون ذاك اليوم يوم العنصرة للرعية حيث تجتمع الرعية بالمناسبة مع جميع سلطاتها الكنسية وتنظيماتها وفعالياتها الروحية والرعوية وشبيبتها فتكوِّن "الكنيسة المصلية" في أبهي حلة ليتورجية وإيمانية وترفع صلاتها إلى الله بقلب واحد ونفس واحدة.
256
سر العماد هو سر الولادة الروحية، وسر القربان هو سر الغذاء الروحي للنفس وماذا بالنسبة لسر التثبيت؟
إن مفعول سر التثبيت هو إفاضة الروح القدس، كما أُفيض قديما على الرسل يوم العنصرة. ويختم السر النفس بوسم موهبة الروح القدس وهو الدليل على أن يسوع المسيح قد وسم المسيحي بختم روحه، وألبسه قوة من العلاء ليكون له شاهدا أمينا بالقول والعمل، وجنديا صالحا يقاوم الشر ويثبت في عمل الخير. إنه يرسخ المؤمن في البنوة الإلهية ويزيده ثباتا في المسيح ويفيض مواهب الروح القدس فيه ويبرز ارتباطه بالكنيسة وبجماعة المؤمنين، ويمنحه قوة خاصة لنشر الإيمان بالقول والعمل وبالشهادة للمسيح والشجاعة كي لا يستحي أبدا من صليبه. قال القديس أمبروزيوس في القرن الرابع:
"تذكر إذن أنك نلت الختم الروحي، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة والتقوى، روح المخافة المقدسة، وَحافظ على ما نلته. لقد ختمك الله الآب بختمه، وثبتك المسيح الرب ووضع في قلبك عربون الروح"
ولذلك فإن التثبيت كالعماد والكهنوت لا يُمنح في الحياة إلا مرة واحدة.
257
الكاهن يمسح رأس المعمد بزيت الميرون، والأسقف يمسح جبينه بزيت الميرون، فما الفرق بين المسحتين؟
في الطقس اللاتيني، يمسح الكاهن صدر الطفل بزيت الموعوظين رمزا إلى التنقية والتقوية، ويمسح الطفل حالا بعد عماده على رأسه بزيت الميرون ويكملها الأسقف بمسحة ثانية على جبين المعمد. فالمسحة الأولى بالزيت المقدس التي يمنحها الكاهن على الرأس ظلت مرتبطة بالطقس العمادي، وترمز إلى اشتراك المُعمد في وظائف المسيح الثلاث: النبوية والكهنوتية والملكية. أما إذا مُنحت المعمودية لبالغ فليس ثمة سوى مسحة واحدة بعد المعمودية، هي مسحة التثبيت ويمنحها الكاهن الذي يعمد.
في الطقوس الشرقية، خادم سر التثبيت هو الكاهن المعمِّد. وهو يمنح سر التثبيت حالا بعد العماد ولكنه مُلزم بأن يستعمل، في التثبيت، الزيت الذي قدسه البطريرك أو الأسقف، تأكيدا لوحدة الكنيسة الرسولية التي تجد في سر التثبيت وسيلة لتمكين عراها.
وفي الكنيسة اللاتينية خادم السر هو الأسقف، ويجوز للأسقف، في حال الضرورة، أن يفوض كاهنا سلطة القيام بمنح السر، إلا أنه من المفضل أن يمنحه هو نفسه. فالأساقفة هم خلفاء الرسل، وقد نالوا ملء سر الكهنوت. ويشير قيامهم بمنح هذا السر بوضوح تام إلى توحيد المثبتين، بطريقة أمتن، بالكنيسة وبجذورها الرسولية ورسالتها بأن تكون شاهدة للمسيح.
258
ما هي واجباتي نحو الروح القدس؟
إلى الروح القدس تَوجّه، وافتح له قلبك، كي تنمو في حب الله والقريب وتبقى أمينا على وديعة الإيمان. لا تقف من عمل الروح القدس في حياة يسوع والرسل، موقف المتفرج أو اللامبالي، بل كن مدركا يإيمانك أن ما حققه الروح القدس في المؤمنين بالمسيح في مطلع الكنيسة وفي تاريخها الطويل وفي حياة القديسين، يحققه لك اليوم إذا أحسنت الإصغاء وتعبدت له بإرادة صادقة ومحبة فاعلة. بولس الرسول يقول لك: دع الروح القدس يملأك (أف 5/18)، ولا تُحزن روح الله القدوس الذي به خُتمت ليوم الفداء (أف 4/30). وهكذا تُثمر المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف (غلا 5/22).
3 - سر القربان
259
كيف يمكن أن نتأكد من وجود يسوع في القربان؟
1 - سر القربان هو موضوع إيمان، ولا يثبت وجود يسوع في القربانة بالعلوم والمعرفة البشرية. فالسيد المسيح، في العشاء الاخير، أخذ بين يديه من الخبز رغيفا وقال: "خذوا فكلوا هذا هو جسدي" وأخذ بين يديه من الخمر كأسا وقال: "خذوا فاشربوا هذه هي كأس دمي، دم العهد الجديد". والكنيسة تؤمن بأن كلام المسيح كان فاعلا لأنه كلام ابن الله، وأن كلامه حوّل الخبز الذي كان بين يديه إلى جسده، والخمر إلى دمه. وتسمي الكنيسة هذا التحول "الإستحالة الجوهرية" أي أن جوهر الخبز (وهو ما يجعل الخبز خبزا) تحول إلى جسد المسيح، وأن جوهر الخمر (وهو ما يجعل الخمر خمرا) تحول إلى دم المسيح.
حضور المسيح في الإفخارستيا يبدأ عند كلمات التقديس ويستمر ما دامت الأشكال الإفخارستية قائمة، أي ما زال الخبز خبزا والخمر خمرا. والمسيح حاضر كله في كل من الشكلين وفي كل جزء منهما بحيث لا يتجزأ.
2 - في الفصل السادس من إنجيل يوحنا، قال السيد المسيح: "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فلا حياة لكم في أنفسكم". وقال أيضا: "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي تكون له الحياة الأبدية وأنا سأقيمه في اليوم الأخير لأن جسدي هو مأكل حقيقي ودمي هو مشرب حقيقي". فهم الناس كلام يسوع بمعناه الحرفي، كما أراده يسوع، فتركه بعضهم. فلم يقل للذين تركوه "لم تفهموني" ولم يستدرك مما قال شيئا، بل قال للرسل أيضا: "أفلا تريدون أن تذهبوا أنتم أيضا؟ أجابه سمعان : "يا رب، إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك؟"(يو 6/67-69).
ونحن مع بطرس الرسول نعلن إيماننا ونقول: "يا رب، إن كلام الحياة الأبدية عندك"
3 - نقرأ في "التعاليم الأورشليمية" هذا النص:
"إن الرب يسوع المسيح، في الليلة التي أُسلم فيها، أخذ خبزا وشكر، ثم كسره، وأعطاه لتلاميذه قائلا: خذوا فكلوا، هذا هو جسدي. ثم أخذ الكأس وشكر وقال: خذوا فاشربوا هذا هو دمي" (1 كو 11/23-23). بما أنه هو الذي نطق بهذا الكلام وقال على الخبز: "هذا هو جسدي"، فمن يجرؤ بعد ذلك أن يشك أو يتردّد؟ ولما أكد هو نفسه وقال: "هذا هو دمي"، فمن يشك فيقول إنه ليس دمه؟ فلنتقدم إذا، ولنأخذ الجسد والدم ونحن مقتنعون بأنهما جسد المسيح ودمه. فالجسد يُعطى لك بصورة الخبز، والدم يعطى لك بصورة الخمر، حتى إذا أخذت جسد المسيح ودمه، أصبحت وكأنك مع المسيح جسد واحد ودم واحد. هكذا نصبح نحن "حاملي المسيح"، بعد أن سرى جسده ودمه في أعضائنا. وهكذا نصبح، على حد تعبير الطوباوي بطرس "شركاء في الطبيعة الإلهية"... قد توحي إليك الحواس غير ذلك، ولكن الإيمان يؤكد لك ذلك ويثبته. تعلم هذا وتأكد بإيمانك أن ما يبدو لك خبزا ليس بخبز، ولو كان كذلك في المذاق، بل هو جسد المسيح، وأن ما يبدو لك خمرا ليس بخمر، ولو كان ذلك في المذاق، بل هو دم المسيح".
4 - وقال القديس يوستينوس الشهيد في القرن الثاني للميلاد:
لا يجوز لإحد الإشتراك في الإفخارستيا ما لم يؤمن أن ما نعمله هو حق. وما لم يغتسل بغسل الولادة الجديدة الثانية لمغفرة الخطايا، فينال بذلك الحياة، كما قال يسوع المسيح. ونحن لا نأخذ هذه الأمور كما نأخذ الخبز العادي أو الشراب العادي. نحن نؤمن أن يسوع المسيح مخلصنا صار بقوة الكلمة بشرا، إنسانا من جسد ودم، من أجل خلاصنا وقد تعلمنا أيضا أن الغذاء الذي نتلو عليه كلام يسوع نفسه، ونرفع الشكر إلى الله، إنما هو غذا يتحول إلى دمنا وجسدنا، وهو جسد ودم يسوع نفسه الذي صار إنسانا".
260
ماذا تعني الكنيسة بالاستحالة الجوهرية؟
تعني الكنيسة بالإستحالة الجوهرية، التحويل الذي يحصل في القداس، بكلام التقديس، لجوهر الخبز والخمر الى جسد المسيح ودم المسيح اللذين يصيران حاضرين تحت أشكال الخبز والخمر الحسية. الحقيقة التي أمامنا عند تكريس الخبز والخمر هي المسيح في جسده ودمه وحقيقته الإلهية والإنسانية، مع العلم أن أشكال الخبز والخمر تبقى كما هي، أي تبقى خاضعة لحواسنا من حيث الكمية والشكل واللون والطعم والوزن.
261
إني أومن بأن الإفخارستيا هي القربان وأنها محور حياة الكنيسة، ولكن هل لك أن تشرح لي ما هو المعنى اللغوي واللاهوتي لكلمة إفخارستيا؟
"إفخارستيا" كلمة يونانية وتعني "الشكر". فالإفخارستيا تدل على فعل الشكر، وتُعبِّر عن عرفان الجميل عند من قَبِلَ عطية ثمينة، كما تُعبِّرعن وحدة الطعام الإفخارستي في الكنيسة، أي المسيح كاملا بجسده ودمه وناسوته ولاهوته. هذه الحقيقة التي ندعوها إفخارستيا تتأصل في العشاء الأخير (لو 22/19 ، 1 كو 11/23، مر 14/22)، حيث السيد المسيح، بكلماته بالذات، أعطى جسده مأكلا ودمه مشربا تحت شكلي الخبز والخمر الملموسين. والجسد في عرف اللغات السامية، يعني حقيقة الإنسان كاملا انطلاقا من الحقيقة الجسدية الملموسة ، والدم يعني الحياة، وبصورة أدق: هو الدم الذي سكبه يسوع ليقيم عهدا جديدا مع الله (أش 42/6، 49/8). وقد عبّر بولس الرسول بدقة عن الإيمان بوجود المسيح في سر الإفخارستيا قائلا:
"أليست كأس البركة التي نباركها مشاركة في دم المسيح؟ أليس الخبز الذي نكسره مشاركة في جسد المسيح؟" (1 كور 10/16).
فكل الذين يقبلونه يتحدون به. وأما ديمومة الإفخارستيا فتنبع من الأمر الذي أعطاه يسوع بعد كلام التقديس: "اصنعوا هذا لذكري". هذا الامر يضمن أن تكون حقيقة المسيح كلها دائما موجودة بصورة فعالة، طعاما وذبيحة في آن واحد لأن ذبيحة يسوع الفريدة تظل تعمل بصورة دائمة في التاريخ، وتصبح حاضرة حضورا فعالا وعمليا في القداس. فالإفخارستيا سر بالمعنى الكامل وبالمعنى الأساسي وضعه السيد المسيح نفسه، وهو يجعل المسيح مخلص العالم على الصليب، حاضرا معنا وبيننا في حقيقته الإلهية والإنسانية، الواقعية والخلاصية، تحت شكلي الخبز والخمر.
عندما نتناول، يقول لنا القديس أغسطينوس: "فلنفرح ولنشكر، لاننا نتحول إلى "المسيح". هذا أمر مذهل يملأنا فرحا وسعادة: "بالمناولة نتحول إلى المسيح ".
262
لماذا لم تذكر الكنيسة سر الإفخارستيا في قانون الإيمان؟
قانون الإيمان لا يذكر جميع العقائد التي يؤمن بها المسيحي الكاثوليكي. فالكنيسة في عهد الرسل وما بعده كانت لا تزال في نشأتها. قانون الإيمان الذي بين ايدينا هو قانون الايمان الذي اثبتته الكنيسة الجامعة في المجمع النيقاوي سنة 325 ومجمع القسطنطينية سنة 381، بسبب الهرطقات التي نشأت حول الطبيعتين الإلهية والإنسانية في المسيح. ولذلك يقول قانون الإيمان أن يسوع هو ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، وأنه إله من إله ونور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق مساو للاب في الجوهر". وجدير بالكذر أن الإيمان بالافخارستيا لم يكن موضع خلاف أبدا يسين جمسع المسيحيين.
بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، أخذ عدد من الكاثوليك يشككون ببعض عقائد الإيمان الكاثوليكي. وردا على ذلك، في ختام سنة الإيمان في 30 حزيران سنة 1968 تلا البابا بولس السادس صورة الاعتراف بالإيمان الكاثوليكي، وقد ورد فيها بشأن سر القربان ما يلي:
"نؤمن بأن القداس الإلهي الذي يحتفل به الكاهن - ممثل المسيح بمقتضى السلطة التي قبلها بسر الكهنوت - ويقدمه باسم المسيح وأعضاء جسده السري، هو في الحقيقة ذبيحة الجلجلة التي تَحضر بنوع سري على مذابحنا. وكما أن الخبز والخمر اللذين قدسهما الرب في العشاء الأخير قد تحولا إلى جسده ودمه اللذين كان مزمعا أن يقدمهما من أجلنا على الصليب، كذلك نحن نؤمن أن الخبز والخمر اللذين يقدسهما الكاهن يتحولان أيضا إلى جسد ودم المسيح الجالس ممجدا في السموات. ونؤمن أيضا بأن وجود الرب السري تحت شكل تلك الأشياء التي تستمر ظاهرة لحواسنا كما كانت من قبل التقديس، إنما هو وجود حقيقي واقعي جوهري".
"ففي هذا السر إذن لا يستطيع المسيح أن يكون حاضرا إلا بتحويل جوهر الخبز كله إلى جسده وتحويل جوهر الخمر كله إلى دمه مع بقاء أعراض الخبز والخمر التي تدركها حواسنا كما هي. وهذا التحويل السري تدعوه الكنيسة المقدسة بكل صواب "الإستحالة الجوهرية". ومن ثم فإن أي تفسير لاهوتي يشرح هذا السر، فلكي يكون مطابقا للإيمان الكاثوليكي، يجب أن يؤكد على أن وجود الخبز والخمر ينتهي بعد التقديس، وأن جسد الرب يسوع ودمه، لهما السجود، يوجدان بعدئذ أمامنا تحت اشكال الخبز والخمر السرية مثلما أراد الرب نفسه، ليقدم لنا ذاته غذاء، ويجمعنا في وحدة الجسد السري".
"إن الوجود الذي يحياه المسيح الرب في مجد السموات لا يتكاثر بواسطة هذا السر بل يصبح حاضرا في شتى أماكن العالم حيث تتم ذبيحة القداس: ذاك هو سر الإيمان الغني بالنعم الذي ينبغي أن نسلم به تسليما كاملا. فهذا الحضور عينه يستمر بعد تقديم الذبيحة على المذبح في سر القربان الذي هو قلب كنائسنا النابض".
"إنه لواجب وجميل أن نحيط بهالة الاكرام والسجود، الكلمة المتجسد الحاضر في الخبز المقدس الذي تراه عيوننا. عيوننا لا ترى المسيح، إلا أنه حاضر أمامنا ولم يترك سماه".
263
كانت المناولة تتم تحت الشكلين. متى ولماذا جعلت الكنيسة المناولة تحت شكل واحد؟
لدى الرجوع إلى تاريخ الكنيسة يبدو واضحا أن المناولة كانت تتم تحت الشكلين، وكان المؤمنون يتناولون دم المسيح من الكأس مباشرة. ولكن منذ القرن الخامس أخذت تنتشر في الكنيسة المناولة تحت شكل واحد، وذلك بسبب تزايد الإقبال على المناولة وكثرة المتناولين.
انقرضت من جميع الكنائس عادة التناول من الكأس تماما في القرن الثاني عشر. وفي القرن الثالث عشر انتشرت في الغرب المناولة تحت شكل واحد. وعاد مجمع كونستنسا سنة 1415 يؤكد على منع مناولة المؤمنين للدم الكريم مباشرة من الكأس، حتى في المناسبات الليتورجية الكبرى، وذلك لكثرة المتناولين وللاطمئنان على الإحترام للمسيح في سر القربان.
بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، عادت الكنيسة تسمح بالمناولة تحت الشكلين وذلك بغمس القربانة المقدسة بالدم الكريم. وأما مناولة الدم الكريم مباشرة من الكأس للمؤمنين، فقد احتفظت به لبعض المناسبات الدينية الكبرى ولعدد قليل جدا من المؤمنين، مثلا للرهبان والراهبات والمكرسين والمكرسات يوم ابراز النذور.
وتحيط الكنيسة يسوع في سر القربان، بكل مظاهر الاحترام. ويكفي أن نعود الى الاحكام العامة لكتاب القداس الإلهي، حيث نقرأ:
"بعد مناولة الجماعة، يعود الكاهن إلى المذبح، ويجمع ما كان قد تناثر من أجزاء مقدسة. ثم يقف إلى جانب الهيكل، أو عند المنضدة الجانبية، ويطهر الصينية أو الحقة فوق الكأس، والكأس نفسها ... ويجوز إبقاء ما ينبغي تطهيره من آنية، خصوصا إذا كثرت عددا،على المذبح أو على المنضدة الجانبية، وعلى المصمدة، وتطهيرها بعد القداس، عند انصراف المؤمنين". (120)
"يقوم بتطهير الآنية المقدسة الكاهن أو الشماس أو الشدياق، بعد التناول أو بعد القداس، وعلى المنضدة الجانبية ما أمكن. ويطهر الكاس بالخمر والماء، أو بالماء فقط،. ويشرب الخمر والماء من قام بالتطهير. أما الصينية فتمسح عادة بالمنديل" (238).
264
مدة الصيام عن الطعام والشراب للمناولة هي ساعة. ولكن هل هي ساعة قبل المناولة أم ساعة قبل القداس ؟
نص البند الأول من القانون 919 من مجموعة الحق القانوني للكنيسة اللاتينية على ما يلي:
"على من تناول الإفخارستيا المقدسة أن ينقطع لمدة ساعة واحدة على الأقل قبل المناولة المقدسة عن كل طعام وشراب،عدا الماء والدواء"
فمن هذا النص يتضح أن الإمتناع عن الطعام والشراب بساعة على الأقل هو قبل المناولة وليس قبل القداس.
265
بماذا نجيب المتجددين الذين يقولون إننا بايماننا بوجود المسيح حقيقة في القربانة، عندما نتناول نصبح آكلي لحوم بشر؟
إن هذا السؤال يعود بنا إلى الفصل السادس من إنجيل يوحنا عندما قال السيد المسيح لتلاميذه واتباعه: "إذا لم تاكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فلا حياة لكم في انفسكم" (يو 6/53). عدد كبير من السامعين ممن تشككوا ووجدوا أن هذا الكلام صعب، فتركوا المسيح وانقطعوا عن اتباعه.
لقد كانوا يظنون أن لدى يسوع برنامجا بشريا يعطيهم فيه جسده الذي يرونه أمامهم مأكلا ودمه مشربا. أما يسوع فكان له برنامج إلهي وليس برنامجا بشريا. نعم، جسده طعام حق ودمه شراب حق (يو 6/55) ولكنه موجود بطريقة سرية، إلهية، فائقة الطبيعة تحت شكلي الخبز والخمر. نحن نأكل جسد يسوع ونشرب دمه، ولكن ما نمضغه إنما هو العوارض التي تخفي هذا الجسد وهذا الدم.
يقول القديس توما الأكويني: "إن الإنسان لا يستطيع أن يفهم ذلك. إلا أن الإيمان يؤكده. فهو يؤكد أن المسيح موجود تحت أعراض الخبز والخمر. والمسيح موجود فيها خارجا عن قوى الطبيعة والأشياء. إنه ياخذ مكانه تحت أعراض الخبز والخمر بطريقة إلهية تفوق إدراكنا. فجسده هو حقا طعامنا، ودمه هو حقا شرابنا. يسوع هو الصديق الذي يعطي ذاته. "ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل احبائه". يسوع بذل نفسه من أجلنا، وجعل ذاته في سر الإفخارستيا خبزا لنفوسنا. ماذا بوسعه أن يعطي أكثر مما أعطى: حياته، ذاته كلها، قلبه، دمه، ناسوته ولاهوته، نعيشه اليوم بالنعمة والإيمان، وغدا بعد الموت بالمجد الأبدي والعيان".
قال بولس الرسول:
"من أكل خبز الرب أو شرب كأسه ولم يكن أهلا لهما فقد أذنب إلى جسد الرب ودمه. فليختبر الإنسان نفسه، ثم ياكل هكذا من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس. فمن أكل وشرب وهو لا يُميّز جسد الرب، أكل وشرب الحكم على نفسه" (1 كو 11/27-29)
وقال القديس فولجنسيوس الأسقف "في الرد على تعاليم فابيانوس: " ... إن محبة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا (روما5/5). إن مشاركتنا نفسها في جسد الرب ودمه، عندما نأكل من هذا الخبز ونشرب من هذه الكأس، تعني أننا نموت عن العالم، وأن حياتنا تصبح محتجبة مع المسيح في الله (كولوسي 3/3) وأننا نصلب جسدنا بما فيه من أهواء وشهوات (غلا 5/24).
وبهذا الصدد قال القديس أمبروزيوس:
"بحسب سُنّة الطبيعة تلد المرأة من الرجل. ومن الواضح أن البتول ولدت على غير سُنّة الطبيعة. وجسد المسيح هذا المولود من بتول على غير سُنّة الطبيعة هو موجود أيضا في الإفخارستيا وعلى غير سُنّة الطبيعة. قال الرب يسوع مساء خميس الأسرار: "هذا هو جسدي" فالخبز الذي كان بين يديه كان خبزا قبل نُطقه بكلمات النقديس، وبعد نُطقه بها صار الخبز جسده وصارت الخمرة دمه، كما قال. فليعترف العقل إذا بما ينطق به الفم، وليقرّ الوجدان بما يسمعه عبر الكلام".
فنحن لسنا آكلي لحوم بشر، بل نحن نأكل المسيح الإله الإنسان طعاما روحيا وحياة لنفوسنا وعربونا للحياة الأبدية بطريقة معجزة، بحسب ما أراد المسيح، لا يدركها إلا المؤمنون.
266
ماذا نعني بكلمة "المادة" في سر القربان؟
المادة في سر القربان هي الخبز والخمر. ويجب أن يكون الخبز من القمح الصافي غير المخلوط وأن يكون فطيرا غير مختمر. وأن يكون النبيذ من نبيذ الكرمة (لو 22/18) وأن يكون طبيعيا غير مخلوط بمواد أخرى.
كانت الكنيسة، في القرون الأولى، تستعمل الخبز من العجين المختمر، إلا أن الكنيسة في الغرب أخذت تستعمل العجين "العويص" منذ القرن الثامن، كما كان واقع حال الخبز الذي استعمله السيد المسيح مساء خميس الأسرار، أي الخبز الفطير غير المختمر كما استعمله اليهود ويستعملونه اليوم في الإحتفال بفصحهم. ونقرأ في القانون 924 من مجموعة الحق القانوني بهذا الصدد ما يلي:
"البند 1 – يجب أن يحتفل بالذبيحة الإفخارستية المقدسة بالخبز، وبالخمرالذي يجب مزجها بقليل من الماء.
البند 2 – يجب أن يكون الخبز من الحنطة الخالصة ومخبوزا حديثا، بحيث لا يكون عليه من خطر للتعفن.
البند 3 – يجب أن يكون الخمر طبيعيا من عصير الكرمة وألا يكون فاسدا".
267
كيف تتم المناولة تحت الشكلين؟
تتم المناولة تحت الشكلين بأن يغمس الكاهن القربانة بالدم الزكي ويضعها في فم المتناول قائلا: "جسد ودم المسيح". هذه الطريقة تعود إلى القرن الثالث. وقد سمح البابا بولس السادس العودة اليها بعد المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1965. وبهذا الشأن، فقد نص القانون 925 من مجموعة الحق القانوني على ما يلي:
"تمنح المناولة المقدسة تحت شكل الخبز وحده، أو تحت الشكلين، بموجب أحكام القوانين الليتورجية، أو تحت شكل الخمر وحده أيضا، في حالة الضرورة".
268
متى يتحول الخبز إلى جسد المسيح ومتى يتحول الخمر إلى دمه؟
كلام التقديس الذي يتلوه الكاهن على الخبز والخمر هو كلام المسيح، وله قوة كلام المسيح وفاعلية كلام المسيح. فيسوع بقوله من خلال كاهنه: "هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم. هذه هي كاس دمي، دم العهد الجديد" يحوّل جوهر الخبز والخمر إلى جسده ودمه ونفسه ولاهوته أي إلى كيانه الإلهي والإنساني. فحضور يسوع في سر القربان يبدأ عند لحظة التقديس ويستمر ما دامت أعراض الخبز والخبز باقية. فالقربان يحتوي جسد المسيح. وجسد المسيح ليس جسدا ميتا، وليس دمه دما ميتا، بل هو المسيح الإله الإنسان، في هذا الجسد وفي هذا الدم. وأما وجوده في القربان فهو على شاكلة وجود الجوهر في الأشياء. المسيح حاضر في كل من الأشكال وفي كل حزء منها بحيث لا يتجزأ المسيح إذا تجزأ الخبز (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1377).
269
ما الفرق بين المناولة تحت شكل واحد والمناولة تحت شكلين؟
نحن نؤمن أن يسوع المسيح الإله الإنسان موجود جوهرا في حقيقته الإلهية والإنسانية تحت شكل الخبز، وهو موجود أيضا بحقيقته وجوهرا تحت شكل الخمر، فالمناولة تحت شكلين لا تُضيف شيئا على التناول تحت شكل واحد. فالسيد المسيح ليس موجودا جزئيا تحت شكل الخبز وجزئيا تحت شكل الخمر. إنما المسيح موجود كله في كل الخبز، وموجود كله في كل الخمر، وموجود كله في كل جزء منهما.
إلا أنه في المناولة تحت الشكلين تعبير أوفى عن ذبيحة العهد الجديد حيث سُفك دم المسيح كاملا على الصليب فانفصل دمه كاملا عن جسده، وعن العلاقة القائمة بين الوليمة الإفخارستية ووليمة الدهر الآتي في ملكوت الآب. ولذلك، للتعبير عن هذه الرموز وعن إيماننا بها، يُفضل أن تكون المناولة تحت الشكلين. ولكن من الناحية العملية نظرا لكثرة المؤمنين المتقدمين من التناول، ولكي لا يطول انتظار المؤمنين لاختتام القداس، درجت العادة في رعايا كثيرة أن تعطى المناولة أيام الآحاد والأعياد تحت شكل واحد.
إلا أنه من الملاحظ أيضا أنه أصبح لدى العديد من الكنائس كؤوس للقربان، فيها يوضع كأس صغير للدم المقدس، مما يسهل المناولة تحت الشكلين بحيث لا تأخذ المناولة وقتا طويلا. ونحن نشجع جميع كهنة الرعايا على الحصول على هذا النوع من كؤوس القربان لكي تُعطى المناولة دائما للمؤمنين تحت الشكلين.
270
ما هو الصوم المطلوب للتناول؟ أرى بعض الناس يعلكون في الكنيسة ويتقدمون للمناولة فهل يجوز ذلك؟
القانون رقم 919 من مجموعة الحق القانوني يجيب على السؤال كما يلي:
"1 – على المُقبِل على تناول الإفخارستيا المقدسة أن ينقطع لمدة ساعة واحدة على الاقل قبل المناولة المقدسة عن كل طعام وشراب، عدا الماء والدواء.
2 – يستطيع الكاهن الذي يحتفل بالإفخارستيا المقدسة مرتين أو ثلاثا في اليوم الواحد، أن يتناول شيئا ما قبل الاحتفال الثاني أو الثالث، وإن لم يكن يفصل بينهما مدة ساعة واحدة
3 – يستطيع كبار السن والمرضى والقائمون على رعايتهم أن يقبلوا الإفخارستيا المقدسة وإن كانوا قد تناولوا طعاما خلال الساعة السابقة.
أما العلكة فهي ليست طعاما، إلا أن إبقاءها في الفم عندما يحضر المؤمن ذبيحة القداس فإنما يدل على قلة احترامه للكنيسة وللمسيح في القربان ولقدسية الإحتفال الليتورجي. فلا يجوز على الإطلاق أن تكون علكة في الفم لدى حضور القداس أو أية رتبة ليتورجية. ويجب على الوالدين ومعلمي التعليم المسيحي أن يعلموا الاطفال كيف يجب أن يتصرفوا في الكنيسة ويحترموها.
271
عندما نقبل المناولة نجيب الكاهن قائلين "آمين" فما معنى ذلك ولماذا كثيرون لا يجيبون؟
في ذبيحة القداس، عندما يتقدم المؤمن للتناول، يرفع الكاهن القربانة المقدسة ويقول: "جسد المسيح" فيجيب المتناول "آمين". ولكلمة "آمين" أصول لاتينية ويونانية وعبرية وهي تعني إعلان إيمان المتناول بكل قلبه بأن هذا هو جسد المسيح حقا. إنه يؤكد علنا ورسميا في تلك الساعة إيمانه بوجود المسيح حقا تحت شكل الخبز.
من المؤسف حقا أن كثيرين لا يجيبون "آمين". وأعتقد أن السبب هو إما الجهل وإما النسيان وإما الفتور في العبادة والإيمان. وعلى الكهنة ومعلمي الدين المسيحي أن يذكّروا المؤمنين بواجب إعلان إيمانهم بيسوع في سر القربان عندما يتقدمون للمناولة.
272
في كثير من البلاد سمحت الكنيسة أن يأخذ المؤمنون القربانة بأيديهم ثم يضعونها في أفواههم. ونرى الكثير من الحجاج الأجانب يفعلون ذلك في كنائسنا. فلماذا لا تسمح الكنيسة بالمناولة بهذه الطريقة في بلادنا؟
في العصور الأولى كانت تُعطى المناولة باليد، أي كان المؤمن يأخذها بيده ثم يضعها في فمه. ثم دخلت العادة بأن يناول الكاهن المؤمنين مباشرة في الفم، وذلك احتراما للقربان وللتناول بتقوى وخشوع. ولم يعد مسموحا أن يتناول المؤمنون باليد مباشرة. بعد المجمع الفاتيكاني الثاني طلب أكثر من 200 أسقف من أساقفة اوروبا وأمريكا الشمالية أن يسمح قداسة البابا بالمناولة مباشرة باليد فأعطى قداسته الإذن سنة 1977. الكنيسة عادت وسمحت بالتناول باليد. والأسقف المحلي في بلادنا هو صاحب القرار للسماح بما سمحت به الكنيسة في بلاد أخرى.
أما المخاطر التي ترافق ذلك، والتي لا تشجع على السماح بالمناولة باليد في بلادنا فهي:
1 – قد يأخذ المتناول القربانة باليد ويتظاهر بأنه يتناولها ثم يضعها في جيبه أو في محرمة. وقد فعل ذلك أطفال أصابهم الهوس بأن يكون لديهم "مجموعة" من البرشان المكرس، إلى جانب مجموعة الطوابع.
2 – على وجه العموم، إن عامة المؤمنبن الذين يتناولون باليد انما يتناولون بتقوى وعبادة. ولكن هنالك أيضا من يأخذ القربانه بيده ولا يكترث للقطع الصغيرة التي قد تعلق بيده وتسقط على الارض. فالبرشان في بلادنا يترك قطعا صغيرة كثيرة. وهناك من يأخذ القربانة ولا يتناولها... وقد أرسل عبدة الشيطان بعض أتباعهم للتناول ولأخذ برشانة مكرسة لكي يُمعِنوا في تدنيسها.
ولذلك يجب على رعاة النفوس أن يذكّروا المؤمنين مرارا وتكرارا على وجوب احترام القربان وعلى التقدم من المناولة بإيمان وعلى وضع القربان حالا في الفم بتقوى وخشوع . وسنة 1980 ذكر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني أن هنالك حالات مؤسفة وقلة احترام للقربان ناتجة عن المناولة باليد مباشرة، ووجه الملامة ليس فقط إلى المتناولين ولكن أيضا إلى رعاة نفوسهم.
273
كم مرة يجوز لي أن أتناول في اليوم الواحد؟
يستطيع المؤمن أن يتناول مرتين في النهار شرط أن يحضر القداس وفقا لما نص عليه القانون 917 من مجموعة الحق القانوني:
"يجوز لمن يتناول الإفخارستيا المقدسة أن يتناولها مرة أخرى في اليوم الواحد، على أن يكون ذلك خلال الإحتفال الإفخارستي الذي يشارك فيه، مع مراعاة احكام القانون 921، البند2"
ونص البند 2 من القانون 921 على أنه إذا كانت حياة المؤمن معرضة للخطر المباشر، فإنه يستطيع أن يتناول حتى لو كان قد تناول مرتين في اليوم، على اعتبار أن المناولة الثالثة هي الزاد الأخير في حياته.
274
تقول الوصية: "تناول القربان الأقدس قلّما يكون مرة واحدة في المدة الفصحية" فإذا لم أتناول هل أرتكب خطيئة مميتة؟
نص القانون 920 من مجموعة الحق القانوني على ما يلي:
"1 – يُلزَم كل مؤمن، بعد قبوله المناولة الأولى، بواجب قبول المناولة المقدسة مرة واحدة في السنة على الأقل.
2 – وعليه أن يقوم بهذا الواجب خلال الزمن الفصحي، إلا اذا قام باتمامه في وقت آخر من السنة لسبب صوابي".
المناولة "قلما يكون مرة واحدة في السنة في الأيام الفصحية" هو الحد الادنى، لكي لا ترتكب معه خطيئة مميتة إذا لم تتناول. فإذا مرت السنة ولم تتناول قلما يكون مرة واحدة، وفي الأيام الفصحية إن أمكن، فأنت ترتكب خطيئة مميتة. ولكن هذا لا يعني أن المؤمن يكون مرتاح البال إذا اكتفى بمناولة واحدة في المدة الفصحية. فالمسيحي الصالح يتقدم للمناولة بضمير طاهر وتقوى وإيمان، أيام الآحاد والأعياد، وفي أيام الاسبوع إذا تمكن من حضور القداس. وإليك ما تقوله لك في كتاب "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
"تُلزم الكنيسة المؤمنين بأن يشتركوا في الليتورجيا الإلهية أيام الآحاد والأعياد" وأن يتناولوا الإفخارستيا أقله مرّة في السنة، في الزمن الفصحي إذا أمكن ذلك، ويستعدوا لها بسر المصالحة. بيد أن الكنيسة تحث المؤمنين بشدة على أن يتناولوا الإفخارستيا المقدسة أيام الآحاد والأعياد، بل اكثر من ذلك أيضا، وحتى كل يوم" (رقم 1389).
وتشجيعا للمناولة المتواترة، فإن القانون 917 من مجموعة الحق القانوني للكنيسة اللاتينية يتيح للمؤمن الذي يحضر اكثر من قداس في اليوم، أن يتناول مرة أخرى.
275
عندنا "شدايقة، يساعدون الكاهن في توزيع المناولة ... فما هي صلاحياتهم؟ هل يجوز للعلمانيين أن يساعدوا الكاهن في المناولة، وأن يفتحوا باب القربان ويحملوا المناولة إلى المرضى دون أن يكونوا شدايقة؟
السلطة الكنسية أعطت الشدايقة في بلادنا صلاحية مساعدة الكهنة في توزيع المناولة اثناء القداس وصلاحية حمل القربان إلى البيوت لمناولة المرضى. لذلك يحق للشدياق أن يفتح باب القربان وأن يحمل القربان إلى الهيكل وأن يساعد الكاهن في مناولة الشعب في القداس، كما يحق له أن يطهر الكؤوس الفارغة بكل ورع وتقوى وإيمان. ولكن، كما تعلم، فإن الشدايقة اصبحوا شمامسة.
أما العلمانيون فبإمكانهم أن يساعدوا الكاهن في توزيع المناولة على المؤمنين في القداس بإذن خاص من رئيس الابرشية. وهذا الإذن لم تمنحه السلطة الكنسية في بلادنا بعد، لأنها لا ترى ضرورة لذلك.
276
هل يجوز للمُطلَّق المتزوج أن يحضر القداس؟ وهل يجوز له أن يتناول؟
إن الكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بالطلاق سواء كان قرار الطلاق صادرا عن سلطة مدنية أم سلطة كنسية. ولذلك فانها تعتبر المُطلَّق المتزوج بعد طلاقه في حالة خطيئة زنى علني، وبالتالي لا يحق له أبدا أن يتقدم من المناولة لأنه في حال الخطيئة المميتة العلنية. وإذا تقدم للمناولة، فعلى الكاهن أن يرفضها له ولا يحق له أن يناوله.
أما بالنسبة لحضور القداس وسماع كلمة الله فلا بأس إذا حضرها، بل يُفضل أن يحضرها لعله يتجاوب مع نعمة الله ويعود إلى صواب الإيمان واصلاح وضعه مع ضميره ومع الكنيسة. ولكنه لا يحق له أن يقوم بأي دور في القداس وفي ليتورجية الأسرار الأخرى.
277
إذا حدث ووقعت القربانة على الأرض وقت المناولة، ماذا يجب على الكاهن أن يفعل؟
المطلوب من الكاهن أو الشماس او الشدياق الذي يناول أن يهتم بالقربانة التي تسقط على الأرض وأن يضع المحرمة فوق المكان الذي سقطت فيه كي لا يدوس أحد على ما تناثر من قطع صغيرة من البرشانة المكرسة. وبعد القداس او حالا بعد المناولة ينظر الكاهن هل من قطع صغيرة مرئية على الأرض فيأخذها ويتناولها ثم يغسل مكان سقوط القربانه كي يتأكد من عدم بقاء أية قطعة صغيرة، لأننا نؤمن أنه مهما كانت القطعة صغيرة فإنها جسد المسيح. وقد ورد في الاحكام العامة لكتاب القداس الروماني رقم 239 ما يلي:
"إذا سقط على الأرض قربان أو شىء من القربان، وجب التقاطه عن الأرض باحترام كبير...".
إهمال التقاط القربانة بورع وإيمان وخشوع إذا ما سقطت على الارض مؤسف حقا. قداسة البابا يوحنا بولس الثاني نبّه الكهنة على وجوب الإهتمام اللائق بالقربانة التي تقع على الأرض وبما يتناثر منها من قطع في رسالته التي وجهها اليهم سنة 1980 تحت عنوان "عشاء الرب" حيث ركّز قداسته على أهمية احترام القربان والتعامل معه بما يليق من اهتمام وتقوى وإيمان.
إنه لمن الضروري أن ينتبه خدام الإفخارستيا لكل ما يقومون به من حركات على الهيكل، وخصوصا عندما يحملون بايديهم جسد الرب ودمه، وعندما يوزعون القربان على المؤمنين ويطهرون الكؤوس والآنية المقدسة. لكل تلك الحركات معان روحية وإيمانية سامية ومؤثّرة.
278
نرى جميع الناس يتقدمون للمناولة ... وقليلون منهم يتقدمون إلى كرسي الاعتراف، ما رايك؟
مما لا شك فيه أن عدد الذين يعترفون في تناقص، بينما عدد الذين يتناولون في تزايد ملموس. لكننا لا نستطيع ولا يحق لنا أن نحكم على ضمائر المؤمنين، وإنما واجبنا أن ننبههم من حين إلى آخر بأن المناولة لا تجوز إلاّ للمؤمن الذي يكون في حال النعمة، وأن من يتناول وهو في حال الخطيئة المميتة إنما يرتكب خطيئة وجريمة ونفاقا.
نتمنى أن يكون جميع المتناولين في حال النعمة. إنهم يتحملون مسؤوليتهم كاملة أمام الله. وبدلا من أن نقف حُكّاما على ضمائر الناس فلنصلِّ من أجلهم كي يدركوا أنه يجب عليهم أولا أن ينالوا الحلة من خطاياهم قبل أن يقتربوا من مائدة الرب. فعلى الكهنة أن ينبهوا المؤمنين إلى ذلك مرارا وتكرارا.
279
متى يجوز عرض القربان للسجود ؟ وهل يجوز للعلماني أن يفتح بيت القربان ويصمد القربان على الهيكل ثم يعيده إلى مكانه؟
أولا – لكي يُعرض القربان على الهيكل للسجود والعبادة، يجب أولا تحضير الهيكل فيوضع عليه "شعاع القربان" وستة شموع ثلاثة من كل جهة، ولا يكون على الهيكل أي شيء آخر، لا صليب ولا ورود. وأما "شعاع القربان" فهو وعاء من معدن ثمين يكون عادة شبيها بقرص الشمس، له قاعدة، وفي وسطه حق صغير مستدير يتسع للقربانه، فيه يوضع القربان.
ثانيا – يجوز صمد القربان للسجود والعبادة في الأوقات التي يحددها كاهن الرعية أو رئيس الدير في الأديرة. ويصمد القربان عادة على الهيكل الرئيسي في الكنيسة أو على هيكل معبد الدير. ثم يرتل المؤمنون معربين عن إيمانهم تراتيل للقربان ويقيمون صلوات أخرى تتخللها اوقات كافية من الصمت لكي يتمكن المؤمنون من مناجاة المسيح في القربان كما يشاؤون.
ثالثا - تُبيّن التعليمات الليتورجية أن صلاحية صمد القربان محصورة في الكاهن والشماس. ولكن يستطيع الأسقف، إذا دعت الضرورة الى ذلك، أن يعطي الصلاحية أيضا للشدياق. وقد أعطيت هذه الصلاحية للشدايقة في أبرشية البطريركية اللاتينية، ولكن لا يحق للشدياق أن يبارك المؤمنين بالقربان في ختام ساعة السجود.
رابعا – الأسقف المحلي يعطى عادة الصلاحية للراهبات والمكرسات لكي يصمدن القربان في أديرتهن وفي ساعات السجود الخاصة التي يقمن بها. ولكن ليس لهن الصلاحية أن يصمدن القربان للرعية. فهذه الصلاحية تعود إلى الكاهن والشماس والشدياق المفوض.
وفي بلادنا، تشجيعا للراهبات والرهبان في مختلف أديرة الابرشية، فقد أعطى الأسقف المحلي لكل من طلب الإذن من رؤساء ورئيسات الأديرة أن يصمدوا القربان في أديرتهم لكي يتمكن الرهبان والراهبات في أديرتهم من السجود والعبادة الجماعية للقربان.
خامسا – أما بالنسبة للعلمانيين، فلم يُسمح بعد الأسقف المحلي لأي منهم بصمد القربان لعدم توفر أسباب موجبة لذلك.
280
هل من الضروري إضاءة قنديل في كنائسنا؟
نعم من الواجب اضاءة قنديل أمام بيت القربان إذا كان القربان فيه. وقد ورد بهذا الصدد في كتاب "قداس الأحد في رعيتي" صفحة 107:
"القنديل المشتعل أمام بيت القربان يشير إلى وجود يسوع فيه نورا للعالم، وهو يرمز إلى حبنا له وإيماننا به تحت شكل الخبز. ولذلك إذا كان بيت القربان فارغا، فلا تجد أمامه قنديلا مشتعلا. وأنت عندما تدخل الكنيسة وترى القنديل مشتعلا أمام بيت القربان، إعرف أن يسوع هناك. وعندئذ تركع وتسجد وتصلي وتُعبر عن حبك وعن تقواك له".
وكذلك نص القانون 940 من مجموعة الحق القانوني على ما يلي:
"أمام بيت القربان، حيث تحفظ الإفخارستيا المقدسة، يجب أن يوقد دائما قنديل خاص، رمزا الى حضور المسيح وإكراما له".
281
نرى في بعض الكنائس بيت القربان في مكان الصدارة، خلف الهيكل، وفي بعض المعابد الصغيرة يضعونه في زاوية المعبد. وفي اعتقادي أن المسيح في القربان هو صاحب البيت ويجب أن يكون في مكان الصدارة، ألا تشاطرني هذا الرأي؟
نعم، أشاطرك الرأي. وقد نص بهذا الشان البند الثاني من القانون 938 من مجموعة الحق القانوني:
"يجب أن يكون بيت القربان الذي تُحفظ فيه الإفخارستيا المقدسة موضوعا في مكان الصدارة من الكنيسة أو المصلى، وظاهرا للعيان، ومزينا بطريقة ملائمة، ومناسبا للصلاة".
ويجب أن يكون بيت القربان ثابتا إما في الحائط وإما على عامود. في الكنائس الكبيرة من المحبذ أن يكون القربان في معبد جانبي حيث يتمكن المؤمنون من السجود له بعيدا عن الضوضاء وحركة الذهاب والإياب. وأما في الكنائس الصغيرة والمعابد، وكنائسنا كلها صغيرة نسبيا، فيجب أن يتوسط بيت القربان صدر الكنيسة، في مكان مرتفع بحيث يسهل على المؤمنين أن يروه من مكان جلوسهم في الكنيسة.
282
هل يجوز إقامة القداس في البيوت؟
نص القانون 932 من مجموعة الحق القانوني بهذا الشأن على ما يلي:
1 – يقام الاحتفال الإفخارستي في مكان مقدس، ما لم تتطلب الضرورة في بعض الحالات الخاصة خلاف ذلك. وفي هذه الحالة يجب أن يتم الاحتفال في مكان لائق.
2 – يجب أن تقام الذبيحة الإفخارستية على هيكل مكرس أو مبارك. أما خارج المكان المقدس، فيمكن استخدام مائدة لائقة عليها غطاء ومنضدة.
حالة الضرورة قد تكون المرض والتقدم في العمر.
283
ما رأيك بالذين ياتون إلى القداس متأخرين، هل نعتبرهم حضروا القداس؟
من يتأخر عن الرسالة والإنجيل يجب أن يوبخه ضميره وألا يكون مرتاح البال. أما إذا جاء يحضر القداس بعد التكريس فلا يكون حضر القداس على الإطلاق. المبدأ العام يتطلب أن يحضر المسيحي القداس بالتمام من أوله وحتى آخره.، أي من ترتيلة الدخول وحتى البركة الأخيرة.
إن الله يعطي كلِّ إنسان 168 ساعة في الأسبوع، ويطلب من المسيحيين أن يخصّصوا له منها ساعة واحدة لحضور القداس يوم الأحد. ومن المؤسف جدا أن الكثيرين منهم يبخلون عليه بهذه الساعة أو "يقطشون" منها بضع دقائق فيأتون متأخرين، ما بعد الرسالة أو الإنجيل أو ما بعد العظة، أو يخرجون من الكنيسة قبل نهاية القداس.
284
هل يجوز أن أعتبر نفسي متمما لوصية الأحد إذا حضرت القداس في كنيسة شرقية غير كاثوليكية؟
نقرأ في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ما يلي:
"يتمم إلزام المشاركة في القداس كل من يحضر القداس المقام بحسب الطقس الكاثوليكي نهار العيد نفسه أو مساء اليوم السابق" (رقم 2180).
هذا في الظروف العادية، كما هو الحال في بلادنا. وأما اذا كان المسيحي الكاثوليكي في بلاد لا توجد فيها كنائس كاثوليكية، فعندئذ من المحبذ أن يحضر القداس في الكنيسة الشرقية غير الكاثوليكية.
285
هل يجوز أن أقبل الأسرار في كنيسة غير كاثوليكية وأن نتناول؟
للإجابة على السؤال نعود الى القانون 844 من مجموعة الحق القانوني الذي نص على ما يلي:
"1 - يجوز للخدام الكاثوليك منح الأسرار إلى المؤمنين الكاثوليك وحدهم، وبالمثل لا يجوز قبول الأسرار إلا عن يد الخدام الكاثوليك وحدهم ..."
"2 – كلما استدعت الضرورة ذلك، أو اقتضته فائدة روحية حقيقية، وبشرط تحاشي خطر الخطأ أو اللامبالاة، يجوز للمؤمنين، الذين يوجدون في ظروف مادية أو أدبية تحول دون اللجوء إلى خادم كاثوليكي، أن يقبلوا أسرار التوبة والإفخارستيا ومسحة المرضى عن يد خادم غير كاثوليكي، ممن توجد في كنيستهم بصورة صحيحة الأسرار المذكورة سابقا"
"3 – يجوز للخدام الكاثوليك منح أسرار التوبة والإفخارستيا ومسحة المرضى لأعضاء الكنائس الشرقية التي ليست على شركة تامة مع الكنيسة الكاثوليكية، إذا طلبها هؤلاء بصورة تلقائية، وكانوا مستعدين لها الإستعداد اللازم، وهذا يصح أيضا لاعضاء الكنائس الأخرى التي توجد، بحسب رأي الكرسي الرسولي، في وضع شبيه بوضع الكنائس الشرقية المذكورة سابقا، في ما يتعلق بالأسرار" (المادة 844 من مجموعة الحق القانوني).
286
اسمح لي أن أقولها "من الآخِر" القربان قضية إيمان. فإما أن نؤمن بفاعلية كلام المسيح وإما أن لا نؤمن. فهل أنا على صواب؟
أنت على صواب. نحن نؤمن بأن كل شيء ممكن لدى المسيح. أفكار الله ليست أفكار البشر. وكما تعلو السماء على الأرض كذلك تسمو طرق الله عن طرق البشر وأفكار البشر (أش 55/8-9). قال القديس كيرلس الأورشليمي:
"بكل اقتناع نشترك في جسد ودم المسيح ... نصير حَمَلة المسيح ما دام جسده ودمه يتسربان في أعضائنا، وبذلك حسب كلمة الطوباوي بطرس نصير شركاء في الطبيعة الإلهية ... لا تَعتَبِر هذا الخبز وهذا الخمر مواد عادية إنهما جسد ودم المسيح حسبما أعلنه بنفسه، ولو دفعتك حواسك على التفكير بأنهما أمور عادية. فليعطك الإيمان اليقين المطلق على أنهما جسد ودم المسيح. فلا تحكم على حقيقتهما بمجرد الذوق ولكن ليحملك إيمانك على اليقين الكامل بأنهما جسد المسيح ودمه ..."
287
تقول إحدى صديقاتي إن التغيب عن القداس يوم الأحد لم يعد خطيئة مميتة، فهل هذا صحيح؟ وهل من يغيب عن صلاة الأحد يرتكب دائما خطيئة مميتة؟
1 - قولي لصديقتك أن الكنيسة جعلت حضور القداس يوم الأحد والمشاركة فيه مع المؤمنين الزاميا لكي يمجّده المؤمنون في ذبيحة القداس، ذبيحة موت يسوع وقيامته. وبالطبع قد تكون هنالك أسباب موجبه لعدم الحضور، كالمرض مثلا. ففي هذه الحالة لا يكون الغياب عن القداس خطيئة.
نحن نؤمن أن يسوع مات على الصليب لكي يخلصنا من خطايانا. ونحن نؤمن أنه طلب من رسله في العشاء الاخير بعد تأسيسه سر القربان أن يصنعوا ما صنع تخليدا لذكره. كذلك نحن نؤمن ونعرف أن القداس هو مركزي في الحياة المسيحية الكاثوليكية، وأن له فاعليه عظيمة لدى الله الآب لخلاص النفوس، وأنه مصدر النعم. ولذلك فإن الكنيسة في القرن الرابع أمرت أن يحضر المؤمنون قداس الأحد تحت طائل الخطيئة المميتة. وقد نص التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية مؤكدا ما يلي:
"تُلزم الكنيسة المؤمنين بأن يشتركوا في الليتورجيا الإلهية أيام الآحاد والأعياد، وأن يتناولوا الافخارستيا أقله مرة في السنة في الزمن الفصحي إذا أمكن ذلك، ويستعدوا لها بسر المصالحة. بيد أن الكنيسة تحث المؤمنين بشدة على أن يتناولوا الإفخارستيا المقدسة أيام الآحاد والأعياد، بل اكثر من ذلك أيضا وحتى كل يوم" (1389)
"الوصية الأولى من وصايا الكنيسة (إحضر القداس بالتمام أيام الآحاد والأعياد البطالة ... )، تطلب من المؤمنين أن يقدسوا يوم تذكار قيامة الرب، وأهم أعياد الرب التي تكّرم أسرار الرب والعذراء الطوباوية مريم والقديسين، وذلك بالمشاركة أولا في الاحتفال الإفخارستي الذي تجتمع فيه الجماعة المسيحية ..." (2042)
"وصية الكنيسة تحدد شريعة الرب وتوضحها: "إن المؤمنين مُلزمون بواجب المشاركة في القداس يوم الأحد وأيام الأعياد الأخرى المفروضة. يُتمم إلزام المشاركة في القداس المقام بحسب الطقس الكاثوليكي نهار العيد نفسه او مساء اليوم السابق" (2180)
مطلوب من الإنسان المسيحي ألا يعيش منفصلا عن الجماعة المسيحية وأن يشاركها في ذبيحة القداس والإستفادة من النعم والعطايا والمواهب التي يجود بها الرب بغزارة فائقة على المشاركين بإيمان وتقوى وعبادة.
2 – أما بالنسبة لسؤالك الثاني: " هل من يغيب عن صلاة الأحد يرتكب دائما خطيئة مميتة؟ نجيب بأن شروط الخطيئة المميتة ثلاثة:
1 - المادة الثقيلة، وهي في حالتنا هذه، واجب حضور قداس الأحد
2 – الإنتباه إلى ما تعمل
3 – والرضى التام باتخاذ القرار.
فاذا توفرت هذه الشروط الثلاثة، يكون الغياب خطيئة مميتة. ولا يجوز للمسيحي أن يتقدم من المناولة قبل أن يريح ضميره ويطهّره بالندامة والاعتراف. ظروف كثيرة تجعل حضور القداس أمرا غير ممكن، مثل المرض أو التواجد في بلد ليس فيها كنيسة ... الخ وبالتالي لا يكون الغياب خطيئة.
288
عندما نعطي "حسنة قداس" لكاهن كي يقيم القداس عن نيتنا، هل يجب على الكاهن إقامة القداس عن هذه النية؟ وهل يحق له أن يجمع النيات كلها في قداس واحد؟
"حسنة القداس هي تقدمة مجانية يعطيها المؤمن للكاهن لمساعدته في معيشته. فالمؤمنون الذين يقدمون الحسنات ليقام القداس عن نياتهم إنما يساهمون في خير الكنيسة، ويشاركون بهذه التقادم في سد عبء الإنفاق على خدامها وأعمالها (القانون 946 من مجموعة الحق القانوني). وحسنة القداس وسيلة مادية توجّه المؤمن إلى المشاركة في الذبيحة والصلاة، فتنقلب المادة عندها شيئا روحيا يمكّنه من المشاركة والرجوع الى الله بتوبة صادقة.
وقد نص القانون 948 على أنه يجب على الكاهن أن يقيم "قداديس منفصلة عن نيات الذين من أجلهم قُدمت الحسنة، وتم قبولها، مهما كانت زهيدة".
ويوضح البند 2 من القانون 951 على أنه لا يحق للكاهن الذي يقيم قداسا آخر في اليوم الواحد، أن يقبل حسنة له، بأية صفة كانت.
ويوضح القانون 953 أنه لا يجوز لأحد ان يقبل لنفسه عددا من حسنات القداديس أكثر من تلك التي يستطيع الوفاء بها خلال السنة".
وخلاصة القول فإن الكاهن الذي يقبل الحسنة يلتزم، تحت طائل الخطأ الكبير، باقامة الذبيحة عن النية التي يريدها المؤمن الذي يعطيه الحسنة، ولا يحق له على الإطلاق ان يقيم قداسا واحدا عن مجموع الحسنات التي قبلها.
289
عندما يقيم الكاهن القداس من أجل الموتى: هل يجب أن يذكر اسم الميت في القداس؟ ومتى يجب أن يذكره؟
الكاهن الذي يقيم القداس ليس ملزما بأن يذكر اسم المتوفى، ولكن يكون ملزما بأن تكون نية القداس من أجله. ولكن يُفضّل أن يذكره لأن أهل الميت يجدون تعزية واطمئنانا إذا ما سمعوا الكاهن يذكر اسم فقيدهم.
ويمكن للكاهن أن يذكره في صلوات المؤمنين بعد الإنجيل وفي الصلاة الإفخارستية في المكان المخصص لذكر الموتى.
290
كثيرون لا يركعون في الكنيسة، فهل الركوع الزامي ؟ ومتى يجب أن يركع المؤمن؟ وما رايك بالكهنة والراهبات الذين لا يركعون ويكتفون بأن يحنوا رؤوسهم؟
قال صاحب المزامير: "للرب وحده يسجد جميع عظماء الأرض، وأمامه يجثو جميع الهابطين إلى التراب" (مز22/30). وكان العبرانيون يعتبرون الركبة رمزا لقوة الإنسان، والركوع تعبيرا عن الإعتراف بسلطان االله والعبادة والخضوع له. ولذلك كان الركوع لغير الله يعتبر ضربا من ضروب العبادة الوثنية. فعلينا أن نأخذ العبرة من العهد القديم ونركع ونسجد للرب بحيث يشترك في تمجيده الجسد والنفس والعقل والقلب والإرادة معا تعبيرا عن الحب والخضوع البنوي.
وكذلك في العهد الجديد. قال بولس الرسول إلى أهل فيليبي أن السيد المسيح وضع نفسه وأطاع حتى الموت... كيما تجثو لاسم يسوع كل ركبة في السموات وفي الأرض وتحت الإرض. ويذكر المؤرخ اوسابيوس في كتابه "في تاريخ الكنيسة" أن يعقوب أسقف أورشليم الأول قد صارت ركبتاه شبيهتين بخف الجمل لكثرة ما كان يصلي راكعا.
وقد حافظت الكنيسة اللاتينية على الركوع في ليتورجيتها وبنوع خاص في ذبيحة القداس. فهي تطلب أن يركع الكاهن والشعب في أوقات معينة. فيجب على المؤمن أن يركع للقربان لدى دخوله الكنيسة ولدى مغادرتها، وعند تلاوة كلمات التقديس وصلاة "يا حمل الله". وعلى الكاهن أيضا أن يركع لدى دخوله إلى الكنيسة ولدى وصوله إلى الهيكل لإقامة الذبيحة كما يجب عليه أن يركع بعد تقديس الخبز والخمر، وقبل أن يتناول جسد الرب وبعد إعادة القربان إلى بيت القربان بعد مناولة الشعب. وكلما دخل الكنيسة أو غادرها.
فالركوع في الكنيسة اللاتينية تراث كتابي ومسيحي، له معانيه المسيحية والمسيحانية. فعلى المؤمنين والكهنة، وعلى المكرسين والمكرسات أن يحافظوا على ما في الكنيسة من حركات ورموز ومعاني روحية، فيشركوا الجسد والنفس في تمجيد الله وفي الخضوع لإرادته القدوسة.
291
هل يحق للشعب أن يتلو مع الكاهن المجدلة الختامية في الصلاة الافخارستية: "فبالمسيح ومع المسيح وفي المسيح ... "؟
لا يحق للشعب أن يتلو مع الكاهن الذي يقيم الذبيحة المجدلة الختامية من الصلاة الافخارستية "فبالمسيح ومع المسيح وفي المسيح ..." لأن الصلاة الإفخارستية لا تجوز الا للكاهن المترئس وللكهنة المشاركين معه في إقامة الذبيحة. يستطيع المؤمن ان يقولها في قلبه جاعلا إياها صلاة فردية له، وليست صلاة جماعية رسمية له ولجماعة المؤمنين.
وقد تسربت العادة إلى عدد من رعايانا حيث يقول الشعب علنا وجهارا مع الكاهن المجدلة الختامية من الصلاة الإفخارستية. ويعتبر الكهنة مذنبين بذلك لأنهم مؤتمنون على ذبيحة القداس وعلى الليتورجية الكنسية ولا يحق لهم أن يسمحوا للشعب بأن يأخذ دور الكاهن مقيم الذبيحة ويتجاهلوا القوانين الليتورجية.
وقد نبهت الكنيسة مرارا بأن دور الشعب في الصلاة الإفخارستية هو أن يختمها بعبارة الموافقة والتأييد "آمين". قال القديس أغسطينوس بهذا الصدد: إن هذه ال "آمين" التي تعبر عن إيمان الجماعة المسيحية بحضور المسيح معهم حقيقة وجوهرا "تزعزع الهياكل الوثنية".
292
في أي عمر يلتزم الطفل بحضور القداس أيام الآحاد وأعياد البطالة؟
على الوالدين أن يصطحبوا أولادهم الى الكنيسة من صغرهم لكي يتعلموا منهم حب الكنيسة وعبادة الله، والتقوى والخشوع في الكنيسة. وعند بلوغهم سن التمييز أي حوالي السابعة من عمرهم يُلزمون بحضور القداس. وتفتح لهم أبواب الانتماء ألى الشبيبة أو إلى الحركة الكشفية في الرعية وخدمة الهيكل.
293
صديقي يرسل أولاده يوم الأحد لحضور صلاة المتجددين ويقول إن ذلك يوفي بوصية حضور القداس يوم الأحد، ويقول "كلها صلاة"، هل هذا صحيح؟
إن الخدمة التي تقوم بها الكنائس البروتستنطية، والفِرَق المتجددة ليست قداسا لانه ليس لديهم كهنوت ولا يؤمنون باستحالة الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه. وبالتالي فإن حضورها ليس مشاركة في ذبيحة القداس.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى إذا كان صديقك مهتما بتربية أولاده على التقوى والإيمان والعبادة، فيجب عليه أن يصطحبهم إلى الكنيسة لحضور القداس أيام الآحاد والأعياد، وأن لا يسمح لهم بأن يتربّوا على الإيمان خارج كنيسته. هذه مسؤولية كبيرة أمام الله. فهو مؤتمن على أولاده، ومؤتمن على تربيتهم في إيمانهم الكاثوليكي. ولا يحق له أن يتهرب من هذه المسؤولية الجسيمة. وتُعتبر مشاركة المتجددين في صلاتهم مشاركة في إيمانهم. وهم ينكرون إيمانك ويهدمونه بتعليمهم.
294
هل يستطيع المطران أن يعفيني من واجب حضور القداس يوم الأحد؟ او أن يبدله لي بيوم اخر؟
إن قداس الاحد هو قداس يوم الرب، فيه ترفع الكنيسة الكاثوليكية صلواتها من أجل جميع ابنائها في العالم كله طالبة لهم الخير والبركة والسلام. ولا يتمتع أي مطران بصلاحية اعفاء الناس من قداس الأحد. ولكن يستطيع المطران أو الكاهن أن ينير ضمير المؤمن وذلك بأن يشرح له ما هي الأعذار الشرعية التي تعفيه من فريضة حضور القداس يوم الأحد كالمرض مثلا، أو التواجد في بلد ليس فيه كنيسة أو ما شابه ذلك.
في دول الخليج، حيث يكثر المسيحيون ويشح عدد الكنائس والكهنة، بالاضافة إلى أن مسيحيين كثيرين لا يُسمح لهم بالذهاب إلى قداس الأحد، فقد سمحت الكنيسة أن تُعتبر قداديس يومي الجمعة والسبت بمثابة قداس الأحد، بحيث أن من يحضر القداس يوم الجمعة أو صباح يوم السبت، يُعتبر متمما لوصية الكنيسة.
وتطلب الكنيسة من أصحاب العمل المسيحيين أن يعطوا موظفيهم إجازة يوم الأحد أو على الاقل أن يسمحوا لهم بالقيام بواجب حضور القداس (راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 2187).
295
اذا حضرت يوم الأحد قداس المناولة الأولى أو قداس التثبيت أو قداس الإكليل: هل هذا يعني أني حفظت الوصية وحضرت القداس أيام الآحاد؟
نعم. لأن قداس الأحد هو قداس الأحد، مهما كانت المناسبة الليتورجية التي تُقام فيه، سواء كانت مناولة أولى أو تثبيت أو غيره من مناسبات خدمة الأسرار. فمن يشارك فيه يُتمم الوصية.
296
هل يجوز أن أقوم بحضور القداس يوم الأحد في كنيسة بحسب الطقس الشرقي الكاثوليكي؟
يستطيع المسيحي الكاثوليكي إن يحضر القداس في أية كنيسة كاثوليكية، مهما كان الطقس الليتورجي الذي تقام فيه الذبيحة. فالكنائس الكاثوليكية مع أنها تختلف في طقوسها الليتورجية إلا أنها تعترف كلها بإيمان واحد، إيمان القديس بطرس وخلفائه. وجميع الطقوس الليتورجية تتمتع بنفس الكرامة أمام الله والكنيسة بحيث أنه لا يوجد طقس ليتورجي أعلى أو أهم من الآخر. وقد ورد بهذا الشأن في وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني "دستور في الطقوس الدينية" رقم 4:
"إن أمّنا الكنيسة المقدسة تعتبر جميع الطقوس، المعترف بها اعترافا شرعيا، متساوية في الحقوق والكرامة".
297
لدى حضوري في الكنائس البروتستنطية، في بعض المناسبات، يدعو القسيس جميع الحضور إلى التقدم من المناولة، هل يحق لي أن أتناول؟
لا يجوز لك ذلك. فالكنائس البروتستنطية تفتقر إلى الكهنوت، ولا تؤمن بوجود المسيح حقيقة وجوهرا في القربان. القساوسة البروتستنط ليسوا كهنة، وبالتالي ليس لديهم سلطة تكريس الخبز والخمر ولا يؤمنون بالإفخارستيا. بالإضافة إلى ذلك فإن الكنيسة الكاثوليكية تعتبر أن المشاركة في التناول هي مشاركة في الإيمان والعبادة وهم لا يشاركوننا إيماننا بوجود المسيح في الخبز والخمر حقيقة وجوهرا.
298
لماذا تعتبر الكنيسة قداس السبت مساء قداسا ليوم الأحد؟
تعتبر الكنيسة قداس السبت مساء قداسا ليوم الأحد لكي تعطي الفرصة لأكبر عدد ممكن من ابنائها أن يحضروا ويشاركوا في ذبيحة القداس، مثل الممرضات والاطباء، وموظفي المخابز وسائقي الباصات العامة ورجال الشرطة والاطفاء ... الخ، الذين يجب أن يكونوا على رأس عملهم أيام الآحاد.
بالنسبة لقداس الأحد، فضّلت الكنيسة أن تحتسب اليوم الليتورجي، كما كان في القديم، أي أن اليوم الليتورجي يبدأ مع غروب الشمس وينتهي عند غروب الشمس. وعليه فيوم الأحد الليتورجي يبدأ مساء السبت وينتهي مساء الأحد. (راجع بهذا الشأن رقم 28 من وثيقة "سر القربان، الصادرة عن مجمع الليتورجية سنة 1967)
299
ما هي الأعمال الممنوعة أيام الآحاد وأعياد البطالة؟
نقرأ في "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2185:
"في الآحاد وأعياد البطالة، يمتنع المؤمنون عن الأشغال أو النشاطات التي تحول دون تقديم العبادة الواجبة لله، والابتهاج الملازم يوم الرب، وممارسة أعمال الرحمة، أو الراحة اللازمة للنفس والجسد. وتكوّن الضرورات الأسرية او الفائدة الإجتماعية أعذارا شرعية في فريضة الراحة يوم الأحد. ويجب أن يُعنى المؤمنون بأن لا تُدخِل الاعذار الشرعية عادات مضرة بالدين، وبالحياة الأسرية والصحة"
يقول القديس اغسطينوس:
"محبة الحقيقة تسعى إلى الراحة المقدسة، وضرورة المحبة تتقبل العمل القويم"
تناولت المادة 1247 من مجموعة الحق القانوني للكنيسة الكاثوليكية اللاتينية هذا الموضوع، وأكدت على واجب الاشتراك في القداس أيام الآحاد وأعياد البطالة الأخرى، وعلى الامتناع عن تلك الاعمال والأمور التي تحول دون تأدية العبادة لله، ودون الفرح الخاص بيوم الرب، أو الراحة الواجبة للعقل والجسد.
300
من هم الكاروبيم والساروفيم الذين كثيرا ما تذكرهم الليتورجيا في مقدمة القداس؟
الكاروبيم والسيروفيم هم الملائكة. نقرأ في العهد القديم ان الله أقام الكاروبيم لحراسة جنة عدن والطريق المؤدية إلى شجرة الحياة (تك 3/24). ولهم في الكتاب المقدس أدوار مختلفة: فهم يحرسون جنة عدن. وحزقيال يذكر الكاروب الحارس ( 28/16). ويذكر سفر الملوك الأول أن سليمان الملك وضع في محراب الهيكل كاروبيم من خشب الزيتون (1 مل 6/23) وجعل تابوت العهد تحت أجنحتهم (1 مل 8/6). وتابوت العهد يمثل عهد الله لشعبه. وكان ملاكان ذهبيان يسميان " الكاروبيم" (ملائكة الحراسة) يوضعان فوق تابوت العهد، وفي داخله لوحا الوصايا العشر. والكاروبيم والسيرافيم يزينون أيضا جدران الهيكل وأبوابه (1 مل6/29 ، 32/35). وذُكر عدة مرات في العهد القديم أن الله جالس على الكاروبيم (1 صم 4/4 ، 2 صم 61/2 ، مز 8/2). وكان تابوت العهد يمثل قداسة الله، ولهذا منع أي شخص أن يلمسه. ولما تجاسر عُزّا أن يلمسه مات حالا (2 صم 6/7) وخاف منه الفلسطينيون، وأرادوا التخلص منه بأية حيلة كانت (1 صم 5/1).
عندما تَرِد في مقدمات الآحاد والأعياد التعابير التالية:
القوات العلويّة
جوقات الملائكة
الملائكة ورؤساء الملائكة
العروش والسّيادات
جند الجيش السّماوي
ملائكة العُلى
قوّات السّموات
السّاروفيم الطوباويّون
فإن الليتورجيا تعني بها "الملائكة".
301
قال لي أحد الكهنة: "إن معظم حركات ومعاني ليتورجية القداس مأخوذة من سفر الرؤيا". فهل هذا صحيح؟
مما لا شك فيه أن عناصر كثيرة في ليتورجية القداس مأخوذة او مستوحاة من سفر الرؤيا. ومنذ القدم ربط آباء الكنيسة ما بين سفر الرؤيا والقداس لانهم يربطون ليتورجية الكنيسة المجاهدة على الإرض بليتورجية الكنيسة المنتصرة في السماء. نذكر على سبيل المثال:الهيكل ( رؤ 8/3 )، والثياب الليتورجية ( رؤ 4/4 )، والشموع (رؤ 1/12 )، والبخور (رؤ 5/8 )، والمن (رؤ 2/17)، والكؤوس (رؤ، الفصل 16 )، والعبادة يوم الأحد (رؤ 1/10)، ومكانة مريم العذراء في الكنيسة (رؤ 12/1-6)، وقدوس قدوس قدوس (رؤيا 4/8 )، والمجد لله في العلى (رؤ 15/3-4)، وإشارة الصليب (رؤ 14/1)، وهللويا (رؤ 19/3،6)، وقراءات الكتاب المقدس (رؤ الفصل الثاني والثالث)، وحمل الله الوارد ذكره مرارا وتكرار في سفر الرؤيا.
وكل هذه الأمور ليست أمورا عارضة أو ثانوية في سفر الرؤيا بل هي من صلب السفر ومن صلب الحقائق التي يعلّمها. كل ذلك نجده في الكنيسة الكاثوليكية، ونجده بنوع خاص في ذبيحة القداس.
302
نحن نقول: "قداس" ومرارا "ذبيحة القداس"، فماذا نعني بذلك؟
إن السيد المسيح حاضر في كنيسته بوجوه كثيرة: في كلامه، وفي صلاة الكنيسة، وفي الفقراء والمرضى والمساجين، وفي أسراره التي وضعها، وفي ذبيحة القداس، وفي خادم السر، وبأعلى درجة في الاشكال الإفخارستية.
نقول "ذبيحة القداس" أو "قداس" لأن القداس هو الاحتفال بذبيحة يسوع على الصليب لفداء البشر، وذلك بحسب وصية المسيح (لو 22/19، 1 كو 11/24). هذا الاحتفال، أي ذبيحة القداس هو ذكرى تجعل من حدث موت المسيح التاريخي الذي تمّمه المسيح مرة واحدة حدثا حاضرا اليوم. فهذه الذكرى ليست مجرد تذكير عقلي بمعنى نظري، وهي ليست تكرارا لذبيحة يسوع على الصليب، بل تجعل ذبيحته على الصليب حاضرة وبصورة غير دموية.
وتعلّم الكنيسة استنادا إلى كلام المسيح أن ما قدمه المسيح إلى رسله في العشاء السري تحت شكلي الخبز والخمر إنما هو جسده ودمه، أي بموجب مفهوم اللغات السامية شخصه الحقيقي، وبالتالي فان ذبيحة القداس تحت معطيات الخبز والخمر الملموسة تعني حضور المسيح حضورا حقيقيا. فالقداس هو، في آن واحد وبغير انفصال، التذكار الإفخارستي الذي تستمر به ذبيحة الصليب حاضرة، والوليمة المقدسة التي فيها نشترك في جسد الرب ودمه.
السيد المسيح قبل أن يغادر هذا العالم ، أراد أن يبقى معنا بطريقة سرية. وإذ كان مزمعا أن يقدم ذاته على الصليب لخلاصنا، أراد أن يترك لنا تذكار الحب الذي به أحبنا إلى أقصى الحدود (يو 13/1) ببذل حياته. فهو بحضوره الإفخارستي، يبقى سريا بيننا، بقاء من أحبنا وبذل ذاته لأجلنا، وذلك تحت الأشكال التي تعبّر عن الحب وتبثه" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1380).
4 - سر التوبة
303
سر التوبة سر يجهله الكثيرون. فهل لك أن تشرح لي باختصار ما هو سر التوبة؟
سر التوبة هو السر الذي فيه تمحو الكنيسة بسلطان المسيح المطلق، الخطايا التي ارتكبها الإنسان بعد العماد. سر التوبة ضروري للخلاص كوسيلة لجميع الذين ارتكبوا خطايا ثقيلة بعد العماد. كذلك من مفاعيل هذا السر أنه يَرُد الخاطىء عن الهلاك الأبدي ويمحو كل أو بعض العقوبات الزمنية المترتبة على الخطايا التي يغفرها السر، وذلك منوط بمحبة الإنسان الكاملة أو غير الكاملة لله. والخاطىء بارتكابه الخطيئة المميتة لا يعني أنه لم يَعُد بعد عضوا في الكنيسة، بل يعني أن فقدانه للنعمة يُغيّر صلته مع الكنيسة، فلا يحق له أن يتناول جسد الرب ودمه ولا أن يقبل سرا من الأسرار ما دام ضميره مثقلا بالخطيئة المميتة.
إن العلامة السرية الفعالة تقوم قبل كل شيء في الحلة التي يعطيها الكاهن. فهو يعطيها شفويا باعتبارها حكما قضائيا: "أنا أحلك من خطاياك"، وذلك بعد أن يقر التائب بخطاياه ويندم عليها. ويتطلب السر الإقرار بجميع الخطايا الثقيلة التي تثقّل ضمير التائب، ونوعها وعددها. وقد فرضت الكنيسة الاعتراف بصورة صحيحة مرة في السنة قلما يكون. ولكن هذا لا يعني أن مّن يبكته ضميره بخطيئة مميتة يحق له أن ينتظر نهاية السنة لكي يعترف ويريح ضميره من خطيئته.
أما السلطان المعطى للكاهن فهو يتضمن الحق والواجب بأن يفرض على التائب، حسب فطنته الروحية، تعويضا يوازي بشكل ما، ثِقل الخطيئة ومعطيات التائب الروحية. وهذا التعويض يُعطى قبل أن ينال التائب الحل من خطاياه، لكنه يتمّمه بعد مغادرة كرسي الإعتراف.
وأما خادم السر فهو الكاهن الذي بالإضافة إلى السيامة الكهنوتية، يفوضه الأسقف لسماع إعترافات المؤمنين. وتعطي الكنيسة هذا السلطان ضمن الحدود التي تريدها محتفظة بغفران بعض الخطايا لولاية أعلى، أو تُخضِعها لإذن خاص، مثل خطيئة الإجهاض، على سبيل المثال.
إن الكنيسة هي حضور المسيح وحضور نعمته الفعال في العالم. وسر المصالحة معها ومن خلالها هو التعبير الظاهر عن المصالحة مع الله. لهذا أُعطي لبطرس وللرسل سلطان الحل والربط: "نفخ فيهم وقال لهم: خذوا الروح القدس. مَن غفرتم لهم خطاياهام تُغفر لهم، ومن أمسكتم عليهم الغفران يُمسك عليهم" (يو 20/22-23)
304
سر التوبة يريح النفس، فلماذا الخوف منه؟ وهل الخوري يبوح بأسرار المعترفين لديه؟
1 - سر التوبة يريح الضمير لأنه سر المصالحة مع الله الرحيم الذي يغفر الخطايا، ويجود على التائب بالسلام والمصالحة معه ومع الكنيسة. الإقرار بالخطايا للكاهن عنصر جوهري من عناصر هذا السر:
"على التائبين أن يذكروا، في الإعتراف، كل الخطايا المميتة التي يتذكرونها، بعد محاسبة دقيقة للنفس، حتى وإن كانت هذه الخطايا حميمة جدا ... فهذه الخطايا تجرح النفس أحيانا بجرح أبلغ وأخطر من الخطايا التي إرتكبت بمشهد من الجميع" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 1456)
وبالإضافة إلى الإقرار بالخطايا فإن التوبة الباطنة هي إعادة توجيه جذرية للحياة كلها، أي أنها عودة واهتداء إلى الله من صميم القلب وأمساك عن الخطيئة وبُغض للشر وكره لما اقترفناه من أعمال ذميمة. وهي تنطوي، في الوقت نفسه، على الرغبة والقصد في أن نجدد حياتنا معتصمين برحمة الله، والثقة بمعونة نعمته.
2 - الآن: لماذا الخوف من سر الإعتراف؟ في اعتقادي أن الخوف يكون ناجما:
أ - إمّا عن الحياء من الإقرار بالخطايا، خصوصا تلك الخطايا المخالفة للوصيتين السادسة والتاسعة، أو عن الإقرار بالخطايا ضد الوصية السابعة.
ب - وإمّا عن عدم الثقة برحمة الله وبالتالي ينقص التائب القصد الثابت في عدم الرجوع إلى الخطيئة. فإذا لم يكن لديه هذا القصد الثابت فلماذا يذهب إلى كرسي الإعتراف؟
3 - وأما بالنسبة للشق الأخير من السؤال وهو: هل يبوح الكاهن بأسرار المعترفين لديه؟ فقد ورد في القانون 984 من مجموعة الحق القانوني، ما يلي:
البند 1– يُمنع المعرف منعا باتا من استخدام المعلومات التي حصل عليها بالإعتراف، والتسبب بالضرر للتائب، حتى متى انتفى خطر إفشاء السر.
البند 2– لا يستطيع من كان متقلدا للسلطة أن يستخدم بأية طريقة من الطرق، لِأهداف الحكم الخارجي، المعلومات التي يكون قد حصل عليها عن طريق الإعتراف، أيا كان وقتها.
ونص القانون 1388 من مجموعة الحق القانوني اللاتيني على ما يلي:
البند 1 - "يُعاقب بعقوبة الحرم، الصادرة بحكم تلقائي والمحفوظة للكرسي الرسولي، المعرِّف الذي ينتهك السر مباشرة . أما من انتهكه بصورة غير مباشرة فقط، فيعاقب بعقاب يتناسب وجسامة الجنحة".
فالكاهن مؤتمن ولا يبوح بما سمعه في كرسي الإعتراف. وعلى هذا الأساس يتوجه المؤمنون إلى سر التوبة للإقرار بخطاياهم. والخوري الذي يُفشي السر ويبوح بما يعلم ، حتى ولو لم يعلم به أحد فإنه يعرض نفسه لاقصى العقوبات الكنسية. ولم يُسمع قط أن كاهنا باح بسر الإعتراف. وكم من الشهداء في تاريخ الكنيسة بذلوا أرواحهم حفاظا على سر التوبة.
305
لماذا نقر بخطايانا للكاهن ولا نقر بها لله مباشرة ؟
الأسباب كثيرة:
1 - لِأن السيد المسيح أراد ذلك. ففي مساء أحد القيامة، ظهر لتلاميذه، الذين سامهم كهنة، مساء خميس الأسرار، وقال لهم: "خذوا الروح القدس، من غفرتم خطاياهم تغفر لهم ومن امسكتم عليهم الغفران يمسك عليهم" (يو 20/22-23). "يُمسَك عليهم" يعني أن خطاياهم لا تُغفر. فهل من طريقة بها يعرف الرسل وخلفاؤهم أية خطيئة تُغفر وأية خطيئة لا تُغفر إذا لم يقر التائب بخطاياه؟.
2 - لِأن الإقرار بالخطايا يُحطِّم كبرياء الإنسان وأنانيته ويزيده تواضعا. الإدعاء بالإقرار بالخطايا لله مباشرة لا يفيد شيئا لأنه من جهة، يُبقي الإنسان في دائرة أنانيته وكبريائه، ولأن الله من جهة أخرى ليس بحاجة لأن نقر له بخطايانا فهو يعرفها ويتألم منها أكثر منا ولكنه يريد بإقرارنا بها لدى ممثّله على الأرض أن يقودنا على طريق السلامة من توبة وندامة وتواضع ورحمة.
3 - عندما يقترن الإقرار بالخطايا بندامة صادقة، لا يكتفي الله بأن يغفر لنا خطايانا بل أيضا يجود علينا بنعم كثيرة تقوّى النفوس لكي نعود إلى مقارعة الشر متكلين عليه تعالى لا على أنفسنا، ومصممين على الانتصار بقوة نعمته.
4 – عندما يحلنا الكاهن - ممثل المسيح والكنيسة - من خطايانا، إنما يسوع في الكاهن هو الذي يحل ويكون الحل ضمانا على أن خطايانا قد غفرت حقا.
5 – بعدما يسمع الكاهن خطايانا، يسدي الينا النصح والإرشاد لكي نقاوم التجارب فلا نعود نسقط فيها، ويدعونا إلى حياة مسيحية أفضل من الماضي.
6 – المسيح من خلال كرسي الإعتراف يتوجه شخصيا إلى الخاطىء: "يا بني مغفورة لك خطاياك" (مر 2/5) فهو الطبيب الحاني على كل المرضى المحتاجين إليه ليبرأوا: يقيلهم من عثرتهم ويعيدهم إلى الشركة الأخوية. الإعتراف الفردي هو الصيغة الأمثل لإبرام المصالحة مع الله والكنيسة. (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1484).
سنة 1984 في رسالته العامة حول المصالحة وسر التوبة قال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني:
"إنه لمن الغباء أن يهجر الإنسان ينابيع الخلاص التي حدّدها السيد المسيح وأن يدّعي أنه ينال المغفرة والخلاص دون اللجوء إلى سر التوبة والمصالحة الذي أسّسه السيد المسيح لهذه الغاية."
306
هل يجب على المسيحي أن يقر بخطاياه الثقيلة للكاهن وعلى الكاهن أن يحله منها قبل أن يتقدم من المناولة ؟
نعم. لِأن النفس التي يبكّتها ضميرها بخطيئة مميتة هي نفس فاقدة لحياة النعمة، أي أنها ميتة بخطيئتها. والقربان هو طعام للأحياء وليس للأموات. فمن يتذكر أن عليه خطيئة مميتة، لا يحق له أن يتناول القربان الأقدس قبل أن ينال الحل منها في سر التوبة، حتى وإن أبدى ندامة كبيرة، ما لم يكن سبب خطير للتناول، وتعذر عليه الوصول إلى كاهن معرف. (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1457).
وهذه القاعدة في الكنيسة تنطبق ليس فقط على المؤمنين بل أيضا على الكهنة الذين يقيمون ذبيحة القداس. فقد ورد في القانون 916 من مجموعة الحق القانوني ما يلي:
"على من رأى أنه في حال الخطيئة الجسيمة، أن يمتنع عن الاحتفال بالقداس، وعن تناول جسد الرب، قبل الإعتراف السري، ما لم يكن هنالك سبب جسيم، ولا تتوفر له مناسبة للاعتراف. وعليه في هذه الحالة، أن يتذكر أنه ملزم بواجب القيام بفعل ندامة كاملة، تتضمن قصد الإعتراف بالسرعة الممكنة"
307
هل لا تزال الكنيسة مصرة على الإعتراف قلما يكون مرة في السنة؟ وهل أستطيع أن اعترف وأنال الحلة حتى عندما لا يؤنبني ضميري على أية خطيئة؟
نعم. فالاعتراف قلما يكون مرة واحدة في السنة لا يزال وصية من وصايا الكنيسة. وقد عبرت الكنيسة عن وصيتها هذه في القانون 989 من مجموعة الحق القانوني حيث قالت:
"يُلزم كل مؤمن، بعد بلوغه سن التمييز، بواجب الإعتراف بخطاياه الجسيمة، مرة واحدة في السنة على الاقل".
ونستنتج من هذا النص أن الإعتراف بالخطايا العرضية ليس ملزما حصرا. ولكن الكنيسة تحبذه بشدة كما ورد في البند الثاني من القانون 988. فالإعتراف المنتظم بخطايانا العرضية يساعدنا في تهذيب ضميرنا، ومكافحة ميولنا الرديئة، والتماس البر من المسيح، والتقدم في حياة الروح. ولا شك أننا إذا نلنا، بهذا السر، موهبة رحمة الآب، بطريقة متواترة، فذلك يدفعنا ويحملنا على أن نكون على مثاله رحماء.
يقول القدس اغسطينوس:
"مَن يعترف بخطاياه يعمل بمعية الله. فالله يشكو ذنوبك. فإذا شكوتها أنت أيضا فإنك تنضم إلى الله. فعندما يحدثونك عن الإنسان، فالإنسان من صنع الله. وعندما يحدثونك عن الخاطىء، فالخطيئة من صنع الإنسان. فدمِّر فيك ما صنعت لكي ينقذ الله فيك ما صنع ... عندما تبدأ تنبذ ما صنعت وتقر بما أسأت، حينئذ تبدأ حسناتك. وبداية الحسنات هي الإقرار بالسيئات. تصنع الحقيقة وتقبل إلى النور". (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1458).
308
ما رايك إذا أنا أعترفت بخطيئة ... وقال لي الكاهن أنها ليست خطيئة؟
من الصعب أن أجيب على هذا السؤال دون معرفة نوع الخطيئة المشار اليها. فالكاهن قد ينير ضميرك ويقول لك مثلا أن عدم تمكنك من حضور قداس الأحد لأنك كنت مريضا ليس بخطيئة، وهو محق بذلك.
وقد يقول لك أن موانع الحبل الاصطناعية ليست بخطيئة، وفي هذه الحالة فهو ينتهك تعليم الله والكنيسة. وبالتالي عليك أن تتوجه إلى كاهن آخر كي يرشدك "إلى الحق كله" وينقل لك تعليم كنيسة المسيح دون شطط ودون مواربة.
309
هل يجوز أن أقول فعل الندامة الكاملة على خطيئتي المميتة ثم أذهب للتناول؟ وهل يجوز أن اؤجل الإعتراف وأتناول؟ وما هو فعل الندامة الكاملة؟
أود أن أذكرك أولا بأن دعوة يسوع إلى التوبة إنما هي دعوة إلى تجديد القلب بالتوبة الباطنة. والتوبة الباطنة هي توجيه الحياة كلها إلى الله والإقلاع عن الخطايا. ومن أجمل مظاهر الندامة: التوبة والرجوع، ألم في النفس على إهانة الله الذي هو المحبة بالذات، وكره للخطيئة وعزم صادق على الإقلاع عنها وعدم الرجوع إليها. ولذلك تكون الندامة كاملة عندما تصدر عن حب لله يفوق كل حب. فهي ليست كلاما نقوله بل هي عاطفة في القلب وعزم صادق في الإرادة لحب الله وعدم الرجوع إلى إهانته ومعصيته.
الندامة تغفر الخطايا العرضية، والخطايا المميتة إذا تعذر الإعتراف بها ورافقها العزم الثابت على الإعتراف في أقرب فرصة ممكنة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1451 – 1452). ولكن من كان ضميره مثقلا بخطيئة مميتة فلا يحق له أن يتناول القربان الأقدس قبل أن ينال الحلة من خطيئته، حتى وإن أبدى ندامة كبيرة، ما لم يتعذرعليه الوصول إلى كاهن معرِّف. وهذا يعني أنه لا يجوز التناول بعد فعل الندامة الكاملة على خطيئة مميتة إلا بشرطين: الأول أن لا يكون الوصول إلى كاهن للاعتراف ممكنا، والثاني أن يكون هنالك سبب خطير يوجب التناول. وأما الأسباب فقد تكون خطورتها نسبية. مثلا في ظرف ليتورجي خاص، عندما يكون عدم التقدم إلى المناولة شكا كبيرا للمؤمنين.
310
في الأعياد الكبرى، وخصوصا في خميس الأسرار والجمعة العظيمة ، هل يجوز للكاهن أن يعفي المؤمنين من الإقرار بالخطايا وأن يعطيهم الحلة الجماعية عن خطاياهم؟
كلا، لا يجوز على الإطلاق . فالبند الأول من القانون 961 من مجموعة الحق القانوني اللاتيني نص صراحة على أنه لا يمكن منح الحلة العامة لتائبين كثيرين معا دون اعتراف فردي مسبق إلا:
أ – عند خطر الموت المحدق، عندما لا يكون الوقت كافيا ليقوم الكاهن أو الكهنة بسماع اعتراف كل تائب بمفرده.
ب – في حالة الضرورة القصوى عندما يبقى التائبون، دون ذنب منهم، محرومين لمدة طويلة من نعمة السر أو المناولة المقدسة. أعطيك مثلا، خارجا عن خطر الموت، حيث يتوفر السبب لإعطاء الحلة الجماعية: أنت كاهن في البرازيل، أوفدك المطران لتقدس أحد الفصح لرعية لا راعي لها تبعد عن أقرب كاهن مائة كيلومتر أو اكثر، يبلغ عدد الرعية خمسة الاف، وتجمعوا للاعتراف لكي ينالوا الحلة ويتناولوا المناولة الفصحية. ماذا يعمل الكاهن. إنه يسمع اعترافات عدد منهم. ولكونه لا يستطيع أن يعرفهم جميعا، ولا ذنب لهم في أنه لا يوجد عندهم كاهن رعية، ولا ذنب لهم في أن الكاهن الضيف يجب أن يغادر حالا بعد القداس، فإن هذا الكاهن يستطيع أن يعطي الحلة الجماعية بعد أن يُطلع المؤمنين على الشروط المطلوبة منهم. وهذه الشروط هي:
1 - أن يكون المؤمن مستعدا الإستعداد اللازم للاعتراف، وأن يقوم بفعل التوبة الصادقة على خطاياه.
2 – أن يكون لديه في ذات الوقت القصد بالإعتراف بصورة فردية وفي أسرع وقت ممكن بخطاياه الجسيمة، والتي يتعذر عليه الأن الإعتراف بها بهذه الطريقة.
فالبند (ب) من القانون المذكور يقول بصريح العبارة أن عدم توفر عدد كاف من المعرفين، كما هو الحال في الأعياد الكبرى أو مناسبات الحج الكبير، لا يعتبر ضرورة قصوى تتيح إعطاء الحلة الجماعية بدون الإقرار الفردي بالخطايا للكاهن في سر الإعتراف.
وأكد على ذلك مرة أخرى التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية بصريح العبارة إذ قال: "أما توافد المؤمنين في مناسبة الأعياد الكبرى أو في مناسبات الحج، فلا يشكل حالة من أحوال هذا الخطر المحدق" (1483).
فلا يجوز إذا للكاهن أن يعفي المؤمنين من الإقرار بالخطايا وأن يعطي الحلة الجماعية في مناسبة الأعياد لأن هذه الحالات لا تشكل حالات ضرورية قصوى. الكاهن في بلادنا موجود على مدار السنة، ومستعد لاستماع إعترافات المؤمنين في أوقات كثيرة من السنة. فلا وجود لمبرر للحلة الجماعية.
311
هل الوصايا العشرة لا تزال قائمة، أليست هي من العهد القديم وقد زالت بزواله؟ ولماذا تتمسك بها الكنيسة؟
الوصايا العشرة موجودة في العهد القديم وفي العهد الجديد. فقد ذكرها السيد المسيح مرارا (متى، الفصل 19 ،مر الفصل 10 ، لو الفصل 18). ففي انجيل متى، على سبيل المثال، نقرأ أن أحد الشباب الأغنياء سأل المسيح: ماذا أعمل من الخير لأنال الحياة الأبدية؟ ، فأجابه يسوع: إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. فقال له الشاب: "أي وصايا؟ قال له يسوع: لاتقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأمك، أحبب قريبك حبك لنفسك.
والكنيسة تحفظها:
"لأن الوصايا العشر تُعبّر عن واجبات الإنسان الأساسية تجاه الله وتجاه قريبه. إنها في جوهرها لا تقبل التغيير، وإلزامها ثابت في كل زمان وفي كل مكان. وليس في استطاعة أحد أن يُعفى منها. لقد طبع الله الوصايا العشر في قلب كل كائن بشري" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2072).
312
يجب أن يتبع الإنسان ضميره. ولكن إذا كان ضميره ضد وصايا الله وتعليم الكنيسة فهل يجب أن نتركه وشأنه بحجة أنه يجب أن يتبع ضميره وأنه حر في أن يقرّر ما يريد؟
ماذا يعني أن يتبع الإنسان ضميره؟
1 – المقصود أولا باتباع الضمير، اتباع الضمير المستقيم الذي يدعو دائما الإنسان إلى حب الخير وعمله، وإلى تجنب الشر. وبناء عليه، فإن كرامة الشخص البشري تتضمن وتقتضي استقامة الضمير الأخلاقي. والضمير الأخلاقي ينطوي على إدراك المبادىء الأخلاقية وعلى وجوب تطبيقها. والضمير المستقيم هو الذي يبكت الإنسان على شر صنعه ويدعوه إلى التوبة إلى الله الطويل الأناة والكثير الرحمة. هذا هو "الضمير الأخلاقي". فيجب على الإنسان أن يتبع بأمانة ما يعلم أنه قويم وحق. وعليه أن يدرك ويعرف رسوم الشريعة الإلهية بحكم ضميره. والضمير هو المركز الأشد عمقا وسريّة في الإنسان. وهو الهيكل الذي ينفرد فيه مع الله ويسمع فيه صوت الله الذي يكلمه "من وراء الستار".
أما بالنسبة لحق الإنسان في الحرية الدينية، فلكل فرد الحق في أن يبحث عن الحقيقة في الشؤون الدينية حتى يتمكن بالوسائل الملائمة من أن يكوّن حكما ضميريا مستقيما وصادقا. وأما في ممارسة الحرية الدينية، فقد يخرج الإنسان عن الصواب ويتصرف تصرفات غير مسؤولة لا يراعي فيها حقوق الغير والصالح العام. ولذلك لا بد من التنويه إلى أن للمجتمع المدني حقا في أن يحمي نفسه مما قد يصدر نتيجة سوء الممارسة، تحت ستار الحرية الدينية، فللسلطات المدنية أن تضمن هذه الحماية، لكن بغير استبداد أو محاباة فريق على حساب فريق آخر، وإنما وفقا للقوانين الشرعية التي تطابق النظام الأدبي الموضوعي والتي توفر الحماية الفعالة لحقوق المواطنين جميعا، وترابطهم السليم، مع الحرص التام على استتباب الأمن الحقيقي وسيادة العدالة الحقيقية، لصيانة الأخلاق العامة، وكل ذلك جوهري للصالح المشترك في المجتمع ومن قواعد النظام العام" ( بيان في الحرية الدينية للمجمع الفاتيكاني الثاني 3 – 7)
313
سمعت أنه إذا خالف أحد إحدى الوصايا خالف الوصايا كلها، كيف يكون ذلك؟
هذا الكلام ورد في رسالة القديس يعقوب الرسول:
"من حفظ الشريعة كلها وأخل بأمر واحد منها أخطأ بها جميعا، لأن الذي قال: "لا تزن" قال أيضا: "لا تقتل". فإن قتلت ولم تزن، كنت مخالفا للشريعة" (يع 2/ 10-11)
كان اليهود يعتبرون أن كل وصية من الوصايا مستقلة عن الأخرى. وعندما يحفظ اليهودي واحدة منها فإنه يكسب أجرها عند الله، وإذا خالف واحدة أخرى لا يضيع أجر الأولى بل يخسر فقط أجر التي خالفها. ثم يجمع كل ما حفظ من وصايا ويجمع كل ما خسره بسبب مخالفته للبعض منها، ويجمع ويطرح ويرى هل هو في النتيجة رابح أو خاسر. إنه ينظر إلى الوصايا نظرة تجارية، وكأن القضية قضية بيع وشراء، ربح وخسارة. ولكن اليهود كانوا يقولون أيضا أن من يحفظ يوم السبت فإنه يُعتبر حافظا لكل الوصايا لأنهم يعتبرون حفظ السبت أهم وصية من الوصايا.
أما يعقوب الرسول فيرى أن كل الوصايا هي من الله، ومن يخالف واحدة منها فإنه يتعدى على الله وبالتالي يُعتبر متعديا على كل الوصايا. وهذا أمر منطقي إذ أن من أهان الله في وصية فهو يُعتبر مهينا لله مهما كان من أمر حفظه بقية الوصايا. كذلك في القوانين المدنية. فإذا ارتكب أحدهم جريمة القتل فإنه يُعد مذنبا ومجرما مهما كان من حفظه لبقية القوانين المدنية. قد يكون الإنسان صالحا ومحافظا لمعظم الوصايا ولكن يُفسد ذلك كله إذا وقع في مخالفة واحدة. قد تكون محبا للقريب تعمل للخير على قدر استطاعتك ولكن إذا كنت لا تصلي وتهمل واجب حضور الصلاة والمشاركة يوم الأحد فإن خطيئتك هذه تفسد علاقتك بالله الذي أنت ترضيه بفعل الخير الذي تقوم به. قد تقاوم شرور كثيرة ولكن سقوطك في واحد منها يفسد علاقتك بالله ويفسد صلاحك. والتوبة الصادقة والاعتراف بخطيئتك في سر التوبة يُعيد إلى نفسك اتزانها الروحي وعلاقة حبك الأصيلة مع الله.
314
ما الفرق بين الخطيئة المميتة والخطيئة العرضية؟
التمييز بين الخطيئة المميتة والخطيئة العرضية يرتكزعلى جسامة الخطيئة. فالخطيئة المميتة، تُسمى "مميتة" لانها تقتل حياة الله في نفس الإنسان، ومحبة الله في قلبه. ويتم ذلك عندما يخالف الإنسان شريعة الله مخالفة كبيرة. مثلا: الزنى، العهر، السكر، السحر، القتل، الغياب عن قداس الأحد بدون سبب موجب، مخالفة الصوم والإنقطاع يومَي أربعاء الرماد والجمعة العظيمة بدون سبب موجب، شهادة الزور في المحاكم ... الخ. والخطيئة المميتة تقصي صاحبها عن ملكوت المسيح، وتجعله من أهل الهلاك الأبدي في جهنم. وعلاجها التوبة الصادقة والندامة والحصول على الحل عنها في سر التوبة.
أما الخطيئة العرضية فهي مخالفة لإرادة الله القدوسة في مادة خفيفة. فهي لا تقتل محبة الله في قلب الإنسان بل تضعفها، وتعيق التقدم في ممارسة الفضائل والتقدم في التقوى، وهي قابلة للإصلاح بنعمة الله. فالتشتت الاختياري في الصلاة، على سبيل المثال، هو خطيئة عرضية وليس خطيئة مميتة. ولكن تذكر قول القديس أغسطينوس:
"هذه الخطايا التي ندعوها خفيفة، لا تحسبها بلا أهمية: فإن كنت تحسبها بلا أهمية عندما تزنها، فارتعد عندما تعدّها. مجموعة من الأشياء الصغيرة تصنع كتلة كبيرة، مجموعة من القطرات تملأ نهرا. مجموعة من الحبات تعمل كومة. فما هو عندئذ رجاؤنا؟ إنه قبل كل شيء التوبة والإعتراف"
315
ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر لكي تكون خطيئتي مميتة؟ كيف أحكم على نفسي أنني ارتكبت خطيئة مميتة؟
تحكم على نفسك أنك ارتكبت خطيئة مميتة إذا توفرت في خطيئتك ثلاثة شروط:
الشرط الأول: المادة الثقيلة : مثل القتل، الزنى، إهمال قداس الأحد بغير عذر شرعي، الإجهاض ... الخ
الشرط الثاني: الانتباه التام: أي أن تكون واعيا على أن ما تقوم به هو خطيئة كبيرة مخالفة لشريعة الله. الجهل المتصنع وتصلب القلب لا ينقّصان بل يزيدان من جسامة الخطيئة.
الشرط الثالث: الرضى التام. أي أنك انت شخصيا ترتكب خطيئتك بكل حريتك.
316
ما معنى أن الله لا يغفر التجديف على الروح القدس؟
قال متى: "كل خطيئة وتجديف يغفر للناس، وأما التجديف على الروح القدس، فلن يغفر. ومن قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له، وأما من قال على الروح القدس، فلن يُغفر له لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة" (متى 12/31-32)
قال مرقس: "الحق أقول لكم إن كل شيء يُغفر لبني البشر من خطيئة وتجديف مهما بلغ تجديفهم. وأما من جدف على الروح القدس، فلا غفران له أبدا، بل هو مذنب بخطيئة للابد" (مر 3/28-29)
ورد في لوقا: "وكل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأما من جدف على الروح القدس، فلن تُغفر له" (لو 12/10)
أما خطيئة التجديف على الروح القدس، فهي، بحسب القديس توما الاكويني، الخطيئة التي من طبعها لا تُغفر لأنها تنفي عناصر الغفران. وهذا يعني ان التجديف لا يقوم على كلام فيه إهانة للروح القدس، بل يعني رفض الخلاص الذي يقدمه الله للإنسان بواسطة الروح القدس رفضا تاما.
هل من المعقول أن يبقى الإنسان مصرا على خطاياه ورافضا التوبة؟ قد تجد، ويا للأسف أناسا يدعون لانفسهم حق المثابرة على عمل الشر بوعي وإدراك، ويرفضون الفداء ورحمة الله، فيبقون بقرار أسرى خطاياهم، ويعتبرون أن الغفران غير أساسي وليس له أهمية في حياتهم. وبالتالي، يكونون في وضع، تستحيل عليهم التوبة ويستحيل عليهم قبول غفران خطاياهم. إنهم يكونون في حال انهيار روحي وعناد رهيب في الشر، منغلقين كليا في خطاياهم ورافضين الإنفتاح على رحمة الله. إنهم يرفضون الخلاص الذي صنعه لهم المسيح بموته وقيامته والذي يقدمه لهم الروح القدس، ويرفضون تبكيته لهم على خطاياهم. فالله لا يغفر لِأحد خطيئة يصر عليها، ولا يرغم على حبه أحدا. والإنسان يتحمل نتيجة إصراره على خطيئته ورفضه التوبة والغفران. وعلينا أن نصلى من أجل الناس كي لا يفقدوا استقامة الضمير والحس السليم في الخير والشر
317
هل تستطيع أن تعدد لي الخطايا المميتة؟ أين نجد لها تعدادا؟
إن لوائح الخطايا المميتة كثيرة، وتستطيع أن تجدها في الكتاب المقدس وفي وثائق المجامع الكنسية الكثيرة، والرسائل البابوية، وفي كتب كثيرة لتعليم الكنيسة الكاثوليكية. ففي إنجيل مرقس ذكر السيد المسيح عددا كبيرا من الخطايا وهي "الفحش والسرقة والقتل والزنى والطمع والخبث والغش والفجور والحسد والنميمة والكبرياء والسفه" (مر 7/21-22). وهناك لوائح مشابهة لها في بولس الرسول، وخصوصا في الرسالة الأولى إلى أهل كورنتس حيث يقول: " أما تعلمون أن الفجّار لا يرثون ملكوت الله؟ فلا تضلوا، فإنه لا الزناة ولا عبّاد الأوثان ولا الفاسقون ولا المتهتكون ولا اللوطيون ولا السارقون ولا الجشعون ولا السكيرون ولا الشتامون ولا الخطفة يلاقون ملكوت الله" (1 كو 6/9-10). وكذلك في الرسالة إلى أهل غلاطية (5/19-21).
المجمع الفاتيكاني الثاني ذكر عددا من الخطايا المميتة التي "تفسد المجتمع الانساني" والتي هي إهانة كبرى للخالق، منها القتل بجميع أنواعه وقتل الجنين والإجهاض، وقتل المرضى المستعصى شفاؤهم لوضع حد لالآمهم، والانتحار وكل ما يشكل انتهاكا كالتشويه والتعذيب الجسماني والأدبي، وكل ما يحط من كرامة الإنسان مثل العيش في ظروف لا إنسانية، والسجن التعسّفي المستبد، والنفي، والرق، والدعارة، والإتجار بالنساء والأطفال والأعضاء البشرية، وأيضا ظروف العمل المذل التي تحول العمال إلى الات انتاج بلا مراعاة لشخصيتهم الحرة المسؤولة.(دستور في الكنيسة في العالم المعاصر 27)
وتجد أيضا لائحة في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2083 – 2557 وغيرها من الوثائق والمراجع الكنسية.
318
قرأت في أحد الكتب أن القتل المتعمّد، واللواط وظلم الفقير وهضم أجرة العامل ، تسمى الخطايا الصارخة أمام الرب طلبا للانتقام. فهل لك أن تشرح لي ذلك؟
إن العلاقة الخاصة القائمة بين هذه الخطايا هي أن ضحاياها يطلبون إلى الرب أن ينصفهم وأن يساعدهم على ظالميهم، والرب يستجيب صراخ الإنسان الضعيف المظلوم. ونجد هذه الخطايا في سفر التكوين، وسفر الخروج ورسالة يعقوب::
القتل المتعمد: بعد أن قتل قايين أخاه هابيل قال الرب لقايين: " ماذا صنعت؟ إن دم اخيك يصرخ إلي طلبا للانتقام" (تك 4/10).
اللواط: قبل أن يقضي الرب على سدوم وعمورة قال الرب لابراهيم: "كثرت الشكوى على أهل سدوم وعمورة وعظمت خطيئتهم جدا. أنزل وأرى هل فعلوا ما يستوجب الشكوى التي بلغت إلي؟ أريد أن أعلم. وتوجه الرجلان من هناك الى سدوم ... وقبل أن يناما جاء رجال سدوم جميعا... فنادوا لوطا وقالوا له أين الرجلان اللذان دخلا بيتك الليلة؟ اخرجهما إلينا حتى نضاجعهما " ( تك 18/20+21 ، 19/4-5).
ظلم الفقير: وكان بعد ذلك بأيام كثيرة أن مات ملك مصر. وكان بنو إسرائيل يرزحون تحت نير عبوديتهم. فصرخوا وصعد صراخهم إلى الله من عبوديتهم فسمح الله انينهم (خر 2/23-24).
هضم أجرة العامل: " الأجور المستحقة للعمال الذين حصدوا حقولكم التي سلبتموها يرتفع صياحها وصراخ الحصادين وصل إلى مسامع رب الجنود (يع 5/4).
هذه الخطايا ليست وحدها الخطايا الكبيرة بل هي الخطايا التي قال عنها الكتاب المقدس أن صراخها يرتفع إلى الله.
319
ما هي خطايا الإهمال؟
يرتكب الإنسان خطيئة الإهمال عندما يهمل بانتباهه ورضاه عملا صالحا أو واجبا يجب أن يقوم به. وأما جسامة خطيئة الإهمال فهي مرتبطة بجسامة العمل الذي يهمله. فإذا بقيت مثلا يوم الأحد قابعا في بيتك تتابع برامج التلفزيون والمسلسلات وأهملت حضور القداس فإن إهمالك هذا هو خطيئة مميتة. ولذلك فإن خطايا الإهمال كثيرة ويصعب جدا حصرها. ولكنك تستطيع أن تعود إلى ما يجب على الإنسان أن يقوم به من أعمال الرحمة وغيرها لتكتشف واجبات كثيرة تهملها، وما كان يجب أن تهملها مثل: إطعام الجياع، إرواء العطاش، إكساء العراة، تقديم النصح للخطأة، والصلاة من أجلهم، وغفران الإساءة، والصلاة من أجل الأحياء والأموات، وإهمال العمل على خلاص النفس ... الخ.
320
ماذا نعني بانتهاك حرمة القدسيات؟
يقوم انتهاك القدسيات بأن يسيء الإنسان استعمال الأواني والأشياء والأماكن المقدسة المخصصة للعبادة بطريقة مخالفة لقدسيتها، وبأن يسىء استعمال الأسرار المقدسة والأفعال الليتورجية.
وكثيرا ما يكون هذا الإنتهاك خطيئة جسيمة. وعلى سبيل المثال، تعاقب الكنيسة بعقوبة الحرم التلقائي والمحفوظ للكرسي الرسولي، المؤمن الذي يحتقر القربان الأقدس فيرميه أو يدوسه عن قصد الإحتقار والإهانة، أو يحتفظ به بقصد تدنيسه. وإذا كان المذنب إكليريكيا يجوز أيضا أن تفرض عليه عقوبات أخرى، مثل الإعفاء من الحالة الإكليريكية (القانون 2120 ، والقانون 1367 من مجموعة الحق القانوني).
وأما بالنسبة لمن يدنس شيئا مقدسا، منقولا كان أو غير منقول، فيحق للرئيس الكنسي ان يُعاقبه عقابا عادلا، كما ورد في القانون 1376 من مجموعة الحق القانوني.
321
هل كسل الإنسان وفتوره في القيام بوظيفته خطيئة؟ هل التخلف عن القيام بالوظيفة خطيئة؟ هل الغش في أداء الضرائب خطيئة؟
نعم، كل هذه خطايا وقد يكون بعضها خطايا مميتة وبعضها خطايا عرضية لكنها خطايا. بالنسبة للكسل في القيام بالوظيفة: أنت موظف وتأخذ أجرتك، فإذا لم تقم بعملك فانت في النتيجة تاخذ أجرة على عمل أهملت القيام به، وهي في النتيجة حرام عليك.
وإذا اخفيت حقيقة دخلك لكي تتحاشى الضرائب فانت تغش الحكومة ولا تدفع ما لها عليك لكي تقوم بواجباتها نحوك ونحو المجتمع والوطن.
5 - سر الكهنوت
322
من هو الكاهن؟ وما الفرق بين كهنوت المؤمنين العام وكهنوت الكهنة خدام الأسرار؟
في العهد القديم، كان الكاهن رجلا، من سبط لاوي، يحمل مهمة مقدسة، يقف امام الله، يخاطبه بدون وسيط، ويدخل قدس الأقداس الذي لا يجوز لاحد أن يدخله. رموز الكهنوت في العهد القديم تكتمل في المسيح يسوع الوسيط الأوحد بين الله والناس. ويعتبر التقليد المسيحي ملكيصادق "كاهن الله العلي" (تك 14/18) رمزا لكهنوت المسيح الذي دعاه الله وحده (عبر 5/10، 6/20) حبرا قدوسا بريئا لا عيب فيه.
رأس الكنيسة هو المسيح الكاهن والنبي والملك. في العهد الجديد سر العماد يجعل المعمد يشترك مع جماعة المؤمنين بالكهنوت العام لأنه يصبح عضوا في كنيسة المسيح. جميع المعمدين هم كهنة في يسوع المسيح، وخارجا عن المسيح لا كهنة ولا كهنوت (1 بط 2/9). وفي حضن جماعة المؤمنين الكهنوتية أنشأ السيد المسيح كهنوت الخدمة، وخوله سلطانا للقيام بمهام العبادة والاحتفال بالذبيحة ومنح الاسرار كي تعيش كنيسته وتنعم بالقداسة الداخلية وبوحدة أبنائها الاجتماعية. فلذلك فإن سر الكهنوت يكفل في الكنيسة استمرار الرسالة التي وكلها المسيح إلى تلاميذه حتى منتهى الأزمنة. فهو "سر الخدمة الرسولية" ويتضمن ثلاث رتب: الأسقفية والكهنوت والشماسية.
كهنوت المؤمنين وكهنوت الأساقفة والكهنة يختلفان أحدهما عن الآخر اختلافا جوهريا، وإن كانا على تناسق بينهما. وذلك بأن كهنوت المؤمنين يتحقق في نماء نعمة المعمودية وتحولها إلى حياة في الروح، إلى حياة إيمان ورجاء ومحبة. وأما كهنوت الخدمة الراعوية فهو في خدمة الكهنوت المشترك ويُعنى بتنمية نعمة المعمودية لدى جميع المسيحيين. بكهنوت الخدمة يتابع المسيح بناء كنيسته وقيادتها.
"من خلال الخدمة الكنسية التي يقوم بها الخادم، يحضر المسيح نفسه في كنيسته، بصفته رأس جسده السري، وراعي قطيعه، والكاهن الأعظم لذبيحة الفداء، ومعلم الحق. وهذا ما تعبر عنه الكنيسة بقولها: إن الكاهن، بقوة سر الكهنوت، يعمل في شخص المسيح الرأس"
"ذاك الكاهن عينه، يسوع المسيح، يقوم الكاهن حقا مقامه. فإذا صح أن هذا الكاهن، بتكريسه الكهنوتي، قد أصبح شبيها بالكاهن الأعظم، فهو يتمتع بالقدرة على العمل بقوة المسيح نفسه الذي يمثله" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1548).
قال القديس جان ماري فيانيه خوري بلدة أرس:
"الكاهن يواصل عمل الفداء على الأرض ... لو كنا نحسن فهم الكاهن على الأرض، لكنا نموت لا من الخوف بل من الحب... الكهنوت هو محبة قلب يسوع".
(راجع بهذا الصدد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 874 – 896 ، و 1536 - 1600).
323
كانت درجة الشماسية فترة استعداد للكهنوت. وأما الآن فإن الكنيسة اللاتينية سمحت بسيامة شمامسة دائمين، متزوجين أو غير متزوجين بقصد الخدمة. فمتى سمحت الكنيسة بذلك؟ وهل تشارك درجة الشماسية في كهنوت المسيح؟
في العصور الوسطى تقلصت مهمة الشماس وأصبحت مرحلة تهيئة للكهنوت. وأما المجمع الفاتيكاني الثاني فقد سمح باعادة اعتبار الشماسية درجة مستقلة في الكنيسة. كان الشماس مرتبطا بالأسقف مباشرة (فل 1/1 ، 1طيم 3/8) وكانت مهماته مرتبطة بخدمة المحبة وخدمة الإدارة. وكان للشمامسة أيضا دور كبير في التعليم المسيحي. يخدم الشماس الدائم بنوع خاص في الإحتفال الإفخارستي ويقرأ الإنجيل ويوزع المناولة ويعلم التعليم المسيحي ويقوم بخدمات المحبة في الكنيسة والإدارة الزمنية وأيضا الكرازة.
وأما درجة الشماسية فلا تشارك في كهنوت المسيح. وقد ورد بهذا الشأن، في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 1554 ما يلي:
" إن ممارسة الخدمة الكنسيّة التي أقامها الله موزّعة على درجات متنوّعة بين من يسمّونهم، منذ القِدَم، أساقفة وكهنة وشمامسة". وتُقرّ العقيدة الكاثوليكية التي تعبّر عنها الليتورجيا والسلطة التعليمية والعُرف الثابت في الكنيسة أن ثمّة درجتين اثنتين تشاركان في خدمة كهنوت المسيح: الأسقفية والكهنوت. وأما الرّتبة الشماسية فتهدف إلى مساعدتهما وخدمتهما. ولذا فلفظة الكهنوت لا تنطبق في الاستعمال الراهن إلاّ على الأساقفة والكهنة، لا على الشمامسة. إلاّ أن العقيدة الكاثوليكية تُعلّم أن درجتي المشاركة الكهنوتية (الأسقفية والكهنوت) ودرجة الخدمة (الشماسية) تُمنح كلها بواسطة سرّ واحد هو "سِرّ السيامة" أو سر الرتبة.
"على الجميع أن يُجلّوا الشماسية إجلالهم للمسيح يسوع، وكذلك الأسقف أيضا الذي هو صورة الآب، والكهنة على أنهم محفل الله ومجمع الرسل: بدونهم يتعذّر الكلام عن الكنيسة".
فالشّمامسة يشتركون اشتراكا مميّزا في رسالة المسيح ونعمته، وتطبعهم السيامة الشماسية بوسم لا يبلى، يجعلهم على صورة المسيح الذي صار خادما للجميع.
324
ماذا يتعلم الكاهن قبل السيامة الكهنوتية وما هي الكفاءات التي تطلبها منه الكنيسة للكهنوت؟
1 - بعد الحصول على شهادة التوجيهي، سواء كان في المدارس الخاصة قبل التوجه إلى الإكليريكية، أو في الإكليريكية، يقضي طالب الكهنوت سنة تحضيرية وهي "سنة الروحانيات". وبعدها يدخل قسم الفلسفة لمدة سنتين. والفلسفة هي المدخل الأصيل لعلم اللاهوت. وليست الفلسفة مجرد دراسة نظرية وإنما تبحث أيضا في التساؤلات الأساسية والعميقة للإنسان وتعرض حلولها الحكيمة بحكمة الإنجيل وتعاليم الكنيسة. ويتضمن برنامج الفلسفة المواد الفلسفية التالية: مدخل إلى الفلسفة، علم المنطق، علم الماورائيات (الميتافيزيكا) علم الأخلاق، تاريخ الفلسفة في كل العصور وعلم الاجتماع الديني وعلىم الآثار ومبادىء اللغة اليونانية واللاتينية والعبرية.
2 - ثم دراسة اللاهوت لمدة أربع سنوات ويتضمن مساق اللاهوت المواد التالية: علم اللاهوت العقائدي، واللاهوت الأدبي، والكتاب المقدس، وتاريخ الكنيسة، وآباء الكنيسة، وعلم الراعويات، والليتورجية، والحق القانوني، والتعليم المسيحي، ودروس في علم الإسلاميات واليهوديات وعلم الآثار. ويتخلل هذه السنين الأربع سنة خبرة راعوية حيث يلتحق الطالب بإحدى رعايانا ليكتسب خبرة العمل الراعوي.
3 – أما بعد الرسامة الكهنوتية فيستطيع الكاهن أن يتابع الدراسة الجامعية العليا، إما في روما، حيث يتخصص في المواد الضرورية للعمل الرعوي واحتياجات البطريركية في الإكليريكية والمحاكم الكنسية، كما يتوجه كثير من الكهنة إلى متابعة الدراسة الجامعية في الجامعات المحلية لدراسة مختلف المواضيع كالإعلام والإدارة والتربية وما شابه ذلك من المواضيع التي تساعد الكاهن على القيام برسالته الراعوية.
325
أنا أوافق على أن درجة الكهنوت ليست للنساء، ولكن لا أرى أن هناك مساواة في الكنيسة بين الرجل والمرأة؟
نبدأ ونقول بأننا كلنا متساوون بمعنى أن كلا منا، رجلا كان أَم امرأة، يملك نفسا روحية وجسدا وعقلا وإرادة، وكلنا مخلوقون على صورة الله ومثاله وكلنا مُخَلَّصون بالمسيح وكلنا ننعم بالدعوة الإلهية إلى الملكوت السماوي. ولا نجد جوابا أوفى على السؤال مما ورد في وثيقة المجمع الفاتيكاني "الدستور العقائدي في الكنيسة" رقم 32:
"إن الكنيسة المقدسة بحكم تأسيسها الإلهي عجيبة التنوع في تنظيمها وتدبيرها. "فكما أن لنا في جسد واحد أعضاء كثيرة، وليس لجميع الأعضاء وظيفة واحدة، كذلك نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وكل واحد منا عضو للاخر" (رو 12/4-5)"
"واحد إذن هو شعب الله المختار، "الرب واحد والإيمان واحد والمعمودية واحدة" (افسس 4/5) ويشترك الأعضاء جميعا في الكرامة بفضل تجددهم في المسيح وفي نعمة التبني، وفي الدعوة إلى الكمال. فالخلاص واحد والرجاء واحد والمحبة لا تقبل التجزئة. فليس في المسيح وفي الكنيسة أي تفاوت من حيث الأهل أو الأصل أو الحالة الإجتماعية أو الجنس لأنه "ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثى، لانكم جميعا واحد في المسيح يسوع" (غلا3/28، قو 3/11).
"فإذا كان الجميع في الكنيسة لا يسلكون سبيلا واحدا، فإنهم جميعا مدعوون إلى القداسة، وقد نالوا إيمانا يجعلهم متساوين ببر الله (2 بط 1/1). وإن كان البعض قد أقيموا، بإرادة المسيح، معلمين ووكلاء أسرار الله ورعاة لغيرهم، فالجميع متساوون في الكرامة وفي العمل المشترك لبنيان جسد المسيح ... وهكذا، بالرغم من تنوعهم، يؤدي الجميع شهادة الوحدة العجيبة في جسد المسيح. فهذا التنوع في النعم والخدم والأعمال يجمع أبناء الله في الوحدة، لأن هذه الأمور جميعها يعملها الروح الواحد بعينه" (1 كو 12/11)
326
ما هي "حسنة القداس" وما معنى أن يقيم الكاهن القداس عن نية معطي الحسنة؟ وهل من فرق بين حسنة القداس والذكرانية؟
حسنة القداس هي تقدمة المؤمنين للكاهن عندما يطلبون منه أن يقيم الذبيحة عن نيتهم، وإذا ما قَبِلَ الكاهن التقدمة أصبح ملزما بواجب إقامة القداس عن نية مقدِّم الحسنة، تحت طائل الخطأ الجسيم. حسنة القداس مساعدة مادية يقدمها المؤمنون بهذه المناسبة لمعيشة الكاهن، وهي ليست ثمنا للقداس إطلاقا. فيجب على الكهنة أن يوعّوا المؤمنين على أن "حسنة القداس" ليس لها أية علاقة بقيمة القداس، ولا تعني ملكية القداس لتلك النية أو لمن قدم الحسنة. فالقداس هو ملك الكنيسة وقيمته إلهية لا تُقدّر بذهب العالم كله.
أما الذكرانية فهي أن المؤمنين يطلبون من الكاهن أن يذكر موتاهم في القداس، وقد يقدمون بالمناسبة حسنة وقد لا يقدمون شيئا. من السهل أن يلتبس الأمر على المؤمنين فيقدمون الذكرانية وهم يقصدون بها "نية القداس". وعلى الكهنة أيضا أن يثقفوا ابناء الرعية ويشرحوا لهم الفرق بين نية القداس والذكرانية.
في العصور الأولى كان المؤمنون يقدمون خبزا وخمرا ومن خيرات الأرض الكثيرة. وكانت هذه التقادم مخصصة للكاهن وللفقراء. ولم يكن في ذاك الزمن أي رباط بين هذه التقادم وإقامة القداس عن نية مقدميها. في القرن السادس بدأ بعض المؤمنين يقدمون تقادمهم ويطلبون من الكاهن أن يقيم القداس من أجل نيتهم الخاصة. وفي القرن الحادي عشر أصبحت هذه العادة راسخة في الكنيسة جمعاء.
327
عمري 26 سنة، أنهيت دراستي الجامعية الأولى وأريد أن أصبح كاهنا، فما العمل؟
أخبِر كاهن الرعية برغبتك وتحدث معه بالموضوع، وهو بدوره يرشدك إلى الكاهن المسؤول عن الدعوات الكهنوتية في الأبرشية ويوصي بك لديه. والكاهن المسؤول يبدأ الحديث معك حول دعوتك الكهنوتية وحول أسبابها. فإذا ما لمس فيك بوادر دعوة كهنوتية فإنه يدلك على الخطوات التي يجب أن تتبعها لكي تلتحق بالإكليريكية في بيت جالا.
328
ما هي الإكليريكية، وهل لي الخيار أن اختار إحدى الإكليريكيات في العالم؟
لكل أبرشية إكليريكية واحدة. للبطريركية اللاتينية الممتدة إلى الاردن وفلسطين وإسرائيل وقبرص إكليريكيتها وهي في مدينة بيت جالا بالقرب من بيت لحم. جميع كهنة البطريركية يتخرجون منها، باستثناء بعضهم لظروف خاصة.
ولما كانت بيت جالا تحت الإحتلال الإسرائيلي فانه ليس دائما من السهل الحصول على الفيزا اللازمة للالتحاق بالإكليريكية، خصوصا إذا كان طالب الكهنوت من سوريا أو من العراق أو من اية دولة عربية أخرى. ففي هذه الحال يمكن للإكليريكية أن تتفق مع اكليريكية أخرى في اوروبا أو في الدول العربية لكي تلتحق بها وتتابع هناك دراستك للكهنوت وتربيتك الكهنوتية.
329
هل أبناء الذين لا يؤمنون بالله أو أبناء غير الكاثوليك يستطيعون أن يصبحوا كهنة في الكنيسة الكاثوليكية؟
هنالك عدد من الموانع التي تحول دون وصول الشاب إلى الكهنوت. فالكنيسة تعتبر مصابا بمانع دائم بالنسبة لقبول الدرجات:
1 – من كان يعاني من أي شكل من أشكال الجنون، أو اي مرض نفسي آخر يجعله غير أهل، في رأي الخبراء، للقيام بالخدمة الكهنوتية.
2 – من ارتكب جحود الإيمان أو الهرطقة أو الإنشقاق.
3 – من حاول عقد زواج ولو مدني في الوقت الذي كان ممنوعا فيه من عقد الزواج، بسبب رباط الزواج أو الكهنوت المقدس، أو بسبب نذر العفة العلني والدائم، أو لكونه تزوج من امرأة مرتبطة بزواج صحيح أو مقيدة بذات النذر.
4 – من قام بجريمة القتل العمد، أو تسبب في عملية إجهاض تحقق أثرها، وكذلك جميع المساهمين فيها بصورة إيجابية.
5 – من قام ببتر أعضائه أو أعضاء غيره بصورة خطيرة وآثمة، أو حاول التخلص من الحياة بالإنتحار.
6 – من قام بأحد أعمال درجة الكهنوت، المحفوظة للأسقف أو للكاهن، وكانت تنقصه هذه الدرجة، أو كان ممنوعا من ممارستها بسبب عقوبة قانونية، تم أعلانها عليه أو إنزالها فيه. القانون 1041 من مجموعة الحق القانوني).
وكذلك تعتبر الكنيسة ممنوعا من قبول درجة الكهنوت بصورة مطلقة:
1 – الرجل المتزوج ما دامت زوجته على قيد الحياة.
2 – من كان يشغل وظيفة أو مهمة إدارية، ممنوعة على الإكليريكيين، وكان عليه أن يؤدي عنها حسابا إلى أن يعود حرا، بتركه للوظيفة والمهمة الإدارية وتأدية الحساب عنها.
3 – حديث الإيمان، ما لم يكن، على رأي الرئيس الكنسي قد اختبر لمدة كافية.
فمن كل ما سبق نستنتج أن ابناء غير المؤمنين بالمسيح أو غير المؤمنين بالله والأبناء غير الشرعيين يستطيعون أن يصبحوا كهنة إذا كان لديهم الدعوة والمؤهلات التي تتطلبها الحياة الكهنوتية. كذلك أبناء المسيحيين غير الكاثوليك يمكنهم أن يصبحوا كهنة بانضمامهم إلى الكنيسة الكاثوليكية وبالإلتزام بكل متطلبات الدعوة الكهنوتية.
330
لماذا لا تسمح الكنيسة اللاتينية بسيامة المتزوجين كهنة، مثل باقي الكنائس الشرقية؟ واعتقد أن هذا هو الحل الأمثل لمشكلة نقص الكهنة. أليس كذلك؟
إن الكنيسة الكاثوليكية لا تلزم أحدا على أن يصبح كاهنا. فالبتولية ليست مفروضة على الكاهن بالرغم منه، بل هو يتقبلها برضاه التام بعد الاستعداد لها بالصلاة والتفكيرسنوات كثيرة. واذا ما وُجد كهنة غير أُمناء على البتولية فهذا لا يعني أن "البتولية" هي سبب عدم أمانتهم، بل العلة فيهم، تماما كما أن عدم الأمانة للزواج لا يعني أن العلة في الزواج بل في المتزوجين غير الأمناء لنعمة سر الزواج.
إن فتح باب الزواج لمن يريد أن يصبح كاهنا متزوجا، في الكنيسة اللاتينية، قد يزيد عدد الكهنة، ولكنه لن يحل مشكلة حاجة الكنيسة الكبرى الى الكهنة. نظرة واقعية إلى ما حولنا الى الكنائس الشرقية الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية التي تجيز سيامة المتزوجين كهنة، فانك تجد انها هي أيضا كثيرا ما تعاني من مشكلة قلة عدد الكهنة. وكذلك الكنائس البروتستنطية، بالرغم من كل ما تقدمه هذه الكنائس من تسهيلات مادية للقساوسة. ذلك أن المشكلة الكبرى في هذا الموضوع، هي أولا وقبل كل شيء مشكلة فتور الإيمان لدى الشعب المسيحي عامة.
البابا بولس السادس يقول ان بتولية الكهنة هي جوهرة الكنيسة اللاتينية منذ القرن الرابع لعدد من الأسباب:
1 – الكاهن البتول يسير على خُطى المسيح البتول ويقتدي به في البتولية. فقد وعد المسيح بركة كبيرة لكل من ترك بيتا أو اخوة أو اخوات أو أبا أو أما أو إمرأة او بنين إو حقولا من أجله (متى 19/29).
2 - البتولية تتيح للكاهن أن يتفرغ كليا لرسالته ولخدمة المسيح والكنيسة. التزامه بإمرأة وبنين يحد كثيرا بكل تأكيد من هذا العطاء الكامل.
3 - بالكهنوت البتولي يكون للكاهن عدد لا يحصى من الأبناء الروحيين. فالكاهن البتول لا يتجرد من الأبوة بل يعيش الأبوة في أبهى معانيها.
4 – الكاهن البتول يجد وقتا رائعا للصلاة ولإقامة علاقة حميمة مع المسيح الذي يخدمه ويشهد له في هذا العالم.
5 – الكاهن البتول والذين يعيشون حياة التكريس للمسيح في البتولية والحياة الرهبانية أو في العالم يتذوقون منذ الآن طعم الملكوت السماوي حيث لا يزوجون ولا يتزوجون.
6 – الكاهن البتول يعطي أجمل شهادة وأكمل مثال على التضحية من أجل المسيح وخلاص النفوس بالرغم من كل الصعاب. وهو يستطيع أن يشجع شعبه على التضحية واحتمال الصعاب حبا للمسيح.
331
سمعنا عن كهنة يتركون الكهنوت ويتزوجون، هل تبقى لهم سلطة تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه؟
من الناحية اللاهوتية، الكاهن سواء كان أمينا على نعمة الكهنوت أم لم يكن أمينا عليها فهو كاهن إلى الأبد. فالسلطة الكهنوتية تبقى مستقرة فيه لأن وسم الكهنوت في النفس هو أبدي لا يُمّحى مثل سر العماد ووسم سر التثبيت. ولذلك نحن نؤمن بمعمودية واحدة وتثبيت واحد وكهنوت واحد.
وإذا ما انحرف الكاهن وخرج عن النذور وقع تحت طائلة الحرم الكنسي التلقائي ولا يحق له ان يقدس وأن يخدم الأسرار، ولكنه يبقى كاهنا. واذا ما خالف وقدس، فقداسه صحيح إلا أنه يرتكب خطيئة بإقامته الذبيحة وهو خاطيء.
ولكن، وبالرغم من كونه محروما ولا يحق له أن يمارس الأسرار المقدسة، فإن الكنيسة تسمح له، بل تلزمه، في حالة خطر الموت المحدق بالمريض، بأن يُعرّف المريض ويحلّه من خطاياه قبل أن يموت، لأن الهم الأول للكنيسة هو خلاص النفوس.
جاء في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية عن هذه الحالة ما يلي:
" ... إن الوسم الذي وُسم به الكاهن بالسيامة الكهنوتية يبقى عليه إلى الأبد. فالدعوة والسيامة اللتان تلقاهما يوم سيامته تطبعانه بطابع دائم" (1586)
332
من كان كاهنا وترك الكهنوت، هل يُسمح له بأن يُعلّم التعليم المسيحي في المدارس أو في الجامعات؟
القانون 292 من مجموعة الحق القانوني نص على ما يلي:
"إن الكاهن الذي يفقد الحالة الكهنوتية بموجب أحكام القانون ... بالفعل ذاته يُحرم من جميع الوظائف والمهمات، ومن أية سلطة كانت".
فلا يحق له أن يعظ في الكنيسة ولا أن يوزع القربان، ولا أن يقوم باية خدمة في الكنيسة وفي حقل رعاية النفوس ولا أن يكون له أية وظيفة كنسية ولا أن يعلم التعليم المسيحي في المدارس والمعاهد العليا. وعلى السلطة الكنسية أن تسهر على التعليم المسيحي وعلى كفاءة معلمي التعليم المسيحي. فهي التي تجيز أو لا تجيز تدريس المواد اللاهوتية، وفقا لما نص عليه القانون رقم 812:
"على من يقوم بتدريس المواد اللاهوتية، في أي معهد للدراسات العليا، أن يكون حاصلا على إجازة بذلك من السلطة الكنسية الخاصة".
ونعني بالسلطة الكنسية الخاصة أولا الكرسي الرسولي والأسقف المحلي والرئيس الرهباني في الرهبانيات الكبرى التي تحمل رسالة التربية الكاثوليكية وكاهن الرعية، ومدير المدرسة المسيحية الكاثوليكية.
333
سمعت في سيامة كهنوتية، أن الكاهن يُسام كاهنا على رتبة ملكيصادق، من هو ملكيصادق وما المقصود برتبته؟
كان ملكيصادق ملكا على مدينة شليم وكاهنا لله العلي وبارك إبراهيم. وقد ظهر في الكتاب المقدس، من دون أن يُذكر شعبه أو عشيرته: "ليس له أب ولا أم ولا نسب، وليس لأيامه بداية ولا لحياته نهاية" (عبر 7/3)، ). وقدم خبزا وخمرا بعد الحملة العسكرية الناجحة التي قام بها ابراهيم لينقذ لوطا ابن أخيه من أيدي الأعداء (تك، فصل 14). وهذه صورة مسبقة عن المسيح، عظيم الأحبار الكامل الذي: "لم يصر كاهنا بحسب شريعة وصية بشرية، بل بحسب قوة حياة ليس لها زوال" (عبر 7/16) وتقديم الخبز والخمر يشير إلى الإفخارستيا، حيث يسوع يبذل نفسه في الخبز والخمر، ويحمل جميع المؤمنين الى الحياة. في ليتورجية السيامة الكهنوتية تقول الأنتيفونا: " إن المسيح الرب الكاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق، قدم خبزا وخمرا". كذلك في الصلاة الإفخارستية الأولى، يصلي الكاهن إلى الله الآب ويطلب منه أن يقبل هذه الذبيحة كما قبل خبزا وخمرا من الكاهن ملكيصادق.
كهنوت العهد الجديد هو على رتبة ملكيصادق أي ليس وراثيا، وليس محصورا في سلالة معينة. كهنوت العهد الجديد هو "دعوة" مجانية من الله. والإنسان الذي يدعوه الرب إلى الكهنوت يكون حرا في قبول الدعوة وفي رفضها. قال السيد المسيح لتلاميذه" :لستم انتم اخترتموني بل أنا اخترتكم" (يو 15/16) الله يختار من يشاء واختياره سر حب لا يدركه الإنسان. وقال بولس الرسول في الرسالة إلى العبرانيين: "ما من أحد يتولى لنفسه هذا المقام إلا الذي دعاه الله كما دعا هارون" (عبر 5/4). يسوع هو الكاهن الحقيقي والنهائي الذي يتمم ملامح كهنوت ملكيصادق ويكملها.
334
بعض الكهنة، قلما نراهم بثوبهم الكهنوتي أو ب "الكليرجي" والمؤمنون لا يحبذون ذلك، وقلما يجرؤ احد على مصارحتهم بالأمر. فهل يجوز لهم ذلك؟
نص القانون 284 من مجموعة الحق القانوني على ما يلي:
"على الكهنة ان يرتدوا ثوبا لائقا، بموجب الأحكام الصادرة عن مؤتمر الأساقفة وأعراف المكان المشروعة".
وهذا يعني:
1 - أنه يجب على الكاهن ان يرتدي ثوبه الكهنوتي كلما قام بخدمة الأسرار المقدسة أو أية خدمة ليتورجية أخرى أي عندما يُعرّف أو يُعمد أو يكلل أو يقيم الذبيحة الإلهية، أو صلاة درب الصليب … الخ
2 - أما خارج خدمة الأسرار المقدسة فيمكنه أن يكتفي بارتداء القميص الكهنوتي الذي يميزه عن سائر الناس والبنطال الاسود. هذا هو الزي اللائق بالكاهن.
الكهنة الذين لا يلتزمون بذلك يسببون شكّا للمؤمنين ولغير المؤمنين لأن شعبنا محافظ ويفضّل أن يرى كهنته وشيوخه بثوبهم الرسمي، وهذا يساعد الناس على تقديم الإحترام اللازم لهم. في بلادنا أخذت مجتمعاتنا تتأثر أكثر فاكثر بالعقلية العلمانية الأوروبية. من الضروري جدا المحافظة على تقاليد بلادنا التي تساعد المؤمنين على إحترام القدسيات.
335
لنفترض أن أحد المطارنة سام امرأة كاهنة، فهل يجوز لها أن تقيم قداسا؟ وهل يجوز للمؤمنين أن يحضروا قداسها؟وهل يكون قداسها صحيحا
إذا سام أحد المطارنة إمرأة كاهنة، فسيامتها باطلة لأنها مخالفة لرغبة المسيح والكنيسة. ويكون قداسها باطلا، ولا يتم تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه. وبالتالي لا يجوز للمؤمنين أن يحضروا اي احتفال ديني تقيمه تلك المرأة.
يقول البابا يوحنا بولس الثاني أنه ليس للكنيسة سلطة بأي شكل من الأشكال بأن تسوم النساء كاهنات. فالرب أعطى الكنيسة شكلا يتألف من الرسل الإثني عشر، ثم من خلفائهم الأساقفة والكهنة والشمامسة. فالرب هو الذي أعطى الكنيسة هذا الشكل التأسيسي الذي تلتزم به الكنيسة، وليس لها السلطة في أن تلغيه. ولذلك، إذا ما سام أي اسقف إمرأة كاهنة فالسيامة باطلة من أساسها.
336
أنا فتاة واعتقد أن لي دعوة أن اصبح راهبة تأملية تعيش حياة نسكية، فهل يوجد في ابرشيتنا راهبات نُسكيات؟
تكثر في الكنيسة الرهبانيات التي تعيش حياة نسكية، وذلك بالعزلة الكاملة عن العالم، وبالمواظبة على الصمت والإنقطاع على الصلاة والتوبة لمجد الله وخلاص العالم (البند الأول من القانون 603 من مجموعة الحق القانوني للكنيسة اللاتينية). من الرهبانيات النُسكيات النسائية في ابرشيتنا:
1 - الراهبات الكرمليات: ولهن أديرة في القدس وبيت لحم والناصرة وحيفا
2 - راهبات الكلاريس ولهن دير في القدس.
3 - راهبات عائلة البشارة الصغيرة، في عين عريك وفي ماعين.
4 - راهبات "بيت لحم والانتقال والقديس برونو" ولهن أديرة في بيت جمال ودير رافات، وسوف يكون لهن دير للحياة التأملية والنسكية في عمق الصحراء، في جنوب الأردن، بالقرب من مدينة القصر وبلدة السماكية.
فإذا كانت لك دعوة إلى الحياة التأملية وحياة العزلة، فالمجال مفتوح لك في احدى هذه الرهبانيات. المهم في الأمر أن تتأكدي من دعوتك بالصلاة والإسترشاد عند مرشد روحي حكيم. فمن أحبّت دعوتها في الحياة الرهبانية لا تكترث للمكان والزمان بل تكترث فقط لإرادة الرب كيف تحققها وتلتزم بها في كل مكان وزمان من حياتها، فتسعد بها.
337
هل يجوز للعلماني أن يعظ في القداس حالا بعد الإنجيل؟ ولماذا يعظ الكاهن دائما عن أمور حدثت في الماضي؟ لماذا لا يعظون عن آفات مجتمعاتنا كالمخدرات والإجهاض وتفكك الأُسر ...الخ؟
ينص القانون 767 من مجموعة الحق القانوني على أن العظة هي أبرز أشكال الكرازة، وهي جزء من الليتورجيا ذاتها، ويقوم بها الكاهن أو الشماس، وأنه يجب أن تستعرض العظة على مر السنة الليتورجية أسرار الإيمان وقواعد الحياة المسيحية، إنطلاقا من النصوص المقدسة.
جاء في القانون 766 انه يمكن للعلمانيين أن يكرزوا في الكنيسة أو في مصلى، إذا اقتضت الضرورة ذلك في بعض الظروف. إلا أنه لا يجوز ان يفعلوا ذلك في القداس. لأن الكهنة والشمامسة، وحدهم يتمتعون بصلاحية الكرازة في ذبيحة القداس.
نحن أبناء اليوم ويجب على الكهنة أن يتناولوا في عظاتهم آفات المجتمع المذكورة في السؤال وغيرها. فالكنيسة تفرض عليهم أن يعرضوا للمؤمنين قبل كل شيء، ما يجب عليهم أن يؤمنوا به وأن يعملوا بموجبه لمجد الله وخلاص البشر، وأن ينقلوا أيضا إلى المؤمنين العقيدة التي تعلّمها الكنيسة حول كرامة الشخص البشري وحريته ووحدة العائلة واستقرارها ومهامها... الخ، كما ورد في القانون 768 من مجموعة الحق القانوني.
حثَّ البابا يوحنا بولس الثاني في رسائل بابوية كثيرة على واجب الكهنة في توعية المؤمنين على كرامة الإنسان والحياة والعواقب الأبدية وآفات المجتمعات الحاضرة وهي كثيرة وخطيرة.
6 – سر الزواج
338
هل الزواج المختلط مسموح في الكنيسة، وإذا كان مسموحا فما هي الشروط التي تفرضها الكنيسة لتسمح بهذا الزواج؟
1 – الزواج المختلط بين طرف كاثوليكي وطرف معمد غير كاثوليكي ليس بالحالة النادرة في بلادنا. هذا الاختلاف في العقيدة المسيحية ليس عائقا مستعصيا في وجه الزواج. ولكن لإقامة هذا الزواج بوجه شرعي لا بد من الحصول على التفسيح من السلطة الكنسية الكاثوليكية.
مطلوب من الزوجين أن يضعاء نصب أعينهما ما هو مشترك بينهما من الإيمان المسيحي والاخلاق المسيحية وأن يتعلّم كل من الآخر الطريقة التي يحقق فيها أمانته للمسيح لكي يكون زواجهما ناجحا. بخلاف ذلك، قد ينجم عن اختلاف الذهنيات الدينية المسيحية خطر اللامبالاة الدينية، فلا يعود الزوجان يهتمان بالممارسات الدينية ولا يعودان يكترثان لتربية اولادهما تربية دينية سليمة. وقد يُخشى على الزوجين أن يكابدا في عقر دارهما مأساة انقسام المسيحيين.
2 – الزواج المختلط بين طرف كاثوليكي وطرف غير معمد يكون مانعا مبطلا للزواج. ولكن السلطة الكنسية المختصة، لها أن تفسح من هذا المانع ضمن بعض الشروط. ولذلك فان الحصول من السلطة الكنسية على التفسيح من هذا المانع هو إلزامي لصحة الزواج. عند عدم الحصول على التفسيح، سواء حصل ذلك سهوا أو عمدا، فإن الزواج يكون باطلا من أساسه.
أما الشروط المطلوبة والتي بدونها لا تعطي السلطة الكنسية التفسيح من المانع فهي:
أ – أن يعرف الطرفان أهداف الزواج الكاثوليكي وخصائصه الجوهرية وأن يقبلا بها ولا يرفضانها.
ب – أن يتعهد الطرف الكاثوليكي بالمحافظة على الإيمان وأن يعمل كل جهده ليعمد الاطفال ويربيهم تربية مسيحية كاثوليكية.
ج – أن يأخذ الطرف غير الكاثوليكي علما بالتزامات الطرف الكاثوليكي.
يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
"في الزواجات المعقودة في حالة اختلاف الدين يضطلع الزوج الكاثوليكي بمهمة خاصة: "لأن الزوج غير المؤمن يتقدس بامرأته، والمرأة غير المؤمنة تتقدس بالزوج المؤمن" (1 كو 7/14). وكم يكون فرح الزوج المؤمن وفرح الكنيسة عظيما، إذا أدّى هذا "التقديس" إلى اهتداء الزوج الآخر إلى الإيمان المسيحي، إهتداء حُرّا. إن الحب الزوجي الخالص، مع ممارسة الفضائل العيلية في التواضع والصبر، والمثابرة على الصلاة، قد يُعدّ الزوج غير المؤمن لقبول نعمة الإهتداء". (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1637)
339
ماذا بالنسبة لمنديل الرأس للنساء في الكنائس؟ وماذا بالنسبة للثياب المحتشمة؟
1 - بولس الرسول قال: "كل امرأة تصلي أو تتنبأ وهي مكشوفة الرأس تشين رأسها كما لو كانت محلوقة الشعر" (1 كو 10/5). كان الأقدمون يعتبرون أن المرأة التي تظهر في المجتمع مكشوفة الرأس متمردة على زوجها، وفي المسيحية متمردة على المسيح لأن المسيح هو رأس كل رجل والرجل رأس كل امرأة (1 كو 10/3). وقال أيضا: "ليكن على النساء لباس فيه حشمة. ولتكن زينتهن بحياء ورزانة. لا بشعر مجدول وذهب ولؤلو وثياب فاخرة، بل بأعمال صالحة تليق بنساء تعاهدن على تقوى الله" (1 طيم 2/9-10).
2 - طالب الحق القانوني الكنسي الذي صدر سنة 1917 استنادا إلى بولس الرسول والتقليد الكنسي بأن تغطي المرأة رأسها في الكنيسة. أما مجموعة الحق القانوني الجديد الذي اصبح نافذ المفعول منذ سنة 1983 فهو لم يتطرق إلى الموضوع، ولكن من المناسب جدا المحافظة على العادات الحسنة حيث لا تزال قائمة، وأن تغطي المرأة رأسها تعبيرا عن خضوعها للمسيح.
3 – أما بالنسبة للثياب المحتشمة في الكنائس فإن الإحتشام يخضع لعدة اعتبارات شخصية واجتماعية وكنسية. ويجب على كل فتاة، أن تكون مرتبة ومحتشمة في هندامها، ضمن حدود المنطق والمعقول والمقبول، وأن تكون حرة في اختيار ثيابها. إلا أن لهذه الحرية حدودا. فالفتاة تعيش في مجتمع له تراثه وعاداته ونظراته الاجتماعية التي يجب أن تراعيها. وقد ورد في تثنية الاشتراع: "لا يلبس الرجال لباس النساء ولا النساء لباس الرجال. كل من يفعل ذلك يعيبه الرب الهكم" (تث 22/5). كذلك هناك اختلافات كثيرة في عادات الناس ومجتمعاتهم. فالثوب الذي يُعتَبر مقبولا ومحتشما في بلد، قد لا يُعتبر مقبولا ولا محتشما في بلد آخر. وبالتالي فما تسمح به الفتاة لنفسها في بلدها، قد لا تسمح به لنفسها في بلد آخر.
4 - بالاضافة إلى ذلك، فإن الاحتشام ليس فقط في لباس تذهب به المرأة المسيحية إلى الكنيسة للصلاة، بل هي مطالَبة بقواعد الحشمة والأدب المسيحي في كل مكان وزمان. فعليها أن تلتزم بمواصفات الحشمة المسيحية لأنها لا تقصد في صلاتها إلا وجه الله، ولا تتوخى إلا حبه ورضاه. وعليها أن تتذكر كلام المزمور: "بنت الملك جمالها في الداخل".
كذلك يجب على المرأة المسيحية أن تدرك أن الحشمة لا تنحصر فقط في الثياب وفي أزيائها، بل في سلوكها أيضا. فيجب عليها أن تتحاشى الخفة في تصرفاتها، والطياشة في كلامها، وأن تراعي الإحتشام في قيامها وقعودها، وأن تكون وقورة في نظراتها، محتشمة في زينتها، وأن تتحاشى ما في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة من مناظر مخلة بالآداب والحشمة المسيحية. ذلك أن حشمة القلب وعواطفه وحشمة الجسد ومظاهره تحررانها من الإثارة الجنسية وتٌبعدانها عن تشكيك الناس.
340
في كل كنيسة نجد عددا من النساء والصبايا اللواتي لا يكترثن كثيرا باللباس المحتشم خصوصا في فصل الصيف والأعراس. فما العمل؟
أصاب القنوط بعض الكهنة لأنهم لا يجدون آذانا صاغية لتبيهاتهم على اللباس المحتشم في الكنيسة. لقد نبهوا مرارا وتكرارا ولكن بعض المؤمنين والمؤمنات لا يكترثون. وإنما يهتمون بكل تأكيد ب "كوتا" الثياب على الشاطىء وكوتا الحفلات الرسمية وحفلات الرقص.
المربي الأول على أصول الحشمة والإلتزام باللباس المحتشم في بيوت العبادة يعود الى الآباء والأمهات. فالرجل الذي لا يتجاسر أن ينبه امرأته وابنته فهو مذنب وكذلك الأم التي لا تربي ابنتها منذ صغرها على الالتزام باللباس اللائق بالكنيسة فهي مذنبة.
ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية أنه يجب أن يعبر الجسم بلياقة ثيابه وهندامه وتصرفاته عما يكنه المؤمن من إيمان بالمسيح ومن معاني احترامه لسر القربان والذبيحة الإلهية ومعاني الحفاوة والبهجة باستقبال المسيح في القلب بالمناولة (1387).
ثيابنا تعبر عما في داخلنا. ولباسنا غير المحتشم يعبر عن قلة احترامنا لله ولبيت الله، وقد يسبب التشتت للمؤمنين وأفكارا غير صالحة للكثيرين.
341
هل لك ان تشرح لي ما هو الإنعام البولسي؟
الإنعام البولسي هو أن يُحل الزواج المعقود بين طرفين غير معمدين، حفاظا على إيمان الطرف الذي يقبل المعمودية ويكون انحلال الزواج بينهما بمجرد أن يعقد الطرف الذي تعمد زواجا جديدا، شريطة أن يرفض الطرف غير المعمد مساكنته بسلام ودونما إهانة للخالق، وعلى أن لا يكون الطرف المعمد هو السبب في رفض الطرف غير المعمد للمساكنة السلمية.
كي يتمكن الطرف المعمد من عقد زواج جديد صحيح، يجب دائما مخاطبة الطرف غير المعمد حول ما إذا كان يرغب هو أيضا قبول المعمودية، أو يرغب على الأقل بمساكنة الطرف المعمد بسلام، ودونما إهانة للخالق. ويجب إجراء هذه المخاطبة عادة بعد المعمودية، ويستطيع الرئيس الكنسي المحلي أن يفسح منها إذا ثبت له من خلال طريقة تحقيق مختصرة وغير قضائية، أن المخاطبة لا يمكن إجراؤها، أو انها ليست بذات جدوى. (راجع القوانين 1143 – 1150 من مجموعة الحق القانوني).
342
نحن نعيش في بلاد إسلامية، والاختلاط أصبح أمرا واقعيا في الجامعات والمواصلات ومكاتب العمل....الخ، ومن البديهي أن يحب شاب مسلم فتاة مسيحية أو شاب مسيحي فتاة مسلمة. فما هي الشروط الكنسية لكي يتم مثل هذا الزواج؟
تعتبر الكنيسة باطلا الزواج الذي يعقده شخصان أحدهما مسيحي والآخر غبر معمد. ولا يجوز التفسيح من هذا المانع، ما لم تتحقق الشروط التالية:
1 – أن يصرح الطرف المسيحي أنه مستعد أن يبعد خطر الابتعاد عن الإيمان وأن يعد وعدا صادقا بعمل كل ما في وسعه لكي يعمد جميع الأولاد ويقوم بتربيتهم في الكنيسة الكاثوليكية.
2 – أن يُبلّغ الطرف الآخر وفي الوقت المناسب بالوعد الذي قطعه الطرف الكاثوليكي على نفسه، حتى يكون الطرف الآخر على علم اكيد بوعد الطرف الكاثوليكي والتزاماته.
3 – أن يتم اطلاع الطرفين على غايات الزواج وميزتيه الجوهريتين، أي الوحدة وعدم الإنحلال، اللتين لا يمكن لأي منهما استبعادهما.
وفي بلادنا الأردنية والشرق أوسطية عامة، لا تعطي الكنيسة التفسيح من هذا المانع لأن الفتاة المسيحية إذا ما تزوجت برجل مسلم فإنها تُحرم من أقدس حقوقها الزوجية مثل الإرث وحق تربية الأولاد، وحرمانها من أولادها في حال وفاة زوجها، ولأن الزوج المسلم يحتفظ بحقه في اتخاذ زوجة أخرى مع إبقاء الزوجة المسيحية معه أو في بيت مستقل. أما إذا كان الطرفان المسيحي والمسلم في بلاد غير بلادنا العربية والإسلامية، أي في بلاد تنعم بالحرية الدينية، وتحفظ فيها قوانينها المدنية حقوق الزوجة المسيحية بالتساوي مع حقوق الزوج غير المسيحي، فعندئذ قد تمنح السلطة الكنسية، التفسيح لهذا الزواج ضمن الشروط التي ذكرناها سابقا.
(راجع بهذا الشان القوانين 1086 ، 1125 ، 1126،1056 من مجموعة الحق القانوني.)
343
في أوروبا وامريكا يلجأ كثيرون إلى الطلاق المدني. فما رأيك بذلك؟
للأسف الشديد، كثير من المسيحيين في أوروبا وأميركا يلجأوون إلى الطلاق المدني، ويعقدون زواجا جديدا مدنيا. إلا أن الكنيسة لا تعترف بالطلاق ما لم يثبت لها بالطرق القانونية الرسمية أن الزواج المعقود كان باطلا من أساسه. ولا تعترف بالزواج المدني: "من طلق امرأته وتزوج غيرها زنى عليها. وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت غيره زنت (مر10/11-12)
المسيحيون المطلقون الذين يعقدون زواجا مدنيا يخالفون شريعة الله علنا. وبالتالي لا يحق لهم، أن يتناولوا جسد المسيح ما دامت هذه المخالفة قائمة. وكذلك لا يحق لهم أن يمارسوا أية مهام كنسية. أما توبتهم ومصالحتهم مع الله والكنيسة فيتمان في سر التوبة، بعد أن يضعوا حدا لحالة الخطيئة العلنية التي يعيشونها.
344
ماذا نفهم بليتورجية الزواج وبصيغة الزواج؟ هل من فرق بينهما؟ وهل الكاهن ملتزم بكليهما؟
لا بد من التمييز بين ليتورجية سر الزواج، وبين الصيغة القانونية لسر الزواج:
1 - أن الكنيسة تلزم الكاهن بالقوانين الليتورجية التي وضعتها لخدمة الأسرار المقدسة، ومنها رتبة سر الزواج، فلا يجوز له أن يتصرف كما يشاء. لجميع الليتورجيات أو الطقوس جمالها وخصائصها ونواميسها ويجب احترامها والإلتزام بها، وعلى الكاهن أن يشرحها للشعب المؤمن لكي يفهم حركاتها وطقوسها ولكي يجد فيها غذاء روحيا لحياته. ولا بد من الإستعداد المسبق لجميع المعنيين، لكي تكون الليتورجيا مرتبة وتُقام على أصولها وتساعد المؤمنين على التقوى والعبادة.
2 – أما صيغة الإحتفال بالزواج التي بدونها يكون الزواج باطلا فقد حددتها الكنيسة في قوانينها بدقة ووضوح. فالكنيسة تعتبر صحيحة تلك الزواجات التي تُعقد بحضور الرئيس الكنسي المحلي أو كاهن الرعية أو الشماس الذي يفوضه أي منهما، وبحضور شاهدين أيضا. والمقصود بهذا الحضور أن الرئيس الكنسي المحلي أو الكاهن متراس الليتورجية هو الذي يسأل الطرفين عن الرضى بالزواج ويقوم بقبوله باسم الكنيسة.
(راجع بهذا الشأن القوانين 1108 – 1123 من مجموعة الحق القانوني.)
345
إذا تزوج أحدهم وهو في حال الخطيئة المميتة هل يكون زواجه باطلا؟ كذلك لاحظت أن بعض الكهنة يناولون العريسين في اثناء تلاوة أو ترتيل"أبانا الذي" فهل هذا صحيح؟ وهل يكون دائما الزوجان مستعدين للمناولة؟
إن الكنيسة توصي الزوجين بإلحاح أن يقبلا أولا سرَّي التوبة والقربان الأقدس لكي يكون زواجهما مقدسا كما ورد في البند الثاني من القانون 1065 من مجموعة الحق القانوني، وأن يكونا في حال النعمة لكي يحصلا على المواهب الخاصة التي يفيضها الرب في نفسيهما بنعمة سر الزواج. ولكن حال النعمة ليس مطلوبا لصحة الزواج.
الإلتزام بالصيغة القانونية للزواج يجعل الزواج صحيحا (القانون 1108 من مجموعة الحق القانوني). أما المناولة في اثناء ترتيل أو تلاوة "أبانا" فهي مخالفة لليتورجيا. المفروض، أن يتقدم الخطيبان من سر التوبة، وأن يحضرا القداس صباح يوم الإكليل وأن يتناولا القربان الأقدس لكي يكونا على استعداد لقبول سر الزواج المقدس.
346
هل يحق لأي من الخطيبين أن يضع شروطا للزواج بحيث اذا لم تتم هذه الشروط في المستقبل يكون الزواج باطلا؟
القوانين الكنيسة واضحة بهذا الشأن. فقد نص البند الأول من القانون 1102 من مجموعة الحق القانوني على ما يلي:
"لا يكون الزواج صحيحا إذا كان مقيدا بشرط متعلق بالمستقبل "
أما بالنسبة للشرط المتعلق بالماضي أو الحاضر فيكون الزواج صحيحا أو باطلا اذا كان ما تم اشتراطه قائما أم لا. إلا أنه لا يجوز على الإطلاق وضع الشرط (للماضي او للحاضر) إلا بصورة مشروعة وبإذن خطي من الرئيس الكنسي المحلي، ولا يجوز عقد الزواج بدون التأكد من تنفيذ الشرط.
أما اذا كان هنالك شرط للحاضر أو للماضي بغير علم السلطة الكنسية وبغير اذن خطي منها، فلا يكون الزواج باطلا، حتى لو لم يكن الشرط قد تحقق مسبقا، كما ورد في البند الثاني والثالث من القانون 1102 المذكور.
347
هل يجوز للكاهن أن يبارك الزواج اذا أعلن أحد الخطيبين أو كلاهما أنهما لا يريدان أولادا على الإطلاق؟
لا يجوز إطلاقا عقد الزواج مع نية رفض الإنجاب رفضا قاطعا. الزواج بهذه النية يكون باطلا. لان الزواج يهدف بطبيعته إلى خير الزوجين وانجاب البنين وتربيتهم كما ورد في البند الأول من القانون 1055 من مجموعة الحق القانوني. وفي ليتورجية سر الزواج المقدس يوجّه الكاهن هذا السؤال إلى العريسين:
"هل أنتما مستعدان لان تقبلا البنين بحب من يد الله، وأن تربياهم بموجب شريعة المسيح والكنيسة؟"
فيجيب الزوجان: "نعم".
348
إذا قرر الزوجان ألا ينجبا لمدة معينة من الزمن وأن يستعملا وسائل منع الحبل، هل يكون زواجهما صحيحا؟
إذا قرر الزوجان أن يتحاشيا الإنجاب لمدة معينة من الزمن يكون زواجهما صحيحا. وإذا استعملا وسائل منع الحبل الاصطناعية فان ذلك لا يؤثر على صحة الزواج إلا أنهما يعيشان بحال الخطيئة المميتة. أما اذا رفضا الإنجاب رفضا قاطعا فزواجهما يكون باطلا (راجع البند الاول من القانون 1055 والبند الثاني من القانون 1101 من مجموعة مجلة الحق القانوني).
ومن أسوأ الأمور أن يبدأ الزوجان حياتهما الزوجية وهما في حال الخطيئة المميتة، رافضين الرب ونعمته وبركته .
349
هل يجوز اللجوء إلى الطرق الطبيعية لتباعد الولادات أو لتفاديها؟
تعلم الكنيسة أن الحب الزوجي الأصيل والمعنى الكامل لحياة الأسرة يهدفان إلى شركة الحياة كلها، وإلى خير الزوجين وإنجاب البنين وتربيتهم. فيجب أن يكون الزوجان مستعدين للمشاركة مع الله الخالق، ومع المسيح الفادي الذي يريد بواسطتهما أن يكثر عدد أبناء كنيسته يوما بعد يوم. فعلى الزوجين، من جهة، أن ياخذا بعين الإعتبار خيرهما الشخصي، ومن جهة أخرى أن يسعيا إلى إنجاب البنين، وأن يقدرا ظروفهما الروحية والمادية وحالتهما الصحية.
وكثيرا ما يقابل الزوجان أعباء خاصة في أيامنا هذه مما يضطرهما إلى التنظيم وتباعد الولادات. أما بالنسبة لطريقة التنظيم فقد ورد في الرقم 2370 من التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ما يلي:
"إن العفة من حين إلى آخر، وأساليب تنظيم النسل المرتكزة على المراقبة الذاتية واللجوء إلى فترات العقم هي متوافقة والمقاييس الأخلاقية الموضوعية. هذه الأساليب تحترم جسد الزوجين وتشجع الحنان بينهما، وتعزز التربية على الإنضباطية والحرية الأصيلة".
350
ماذا بالنسبة لأولاد الذين تُعلن المحكمة الكنسية أن زواجهم باطل: هل هم شرعيون؟
عندما تعلن المحكمة الكنسية بداية واستئنافا أن الزواج باطل من أساسه فهي تعني بذلك أن الزواج لم يكن صحيحا ولم يتم من الأصل.
أما الأولاد المولودون من هذا الزواج فيعتبرون دائما أولادا شرعيين استنادا إلى القانون 1137 من مجموعة الحق القانوني التي نصت على ما يلي:
"يُعتبر ولدا شرعيا، مَن حُبل به من زواج صحيح أو ظنّي".
ولكنهم يكونون الضحية الأولى والكبرى لبطلان الزواج لأن تربيتهم الدينية والإنسانية والأسرية والإجتماعية كثيرا ما يصيبها الخلل لأنهم لا يعيشون في بيت واحد تحت كنف الأم والأب. إنهم، على وجه العموم، يُعتبرون بمثابة الأيتام إذ يفقدون عطف الأم وحنانها، أو عطف الأب وحنانه، أو عطف وحنان كليهما فينشأوون معقدين نفسيا. الله يكون بعونهم.
351
هل الزوجة ملزمة دائما بطاعة زوجها؟ هل الزوج دائما على حق لكونه زوجا، وهل الزوجة دائما على خطأ لكونها زوجة؟
يقول القديس أمبروزيوس بهذا الصدد:
"المحبة الزوجية الأصيلة تتطلب من الرجل أن يحترم زوجته إحتراما عميقا لأنها مساوية له كرامة وحقوقا: "أنتَ لست سيّدها بل أنتَ زوجها". وهي لم تُعط لك خادمة بل زوجة... فعليك أن تبادلها حبا بحب وأحتراما باحترام ".
وقد سبقه بولس الرسول إذ ربط حب الرجل لإمراته بحب المسيح للكنيسة، وخضوع الزوجة لزوجها بالخضوع للرب. فقد قال:
"ليخضع بعضكم لبعض بتقوى المسيح. أيتها النساء إخضعن لأزواجكن خضوعكن للرب ... أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة، وضحى بنفسه من أجلها، ليقدسها ... من أحب امرأته أحب نفسه" (أف5/21 -28)
فالقضية هي قضية محبة بين الزوجين وليست قضية تسلط. المطلوب من الرجل أن يحب إمرأته حبه لنفسه، والمطلوب من المرأة أن توقّر زوجها، وأن تحترمه وتحبه حبها لنفسها. فإذا ما وصل الأمر بينهما إلى تسلط الواحد على الآخر، وإلى نبذ الحب الزوجي المتبادل ... فانهما يهدمان بيتهما.
352
بولس يفضل أن يبقى الإنسان بتولا (1 كورنتس 7/32-35) فهل من المنطق أن يبقى جميع الناس بُتُلا؟
يقول بولس الرسول الى اهل كورنتس:
"بودي لو كنتم من دون هم، فإن غير المتزوج يصرف همه إلى أمور الرب والوسائل التي يرضي بها الرب. والمتزوج يصرف همه إلى أمور العالم والوسائل التي يُرضِي بها امرأته، فهو منقسم. وكذلك المرأة التي لا زوج لها ومثلها الفتاة تصرفان همهما إلى أمور الرب لتنالا القداسة جسدا وروحا، أما المتزوجة فتصرف همها إلى أمور العالم والوسائل التي ترضي بها زوجها. أقول هذا لأفيدكم لا لأنصب لكم شركا، بل لأحملكم على الشيء الحسن الذي يجعلكم تتصلون بالرب اتصالا غير منقسم" (1 كو 7/32-35).
بولس لا يطلب أن يبقى جميع الناس بُتُلا، بل يبيّن أن الإنسان البتول يكون بمعزل عن هموم الدنيا الكثيرة، ويصرف همه إلى أمور الرب والوسائل التي بها يرضي الرب، ويصف حال المتزوجين وهمومهم الكثيرة التي تُشغلهم وتلهيهم عن الاهتمام بأمور الرب.
وتبيّن الكنيسة أفضلية البتولية في سبيل الله على الزواج للتفرغ للتقوى والعبادة وتكريس الذات لله. ولكنها لا تقلل من قيمة الزواج وأهميته وتعلّم بعبارات صريحة، أن البتولية من أجل الملكوت والزواج هما طريقان إلى القداسة. وبهذا الصدد فقد قال القديس يوحنا فم الذهب:
"من قلّل من قيمة الزواج وعظمته قلّل من قيمة البتولية وعظمتها. ومن رفع من قيمة الزواج رفع من قيمة البتولية".
7 - مسحة المرضى
353
من يحق له ان يأخذ مسحة المرضى وما هي فوائدها؟
تجيز الكنيسة مسحة المرضى لكل مصاب بمرض ثقيل، ولكل من يتعرض لخطر الموت بسبب المرض أو الشيخوخة (الدستور في الطقوس الدينية 73). وبناء عليه فإن الأشخاص المقدمين على عملية جراحية خطرة نتيجة لمرض خطير، مثل السرطان، والمتقدمين في السن المصابين بالضعف ولكنهم ليسوا بخطر الموت يمكنهم ان يأخذوا مسحة المرضى. ويمكن للمريض أن يأخذ المسحة اكثر من مرة عندما يقبلها ثم يشفى ثم يمرض مرة أخرى، أو عندما يطول المرض ويشتد عليه ويجعله في خطر الموت القريب.
ولذلك في يوم المريض العالمي، يحق لكاهن الرعية ان يدعو المصابين بمرض عضال من ابناء الرعية والمتقدمين في السن، خصوصا أذا كانوا مصابين بضعف ما، وأن يمنحهم مسحة المرضى في الكنيسة بحضور جمهور المؤمنين بعد أن يُعدّهم الاعداد اللازم لقبول هذا السر المقدس.
أما فوائد مسحة المرضى فهي:
1 - مشاركة المريض في الآم المسيح لخيره وخير الكنيسة كلها.
2 - التعزية والسلام والصبر في تحمل الآم المرض أو الشيخوخة من أجل المسسيح.
3 - مغفرة الخطايا التي لم يستطع المريض أن ينالها بواسطة سر التوبة.
4 - استرداد العافية اذا توافق ذلك مع الخلاص الروحي.
5 - التأهب للعبور إلى الحياة الأبدية.
(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1532)
354
في حالات المرض الذي لا يرجى منه شفاء وعلاجاتها مكلفة جدا ولا يستطيع أهل المريض أن يقوموا بها، هل يجوز حجبها عن المريض؟
في هذه الحالات يكون التوقف عن شراء الدواء للمريض أمرا مشروعا لأنه ليس المقصود منه التسبب بالموت وإنما إقرار بالعجز أمام الموت. يقول المثل: "مرغم أخوك لا بطل" ولكن:
"لا يجوز بوجه شرعي حجب المساعدات الواجبة عادة لشخص مريض، وإن كان مشرفا على الموت ... العلاجات المُسكِّنة هي صيغة مميزة للمحبة النزيهة. وبناء على ذلك يجب تشجيعها" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2278 – 2279).
355
كثيرون من شعبنا المسيحي لا يدعون الكاهن للصلاة على المريض إلا عندما يصبح المريض في حالة نزاع، وكثيرا ما يكون المريض فاقد الوعي؟ فما العمل لتوعية المؤمنين على واجبهم الديني تجاه مرضاهم؟
أمر السيد المسيح الرسل بأن يشفوا المرضى (متى 10/8) وكانت قوة تخرج منه وتبرىء الجميع (لو 6/19) وكان دائما يطلب من المرضى الإيمان. وكثيرون من شعبنا المسيحي فاترون في الإيمان ويهملون إبلاغ الكاهن بوجود مريض في بيتهم أو في المستشفى.
إن مهمة تبليغ الكاهن تقع أولا على المريض بالذات وعلى أهله وأحبائه. قال يعقوب الرسول: "هل فيكم من مريض؟ فليدعُ كهنة الكنيسة ليصلّوا عليه بعد ان يمسحوه بالزيت باسم الرب. إن الصلاة مع الإيمان تخلّص المريض، والرب ينهضه. وإن كان قد اقترف خطايا تُغفر له" (يع 5/14-15).
كثيرون يخافون من دعوة الكاهن للصلاة على المريض ولمسحه بالزيت المقدس لأنهم يعتقدون بأن المسحة لمن أشرف على الموت، ولا يريدون أن يعطوا مريضهم الانطباع بأنه مشرف على الموت. بينما الكنيسة تُعلّم أن مسحة المرضى تُعطى لكل مريض يصاب بمرض شديد وللمتقدمين بالعمر. ومن الممكن أن يلجأ الكهنة إلى الوسائل الحديثة لتوعية المؤمنين على واجبهم تجاه مرضاهم. وقد أخذ عدد من كهنة الرعايا، يعطون مسحة المرضى، في يوم المريض العالمي، للمرضى والمتقدمين بالسن من ابناء الرعية، في الكنيسة أمام جمهور المصلين.