المجموعة العاشرة
كرامة الحياة
483
ماذا نعني بكرامة الإنسان وحقوقه الإنسانية وما هو مصدرها؟
مصدر الكرامة الإنسانية والحقوق الإنسانية هو الله. ولذلك لا تقاس الكرامة الإنسانية بمقاييس البشر. لا تقاس بالصحة والمرض، ولا تقاس بالغنى والفقر، ولا تقاس بمكانة الإنسان الاجتماعية، ولا تقاس بقوة السلاح، ولا تقاس بانتماء الإنسان الديني وبالمظاهر الدينية.
كرامة الإنسان ليست سلعة في الأسواق تباع وتشترى بالنقود. إنها هبة من الله تعالى الذي خلق الإنسان، وأكرمه بأن جعله على صورته ومثاله، أي أنه خصّه بنفس عاقلة وإرادة حُرّة، وجعل فيه من روحه روحا، ومن كيانه نسمة حياة، وسلّطه على جميع الكائنات على وجه الأرض، وأعد له حياة أبدية.
هكذا جعل الله كل البشر من طبيعة واحدة، وأصل واحد، فساوى بينهم في الكرامة، وإن اختلفوا دينا ولونا وجنسا ومنبتا. فللإنسان كرامة فريدة لكونه إنسانا. وتبقى كرامته في طليعة تصميم الله الخالق. ولا يقوم السلام للناس على الأكل والشرب وعلى إرضاء شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الحياة. ولا سلام حيث تُهدر كرامة الإنسان. الإنسان المخلوق على صورة الله له الحق في أن يولد ويحيا حياة كريمة.
484
مَن المسؤول عن الالآم التي تحل بالإنسان؟ ماذا يعني أن الآمنا تساهم في خلاص البشرية إذا قدمناها لمجد الله؟ ولماذا كان يجب على المسيح أن يتألم ليخلصنا؟ لماذا الألم من أجل الخلاص؟ وماذا يعني أن أتألم فتخلص نفس أخرى؟
1 – من المسؤول عن وجود المرض والألم والظلم والفقر وعما يصيب الإنسان من دمار وألم وموت من جراء الكوارث الطبيعية، سواء كان الإنسان صالحا أم طالحا؟ سواء كان المصابون بالألم مذنبين أم غير مذنبين؟ بولس الرسول يجيب على السؤال قائلا:
"بالخطيئة دخل الموت، وهكذا سرى الموت إلى جميع الناس ... وإذا كانت جماعة الناس قد ماتت بزلة إنسان واحد، فالأولى أن تفيض على جماعة الناس نعمة الله والعطاء الممنوح بنعمة إنسان واحد، ألا وهو يسوع المسيح" (رو 5/12، 15)
وقال أيضا:
"أجرة الخطيئة هي الموت، وأما هبة الله فهي الحياة الأبدية في يسوع المسيح ربنا" (رو 6/23)
وقال أيضا:
"أين يا موت نصرك؟ وأين يا موت شوكتك؟ إن شوكة الموت هي الخطيئة" (1 كو 15/55-56)
بدخول الخطيئة إلى حياة الإنسان دخل الموت. كل أنواع الألم والظلم والحقد والإستبداد والفقر ... الخ، مرتبطة بالشر والخطيئة. سفر أيوب البار هو بحث طويل لجانب من جوانب هذه المشكلة: لماذا يُصاب الإنسان الصالح بمختلف أنواع الالآم والمشقات وهو غير مذنب؟
2 - ولكن لا ننسى أنه في الألم والمرض يختبر الإنسان عجزه وحدوده. وقد يقود ألمه ومرضه إلى الجزع والتقوقع على الذات، وربما إلى اليأس والثورة على الله. ولكنه كثيرا ما يزيد الإنسان نضوجا، ويساعده في تمييز الغث من السمين في الحياة، فيطلب ما هو جوهري ويعود إلى الله تائبا. كثيرون من البعيدين عن الله، لا يذكرون خالقهم ومخلصهم إلا عند الالآم. فالألم لهم خشبة خلاص.
3 – أما الآمي في سبيل خلاص إنسان آخر، فهي تدخل في معنى الحب الذي به خصنا المسيح. وهو يوصينا بأن نحب بعضنا بعضا. وفي العرف المسيحي فإن أكبر أنواع المحبة هي السعي بتقوانا وحبنا وتضحياتنا إلى خلاص البشر أجمعين. كلنا أعضاء في جسد المسيح السري، أي في كنيسة المسيح. وكنيسة المسيح هي أداة المسيح لفداء جميع البشر. إنها تصميم محبة الله للبشرية. والله يريد أن ينعم كل الناس بالخلاص. فكل الناس متضامنون في السعي إلى الخلاص. قال القديس اغسطينوس: " من خلص نفسا خلص نفسه".
4 - لقد كان على المسيح أن يتألم ليخلصنا لأنه بتجسده حمل جراحنا وأراد أن يكون واحدا منا شبيها بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. ولولا سر التجسد لما تم الفداء. فالمسيح احتمل الآمنا وأوهاننا وقدّسها وجعل منها خشبة الخلاص للجنس البشري. فما جاءت به خطيئة آدم من الألم والموت انتصر عليه المسيح بمشاركتنا الألم والموت وبقيامته ممجدا من مثوى الاموات. فبالمسيح ومع المسيح ينحل لغز الألم والموت في حياة الإنسان. ويسوع المصلوب المحكوم عليه ظلما، والمتألم ظلما، يشهد لمحبة الله للمسحوقين والمذلولين والمظلومين والجائعين والمضطهدين، ولكل الذين يعانون القلق والإرتياب في معنى حياتهم. والتطويبات هي للفقراء والحزانى والودعاء والجياع ألى البر، تجد تصديقها في صليب يسوع، ويبقى صليبه علامة الخلاص المميزة. ونحن المسيحيين، بالمعمودية ندخل في الآم المسيح وموته كي يصير لنا نصيب يوما ما مع المسيح في الحياة الأبدية. فحياتنا بمجملها هي في الصليب. يقول بولس الرسول: "نحمل في أجسادنا كل حين موت يسوع لتظهر في أجسادنا حياة يسوع أيضا" (2 كو4/10).
485
الإنتحار خطيئة مميتة، فلماذا عادت الكنيسة تسمح بدفن المنتحِر؟
تعليم الكنيسة بشأن الإنتحار لم يتغير، لأن الإنتحار هو"قتل الذات" (إنجيل الحياة 66)، وخطيئة اليأس من رحمة الله. والكنيسة شجبت دائما الإنتحار باعتباره أسوأ الإختيارات. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإنتحار ينافي الطبيعة الإنسانية لأن الإنسان فُطر على حب الحياة. والمنتحر لا يحب الحياة ولا يحب ذاته ولا يحب الله ويرفض أن يكون عضوا فاعلا في مجتمعه وفي كنيسته. والإنتحار هو أيضا رفض لسلطة الله على الحياة والموت: "للرب السلطة على الموت والحياة" (الحكمة 16/16 ، طوبيا 13/2). ولذلك تُعلّم الكنيسة أن الانتحار بحد ذاته خطيئة كبيرة.
ولكن قد تكون هنالك ظروف مُخفّفة لجسامة الخطيئة. فالمجنون إذا انتحر لا يكون مسؤولا عن انتحاره. وفي أيامنا هذه، تزداد الأمراض النفسية في مجتمعات كثيرة لا تعرف الله، ولا تهتم إلا بما هو مادي ولا تقيم وزنا للأخلاق.
كانت الكنيسة ترفض صلاة الدفن على المنتحِر باعتبار الإنتحار خطيئة كبيرة ومخالفة لوصية الرب وباعتبار أن المنتحِر يئس من رحمة الله . أما اليوم فان الكنيسة تسمح باقامة الصلاة من أجله، إلى الله الرحيم لأنه، لا أحد يستطيع أن يقيس مسؤولية المنتحِر في الإنتحار إذ كثيرا ما يكون واقعا تحت ظروف كبيرة ضاغطة تخفف من مسؤوليته، مثل الأمراض النفسية وتأثير الإدمان.
بالاضافة إلى ذلك فإن صلاة الدفن على المنتحر من أجل راحة نفسه، هي أيضا تعزية، تقدّمها الكنيسة لذوي المنتحِر من أقربائه وأحبائه.
486
أنا شاب "حليوة"، عندما أتأمل في الإنسان أقول: "إن لجسدي قدسية." ألا تشاطرني الرأي؟
نعم، أشاطرك الرأي. أجسادنا مقدسة، قدّسها السيد المسيح بالآمه على الصليب وخلصها من الموت الأبدي، وأعدها لسعادة أبدية. ولا يذهب إلى الهلاك الأبدي إلا الذين يستهترون بأجسادهم وحياتهم وسعادتهم الأبدية.
إسمع ما يقول ترتليانوس (155-220) بهذا الشأن:
"إن هذا الجسد الذي جبله الله بيديه، جعله على صورته، وأحياه بنفخة منه. وبهذه النفخة القدسية أعطاه الحياة ... ومنحه أسراره المقدسة ووصاياه ... هذا الجسد الذي يخص الله، ألا يقوم من بين الأموات؟"
"إن الله إله اللطف والصلاح ... وهو يحب هذا الجسد الذي خلقه. فإن أصابه الوهن، فالله يُظهِر فيه قوته، وإن ابتلي بمرض ... وإن كان هالكا ... أو خاطئا ... فالله يريد خلاصه. لماذا تعيب الجسد وتمتهن كرامته؟ فهو ينال حظوة عند الله. ولولا ضعف الجسد، لما بان صلاح الله ورأفته وقدرته على الخير".
487
الوصية السادسة لا تزن. سمعت مرة أن الزانية هي المرأة المتزوجة، وأن الوصية لا تصيب إلا المتزوجة والمتزوج. فلماذا إذا نعتبر كل خطيئة جسدية زنى؟
1 – في العهد القديم، إذا ما رجعنا إلى اللغة العبرانية لوجدنا أن الزنى يدل على العلاقات الزوجية بين رجل وامرأة متزوجة أو مخطوبة. وبهذا المعنى فإن الوصية السادسة تمنع خيانة الرباط الزوجي. ومن خانه استوجب، في العهد القديم، حكم الموت. فأي رجل زنى بامرأة قريبه، فليقتل الزاني والزانية (اح 20/10). وكانت الشريعة تعامل المخطوبة معاملتها للمتزوجة، والعقاب للزنى مع إمرأة مخطوبة كعقاب المتزوجة إذا زنت (تث 22/22-27). فالوصية تشدد على احترام الزواج لأن المرأة ملك الرجل، ومن مسها مس ملكية الرجل لها. في مثل هذه الحالة الإجتماعية التي عرفت تعدد الزوجات، الزانية فقط هي المرأة المتزوجة، والرجل لا يزني إلا مع امرأة متزوجة.
ولكن هذا المعنى الضيق توسع. فالكتاب ينظر إلى الزنى والبغاء نظرة لوم فيعتبرهما خيانة تدمر الزواج الذي أسّسه الله. فالزواج يفترض الأمانة، وإلا فكيف تدوم الأسرة وتستمر؟ الحب الزوجي هو مشاركة في حب الله. فالرب جعل نفسه بشعبه خطيبا وزوجا، فأحبه كما يحب الزوج زوجته. وغار عليه كما يغار الخطيب على خطيبته، وهو يعتبر خيانة الشعب له على مثال الخيانة الزوجية، على مثال الزنى الذي يثير غيرته، فيسبب للخائن الغضب والعقاب. هكذا يجب أن يكون حب الرجل لامراته، وحب المرأة لرجلها. ولقد قال في ذلك القديس بولس: "أيها الرجال أحبوا نساءكم مثلما أحب المسيح الكنيسة وضحى بنفسه من أجلها. يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم مثلما يحبون أنفسهم" (أف 5/25-32).
وتتوسع كتب الحكمة في الحديث عن موضوع الزنى فتنبه المرأة الجاهلة التي تترك زوجها مرشد حياتها وتنسى عهد إلهها (مثل 2/17)، وتحذّر الرجل من إغواء المرأة الغريبة، وتدعوه إلى التعلّق بزوجته فتكون له الظبية المحبوبة (مثل 5/19). هذه الأفكار يستعيدها يشوع بن سيراخ (23/21) فيقول إن الزاني يخاف عيون البشر، ولا يعرف أن الله يرى ويعلم كل شيء. ويكرر سفر الحكمة أن ذرية الزناة يُحسَبون كلا شيء، وفي آخرتهم تكون شيخوختهم بلا كرامة (حك 3/16-19 ، 4/3-6).
2 - لقد فهم تقليد الكنيسة أن الوصية السادسة تتناول كل وجوه الجنس الإنساني. قال السيد المسيح: "سمعتم أنه قيل لا تزن، أما أنا فأقول لكم: إن كل من نظر إلى إمرأة حتى يشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى 5/27). الجنس يؤثر في جميع وجوه الشخص البشري، ضمن وحدة جسده ونفسه. وهو يتعلق خصوصا بالإنفعالات العاطفية، وبإمكانية الحب والإنجاب، وبوجه أعم بإمكانية عقد روابط اتحاد بالآخرين. فإما أن يسيطر الإنسان على أهوائه وينال السلام، وإما أن يرضى بأن تستعبده.
فالعهد الجديد تعمق بهذه الوصية. ذلك أنه مع المسيح: لا رجل ولا امرأة، لا عبد ولا حر (غلاطية 3/28). المرأة مساوية للرجل، وما يُمنع على الرجل يُمنع على المرأة، وما يُسمح به للرجل يُسمح به للمرأة. وعلى هذا يقول بولس الرسول: "أهربوا من الزنى. فكل خطيئة يرتكبها الإنسان هي خارجة عن جسده. ولكن الزاني يذنب إلى جسده". وقال أيضا: " من اتحد بامرأة زانية صار وإياها جسدا واحدا" (1 كو6/18 ، 6/16). ومقابل ذلك فالمرأة غير المؤمنة تتقدس بزوجها المؤمن. وكذلك الزوج غير المؤمن يتقدس بالمرأة المؤمنة. وإذا كان لا سلطة للمرأة على جسدها لأنه لزوجها، كذلك فالزوج لا سلطة له على جسده لأنه لإمراته (1 كو 7/3،4،14). إلى هذا المستوى رفع العهد الجديد الأسرة، بحيث يكون الرجل والمرأة جسدا واحدا، وتكون النظرة المشتهية إلى المرأة زنى وفاحشة (متى 5/28) لأن أجسادنا هي هيكل الروح القدس.
(راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2331 – 2400).
488
أين نجد أن العلاقة الجنسية بين رجل متزوج أو امرأة متزوجة مع شخص آخر غير الزوج هي خطيئة زنى؟
تجدها، على سبيل المثال في متى 5/32 ، 19/6 وفي مرقس 10/11 وفي الرسالة الأولى إلى أهل كورنتس 6/9-10. وقد شرح التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية معنى الزنى كما يلي:
"الزنى هو الخيانة الزوجية. فعندما يقيم شخصان، أحدهما على الأقل متزوج، علاقة جنسية بينهما، وإن كانت عابرة، فهما يرتكبان الزنى. والمسيح قد حرّم الزنى. فالنظرة عنده بشهوة زنى، كما ورد في متى 5/27-28. والوصية السادسة والعهد الجديد يحرمان الزنى على الإطلاق. والأنبياء ينددون بجسامة الزنى ويرون فيه عبادة للأصنام (هو 2/7، إر 5/7 ، 13/27).
489
ما رأي الكنيسة في الأشخاص الذين لديهم ميول لنفس الجنس؟ هل تأخذ الكنيسة بعين الاعتبار ما وصلت اليه العلوم الإنسانية من أن هذه الحالات قد تكون في أحيان كثيرة خارجة عن سيطرة وإرادة الفرد، وأنها إذا ثبتت فيه ولم تعالج يصبح من غير الممكن تغييرها؟ هل يُعتبر هؤلاء الاشخاص الذين يعانون من حالة هذه الحالة المرضية خاطئون؟ وماذا يمكن أن تقدم الكنيسة لمساعدتهم؟
1 - هذه الظاهرة ليست جديدة وقد كانت ولا تزال منتشرة لدى الكثيرين في جميع شعوب العالم مهما كان انتماؤهم الديني. الجديد بالأمر هو أن الحديث عنها أصبح علنا، وبكل وقاحة، إلى حد أن الكثير من الدول الأوروبية والأمريكية سنت قوانين حيث تعتبر هذه الخطيئة أمرا شرعيا ورتبت لها حقوقا وآثارا مدنية.
2 - العلوم الإنسانية ليست المرجعية للنظام الأخلاقي الذي سنّه الله للإنسان، وبالتالي ليست المرجعية لمعرفة هل يستطيع الإنسان المدعوم بالنعمة أن يسيطر على إرادته السيئة وعلى نزواته المنحرفة أم لا. وإذا سيطرت الميول المثلية على الإنسان فهي تكون صعوبة كبيرة في حياته، على غرار المشاكل والهموم والصعاب الأخرى الكبيرة التي قد يواجهها. ولكن لا يعني ذلك إطلاقا أن الجنس المثلي صحيح أخلاقيا، بل يبقى يتعارض مع ما أراده الله بالذات في بدء الخليقة: "ذكرا وأنثى خلقهما".
3 – وإجابة على السؤال، فقد ورد في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ما يلي:
"اللواط يعني العلاقة بين رجال أو بين نساء يحسّون انجذابا جنسيا، حصريا أو غالبا، إلى أشخاص من الجنس نفسه. وله أشكال متنوعة جدا على مدى العصور والثقافات. تكوينه النفسي لا يزال في معظمه غير واضح. استنادا إلى التقليد والكتاب المقدس فإن اللواط فساد خطير. فالأفعال اللواطية هي منحرفة في حد ذاتها. إنها تتعارض والشريعة الطبيعية. إنها تُغلق الفعل الجنسي على عطاء الحياة. فهي لا تتأتى من تكامل حقيقي في الحب والجنس. ولا يمكن الموافقة عليها في أي حال من الأحوال".
"هناك عدد لا يستهان به من الرجال والنساء الذين عندهم ميول لواطية عميقة. هذه النزعة، المنحرفة موضوعيا، هي بالنسبة إلى معظمهم محنة. فيجب تقبّلهم باحترام وشفقة ولطف. ويجب تحاشي كل علامة من علامات التمييز الظالم بالنسبة إليهم. هؤلا الأشخاص مدعوون إلى تحقيق مشيئة الله في حياتهم، وإذا كانوا مسيحيين، أن يضموا إلى ذبيحة صليب الرب المصاعب التي قد يلاقونها بسبب وضعهم"
اللواط فساد خطير. والأفعال اللواطية هي منحرفة في حد ذاتها، وهي تتعارض والشريعة الطبيعية. وتعلم الكنيسة أن:
"ألاشخاص اللواطيين مدعون إلى الطهارة. وهم قادرون على التقرب تدريجيا وبعزم إلى الكمال المسيحي، وملزمون بذلك، مستعينين بفضيلة السيطرة على الذات التي تربّي على الحرية الداخلية، وأحيانا بمساعدة صداقة نزيهة، وبالصلاة والنعمة الأسرارية" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1357 – 2359).
490
العادة السرية: هل هي خطيئة؟ وبما أنها مرحلة طبيعية يمر بها الجميع فلماذا تسمى خطيئة؟ وما الذي يجعلها تتعارض مع حب الله بما أن الله لا يرغب أن يطالَب الإنسان بما هو فوق طاقته، وبما أنها أمر طبيعي وضعه الله نفسه فينا؟ خصوصا حين نضطر للاعتراف كل مرة بخجل كبير ونبحث عن مصطلحات للتعبير عما نريد قوله. هذا مع تأنيب الضمير المستمر، وأحيانا لا نذهب للمناولة إلا لأننا قمنا بهذه الممارسة في اليوم السابق، مع العلم أن المحاولات للتغلب عليها كثيرة والعودة اليها أكيدة. فما رأيك" هل هي خطيئة؟
إن ما يسميه الناس عموما بالعادة السرية" تسميه الكنيسة في "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" الإستمناء، وتشرح كما يلي:
"يُقصد بالإستمناء (اي العادة السرية) الإثارة المتعمّدة للأعضاء التناسلية للحصول منها على اللذة الجنسية. "إن السلطة التعليمية في الكنيسة، كالحس الأخلاقي عند المؤمنين، قد أكدت دون تردد، أن الإستمناء هو عمل مخالف بحد ذاته للنظام الأخلاقي مخالفة جسيمة". "إن الإستعمال المتعمد للطاقة الجنسية خارج نطاق العلاقة الزوجية العادية، يتعارض وغايتها، مهما كان السبب". فالمُتعة الجنسية تُقصد فيه خارج نطاق العلاقة الجنسية التي يقتضيها النظام الأخلاقي، والتي تُحقِّق المعنى الكامل للعطاء المتبادل والإنجاب البشري في إطار حب صحيح".
"لتكوين حكم منصف في مسؤولية الأشخاص الأخلاقية، ولتوجيه العمل الرعائي، يجب الأخذ بعين الاعتبار عدم بلوغ النضج العاطفي، وقوة العادات التي تعوّدها الإنسان، وحالة الضيق، أو العوامل النفسية والاجتماعية الأخرى، التي تنقص بل تُنهك المسؤولية الأخلاقية" (رقم 2352).
ومعنى ذلك:
1 – أن العادة السرية بحد ذاتها هي مخالفة جسيمة للنظام الأخلاقي وتمرد عليه أي أنها خطيئة كبيرة. ولا يجوز لمن يرتكبها أن يتوجه إلى تناول جسد الرب قبل أن يحصل على الغفران في سر التوبة. فكل من يرتكب هذه الخطيئة، يواجه في عمق نفسه "الخجل" من ارتكابها، أي أنه فطريا يعرف أنه يقوم بمخالفة للنظام الأخلاقي. ينزوي، ويختفي عن نظر الناس للقيام بخطيئته، ولذلك تُسمى "العادة السرية" أي العادة التي يقوم بها الشخص بمفرده بعيدا عن نظر الناس.
2 – عندما تقول: "إن العادة السرية هي مرحلة طبيعية يمر بها الجميع"، فإنك تناقض نفسك. وكلامك هذا يحتاج إلى توضيح:
أ – عمل الإنسان - أي عمل كان - لكي يصبح عادة، يتطلب أن يكرره الإنسان إلى حد أنه يتعود أن يقوم به بكل سهولة وبدون أية صعوبة. والعادة قد تكون فضيلة، وقد تكون رذيلة كما هو الحال في العادة السرية. وهذه العادة التي تكتسبها من كثرة تكرارها ليست مرحلة طبيعية، بل هي مكتسبة ومخالفة للقانون الأخلاقي، ولا يحق أن تعتبر مخالفتك للنظام الأخلاقي أمرا طبيعيا يعفيك من المسؤولية الأخلاقية.
ب - ليس صحيحا أن الجميع يسقطون بخطيئة العادة السرية. يصبح عبدا لها فقط مَن يسقط فيها ويتابع السقوط إلى حد أنها تصبح لديه عادة سيئة. البعض قد لا يسقط فيها إطلاقا، والبعض قد يسقط فيها مرة أو أكثر ولكنه بنعمة الله يقاوم هذا الميل الجنسي فيه وينتصر وينضبط ويعيش بسلام النفس والضمير.
3 – الظروف التي قد تزج بالإنسان إلى ارتكاب خطيئة العادة السرية قد تخفف مسؤولية الخاطىء. فقد يكون جاهلا لم يبلغ بعد النضوج العاطفي، وقد يكون قد تعوَّد هذه العادة عن جهل وتأصلت فيه، وقد يكون السبب حالة ضيق أو عوامل نفسية ... الخ، كلها قد تكون ظروفا مخفّفة لجسامة الخطيئة ولكنها لا تبرر القيام بالخطيئة أبدا ولا تعفي الخاطىء من واجب التخلص من خطيئته استنادا إلى نعمة الله وإلى قراره الحر والواعي للتخلص منها. فإذا توفر له القرار الصادق وتوجه إلى ممارسة الأسرار والصلاة والتوبة فإن نعمة الرب تسنده ويتخلص من خطيئته.
4 – عندما تريد أن تعترف ... تشعر بالخجل، لماذا؟ لانك تعرف في قرارة نفسك أنك ارتكبت خطيئة تخجل أن تقر بها، وأنك تحمل جرحها المميت في نفسك. والشيطان عدو نفسك يدغدغ "خجلك" هذا لكي يؤدي بك إلى عدم ذكر خطيئتك فتبقى فيها وترتكب خطيئة نفاق، أو تذكرها بطريقة لا تعبّر فيها عن حقيقة خطيئتك. راجع نفسك وكن شجاعا في قول الحقيقة للكاهن في كرسي الإعتراف لأنه يمثل يسوع المسيح. فإذا كانت إعترافاتك نفاقية، تب سريعا ولا تبق في هذه الحالة المضطربة واعترف إعترافا كاملا عاما شاملا لكي تستعيد محبة الله الحقيقية وسلام الضمير. حرام عليك أن تبقى متألما في ضميرك، تخفي داءك عن الطبيب الإلهي الذي يريد أن يشفيك وأن يغفر لك ذنوبك.
5 – كن متأكدا بأن سر التوبة هو علاج فائق الطبيعة لجميع أمراض الخطيئة وهو طريق يقود إلى القداسة. وإنك كلما توجهت إليه بصدق الإرادة فإنك تزداد نعمة على نعمة وتزداد نفسك صفاء، وضميرك سلاما.
491
بعضهم يقول أن البتولية أمر غير ممكن لأن الإنسان هو إنسان بضعفه حتى ولو صار راهبا أو راهبة أو كاهنا، ويبقى معرضا لكل التجارب. فما رأيك؟
إن الذين يعتقدون ذلك بعيدون كل البعد عن الحقيقة التي يعيشها الملايين من أبناء الكنيسة الكاثوليكية خاصة، وابناء الديانة المسيحية عامة.
1 – المسيحيون الصالحون يلتزمون بالوصيتين السادسة والتاسعة، مهما واجهوا من صعوبات لأن نعمة الله تكفيهم للإنتصار على شهوات الجسد ونزواته. عشرات الألوف من الشباب والصبايا يعيشون ملتزمين بحفظ الوصيتين المذكورتين، متجاوبين مع النعمة المعطاة لهم ومع حب المسيح الذي من أجله يضحّون برغبات الجسد ونزواته. فالمسيحي في حياته الروحية، وفي حفظ الوصايا والإنجيل المقدس، لا يتكل على قواه الطبيعية، بل على النعمة السماوية التي لا تنقصه، ويتجاوب معها في جهاده الروحي، للحفاظ على بتولية النفس والجسد، وعلى حفظ الوصايا. وبالتالي فهو ينعم بسعادة إلهية لا توصف لأنها ليست من نظام هذا العالم، تماما كما أن آفاق الحياة المسيحية ليست من نظام هذا العالم.
2 - لا يخفى على المسيحي المستنير، أن البتولية من أجل الملكوت:
أ - هي أولا وقبل كل شيء هبة من الله، ودعوة إلهية. انها قضية حب إلهي يفوق ادراك البشر، وعطاء كلي بدون قيود ولا شروط، تشترك فيه الطبيعة والنعمة. معتنِق البتولية من أجل الملكوت هو إنسان بجسد ونفس. وتتطلب منه الحياة على الطهر والبتولية والعفاف أن يسير ضد تيار الجسد، وأن يُخضع الجسد للروح. الطبيعة وحدها ضعيفة، ولكن إذا تجاوب المسيحي مع النعمة المعطاة له، فإنه يسيطر على ميوله المنحرفة ونزواته، ويحقق الله فيه العجائب.
ب – وهي ثانيا قرار حر وواع في اعتناق البتولية من أجل الملكوت وفي التضحية بشهوات الجسد والحب الإنساني والأسرة حبا للمسيح. مُعتنِق البتولية يرضى بالبتولية ويختارها أسلوبا لحياته حبا للمسيح، ويعيش بتولا كما عاش المسيح. لا أحد يعيش البتولية مُكرها. وهذا القرار الحر والواعي هو محور أساسي لحياة البتولية. وهو يتطلب التجاوب مع النعمة لتحقيق كمال الحب للمسيح، وللالتزام الموصول بقواعد الحياة المسيحية والإنسانية الحكيمة، وبالثبات على التقوى والفطنة وتناول القربان الأقدس والتأمل في كلمة الله.
ج - البتولية من أجل الملكوت هي حقيقة إنسانية طبيعية تلتحم بالحقيقة الروحية الفائقة الطبيعة. فالحب الإلهي والإيمان الثابت يندمجان مع إرادة الإنسان الحرة التي تعتنق الحياة على الطهر والبتولية من أجل الملكوت. فما في الإنسان من فضائل إنسانية، ومن طموح وحق وجمال، يندمج كله بما هو سماوي وإلهي يفوق إدراك البشر: إن الله على كل شيء قدير.
3 – إن التكريس على الطهر والبتولية، الحياة الرهبانية والحياة الكهنوتية هي تاج الكنيسة الكاثوليكية، والبرهان القاطع على حيويتها وعلى رسالتها الخلاصية لبني البشر.
4 – بعض الناس يجردون البتولية المسيحية من قيمتها الإنسانية والروحية، ويجعلون الإنسان مجرد جسم مادي لا علاقة له بالأخلاق والوصايا والقيم الإيمانية والروحية والدينية. المسيحي الذي اعتنق البتولية بدعوة من الله في الحياة الرهبانية أو الكهنوتية أو مع بقائه في العالم، إنما يحب ما يؤمن به ولا يريد أن يعرف في حياته إلا ما يحب. وبثبات إرادته وبتجاوبه مع النعمة المعطاة له، يستطيع أن يسيطر على نزوات الجسد، وأن يعيش الحب الإلهي على الطهر والبتولية بسعادة إلهية لا توصف، وهو مطمئن بأن الملكوت السماوي ينتظره في آخر الطريق.
492
ما رأي الكنيسة في عمليات تحويل الذكر إلى أنثى والأنثى إلى ذكر؟
الكنيسة تدين بشدة إجراء عمليات تحويل الذكر إلى أنثى أو الأنثى إلى ذكر. هذه التحويلات تجعل دائما الشخص غير قادر على الإنجاب، وهي بحد ذاتها عمليات محرّمة وغير مقبولة أخلاقيا وإنسانيا. وقد توقف الطب عن إجراء مثل هذه العمليات لكثرة السلبيات النفسية والصحية التي ترافق الإنسان طيلة الحياة بعد إجراء العملية. وبما أن الكنيسة تشجب هذه العمليات بشدة، فانها ترفض أيضا رفضا قاطعا أن تبارك زواج المتحوِّلين.
نحن نؤمن بأن كل إنسان، ذكرا كان أم انثى، محبوب من الله وأن المسيح فداه بالآمه وموته وقيامته.
493
هل الكنيسة تحرم الإخصاب الإصطناعي ولماذا؟
1 - نعم. الكنيسة تحرم الإخصاب الاصطناعي. فقد حرمه:
البابا بيوس الحادي عشر سنة 1930
والبابا بيوس الثاني عشر سنة 1951 وسنة 1958
والبابا يوحنا الثالث والعشرون سنة 1961
والمجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1965
والبابا بولس السادس سنة 1964 وسنة 1965 وسنة 1968
والبابا يوحنا بولس الثاني في مناسبات كثيرة منها :
Familiaris Consortio 1981 ولدى زيارته للولايات المتحدة
سنة 1979. وسنة 1987 وسنة 1993
والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1664، 2373 – 2379.
2 - ولماذا تحرمه الكنيسة؟ الأسباب كثيرة ونختصرها بما يلي:
أولا - لأن الوسائل الإصطناعية منافية للطبيعة وللقوانين الأخلاقية. فهي لا تحترم وحدة الإنجاب وكرامة الشخص البشري أي أنها تفصل عن فعل الإنجاب معاني الفعل الزوجي من حب وعاطفة وأبوّة وأمومة، ولا تعود العلاقة الحميمة بين الزوجين علاقة عطاء حب أحدهما للاخر كما يتطلب عهد الزواج المقدس. ليس الولد حقا مكتسبا في حياة الأسرة، ولا يجوز للحصول عليه استعمال الوسائل المحرمة. فالحياة هي هبة من الله الذي هو سيد هذا الكون. "إن الحياة البشرية ومهمة نقلها غير محصورتين في هذا الدهر، ولا يمكن قياسهما وفهمهما به، ومن ثم فلا بد فيهما من التطلّع الدائم إلى مصير البشر الأبدي" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2370 – 2371 )
ثانيا – لأن إخضاع الإنجاب للوسائل الإصطناعية يعني وضع حياة الجنين وهويته بين أيدي الأطباء الذين يتحكمون بمصير الأجنة بطريقة مهينة سواء أكان من حيث تطورهم، أم من حيث اختيار جنسهم ولونهم، أم من حيث التخلص منهم. فالأساليب الاصطناعية تعطي سيادة للتقنية على أصل الشخص البشري وعلى مصيره، وتتحكم بما يجب أن يكون مشتركا بين الوالدين والأولاد من كرامة ومساواة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2377)
ثالثا- لأن الإختبارات المهنية تقود إلى ممارسات مهينة للإنسان. وقد تصبح هذه الممارسات أسيرة الضغط السياسي والإقتصادي والتجاري فيتحول الإنسان إلى وسيلة لا إلى غاية في حد ذاته. ولا يخفى على أحد أن الشأن الإقتصادي الذي يغلف العالم يقوده بسهولة كبيرة إلى اتخاذ شتى الوسائل بغية الربح والكسب السريعين حتى ولو على حساب الإنسان وكرامته. هنالك دور سلبي يضطلع به التطور في مسيرة الإنسان. وهناك نزعة سلطوية تجعل من الأطباء أسياد الحياة من دون الله.
رابعا - عندما ننظر إلى المشاكل الإنسانية في العالم، وخصوصا في الدول الفقيرة التي تعاني من ارتفاع مفرط في الولادات، لا يسعنا إلا ان نتساءل عن البُعد الأخلاقي للابحاث حول الإخصاب الإصطناعي. فمن جهة ملايين الأطفال في العالم يهلكون جوعا ولا يجدون من يتحنن عليهم. ومن جهة أخرى فإن الدول الغنية تفعل المستحيل للحصول على حياة بشرية، وفي نفس الوقت تشجع على الإجهاض وتعتبره حقا مشروعا.
494
ماذا تعلم الكنيسة بالنسبة لوسائل منع الحبل الإصطناعية وهل من وسائل تبيحها الكنيسة ولماذا؟
1 - وسائل منع الحبل الإصطناعية كثيرة وكلها على حساب الفضيلة والمقاييس الأخلاقية والموضوعية، ولذلك حرمتها الكنيسة. العالم يركز على الأبعاد البيولوجية والنفسية والديموغرافية والإجتماعية ويجعل منها قواعد أساسية للقيم الاخلاقية. أما الكنيسة فانها تركز على سمو الحب الزوجي ودوره في تكملة عمل الله في الخلق وعلى بُعده المسيحي والروحي اذ أن الزواج يمثل اتحاد المسيح بالكنيسة. ولذلك تنهى المسيحية عن كل متعة جسدية لا تهدف إلى الانجاب، وعن كل شكل من أشكال اللذة والقصوف والفجور، وتستند في ذلك إلى العهد الجديد والتقليد الموصول عبر القرون.
2 - وسائل منع الحبل الإصطناعية تفتح الباب واسعا للخيانة الزوجية، وتفسح المجال أمام الأحداث للتعرض لخبرات جنسية قبل الزواج قد ينجم عنها عواقب وخيمة على المدى الطويل وهذا ما يثبته واقع الحال في بلاد الغرب، ويُخشى إذا ما ألف الرجل استعمال الوسائل المانعة للحبل أن ينتهي به الأمر إلى فقدان احترام المرأة وإلى عدم الاكتراث لتوازنها الطبيعي والنفسي، فتمسي في نظره مجرد أداة للذة الأنانية، لا رفيقة حياة وشريكة مصير محترمة ومحبوبة.
3 - أصدر البابا بولس السادس رسالته الشهيرة "في الحياة البشرية" في 27 تموز 1968. وفيها يبين قداسته، أنه انطلاقا من المفهوم المسيحي الخاص للزواج، فإن الكنيسة ترفض كل أنواع وسائل الحبل الإصطناعية. وركز قداسته على أن هذه الوسائل الإصطناعية تقضي على مزايا الحب الزوجي الذي يجب أن يتحلى به الزوجان. وأما هذه المزايا فهي:
أ – أن الحب الزوجي هو حب بشري يحمل بُعدا جسديا وبُعدا روحيا معا. فحين تطغى الغريزة الجسدية على الحب، تسيطر الأنانية وتهدد كيان الزواج وتحيد به عن الخالق وتقضي على رونقه وجماله.
ب – أن الحب الزوجي حب أمين ثابت يستمر حتى الموت. يتبادل فيه الزوجان هبة الذات بلا رجوع وعطاء الحياة بلا حساب. من شأن الحب أن يكون دائما ولا يمكن أن يكون موقتا محدودا، وهو يقتضي أمانة تامة وترابطا متينا بين الزوجين. ولكن السبب الأعمق نجده في أمانة الله لعهده والمسيح لكنيسته. بسر الزواج يصبح الزوجان أهلا لأن يمثّلا هذه الأمانة ويشهدا لها، ويضيفا على ديمومة الزواج معنى جديدا أعمق. أما اللجوء إلى الوسائل غير الجائزة في تنظيم الولادات فهو يُفسح المجال للخيانة الزوجية والانحطاط الخلقي. صحيح أن الأمانة تكون أحيانا صعبة ولكنها ممكنة بنعمة الله وهي دائما نبيلة ولها عند الله ثوابها.
ج – إن الحب والزواج مرتبطان من ذات طبيعتهما بولادة الأولاد وتربيتهم. والواقع أن الأولاد هم اثمن ما يعطيه الزواج. ويساهم الأولاد مساهمة كبيرة في كل ما يعود بالخير على والديهم. وتعلم الكنيسة أن العائلة هي أساس المجتمع ولذلك ينبغي على الزوجين أن يقوما بدور الأبوة المسؤولة والأمومة المسؤولة باحترامهما النواميس البيولوجية وتحكيم العقل والإرادة في التعاطي مع النظام الأدبي الموضوعي الذي أقامه الله ويفسره الضمير القويم تفسيرا أمينا. وتقتضي الممارسة المسؤولة للأبوة والأمومة أن يعترف الزوجان بما عليهما من واجبات نحو الله، والواحد منهما نحو الآخر، ونحو العائلة والمجتمع في ترتيب سوي للقيم. وبالتالي فهما ليسا حرين في نقل الحياة ولا يحق لهما أن يتصرفا على هواهما كما لو كان بامكانهما أن يحددا، الطرق التي ينبغي إنتهاجها بل يجب عليهما أن يطابقا بين سلوكهما وإرادة الله الخالق، التي عبر عنها في طبيعة الزواج بالذات وافعاله، والتي تبرزها الكنيسة باستمرار في تعاليمها.
وخلاصة القول فإن الكنيسة تعتبر كل فعل يجعل الإنجاب مستحيلا سيئا وفي حد ذاته، سواء كان عند الاستعداد للفعل الزوجي، أو عند القيام به، أو عند تطور نتائجة الطبيعية" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2370).
وتجيز الكنيسة اللجوء إلى فترات العقم الطبيعية من دون المساس بالدورة الطبيعية وبما رتب الله في طبيعة الرجل والمرأة للإنجاب. وهذا يعني أنها تجيز:
1 – اللجوء غلى الدورات الطبيعية الملازمة لوظائف الإنجاب في ممارسة الزواج. زمن الخصب ينحصر في فترة معلومة تسهل مراقبتها من قبل المرأة. وقد توصل العالمان الياباني والنمساوي اوجينو وكناوس سنة 1920 إلى معرفة الفترة التي تمكن المرأة من تجنب الحبل، عند المجامعة. التقيد بمثل هذه النظرية يتطلب فضيلة وتمالكا كبيرا من قبل الرجل والمرأة على السواء. والكنيسة تجيز اللجوء إلى هذه النظرية لحمايه أوضاع الزوجين الطبيعية والسيكولوجية لأنها لا تمس المبادىء الأدبية بشيء.
2 – اللجوء إلى مراقبة درجات الحرارة بعد ظهور الحيض. ويبدو أن هذه الطريقة هي أكثر دقة من الأولى، إلا أنها تلزم المرأة أخذ الحرارة صباحا قبل الأكل، إبان الدورة الشهرية وطوال الفترة التي ترغب خلالها في استخدام هذه الطريقة. تبدأ إفرازات الهرمونات بعد يوم أو يومين من الإباضة. ومعروف أن البويضة غير الملقحة هي أقل مقاومة من الحوين المنوي، وأنها لا تكون فعالة إلا بعد بضعة أيام. والملاحظ أن الخط الحراري يرتفع عشرا أو عشرين من الدرجة بعد يوم أو يومين من الإباضة، وذلك تحت تاثير البروجسترون progesterone وبما أن البويضة لا تعيش إلا بضعة أيام، يكفي أن تنتظر المرأة ثلاثة أيام أو أربعة كي يستقر الخط الحراري. عندها تضحي العلاقة الجنسية بينها وبين الرجل غير مخصبة. أما في حالات المرض فيبطل مفعول هذه الطريقة تماما.
3 – اللجوء إلى طريقة بيلينغر وهي تقوم على مراقبة دورة المخاط العنقي الذي يحوي الحوينات المنوية، مصدر الحياة والإخصاب. وبوسع كل امرأة، أن تستند الى هذه الطريقة حتى تتحكم مع رجلها بعملية الإنجاب. فالمادة المخاطية تظهر دوما قبل عملية الإباضة بقليل وتتلاشى بعد انحسار البويضة. فعلى ضوء هذه الإفرازات تستطيع المرأة أن تحدد أيام الخصوبة عندها على وجه دقيق. هذه الطريقة تحمل الزوجين على التفكير جديا باهمية الحبل وقبوله عندما يشعران بضرورة الأبوة والأمومة. ففي مراعاتهما هذه الطريقة، يحافظان على نوع من الرقي والاتزان النفسيين ويتساويان في التغلب على غرائزهما الجنسية، وتشعر المرأة بأنها ليست أداة تسلية لرجلها بل هي شريكة فعالة، لها أهميتها ومكانتها في بناء العائلة وتكوينها.
قال البابا بولس السادس أن الممارسة النزيهة لتنظيم الولادة تتطلب من الزوجين، قبل كل شيء، أن يعمق الزوجان ايمانهما ومعرفتهما بالقيم الحقة للحياة والعائلة، وأن يقررا السيطرة الكاملة على نزواتهما. ومما لا شك فيه أن ضبط الغريزة بالعقل والإرادة الحرة المدعومة بالإيمان يتطلب منهما منهجا زهديا ينظم البوادر العاطفية في حياتهما الزوجية تنظيما سويا، ولاسيما في حفظ التعفف الدوري. وهذا المنهج الزهدي يعزز الحب بينهما ويوليه أسمى قيمه الإنسانية. فالجسد ليس شيئا نملكه كما نملك آلة، نتصرف به كما نشاء. إنه هيكل الروح القدس فيجب أن نحترمه.
495
بما أن الهدف من حبوب منع الإنجاب هو نفس الهدف من اللجوء إلى الدورات الطبيعة التي سنها الله في المرأة، فلماذا تُمنَع الحبوب؟
حبوب منع الحبل تعني أنك تصل إلى هدفك بالطرق الحرام لأنها تناقض طبيعة الرجل والمرأة وتقضي على قيم الزواج التي سنها الله وعلى سمو الحب بين الزوجين. من الناحية الأخلاقية، هنالك فرق كبير بين أن تعمل ضد الطبيعة وأن لا تعمل ضدها. حبوب منع الحبل هي العمل ضد الطبيعة، وهذا يتنافى مع الأخلاق ومع إرادة الله الخالق.
أما اللجوء إلى الدورات الطبيعية الملازمة لوظائف الإنجاب التي سنها الله في الطبيعة فهي تحترم وظائف الإنجاب والدورة الطبيعية في المرأة وتحترم إرادة الله في الإنجاب. صحيح أن الأزواج يريدون أن يباعدوا بين الولادات عندما يلجأون إلى الاستفادة من الدورات الطبيعية، ولكنهم يمتنعون في اوقات معينة عن العلاقة الحميمة من غير أن يقوما بأي عمل لا أخلاقي ضد الحياة الإنسانية. علاقاتهم الزوجية الحميمة تبقى منفتحة على الحياة، ولا يقتلون الحياة بالوسائل الإصطناعية الكيميائية أو الميكانيكية. وهذا اللجوء إلى الدورات الطبيعية الملازمة لوظائف الإنجاب التي سنها الله في طبيعة المرأة للاستفادة منها، يتطلب التعاون بين الزوجين، مما يؤكد على روابط المحبة المتبادلة وينمي الاحترام بينهما، بينما الوسائل الإصطناعية فإنها تهدم قيم الحب الإنسانية والروحية وتعطي الأولوية للنزوات وللأنانية.
لا تريد الكنيسة أن يحل الإنسان مشاكله بواسطة التقنية او الكيمياء، إنما تريده أن يحلها أخلاقيا، من خلال أسلوب حياته حيث يحترم القيم الأخلاقية وإرادة الله الخالق. قال البابا بندكتوس السادس عشر بهذا الصدد:
"إننا نحاول قمع إنسانيتنا بواسطة التقنية، متناسين أن هناك مشاكل إنسانية أولية، لا يمكن حلها بواسطة التقنيات المتطورة، بل أنها تفترض قرارات معينة، وأسلوب حياة ... الكنيسة تقود المعركة لأجل الإنسان بأكمله، عندما يدور الحديث حول منع الحبل ... الموضوع يدور حول اتجاهات سماوية كبيرة تهم الوجود الإنساني" (ملح الأرض، للبابا بندكتوس السادس عشر، 157).
496
هل صحيح أن الكنيسة تسمح للمرأة التي قد تمرض إذا حبلت، أن تستعمل وسائل منع الحبل الإصطناعية؟
الكنيسة علّمت دائما أن منع الحبل المباشر بالوسائل الإصطناعية هو عمل لا أخلاقي لأنه يدمر الوجه الإنساني والحياتي للعلاقة الحميمة بين الزوجين. البابا بولس السادس في رسالته "الحياة البشرية" قال: "إن الوسائل الإصطناعية هي بحد ذاتها لا أخلاقية وبالتالي لا يجوز استعمالها ... ".
497
ماذا بالنسبة للعقم الطبيعي؟ وماذا بالنسبة للأزواج الذين لا يرزقون اطفالا؟
1 - يجب أن نَذكر أولا بأن الولد ليس من حق أحد وإنما هو عطية من الله. وهو عطية الزواج الفضلى. فالولد ليس موضوع امتلاك.
2 - ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
"يُظهر الإنجيل أن العقم الطبيعي ليس شرا مطلقا. وعلى الأزواج الذين، بعد استنفاذهم كل اللجوء إلى الطب، يعانون من العقم، أن يشتركوا في صليب الرب، ينبوع كل خصب روحي. وبإمكانهم أن يثبتوا سخاءهم بتبنيهم أولادا مهملين، أو بقيامهم بخدمات مطلوبة تجاه الآخرين" (رقم 2397). "أما الازواج الذين لم يرزقهم الله بنين، فبإمكانهم، أن يمارسوا حياة زوجية حافلة بالقيم، بشريا ومسيحيا. وبوسعهم أن يجعلوا من زواجهم إشعاعا خصبا بالمحبة والضيافة والتضحية" (رقم 1654).
3 - كذلك فقد ورد في "كرامة الإنسان" الذي صدر عن مجمع العقيدة والإيمان سنة 2008 ما يلي:
"إن التقنيات التي تهدف إلى ازالة العوائق من أمام الإخصاب الطبيعي، مثل العلاج الهرموني للعقم ... والعلاج الجراحي لالتهاب بطانة الرحم، وفتح القنوات (أو) الأنابيب ... إنما هذه كلها جائزة وشرعية. ويمكن أن تعتبر علاجات حقيقية، بقدر ما يتمكن الزوجان من إقامة علاقات زوجية في سبيل الإنجاب، بعد حل المشكلة المسببة للعقم، دون أن يتدخل الطبيب مباشرة في الجماع الزوجي بحد ذاته. لا ينوب مناب الجماع الزوجي أي من تلك التقنيات، بل يبقى هو الطريقة اللائقة بالإنجاب المسؤول حصرا".
"نزولا عند رغبة العديد من الأزواج العاقرين في أن ينجبوا أولادا، من المستحب أيضا ان يُشجَّع ويُعزّز ويُسهّل إجراء التبني لعدد كبير من اليتامى المحتاجين إلى كنف أسرة تسهم في تنميتهم الإنسانية المناسبة، بعد اتخاذ التدابير التشريعية الملائمة".
4 - أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن الأبحاث والإستثمارات المخصصة لتفادي العقم تستحق أن تشجّع. إن قسما لا يستهان به من حالات عدم الخصوبة التي تعرض اليوم على الطبيب، أكان من قبل الرجال أو النساء، يمكن في الواقع تلافيها، لو كانوا أمناء أكثر على فضيلة العفة، ولو اعتمد الناس أسلوب حياة أكثر سلامة، ولو أزيلت عوامل المجازفة على أصعدة المهنة والغذاء والدواء والبيئة".
498
ما هو تعليم الكنيسة بالنسبة للإنجاب بالأنابيب؟
موقف الكنيسة الكاثوليكية من الولادات الناجمة عن تدخل الطب، هو باختصار شديد، الإدانة لكل محاولة استيلاد تنحرف عن المسار الطبيعي المعروف والمألوف، لأن الكنيسة تُعتبرها انتهاكا للشريعتين الإلهية والطبيعية.
1 - الإنجاب بالأنابيب ليس مجرد أمر طبي بل هو أخلاقي. ولذا تدينه الكنيسة وتدين ما يسمى باستغلال الأجنة والنطف كمواد بيولوجية محضة تخضع للاختبار من دون أي رادع أخلاقي. إن قتل كائنات بريئة، وإن آل ذلك لمنفعة الغير، هو من قبيل الأفعال المرفوضة على الإطلاق. فالإجنة البشرية الناتجة عن الإخصاب في الأنبوب هي كائنات بشرية لها حقوقها. فعلينا أن نحترم كرامتها وحقها في الحياة منذ لحظة وجودها الأولى. فإن إنتاج أجنة بشرية معدّة للاستغلال بمثابة مادة بيولوجية جاهزة لأمر ينافي الآداب.
2 - إن أساليب التدخل الحديثة بدأت تنتشر أكثر فأكثر في مجال البحث الاحيائي- الطبي. وقد شرّعتها معظم الدول الأوروبية. ويبدو أن ثلث النساء اللواتي يلجأن الى الإنجاب الاصطناعي يحصلن على ولد. وهناك أزواج أصحاء منجبون يلجأون باطراد إلى تقنيات الإنجاب الاصطناعي، فقط لهدف اجراء إنتقاء جيني لأولادهم.
أما الكنيسة فتقول:
"إن تقنيات الإنجاب الاصطناعي المختلفة، التي تتظاهر أنها في خدمة الحياة، وانها ممارسات غالبا ما تنطوي على هذه الغاية، هي في الواقع، تشرّع الباب واسعا لاعتداءات جديدة على الحياة".
"تعتبر الكنيسة أيضا أنه من المرفوض على الصعيد الخلقي فصل الإنجاب عن اطار الجماع الزوجي الشخصي حصرا: الإنجاب هو فعل شخصي يقوم به الزّوجان، الرجل – المرأة، ولا يقبل أي شكل من أشكال التفويض ... معدل الإجهاض العالي جدا الذي تتسبب به تقنيات الإخصاب المختبري يُظهر بجلاء أن استبدال الجماع الزوجي بإجراء تقني، يسهم في إضعاف الإحترام الواجب للإنجاب، الذي لا يقتصر فقط على مجرد معيار التوالد. الإعتراف بهذا الإحترام توفره، الألفة بين الزوجين التي ينعشها الحب الزوجي".
"إن الكنيسة تعترف بشرعية الرغبة في الإنجاب وتتفهم الآم الأزواج الذين يعانون من معضلات العقم. إلا أن هذه الرغبة لا يجوز أن تتطاول على كرامة الحياة البشرية وأن تحل محلها. الرغبة في الولد لا يمكن أن تبرر "إنتاج الولد" (كرامة الإنسان. توجيه حول بعض قضايا علم األاقيات الحياة لسنة 2008 لمجمع العقيدة والإيمان، الرقم 14- 16).
"إن تقدم التقنية اليوم قد مكّن الإنسان من الإنجاب بدون علاقة جنسية. وذلك بفضل تلاقي الخلايا البزرية في الأنبوب والتي أخذت مسبقا من الرجل والمرأة. أما ما كان ممكنا تقنيا فليس مقبولا أدبيا. فالتفكير العقلاني في القيم الأساسية للحياة والإنجاب البشري أمر لا بد منه إذا شئنا أن نقدّر تقديرا أدبيا مداخلات التقنية هذه في الكائن البشري منذ مراحل نموه الأولى" (الحياة هبة من الله لمجمع العقيدة والإيمان 1987، المقدمة رقم 4).
499
هل تجوز الأمومة البديلة أي هل يجوز وضع زرع الزوجين في أحشاء امرأة غريبة لكي تنجب للزوجين أولادا؟
كلا، لا تجوز على الإطلاق. لأن الأمومة بالنيابة أو البديلة تناهض في الواقع وحدة الزواج وكرامة الإنجاب البشري. إنها خرق لالتزامات الحب الأمومي وانتهاك للامانة الزوجية والأبوة المسؤولة. وهي تسىء إلى كرامة الولد وإلى حقه في أن يُحبل به ويولد ويربيه والداه. وهي تنشىء انقسامات على حساب العائلة بين عناصرها الجسدية والنفسية والأدبية (الحياة هبة من الله لمجمع العقيدة والإيمان 1987، القسم الثاني، 3)
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الجسد البشري، بسبب اتحاده الجوهري بنفس روحية، لا يمكن إعتباره مجموعة من أنسجة وأعضاء ووظائف فقط، ولا يمكن أن يوضع على مستوى أجساد الحيوانات. لذلك لا يمكن إعتبار طبيعة الشخص البشري مجرد مقياس بيولوجي، إنما يجب تحديدها بأنها نظام عقلاني به يدعو الله الخالق الإنسان إلى توجيه حياته وأعماله وضبطها، خاصة إلى استعمال جسده والتصرف به ... فاحترام كرامة الإنسان يعود بالنتيجة إلى صون هويته "واحدا في جسد ونفس".
500
قل لي يا طويل العمر ما هو الإجهاض؟ كثيرا ما نسمع عنه ولكن الفكرة ليست واضحة لدي.
الإجهاض هو قتل الجنين في بطن أمّه ومن ثم إسقاطه. وقد يكون الإجهاض لا أراديا ولا يكون فيه مسؤولية أخلاقية، لأن وقف الحمل وقتل الجنين وإسقاطه لا يكون بإرادة أحد وإنما بسبب طبيعة الجنين الهزيلة والضعيفة أو طبيعة صحة الأم التي تؤدي إلى موت الجنين في الرحم. أما الإجهاض الإرادي فهو يعني إيقاف استمرار حمل المرأة بطريقة إرادية ووسائل خارجية تدمر الجنين وتقتله وهو في بطن أمه. وهذا التصرف غير جائز أخلاقيا وهو جريمة قتل كبرى، ويعتبر من يساهم في هذا الإجهاض الإرادي محروما كنسيا. والإجهاض خطيئة محفوظة للأسقف وحده.
501
لماذا يُقدِم الإنسان على قتل إنسان وهو جنين في بطن أمه؟ هل من مبررات لهذه الجريمة؟
لا يوجد أي مبرر لقتل إنسان برىء. وأكبر جريمة في العالم هي جريمة الإجهاض، لأن الإجهاض هو جريمة الأم التي تقتل ابنها. وأما أسباب إقدام الإنسان على قتل الجنين فهي كثيرة، منها:
1 - فقدان المعنى المقدس للحياة وفقدان الحس بجسامة الخطيئة وانحراف في العقلية الدينية والأخلاقية.
2 – الإنحلال الجنسي الذي يدفع الأم أو الفتاة غير المتزوجة إلى حل مشكلتها بالإجهاض.
3 – متطلبات الرفاهية التي تتطلب تنظيم النسل، بأية وسيلة كانت، لعيش حياة هنيئة في أسرة صغيرة بسبب صعوبة المصاريف المادية لمولود جديد.
4 – دعاية الحركات النسائية التي لا تكترث للأخلاق ولكرامة الحياة والتي تبث فكرة أن جسد المرأة هو ملكلها وأنها حرة التصرف به أو أن من حقها أن تقبل الجنين وأن ترفضه بحجة أن الجنين جزء من جسدها ولحمها ودمها
5 - الأسباب الاجتماعية، الشرف العائلي، حالات الإغتصاب.
6 - الخوف من الإنفجار السكاني.
كل هذه الأسباب لا يمكن أن تبرر قتل الحياة. الإنسان المخلوق على صورة الله له الحق في أن يولد ويحيا حياة كريمة. حياته مقدسة وتحتل المرتبة الأولى في سلم القيم الإنسانية ولا يمكن التضحية بها لأي سبب كان.
502
وماذا تعلم الكنيسة بالنسبة لحياة الإنسان في أول مراحلها وهل الإجهاض حرام؟
تعلم الكنيسة ما يلي:
1 – ان الجنين هو نتيجة الحب والعلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، هو ثمرة الحياة الزوجية. وهو منذ اللحظة الأولى من الحبل إنسان حي، أفيضت فيه الروح من الله الخالق منذ لحظة الحبل به. وهذا يعني أنه عندما يتم تلقيح البويضة في رحم الأم يتم الإخصاب، (تتبادل الخليتان الكود) فتصبح الخليتان خلية واحدة تحمل بداخلها حياة جديدة هي حياة إنسان. أي تنشأ حياة ليست حياة الأب، وليست حياة الأم. كائن بشري جديد ينمو وله الحق في أن يٌحترم وفي أن يُفسح له المجال كي يشق طريقه نحو الإكتمال. وعلى المجتمع أن يتعامل معه كإنسان، معاملة تليق بإنسانيته، مع كامل حقوقه. فلا يجوز معاملته وكأنه مجرد كتلة كيميائية أو نقطة من شحم، بل يجب رعاية حياته منذ البداية وفي جميع مراحل نموها. إنه يتمتع بنفس عاقلة هي نفس الإنسان المخلوق على صورة الله كما يتمتع بكامل حقوق الحياة.
2 – ان الكنيسة منذ نشأتها تعلّم أن الإجهاض المباشر جريمة قتل بشعة تخالف وصية الرب القائلة: لا تقتل. فالله هو سيد الحياة. وقد عهد إلى البشر بخدمة الحياة الشريفة فيجب المحافظة عليها: الإجهاض جريمة فظيعة. ولا يسوغ لاحد أيا كانت الظروف، أن يدّعي لنفسه حق القضاء مباشرة على كائن بشري بريء. فالكائن البشري، سليما كان أم مشوها ومعوق فهو على صورة الله ومثاله ولا يسوغ للإنسان أن يتصرف على هواه وأن يُنصِّب نفسه سيدا. إنما هو مؤتمن عليها وسوف يؤدي عنها حسابا للخالق. يقول صاحب المزامير: "رأتني عيناك جنينا" (مز 139). ونقرأ في إرميا النبي قول الله: "قبل أن أصورك في البطن عرفتك وقبل ،ن تخرج من الرحم قدستك"(أر 1/4). وفي لوقا الإنجيلي: "ارتكض الجنين في بطنها" (لو 1/40-44).
503
متى بدأت الكنيسة تشجب الإجهاض وهل لا تزال تشجبه؟
منذ القرن الأول من تاريحها، بدأت الكنيسة تؤكد على أن الإجهاض المقصود خطيئة جسيمة على الصعيد الاخلاقي. ذلك أن الإجهاض المباشر الذي يريده الإنسان مهما كانت الغاية منه، يتعارض بوجه خطير مع الشريعة الأخلاقية. وقد ورد في الديداكيه المنسوبة إلى الرسل من القرن الأول للميلاد:
"لا تقتل الجنين بالإجهاض ولا تهلك المولود الجديد".
وتنطلق الكنيسة في تعليمها وفي شجبها للإجهاض من مبدأ كرامة الإنسان وحقه على الحياة كقاعدة أساسية لتعاليمها الأخلاقية. ولذلك فهي تندد بكل ما يرتكب من جرائم وانتهاكات باسم الحرية الفردية وباسم الطب وخصوصا باسم الديمقراطية التي أقدمت على الإعتراف بقانونية الإجهاض والممارسات ضد الحياة وشرعيتها الكاملة. فالكنيسة تُعلّم أنه لا بُدَ من احترام الحياة البشرية ولا بُدّ من حفظها على وجه مطلق منذ الحبل، والإعتراف للكائن البشري، منذ أول لحظة من حياته، بحقوق الشخص، ومنها الحق على الحياة الذي لا يمكن انتهاكه.
المجمع الفاتيكاني الثاني أكد في "دستور الكنيسة في العالم المعاصر" على شجب الكنيسة للإجهاض شجبا قاطعا بقوله:
"كل ما يتعارض مع الحياة ذاتها كالقتل بجميع أنواعه وقتل الجنين والإجهاض وقتل المرضى المستعصى شفاؤهم لوضع حد لالآمهم، والانتحار بمطلق الإرادة وكل ما يشكل إهدارا وإكراها كالتشويه والتعذيب الجسماني والأدبي وكل ما يحط من كرامة الإنسان ... إن كل هذه الممارسات وما شابهها هي في الحقيقة ممارسات شائنة فانها تفسد الحضارة وتشين فاعلها أكثر مما تشين مَـن يتحملونها. إنها إهانــات جسيمة للخالق" (27).
"أما الإجهاض وقتل الاطفال، فهما جريمتان شنيعتان ... " (رقم 51)
فكل محاولة للإجهاض تُعد جرما فظيعا في نظر الكنيسة. "المساعدة الفعلية على الإجهاض هي ذنب جسيم. والكنيسة تعاقب بعقوبة الحرم القانونية هذا الإجرام إلى الحياة البشرية..." (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2270- 2272). وقد ورد في القانون 1398 من مجموعة الحق القانوني أن الكنيسة تعاقب بعقوبة الحرم الصادرة بحكم تلقائي، مَن ارتكب عملية إجهاض تحقق أثرها.
وخلاصة القول، فإن الحياة البشرية تبدأ منذ اللحظة الأولى من الحبل ويجب احترامها والمحافظة عليها. فالله هو سيد الحياة والموت وقد عهد إلى البشر مهمة الحفاظ على الحياة، وهي مهمة شريفة يجدر بالإنسان أن يقوم بها قياما يليق به. الإجهاض وقتل الأجنة هما جريمتان منكرتان.
504
سمعت أن الكنيسة تسمح بالإجهاض إذا كانت صحة الأم في خطر فهل هذا صحيح؟
الإجهاض هو قتل الجنين في بطن أمه. والجنين هو إنسان في بداية نموه. ووصية الرب: "لا تقتل" يعرفها كل أنسان في كل الأديان. فالكنيسة لا تستطيع أن تبيح القتل الإرادي والمباشر لإنسان حتى لو كان في أيام حياته الأولى، وفي بطن أمه مهما كان السبب. فاذا كانت حياة الأم في خطر فإن الكنيسة تشجع الأطباء على أن يعملوا كل ما في وسعهم لكي تحيا الام وطفلها معا.
ولكن قد يحدث أن لا يكون الإجهاض مقصودا لذاته، إلا أن المفعول الجانبي (side effect) لبعض الأدوية قد يؤثر على الجنين في بطن أمه وقد يقضي عليه. ففي هذه الحالة تأخذ الأم المريضة دواءها استشفاء من مرضها. فإذا ما جاء الدواء بمفعول جانبي لم يكن مقصودا وسبّب الإجهاض لا تعتبر الأم مذنبة ومرتكبة خطيئة الإجهاض. وعلى سبيل المثال، يجوز استئصال السرطان من رحم المرأة وإن كان ذلك قد يؤثر – وليس بالضرورة أنه يؤثر فعليا – على الجنين في بطن أمّه ويُفقده الحياة.
505
هل التشخيص السابق للولادة مسموح؟
بيّن مجمع العقيدة والإيمان في "الحياة هبة من الله" بهذا الصدد ما يلي:
"هل يجيز تعليم الكنيسة تشخيص مرض الجنين وهو في بطن أمه ؟ إذا احترم التشخيص حياة الجنين وكماله، وإذا هدف الى المحافظة عليه أو شفائه الخاص، فإلجواب نعم .. إلا أن المراة التي تطلب هذا التشخيص وفي نيتها إحداث الإجهاض، إذا اثبتت نتائجه وجود تشويه ما، إنما ترتكب عملا حراما. ويعارض الشريعة الأدبية أيضا كل من الزوجين أو كل شخص آخر ينصح المرأة الحامل بالتشخيص أو يفرضه عليها، وفي نيته البلوغ المحتمل إلى الإجهاض..." (رقم 2)
فالكنيسة تسمح بالتشخيص شرط أن يرمي التشخيص إلى شفاء الجنين وتحسين أحواله الصحية وبقائه على قيد الحياة" (انجيل الحياة رقم 63). وبناء عليه، فإن التشخيص السابق للولادة بغية مراقبة الحمل أسهم في الحد من الوفيات بين النساء والأطفال بنسبة عالية. ففي كل مائة حالة حمل، كان يموت عادة أكثر من خمسة عشر طفلا وخمس نساء. وبفضل التشخيص السابق للولادة تناقص هذا العدد كثيرا. وقد اضحى التشخيص السابق للولادة في أيامنا من المسلمات الطبية. ففي كل الدول المتقدمة طبيا، هناك معاينات دورية تخضع لها المرأة لمراقبة تطور الحمل. كل مساس بحياة الجنين وإن كان الجنين مشوها خروج على حكم الطبيعة ومشيئة الله.
506
هل يحق للإنسان المسيحي المؤمن أن يعتقد بأن الإجهاض حلال؟
الإيمان هو فعل شخصي، وهو جواب الإنسان الحر على الله الذي يكشف له عن حقيقة ذاته، وباستطاعة الإنسان المؤمن أن يفقد إيمانه. وقد حذر بولس الرسول تلميذه طيموتاوس قائلا:
"تمسك بالإيمان والضمير الصالح الذي نبذه قوم فانكسرت سفينتهم عن الإيمان" (1طيم 1/18-19).
فالمسيحي الذي يرفض تعليم الكنيسة حول مسألة جوهرية مثل الإجهاض فهو إنسان انكسرت به سفينة الإيمان، ولم يَعُد مؤمنا متحدا بجماعة الكنيسة المنظورة التي يسوسها المسيح بواسطة الحبر الاعظم خليفة القديس بطرس، والأساقفة الذين هم على شركة معه في الإيمان.
507
هل المسيحي الذي يشجّع على الإجهاض محروم من الكنيسة؟
القانون 1398 من مجموعة الحق القانوني:
"يُعاقب بعقوبة الحرم، الصادرة بحكم تلقائي، من ارتكب عملية إجهاض تحقق أثرها"
وهذا يعني أن جميع الذين يشجعون إمرأة على الإجهاض، إذا ما أجهضت المرأة فإنهم يصبحون معها بحكم تلقائي محرومين. هذا بالطبع إذا توفرت جميع الشروط التي ذكرها القانون 1323 من مجموعة الحق القانوني. فعلى سبيل المثال، لا يقع الحرم تلقائيا على القاصر الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره، ولا يقع على من خالف القانون وهو يجهل بدون ذنب منه أنه خالف القانون، كما لا يقع على من تصرف مكرها بدافع الخوف الشديد. وهنالك أيضا ظروف مخففة للعقوبة ذكرها القانون 1324 من مجموعة الحق القانوني. فالمسيحي الذي يشجّع على الإجهاض، ينتهك كل الاعراف المسيحية والقيم الأدبية.
508
ماذا بالنسبة للإحتلام؟ هل هو خطيئة؟
شروط الخطيئة المميتة هي المادة الثقيلة، والإنتباه والرضى. ويجب أن تتوفر كلها مجتمعة لكي تكون الخطيئة مميتة. أما عند الاحتلام، فالمادة ثقيلة لكن الحالم نائم فلا يتوفر عنده الإنتباه ولا يتوفر لديه الرضى وبالتالي لا يكون الاحتلام خطيئة.
أما إذا أعاد الإنسان عند اليقظة حلمه في مخيلته وتقبله في مخيلته فهو عندئذ يرتكب الخطيئة بالفكر.
509
قول بعض العلماء أن بعض الناس، من ناحية هرمونية وجنسية موجهين ومبرمجين نحو العلاقات الجنسية بين رجل ورجل، وبين انثى وانثى، في هذه الحالة ماذا بالنسبة لتعليم الكنيسة؟
من جهة علميه، ليس صحيحا أن الإنسان يولد مبرمجا جنسيا. ويمكنك بالنسبة لهذا الموضوع ان تطالع الفصل الثاني والفصل الثالث من كتاب The homosexual Person حيث يتناول المؤلف الأب Harvey John مطولا أبحاثا واستنتاجات العالمة النفسانية الانكليزية Dr. Elizabeth Moberly التي تنفي هذا الإدّعاء بالبراهين العلمية القاطعة.
هذا من جهة علمية، ومن جهة أخرى حتى لو كان هذا الأمر صحيحا، فإن تعليم الكنيسة لا يتغير. الكنيسة تطالب دائما بأن يعيش الإنسان عفيفا طاهرا. وهي علّمت وتعلم أن العلاقات الجنسية بين ذكر وذكر أو بين أنثى وأنثى إنما هي خطايا كبيرة وهي ضد طبيعة الإنسان التي أرادها الله وجعل الناس ذكرا وأنثى. تعلم الكنيسة أيضا أنه يجب على الإنسان أن يتحكم بميوله ونزواته.
510
متى بدأ الناس يفهمون بكلمة gay الشاذين جنسيا؟
إذا فتحت القاموس لتعرف معنى كلمة gay لوجدت أنها تعني الفرح والإنبساط. وقد أخذ الناس يطلقونها على اللواطيين والشاذين جنسيا منذ سنة 1971. ولكن كثيرين من اللواطيين لا يريدون أن يُدعوا بهذا الاسم.
511
ماذا بالنسة للقتل الرحيم وما هي الوسائل التي يجب اتخاذها لحفظ الحياة؟
ما يُسمى بالموت الرحيم هو قتل متعمد وهو جريمة وانتهاك لشريعة الله القائلة "لا تقتل". فعندما يصيب الإنسان مرض عضال يسبب له آلآما مبرحة، لا تعود تُسَكّنه الأدوية المُسَكِّنة فيرى أن لا أمل له في الحياة ولا مناص من الآمه سوى الموت، يطلب هو أو يطلب أقرباؤه من الأطباء أن يستخدموا أدوية أو أن يتوقفواعن إعطائه أدوية يؤدي توقيفها إلى الموت، وذلك بهدف وضع حد للألم والمعاناة. وهذا غير مقبول من الوجهة الأخلاقية، وتدينه الكنيسة الكاثوليكية باعتباره قتلا مقصودا للمريض، حتى لو كان المريض في وضع صحي حرج للغاية ولا يُرجى شفاؤه.
بدأت المشكلة تتفاقم في المجتمعات المترفة منذ الخمسينات. وفي عام 1957 كلّف البابا بيوس الثاني عشر فريقا من المتخصصين للبحث في القتل الرحيم وتطوره في المجتمعات المتقدمة طبيا. ومن ذلك الحين توالت التصريحات الرسمية، فأعلن مجمع العقيدة والإيمان سنة 1980 أن القتل الرحيم جريمة فظيعه لا يمكن أن يقبلها العقل البشري السليم. وفي رسالته "انجيل الحياة" ربط البابا يوحنا بولس الثاني مسألة "الموت الرحيم" بقلة الإيمان وبنزعة معاصرة تجعل من الإنسان السيد الأوحد في هذا العالم، يتحكم بمصيره وكأنه سيد الحياة والموت، وكأنه المرجع الوحيد في كل شيء ويجعل من ذاته سيدا لذاته. فالموت الرحيم يتعارض بوجه خطير وكرامة الشخص البشري واحترام الله الخالق.
قال البابا يوحنا بولس الثاني واصفا الموت الرحيم بأنه تجربة التحكم بالموت وإحداثه قبل الأوان، فيضع الإنسان هكذا حدا لحياته أو لحياة الغير. هذا الموقف قد يبدو منطقيا وإنسانيا، ولكنه في الحقيقة ليس منطقيا وليس إنسانيا ... فنحن هنا بإزاء مظهر من أرهب مظاهر "حضارة الموت" التي تتسرب إلى المجتمعات المترفة المطبوعة بطابع الذهنية المنفعية والتى أخذت تستثقل زيادة عدد المسنين والمعاقين ( "إنجيل الحياة" صفحة 128).
512
وماذا بالنسبة للإستنساخ الجيني البشري؟
إن الإستنساخ الجيني هو عبارة عن تحويل خلية جسدية لاجنسية إلى خلية جنسية قادرة على الإنجاب. طرح الإستنساخ البشري تساؤلات كثيرة وأثار بلبلة كبيرة لأنه يَمَس مصادر الحياة البشرية. وتواردت أسئلة كثيرة على أذهان المختصين بالأخلاق والدين والسلطات العامة: فهل يصبح الإنسان حتى في حياته الخاصة أسير المختبرات والأبحاث العلمية؟ وهل ينبغي أن يٌجَرّد من كل عاطفة ومن كل حنان، وأن يولد دون أب ويصبح أسير العلم والتكنولوجيا؟
أما موقف الكنيسة من الإستنساخ البشري فنختصره بما يلي:
1 – الإستنساخ يجعل من الإنسان مادة تجارية قابلة للتصنيع. ولذلك فهو مرفوض أدبيا وأخلاقيا. ثوابت الإيمان والأخلاق هي مقياس الحكم الأدبي، وهي تنبع من كلمة الله، وليس من المختبرات البيولوجية. وهي ملزمة لكل إنسان، للعالِم وللجاهل. والكنيسة تطلقها على معطيات البحث العلمي والتقنية، خاصة في كل ما يتناول الحياة البشرية ومصادرها. وهذه المقاييس هي احترام الإنسان والحياة البشرية والأسرة والدفاع عن كرامة الإنسان. فليس كل ما هو ممكن علميا يكون جائزا ومقبولا أدبيا. الإستنساخ البشري، سواء توصل العلماء الى تحقيقه أو لم يتوصلوا، إنما هو خروج على ما وضع الله في طبيعة الإنسان، وعلى ما رتب الله للزواج والأسرة والتوالد والبنين من كرامة وأصول.
2 – ليس الإنسان حيوانا مثل سائر الحيوانات بل هو في طبيعته، له نفس خالدة وجسد، ولا يجوز أن نعتبر الجسد مجرد مجموعة أنسجة وأعضاء ووظائف، لأنه متحد اتحادا جوهريا بالنفس. والنفس روحية يخلقها الله مباشرة. فالله وحده هو سيد الحياة من بدايتها وحتى نهايتها.
كذلك لا يجوز أن نضع جسد الإنسان في مستوى جسد الحيوانات. ولا يجوز أن نعتبر المقياس البيولوجي مقياسا وحيدا للإنسان برمته. وعليه فإن كل تدخل في جسد الإنسان إنما هو مساس خطير بالأنسجة والأعضاء والوظائف. وبالتالي فهو مساس بالشخص البشري بكامله. موضوع الإستنساخ هو موضوع علمي وأخلاقي في آن واحد. والدين لا ينكر العلم والعلم لا ينكر الدين. إلا أن هنالك من لا يحسب للحدود الأدبية والأخلاقية حسابا. لهؤلا يرفع الدين صوته مذكّرا إياهم بثوابت الإيمان والأخلاق كي يلتزموا بها. فالدين ينهى عن المنكر وقد يرتكب العلماء منكرا في بحوثاتهم كما يرتكبونه في حياتهم.
3 – الإستنساخ يقضي على قدسية الزواج وينتهك عند الرجل والمرأة حق المشاركة في عملية الخلق والإبداع وإنجاب طفل يحمل صفة الإثنين معا لا صفة الواحد منهما دون الآخر. ونتائج هذا الانتهاك وخيمة جدا على حياة البشر وعلى روابط الأسرة والمجتمعات. لم تتورع عالمة في البيولوجيا من القول: "اذا نجح العلماء في تطوير الإستنساخ واتقانه يصبح بامكاننا في ما بعد، نحن النساء، الاستغناء عن الرجال".
نحن نؤمن بالأسرة الخلية الأولى للمجتمع وللكنيسة، ونؤمن بالأبوة والأمومة المسؤولتين، ونؤمن بالحب الزوجي، ونؤمن بالله خالق الإنسان، ونؤمن بان الله يدعو الإنسان إلى حياة أبدية. فالاستنساخ إنتهاك صارخ لقيم الإنسان الأدبية والأخلاقية.
513
ما هو موقف الكنيسة من التبرع بالأعضاء البشرية؟
تعلم الكنيسة أن التبرع بالأعضاء من إنسان لإنسان أمر جائز حلال، وتصرف قانوني صحيح، وعمل إنساني بديع، وتعبير بليغ عن المحبة الإنجيلية التي أمر بها السيد المسيح. وترتكز الكنيسة في موقفها هذا على اعتبارات كلها من صميم الدين والإنجيل. الحياة هبة من الله وقيمتها لا تقدر بثمن. وقدسية الإنسان من قدسية الخالق.
وقد كشف السيد المسيح للإنسان عن سر ذاته وعن كرامة طبيعته التي جعلها في مقام رفيع، وأقامها على قاعدة راسخة من المحبة والبذل والعطاء. قال السيد المسيح: "أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم انا" (يو 13/34). مقياس المحبة المسيحية هو مقياس محبة المسيح. ومقياس البذل بذل المسيح. وقال السيد المسيح: "أحبب قريبك حبك لنفسك" (متى 22/39). وللمحبة وجوه كثيرة. والتبرع بالإعضاء البشرية المقرون بالعاطفة الدينية، وجه جميل من وجوه الحب. فبمثل هذا العطاء يمكّن الإنسان أخاه الإنسان من استعادة صحته باذلا من ذاته في سبيل ذلك بذلا كريما.
لكن هذا العطاء الذي يُقصد به إسعاد الآخرين، لا ينبغي أن يكون على حساب النفس، ولا أن يعود على صاحبه بالأذى والمكروه، ولا أن ينطوي على خطر يهدد بالموت أو يورث التشويه. وجدير بالذكر أن التبرع بالأعضاء البشرية ما بعد موت المتبرع، يجعل العطاء حبا جبارا يتحدى قيود الموت، ويجعل الموت مصدر حياة وسعادة.
استنادا إلى هذه المبادىء الأساسية في الدين المسيحي فإن الكنيسة تعلم أيضا أن التصرف الأخلاقي النبيل:
1 – يتطلب من الطبيب الذي يقوم بزرع عضو من الأعضاء أن ينظر إلى هذا العمل الجليل في إطاره الأدبي البديع. ولا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يجعل الأعضاء البشرية سلعة تباع وتشترى. فالأطباء ملزمون دينيا وأدبيا بالحفاظ على وصايا الله وعلى كرامة الإنسان ومكانته السامية. للأسف الكبير هناك تجاوزات كثيرة على كرامة الإنسان ووصايا الله من قبل أناس يتجارون بالأعضاء البشرية بهدف الكسب الخسيس.
2 – يتطلب ممن يتبرّع بعضو وممن يتولون أمر التبرّع أن يدركوا أنه يقوم بعمل محبة إنجيلية رائعة وبعمل إنساني جليل وتضامن حقيقي بين الإنسان واخيه الإنسان. فهو يتبرع بشىء من ذاته، وبجزء من كيانه.
3 – يتطلّب من المستفيد من هذا التبرّع السخي المبارك أن يدرك نبل المتبرع وكرامة عطائه الإنساني وأن يدرك أنه أمام حقيقة حب لا يفوقه حب وعطاء لا يفوقه عطاء.
4 – يتطلب من الناس عامة أن يدركوا أن المقصود بهبة عضو من الأعضاء ليس إغناء الآخرين بمال ولكن إعادة الصحة وسعادة الحياة ووضع حد لأسباب العذاب مما يجعل هبة الأعضاء فوق كل تقدير. إنها هبة بغير ثمن، وعطاء بغير شروط.
وخلاصة القول فإن الكنيسة تشجّع التبرع بالأعضاء البشرية بعد الموت من إنسان لإنسان. ذلك تضامن مع الاخر وخدمة للحياة البشرية. والإنسان الحي أحق بالعضو البشري من الدود وأولى بعطاء أخيه الإنسان. مبدأ العلاج شرعي ويجب القيام به لإنقاذ حياة إنسان وإن احتاج الأمر إلى استئصال جزء من الجسم. أما نقل الأعضاء البشرية بين الأحياء فهو مقبول أيضا أخلاقيا شرط ألا يكون في سبيل المتاجرة وألا يعود بالضرر الصحي الكبير على الإنسان المتبرّع.
514
القتل جريمة والإجهاض جريمة. لماذا تُعاقب الكنيسة الإجهاض بعقوبة الحرمان ولا تعاقب القتل في حين أن بعض الدول تعاقبه بالإعدام. أليس هذا التفاوت في الموقف غير منطقي؟
عقوبة الإعدام تطال كل من أقدم على القيام بأعمال إجرامية كبيرة ثابتة عليه، وكل من يشكل خطرا على السلام الاجتماعي. الكنيسة لا تعاقب بالحرمان المجرم الذي يقتل إنسانا آخر بالرغم من جسامة خطيئته، ولكنها تعاقب الإجهاض بالحرمان لأن الإجهاض هو أسوأ جريمة في البشرية. فهو جريمة الآباء والأمهات الذين يقتلون ابناءهم وهم لا يزالون في بطون أمهاتهم.
إن الجنين هو إنسان مستقل عن أمه، وبحاجة إلى حمايتها. ولأنه إنسان يجب معاملته كإنسان. وكل إنسان كبيرا كان أم صغيرا هو إنسان، ويجب أن نلتزم تجاهه بالقواعد الأساسية لحقوق الإنسان. فالاجهاض هو جريمة الأم التي تقتل طفلها البريء الآمن في بطنها.
515
إن المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، وخاصة مرض السرطان، يمرون بشكل عام بثلاث مراحل. ويظهر في المرحلة الثالثة وهي الأخيرة: الهزال الشديد، وفقدان الشهية، وعدم القدرة على الحركة، والنوم المتواصل، والغيبوبة، وقصور وظائف الكلى ...الخ. في هذه المرحلة الأخيرة من المرض، عندما يكون الفريق الطبي على يقين تام بعدم جدوى مواصلة القيام بالاجراءات الطبية، من إنعاش القلب والتنفس في لحظات الوفاة، وغسيل الكلى وإجراء الفحوصات المخبرية والصور الشعاعية، هل يجوز أخلاقيا ودينيا، التوقف عن القيام بها؟
نجيب على هذا السؤال الطبي الدقيق كما يلي:
اولا – موقف الكنيسة من الموت الرحيم
مجرد طرح هذا السؤال يعود بنا إلى ما يُسمى اليوم بالموت الرحيم (EUTHANASY). ومن الضروري أن نحدد موقف الكنيسة منه بكل وضوح. كانت هذه الكلمة اليونانية الأصل، تعني الموت الهادىء الذي يتقبله الإنسان عندما تحين ساعة وفاته. ولكن في عصرنا أعطي لها معنى "القتل الرحيم" أي وضع حد للحياة بطريقة إرادية، بحجة تخفيف الآم المنازع، بسبب حالته المرضية المستعصية والتي لا يُرجى شفاؤها على الإطلاق. فاصبح القتل الرحيم، بالمعنى الحصري، كل عمل أو كل إهمال يؤدي إلى الموت يهدف إلغاء كل ألم.
هذه الظاهرة، وهي من أرهب مظاهر "حضارة الموت"، تزداد انتشارا في المجتمعات المترفة المطبوعة بالذهنية النفعية التي تستثقل زيادة عدد المسنين والمعاقين. هؤلا المرضى يعيشون في معظم الأحيان بمعزل عن الإيمان وعن عائلاتهم، في مجتمع لا يعبأ عموما إلا بمقاييس الإنتاج، فتمسي الحياة بلا معنى إذا أصابها عجز لا يُرجى شفاؤه.
أما طرق القتل الرحيم، فمنها:
أ - القتل الرحيم الإرادي المباشر: وهو القيام بعمل يهدف إلى قتل المريض شفقة عليه. إنه قتل متعمد، وبالتالي فهو عمل غير أخلاقي.
ب - والقتل الرحيم الإرادي غير المباشر: وهو إهمال الواجب نحو المريض بغرض القتل. وهذا أيضا عمل غير أخلاقي.
ج - والقتل الرحيم غير الإرادي: أي عندما يكون الموت نتيجة غير مباشرة لاستعمال أدوية ضرورية للعلاج أو لتخفيف الألم. هنا لا توجد مسؤولية أخلاقية.
1 – إن وصف هذا القتل بأنه رحيم، إنما هو شفقة زائفة وانحراف لمعنى الشفقة. لأن الرحمة الحقيقية تقوم على تخليص المريض من مرضه، لا على قتله بحجة أنه لا يقوى على احتمال عذابه. لكل حياة بشرية قيمة ذاتية وكرامة في كل لحظة من لحظاتها. فهي هبة من حب الله، منحنا إياها الله كي نعيشها بأفراحها وأحزانها، ونتعرف من خلالها على الله ونحبه ونحب إخوتنا البشر ونحب بالتالي أنفسنا. فالإنسان يتمتع بوجود فريد في الكون وله مكان في قلب الله، حتى لو لم يكن له مكان في قلب البشر. وبالتالي واجب كل إنسان أن يحافظ على حياته وحياة غيره بالوسائل المألوفة، والتي تضمن للجميع حياة كريمة.
2 - تعتبر الكنيسة القتل الرحيم انتهاكا خطيرا لشريعة الله "لا تقتل" لأنه قتل متعمد لشخص بشري . فالله هو السيد المطلق، وهو الذي وهب الحياة وأئتمن الإنسان عليها. ولا يحق التعدي عليها ووضع حد لها بحجة تخفيف الالآم والعذاب. ولا يحق لأية سلطة بشرية، أو كائن بشري أن يسوّغ أدبيا ودينيا قتل كائن بشري، مهما كان عمره ومهما كانت أحواله الصحية.
3 - إن لغز الحياة البشرية يبلغ قمته أمام الموت. فالإنسان لا ينزعح فقط لالآمه وانحلال جسده التدريجي بقدر ما ينزعج أيضا من فكرة الفناء النهائي. ذلك أن بذرة الخلود المتأصلة في أعماق قلبه تثور على الموت وتستبعده وترفضه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الطبيب، كل طبيب، يحمل رسالة مقدسة وهي أن يحافظ على الحياة، لا أن يقضي عليها. وعندما يعجز عن المحافظة عليها، يجب أن يُدرك أن الله هو صاحب السيادة على الحياة. وبالتالي عليه أن يتحلّى بالإيمان، خصوصا وأنه في تلك اللحظات، يكون أقرب إنسان إلى المريض، ويمكن أن يساعده في المرور إلى الحياة الأخرى باستسلام تام لمشيئة الله القدوسة.
فالكنيسة تعلم أن سيد الحياة والموت هو الله، وهو وحده يسترد حياة الإنسان متى شاء. والكنيسة لا ترفع يدها عن الإنسان المتألم، بل تطلب من الطبيب أن يحاول التخفيف من الآمه بقدر المستطاع حتى لا يكون الألم مدعاة لابتعاده عن الله.
4 – إن الشريعة التي يضعها الإنسان يجب أن تتوافق مع الشريعة التي وضعها الله. فعلى الدول أن تضع الأخلاق في سلم أولوياتها. ولذلك فإن القوانين المدنية التي تجيز القتل الرحيم غير ملزمة للضمير لأنها مخالفة لوصية الله "لا تقتل"، والله أحق بالطاعة من الناس. فالكنيسة تشجب هذه القوانين، وتدعو المؤمنين إلى رفضها ومقاومتها لأنها لا تحترم كرامة الإنسان وحقه في الحياة. المشرع المدني لا يستطيع أن يحل محل الضمير، في أي مجال من مجالات الحياة، ولا أن يملي من القوانين ما ليس من صلاحياته، حتى لو كان ذلك رأى الأغلبية في المجتمع، كما هو الحال في بعض الدول الديمقراطية. الديمقراطية شيء والأخلاق شيء آخر. لكن الأخلاق هي الأهم. الديمقراطية ليست سوى نظام ووسيلة، وهي ليست غاية في حد ذاتها. وأما القيم الإنسانية والروحية فهي الضمانة الوحيدة لسعادة الإنسان.
ثانيا - في المرحلة الاخيرة من المرض المستعصي، عندما يكون الفريق الطبي على يقين تام بعدم جدوى مواصلة القيام بالاجراءات الطبية، لإنعاش القلب والتنفس، وغسيل الكلى واجراء الفحوصات المخبرية والصور الشعاعية، هل يجوز أخلاقيا ودينيا، التوقف عن القيام بها؟
1 - تميز الكنيسة بين القتل الرحيم وقرار العدول عن العلاجات الطبية التي لم تعد تفيد المريض ولا تشفيه ولا تستطيع القضاء على المرض، إضافة الى أن هذه العلاجات كثيرا ما تصبح عبئا باهظا على المريض وعلى أسرته. في هذه الحالة يمكن ضميريا الإقلاع عن هذه العلاجات، ولكن من غير أن يتوقف الأطباء عن متابعة تزويد المريض بالعلاجات العادية التي يجب القيام بها في مثل هذه الحال. فالتخلي عن العلاجات الخارقة والتي لا ترجى منها أية فائدة، لا يُعد قتلا رحيما، بل يعبر عن الاستسلام للوضع البشري تجاه الموت.
2 - كذلك لا تعارض الكنيسة استعمال العلاجات التي تهدف إلى تخفيف الألم بصورة مباشرة، حتى مع نتيجتها غير المباشرة، وهي تجريد المريض من استعمال عقله. إن التأثير الجيد أو تسكين الألم هو المقصود. ما يسمى بالعلاجات المخففة يكتسب في الطب المعاصر أهمية خاصة. هذه العلاجات هدفها التخفيف من الوجع في المراحل الأخيرة من المرض وتوفير ما يحتاج اليه المريض من مرافقة ومساندة. في هذه الحال لا يكون الموت هدفا مطلوبا أو مقصودا، وإن كان هناك خطر التعرض للموت لأسباب معقولة. فليس ثمة سوى مجرد الرغبة في التخفيف من الألم بالركون إلى المسكنات التي بإمكان الطب أن يتصرف بها.
3 - أما في حالة الموت الدماغي الذي يعني أن الإنسان يعيش على الأجهزة نوعا من الحياة النباتية، فلا يجوز لطبيب واحد أن ينفرد برأيه ويقرر الموت الدماغي وعدم إمكانية عودة المريض إلى الحياة الطبيعية. بل يجب أن يُطرح أمر "نزع الأجهزة" على الفريق الطبي المتحصص. فاذا ثبت لدى هذا الفريق أنه لا أمل في عودة الحياة إلى المريض، عندئذ يمكن الاستئذان في إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي. ولكن على هذا الفريق أن يتخذ أولا اجراء إعلان الوفاة ثم يقرر إيقاف الأجهزة. في هذه الحالة، من الناحية الأخلاقية والدينية، لا يلحق الأهل ولا الطبيب ولا المريض أية مسؤولية.
وختاما فإن الكنيسة تدرك كم يعاني الشخص المتألم الذي ينتظر الموت، خصوصا عندما يعجز العلم عن إيجاد علاج لحالته. إن المريض يبحث أولا عن جو من المحبة يساعده على تحمل وضعه العصيب. لذا هناك دور كبير لرجال الدين والأهل والأطباء في مرافقة المريض ومؤازرته في محنته، وفي خلق جو من المحبة حوله، لكي يتمكن من تحمل ما بقي له من أيام بهدوء وسلام.