المجموعة الأولى
ثوابت مسيحية
1
لماذا يتعذب الإنسان في هذه الدنيا؟ ألم يخلقه الله للسعادة؟ فلماذا يعم العالم الشقاء بمختلف ألوانه وأنواعه؟
لقد خلق الله الإنسان للسعادة، وخلقه على صورته، طاهرا نقيا من كل شائبة، وزرع في نفسه الرغبة في حياة سعيدة تدوم إلى الأبد. وزوده بكل الصفات التي تمكنه من تحقيق هدف حياته، وبالقدرة على التمييز بين الخير والشر، ومنحه الحرية كي يكون مسؤولا عن نفسه. وبالتالي كان للإنسان أن يفعل ما يريد وأن يتحمل نتائج أعماله، ولا يستطيع أن يعيش في الصداقة مع الله إلا عن طريق الخضوع الحر لله. وهذا ما يُعبِّر عنه منع الإنسان مِن أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر: "فإنك يوم تأكل منها تموت موتا" (تك 2/17). و"شجرة الخير والشر" (تك 2/17) توحي رمزيا إلى الحد الذي لا يمكن للإنسان أن يتجاوزه، والذي يجب على الإنسان، لكونه مخلوقا، أن يعترف به اختياريا وأن يقف عنده بثقة. الإنسان متعلق بالخالق، وهو خاضع لنواميس الخليقة، وللنظم الأخلاقية التي سنّها والتي بها ينظم استعمال حريته (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 396).
ولكن الإنسان بخطيئته حاد عن الخير والصلاح وعصى الله متوهما أن تمرده يجذب له السعادة. فَضّلَ نفسه على الله. بإغراء من إبليس، أراد أن يكون مثل الله، ولكن بدون الله.
الكتاب المقدس يبين عواقب هذه المعصية الأولى المأساوية: فقد خسر آدم وحواء حالة البرارة الأصلية، وتحطمت سيطرة قوى النفس الروحانية على الجسد، وبخطيئته دخل الموت إلى العالم، وسرى إلى جميع الناس (رو 5/12 )، وهو لا ينفصل عن الطبيعة الإنسانية، ويعود الإنسان إلى الأرض التي منها أُخِذ (تك 3/19). فالموت وجميع أنواع عذابات الإنسان هي نتيجة الخطيئة. وقد ورد في سفر الحكمة: "
"ليس الموت من صنع الله، ولا هلاك الأحياء يسرّه، لأنه إنما خلق الجميع للبقاء ... فإن الله خلق الإنسان خالدا، وصنعه على صورة ذاته، لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم، فيذوقه الذين هم من حزبه" (حكمة 1/13-15، 2/23-25)
ويعم الشقاء بمختلف أنواعه وألوانه حياة البشر، لأن البشر كلهم قد جاؤوا من سلالة آدم وحواء اللذين ارتكبا الخطيئة وأدخلا الموت إلى البشرية. فالناس يرثون جرثومة عصيانهما، وهذه الجرثومة تسميها الكنيسة الخطيئة الأصلية، وهي أساس شقاء الإنسان وكل ما في حياته من بؤس وعذاب وظلم وعنف ...الخ. وقد جاء السيد المسيح ليخلص البشر من خطيئتهم وورطتهم ويفتح لهم باب السماء، ويصنع لهم الخلاص بتجسده والآمه وموته وقيامته، وجعل الخلاص في متناول كل من يريد الخلاص. ولا يهلك هلاكا أبديا إلا الإنسان الذي يُصِرّ على خطيئته، فيموت بها رافضا التوبة ورحمة الله الحنون الذي يريد له الخلاص والسعادة الأبدية.
2
الله يعرف كل شيء، ويعرف مسبقا مَن مِن الناس سيذهبون إلى جهنم، فلماذا خلقهم؟ ألا يعني خلقه أنه يحكم عليهم بالذهاب إلى جهنم؟
المعرفة عند الإنسان أمر، والإرادة أمر آخر. أبدأ بتشبيه بسيط: انت مريض. تعرف أنك مريض، ولكنك لا تريد أن تكون مريضا. المعرفة لديك تقول: إنك مريض، وهي تنقل هذه المعلومة إلى الإرداة، والإرادة تأخذ علما بالمرض وتقول: لا أريد أن أكون مريضا ... ومع ذلك فأنت مريض.
الله يعرف كل شيء. ولكن هل يريد كل شيء؟ الله يعرف جميع الشرور التي يرتكبها البشر، ولكنه لا يريدها. فما في العالم من قتل وظلم وزنى وحقد وبغض وكراهية وفقر وكبرياء وأنانية ومكر وسوء ... يعرفها الله كلها، ولكنه لا يريدها، وكلها تخالف إرادته القدوسة ووصاياه. يرتكبها الناس لأنهم أحرار ... والله منها براء. فلو أراد الله الشر لَمَا كان إلها، ولَمَا كان كاملا، ولَمَا كانت جميع أعماله حسنة.
الله يعرف أن الإنسان، إذا أصر على الشر الذي يصنعه سيصل في النتيجة إلى الهلاك. ولكن الله لا يريد له الهلاك. قال السيد المسيح صراحة: "جئت لأدعو الخطأة إلى التوبة... توبوا... إن لم تتوبوا تهلكوا جميعكم". فالله لا يريد أن يذهب أحد إلى جهنم. فلو أراد الله للناس أن يذهبوا إلى جهنم لَمَا كان الله إله الحب والكمال، ولخالف كماله الإلهي. الله محبة. وهو مصدر المحبة ولا يمكن أن ينتج عنه إلا المحبة.
أعطيك مثلا آخر: أنت تحب إبنك حبا جما، وتضحي في سبيله بالرخيص والغالي، وبدافع حبك له ولأنه إبنك فقد هيأت له كل ما يلزم لكي يكون ناجحا ومميزا في الحياة. ولكن ابنك لا يطيعك. يتصرف على هواه. وهو كسول، خامل، لا يدرس، يضيع وقته، لا يسمع لنصيحتك ولإرشادك ومحبتك. نتيجة لكل ذلك أنت تقول، وكل إنسان عاقل يقول: "ابني هذا سوف يرسب في امتحان التوجيهي". وعندما يأتي الإمتحان تكون نتيجته رسوبا. معرفتك برسوبه لا ترغمه على الرسوب، ولا تعني أنك اردت له الرسوب.
أمنا الكنيسة المقدسة تعلمنا ما يلي:
1 - "لا يحدد الله مسبقا مصير أحد في جهنم، لأن جهنم هي مصير من يكره الله عن علم وتصميم ويرتكب المعصية ويموت على ما ارتكب. ولذلك فإن الكنيسة، في ليتورجية الإفخارستيا وصلوات مؤمنيها، تلتمس رحمة الله الذي "لا يريد أن يهلك أحد" بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1037).
2 – الكتاب المقدس برمته يعلمنا أن حرية الإنسان مقدسة، وأنه لا كرامة للانسان بدون حريته. والله يحترم حرية الإنسان وكرامته ومسؤوليته في اتخاذ القرار. ولو لم يفعل ذلك لأصبح البشر قطيعا من الغنم. ولكن الله أب رحيم لا يعرف إلا أن يُحِب، ولا يصدر عنه إلا الحب. الله يخلق الإنسان لانه يُحِب الإنسان، وهو يضع الإنسان في طريق الملكوت، ويزوده بكل ما يقوده إلى الملكوت، ويفتح أمامه جميع أبواب رحمته. ولكن الله لا يسلب الإنسان حريته وكرامته: "بين يديك الخير والشر، إختر الخير فتحيا". فالإنسان حُرّ في أن يختار. فالهلاك مرتبط بعدم توبة الإنسان وليس بقرار مسبق من الله. وأكد بولس الرسول قائلا: "إن الله يريد أن يخلص جميع الناس وأن يبلغوا معرفة الحق" (2 طيم 2/4). وقال أيضا: " أما الله فقد دل على محبته لنا بأن المسيح قد مات من أجلنا إذ كنا خاطئين" (رو 4/8). وقال أيضا لتلميذه تيطس: "إن نعمة الله هي ينبوع الخلاص لجميع الناس" (2/119).
3 – قد تقول: لماذا لا يمتنع الله عن خلق الإنسان وهو يعرف أنه سيذهب إلى جهنم؟ ... لو افترضنا أن الله يمتنع عن خلق الإنسان الذي بكامل حريته واختياره يذهب إلى جهنم، لتوقف في النتيجة عن خلق البشر قاطبة. أعطيك مثلا: لو افترضنا أن الله الذي بسابق علمه يعرف أن جدك يذهب إلى جهنم يتوقف عن خلقه لئلا يذهب إلى جهنم، لما كان لك اليوم من وجود. يكفي أن يذهب واحد إلى جهنم من كل سلالة من سلالات البشر لكي تنقطع تلك السلالة... وبالتالي لتوقف الخلق كله.
3
أنا إنسان حر ولكن ليس من السهل عليّ أن أحسن دائما استعمال حريتي وأن أسير في خط القيامة السعيدة، وهذا يخيفني. فما العمل؟
أنت إنسان حر. وبكامل حريتك تؤمن بالقيامة. وأنت تعرف أنك إذا اسأت استعمال حريتك، فإنها تجنح بك، وتجعل حياتك زيفا وضياعا ودمارا. أما إذا جعلت من رب القيامة الذي تؤمن به دليلا لحياتك، فهو يأخذ بيدك في طريقك، لتعيش فَرِحَا متهللا. وهو يُعلّمك أن تُحب الرب إلهك بكل قلبك، وأن تحب بصدق كل إنسان لأن لكل إنسان قيمة عظيمة عند الله، مهما اختلف البشر في ما بينهم.
رب القيامة يُعلّمك أن تكون حرا، متمتعا بحرية أبناء الله. فلا تخف أن تقرّب له على مذبح حبه الإلهي كبرياءك وأنانيتك وحقدك وقساوة قلبك، لكي ينزع منك قلب الحجر، ويخلق فيك قلبا نقيا وروحا جديدا، وينمّي فيك "الإنسان الإنسان" ومن ثم "الإنسان المؤمن"، فتصبح عابدا ومصليا بالروح والحق، تنهل الرحمة من ينبوعها، وترفع شعار الحب والخلاص لكل البشر.
4
كيف يسمح الله بالشر والسقوط في جهنم، وهو لا يريد لأحد شرا ولا هلاكا؟
1 - إن أمنا الكنيسة المقدسة، استنادا إلى الوحي في الكتاب المقدس، تعلمنا أن الله خلق الإنسان الأول حرا، عاقلا، ذكيا، وزينه بالنعمة والبراره، وأعده لسعادة أبدية. جميع ما صنع الله كان حسنا (تك 1/31). إلا أن الإنسان الأول، بدافع من إبليس وبكامل حريته، تمرد على الله، فدخلت بتمرده كل الشرور في حياته، وسرى الفساد في الأخلاق وفي النظم البشرية، وراح الناس يسقطون في أباطيل كثيرة، فأصبح الإنسان عبدا للخطيئة بدلا من أن يكون عليها سيدا وسلطانا (راجع المجمع الفاتيكاني الثاني: "قرار في رسالة العلمانيين، 7). فالإنسان هو مصدر الخطيئة.
2 - لقد خلق الله الإنسان حُرّا. ولأنه خلقه حُرّا فهو يحترم حريته ويحترم قراره. ولو لم يفعل الله لفقد الإنسان حريته واصبح مسيّرا لا مخيرا في مصيره وفي حياته. قال البابا يوحنا بولس الثاني: "لقد خلق الله الإنسان ذكيا وحرا، وإذ فعل هذا قَبِلَ ان يُخضِع نفسه لحكم خليقته." (العبور الى الرجاء، 102).
3 - الإنسان الحر مسؤول عن أعماله ويُحَاسَب عليها، خيرا كانت أم شرا. والله لا يُرغم على أمر أحدا. كل إنسان، بسلوكه وتصرفاته وإيمانه وأخلاقه، يقرر ذهابه إلى السماء أو إلى جهنم. ولا يحق لاي إنسان أن يُحمّل الله مسؤولية هلاكه. فالله يريد خلاص الجميع.
5
إذا كان الله قادرا على كل شيء، فلماذا لا يمنع الشرور في العالم؟
نحن نؤمن بأن الله قدير. فهو خالق الكون، ما يرى وما لا يرى، وهو الذي يسوسه. فما من أمر يستحيل عليه. وقد أقام للكون نظاما يبقى خاضعا له خضوعا تاما ويبقى طوع إرادته. وهو سيد التاريخ، يسوس القلوب والأحداث وفقا لما يشاء. وكثيرا ما تخفى عنا سبل عنايته بالإنسان الذي خلقه حرا، عاقلا مسؤولا يتحمل نتيجة أعماله، صالحة كانت أم طالحة.
ان يمنع الله الشرور من العالم يعني أنه يسلب الناس حريتهم، وفي هذه الحالة لا يكون الإنسان إنسانا، بل يكون الناس قطيعا لا إرادة لهم ولا شخصية، ولا قيمة ولا كرامة. وحاشى لله أن يصنع ذلك لأنه أحب الإنسان حتى الموت على الصليب. يسير الإنسان نحو غايته القصوى باختيار حر ومحبة للافضل. فبإمكانه أن يخطأ. وقد أقام الإنسان في حالة البرارة، ولكن الشرير أغواه، فارتكب الخطأ فعلا. وهكذا دخل الشر الأدبي العالم. فالله ليس علة الشر الأدبي، لا مباشرة ولا بوجه غير مباشر. ولكنه يسمح بالشر مراعاة لحرية الإنسان ويعرف، بطريقة سرية، كيف يستخرج من الشر خيرا.
ليس الله ضعيفا وعاجزا عن منع الشر. فهو القادر على كل شيء. ولكن قدرته ليست تعسفية، لأنها قدرة حب غير محدود، ولأن الإنسان ليس شيئا ما وحسب، وليس الناس قطيعا من الغنم لا إرادة لهم. وقد استطاع الله أن يخلص الإنسان محتفظا له بحريته وكرامته، إذ أظهر قدرته الكلية على أعجب صورة بتغلبه على الشر وذلك بتجسد ابنه الطوعي وموته وقيامته. إن المسيح المصلوب هو "قدرة الله وحكمته، لأن ما هو جهالة عند الله أحكم من الناس، وما هو ضعف عند الله أقوى من الناس" (1 كو 1/25). في قيامة المسيح وتمجيده، بسط الله عزته وقوته وأظهر فرط عظمة قدرته لنا نحن المؤمنين (أف 1/19-22)".
"الإيمان وحده يستطيع أن يكتشف السبل العجيبة لقدرة الله الكلية. والعذراء مريم، أسمى نموذج لهذا الإيمان، هي التي آمنت بأن "لا شيء يستحيل على الله" (لو 1/37)، والتي استطاعت أن تمجد الرب قائلة: "القدير صنع بي عظائم، قدوس اسمه" (لو 1/49)". الإنتصار على الخطيئة الذي حققه المسيح أعطى خيرات أفضل من تلك التي افقدتها الخطيئة: "حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة (رو 5/20)
راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 272، 273، 278.
6
لماذا نرسم علينا إشارة الصليب؟
كلما رسمنا إشارة الصليب على جباهنا أعلنا أننا مسيحيون وأننا:
1 – نؤمن بالله الواحد المثلث الأقانيم: الآب والابن والرح القدس الإله الواحد، وبالتالي أنه يجب علينا أن نقيم علاقة بنوية مع الله الآب، وعلاقة إيمان وشكر للخلاص الذي حققه يسوع بموته على الصليب، وعلاقة محبة للاله الواحد المثلث الاقانيم يغذيها الروح القدس.
2 – نؤمن بأن يسوع المسيح كلمة الله المتجسد مات على الصليب حبا وطوعا من أجلنا، فحقق خلاصنا وخلاص كل البشر: "هكذا أحب الله العالم حتى إنه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3/16). بولس الرسول يعلن إلى أهل غلاطية قائلا: "معاذ الله أن افتخر إلاّ بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلا6/14)، ذلك لِأن إرادة الله القدوسة شاءت أن تُخلِّص الجنس البشري بموت يسوع على الصليب إذ ليس لأحد حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل أحبائه. فموت يسوع على الصليب هو سر حب الله العظيم للبشر. ولذلك، مَن يفصل الصليب وموت يسوع مصلوبا عن حب الله للبشر، فهو يجرد الصليب ومَن مات عليه من كل معاني الحب الإلهي. القديس اندراوس أسقف كريتا قال في إحدى عظاته يوم عيد الصليب:
"مع المصلوب نرتفع إلى الأعالي، فنترك الأرض الدنيا مع الخطيئة، ونسمو إلى العلى. إن امتلاك الصليب أمر عظيم، مَن امتلكه امتلك كنزا، وأدعوه حقا كنزا، لانَّه إسما وفعلا أجمل من جميع الخيرات. إذ فيه ومنه وبه جوهر خلاصنا الذي أُعيد إلينا كما في حالتنا الاولى".
"لو لم يكن الصليب، لَما صُلب المسيح. لو لم يكن الصليب، لما سُمّرت الحياة على الخشبة بالمسامير. لو لم تكن المسامير، لَما تدفقت ينابيع الأبدية، دما وماء من جنبه لتُطهّر العالم، ولَما أُتلِف صك الخطيئة، ولَما ثُبتنا في الحرّية، ولَما نعمنا بشجرة الحياة، ولما انفتح الفردوس. لو لم يكن الصليب، لَما هُزِم الموت ولَما جُرِّد الجحيم من سلطانه ... هذا هو مجد المسيح، وهذه هي رفعة المسيح. هكذا نفهم أنه صليب محبوب، وهو نهاية الآلام التي تَحَمّلها المسيح من أجلنا. إن الصليب هو مجد المسيح ... ".
3 – نؤمن بأن صلبان الحياة التي نحملها حبا ليسوع، لها قيمة أبدية لا تثمن. فأنا أضم صلباني إلى صليب يسوع، مشاركة في الآمه لفدائي وفداء كل البشر. فيجب علي أن احتمل المشقات وصعوبات الحياة مع المسيح ومِن أجل المسيح. الألم في الحياة جزء لا يجزأ من حياة الإنسان، وله قيمة لاهوتية وخلاصية إذا ما قدمناه للرب على مثال المسيح الذي قدّم الآمه لله الآب فداء للبشر.
4- وأخيرا عندما أضع يدي على جبهتي قائلا: "باسم الآب"، فإني أطلب من الآب أن يُطهِّر افكاري، وعندما أضع يدي على صدري قائلا: "والابن": فإني أطلب من يسوع الفادي أن يُطهِّر قلبي، وعندما أضع يدي على الكتف الأيسر فالأيمن قائلا: "والروح القدس" فإني أطلب إلى الروح القدس أن يملأني حبا.
7
كيف يكون الآب والابن والروح القدس إلها واحدا؟
نستند في إيماننا هذا، على وحي الله في الكتاب المقدس، وعلى تعاليم السيد المسيح وقيامته ومعجزاته. وقد أعطى السيد المسيح الكنيسة التي أسسها سلطته التعليمية: "مَن سمع إليكم سمع إليّ، ومَن أعرض عنكم أعرض عنّي" (لو 10/16). ونحن نؤمن بسلطة الكنيسة التعليمية التي تُعلّم منذ ألفي سنة أن الله واحد في ثلاثة أقانيم متميزين. فالإيمان بالله الواحد في ثلاثة أقانيم ليس موضوعا خاضعا للعلوم البشرية، وليس مسألة حسابية مفادها أن واحد يساوي ثلاث، أو ثلاثة تساوي واحدا، كما يزعم البعض، ونحن نلخص إيماننا بالله الواحد المثلث الأقانيم كما يلي:
1 – نحن نؤمن بإله واحد ولا نؤمن بثلاثة آلهة.
2 – نحن نؤمن بأن هذا الإله الواحد هو الحب بعينه، ويحوي في ذاته عناصر الحب الثلاثة: مُحِب ومحبوب وحُب بينهما. وهذا ما نُعبّر عنه بقولنا ان الله واحد في ثلاثة أقانيم متميزين. وهذه العناصر، في كيان الله الواحد، وفي جوهر الله الواحد، يتميز أحدها عن الآخر بالعلاقة القائمة بينهم: محب ومحبوب وحب قائم بينهما. فالله ذاته هو الحُب والله ذاته هو المُحِب والله ذاته هو المحبوب. ويتم التعبير عن هذه الحقيقة الإلهية الفائقة الطبيعة بقولنا، استنادا إلى وحي الله: الله الآب والله الابن والله الروح القدس. الثلاثة جوهر إلهي واحد، إله واحد، حقيقة إلهية واحدة. علاقة الأقانيم فيما بينها هي التي تميزها. الابن أزلي كائن منذ الازل وهو واحد مع الآب الكائن منذ الأزل، ومع الروح القدس المنبثق منهما، والذي هو الله الكائن منذ الأزل. إلهنا الذي نؤمن به واحد أحد في ثلاثة أقانيم متميزين بالعلاقة في ما بينهم.
3 - عبثا نحاول أن نفهم أسرار الله التي تفوق إدراكنا، وجميع المقاييس البشرية تعجز عن شرحها. مَن يستطيع أن يحصر في عقله أو أن يفهم كيف أن الله ليس له بداية وليس له نهاية؟ مَن يستطيع أن يفهم كيف أن الله لا يتجزأ وأنه موجود كاملا في كل مكان وزمان؟ .... الخ. فليس غريبا أن يكون في الدين أسرار نهائية لا يدركها عقلنا. ومن بديهيات الأمور في الدين أن يكون سمو الله فوق إدراكنا.
4 - إن الإنسان لا يفهم ما في ذاته من تشابك وتداخل بين روحه وجسده، وعقله وإرادته. ولا يفهم ولا يعرف أن يشرح كيف يؤثر الجسد في الروح أو الروح في الجسد. فإذا كان الإنسان لا يزال سرا لذاته، ولا يستوعب ذاته، فكم بالأحرى لا يمكنه أن يستوعب حقائق الله التي تفوق إدراكه؟ إنها موضوع إيمان، والإيمان تصديق الله في ما يقول عن ذاته.
ولكن يبقى علينا أن نتعمق في إيماننا وأن نستقصي أبعاده. لأن إيماننا ليس حائطا نصطدم به، بل هو بحر واسع جدا وبعيد الغور نغوص فيه.
8
أتعرض لعدد من الأسئلة بخصوص سر التجسد منها: كيف يكون المسيح أقنوما واحدا في طبيعتين؟ هل هو واحد أم اثنان؟ وهل المسيح مخلوق أم غير مخلوق؟
الإيمان وحده يعطي الجواب على هذه الاسئلة. الإيمان وحده هو الأساس والقاعدة لجميع الأمور الإلهية التي تفوق حواسنا وعقولنا. نحن نؤمن بأن الله واحد، وأنه غير محدود، وأن معرفتنا له محدودة، وأن كلامنا على الله محدود، ولا يُعبِّر عنه إلا تعبيرا محدودا، انطلاقا من المخلوقات والعقل البشري وطريقتنا البشرية المحدودة في المعرفة والتفكير. فالله يسمو على كل خليقة، ومن ثم يجب علينا تنقية كلامنا من كل ما فيه من محدودية ونواقص، حتى لا نضع حدودا لله الذي لا يفي به وصف ولا يحده عقل، ولا يُرى ولا يُدرك بتصوراتنا البشرية.
الشخص الذي يُلقي عليك هذه الاسئلة وغيرها يؤمن بالله، ويؤمن بأن الله على كل شيء قدير. ولذلك تستطيع أن تبدأ جوابك له انطلاقا من هذه الأرضية المشتركة، وأن تبين له أن الإنسان محدود في تفكيره وفي قدرته، لا يستطيع أن يحصر قدرة الله وعمل الله وأسرار الله، في نطاق فهمه وقدرته.
نقول "سر التجسد". وكلمة سر، في اللاهوت المسيحي، تعني حقيقة لاهوتية، إلهية، تفوق ادراكنا. سر التجسد الإلهي يعني أن ابن الله، أي كلمة الله، أصبح دون أن تنتقص حقيقته الإلهية، وهي غير قابلة للانتقاص، إنسانا حقا، بنفس بشرية، وعقل بشري، وإرادة بشرية، وحرية بشرية، وانفعالات بشرية، شبيها بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. فهو اشتغل بيدي إنسان، وفكر بعقل إنسان، وتحرك بإرادة إنسان، وأحب بقلب إنسان، وعرف مثلنا التعب والعطش والجوع والألم والحزن والقلق، وتجرع مرارة الموت صلبا. ابن الله، أي كلمة الله، ليس إنسانا صوريا. إنه إنسان بكل معنى الكلمة بجسده وعقله ونفسه وإرادته الحرة. يوحنا الحبيب، في مطلع انجيله يعبر عن حقيقة الإيمان هذه بان الكلمة صار جسدا وحل بيننا. يقول القديس اغسطينوس: "صار الله إنسانا ليصير الإنسان إلها" هذ هو البُعد الأعمق لسر التجسد والفداء. صار بشرا، وحل بيننا مخلصا وفاديا، صديقا ورفيقا لمسيرة حياتنا نحو الأبدية. وإيماننا هذا يرتكز على وحي الله في الكتاب المقدس وعلى تعليم الكنيسة منذ ألفي سنة. فهو ليس من عند البشر. والكنيسة أسسها السيد المسيح وائتمنها على وديعة الإيمان، وهي تعلمنا:
1 – أن المسيح أقنوم (شخص) واحد في طبيعيتن، وأنه مولود منذ الأزل غير مخلوق، وأنه تأنس لخلاصنا ... الخ، هذه كلها حقائق إلهية لم تخترعها المسيحية. الكتاب المقدس يقول: "ابن الله" "كلمة الله". ونحن لا نعني بذلك أنه ابنه بالتبني، ولا نعني ابنه بالمعنى البيولوجي، ولا نعني بنوة زمنية، لها بداية. الكنيسة تزيل هذه الالتباسات المقترنة بالتعابير البشرية المحدودة، وتعبر عن إيمانها بقولها عن المسيح: إنه "مولود غير مخلوق". تقول "غير مخلوق" لكي تنفي العناصر الزمنية والدنيوية عن كيان الله، عن كيان كلمة الله، وعن كيان ابن الله. كل إنسان مخلوق: إذا لكل إنسان بداية ونهاية، بينما ابن الله، كلمة الله، ليس مخلوقا. ليس له بداية وليس له نهاية. ابن الله، كلمة الله، كائن منذ الازل، كائن قبل كل الدهور. إنه نور من نور، إله حق من إله حق.
2 – أن كلمة الله، أي ابن الله، اتخذ من مريم البتول الجسد المقدس الذي تحييه نفس عاقلة، مثل جسد كل إنسان عند الحبل به، فصار إنسانا. ولا نعني بذلك أن المسيح إله في قسم منه، وإنسان في القسم الاخر. ولا نعني أن يسوع هو نتيجة مزيج مبهم للعنصرين الإلهي والإنساني. لقد صار إنسانا حقا وبقي إلها حقا. يسوع هو إله حق وإنسان حق، بطيعته الإلهية والإنسانية. فهو كامل في اللاهوت أي في حقيقته الإلهية، وهو كامل في الناسوت أي في حقيقته الإنسانية. من حيث اللاهوت جوهره جوهر الآب فهو الله. ومن حيث الناسوت جوهره جوهرنا الذي به يشبهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. فهو إنسان من حيث الطبيعة الإنسانية، والله من حيث الطبيعة الإلهية، أقنوم (شخص) واحد في طبيعيتن الإلهية والإنسانية.
كذلك فإن الوحدة الإلهية الإنسانية التي تحققت في يسوع المسيح بسر التجسد، لا تقلص الفرق بين الله والإنسان، ولا تنقص من استقلالية الإنسان، بل بالعكس تجعل لها قيمة فريدة. لا ينصهر اللاهوت بالناسوت، أي لا ينصهر الإلهي بالبشري. فاللاهوت لا يتحول إلى جسد، والجسد لا يتحول إلى اللاهوت. ومع ذلك فالمسيح واحد مطلقا بوحدة الأقنوم. فكما أن النفس العاقلة والجسد هما إنسان واحد، كذلك الإله والإنسان هما مسيح واحد.
يُعبّرالقديس اغسطينوس عن حقيقة الإيمان هذه قائلا:
"خالق السماء والأرض يولد تحت السماء، على الأرض. الحكمة الفائقة تصبح حكمة تُمنى بسكوت الطفولة. مالىء الكون يضطجع في مذود. محرك الكواكب يرضع ثدي أمه. إنك الكبير الكبير في طبيعتك الإلهية، أصبحت صغيرا صغيرا في الطبيعة الإنسانية التي اتخذتها. ومع ذلك فإن صِغَرك لا ينتقص من عظمتك، ولا عظمتك تذل صِغَرك".
ما أعظم وما أسمى سر تجسد الله. سيبقى سرا يفوق إدراكنا. فالله الكلمة الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، الكائن لدى الآب منذ الأزل اتخذ جسدا وصار إنسانا كاملا من دون أن يحصل في طبيعته الإلهية تغيير. فهو أقنوم واحد (أي شخص واحد): إنسان من حيث الطبيعة الإنسانية، والله من حيث الطبيعة الإلهية، شخص واحد في طبيعتين: الإلهية والإنسانية.
9
نحن نرسم إشارة الصليب قائلين: باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. بينما النص في اللغات الأوروبية لا يقول "الإله الواحد". فلماذا نحن نضيفها؟
في بلادنا العربية الإسلامية، نحن نضيف إلى كلام إشارة الصليب عندما نتلوه باللغة العربية: "إلإله الواحد" لأن المسيحيين متّهمين بعبادة ثلاثة آلهة. بينما هذه التهمة ليس لها وجود في الغرب.
عندما نرسم إشارة الصليب على ذواتنا نعلن إيماننا قائلين: "باسم الاب والابن والرح القدس، الإله الواحد. آمين". نحن لا نقول: "بأسماء الآب والابن والروح القدس، لأننا لا نؤمن إلا بإله واحد: الآب الكلي القدرة وابنه الوحيد والروح القدس. إنه اعلان الإيمان بالثالوث الأقدس. والثالوث الأقدس هو إله واحد وليس ثلاثة آلهة. الأقانيم الثلاثة غير منقسمة في ما هي عليه، وغير منقسمة في ما تعمل. سر الثالوث الاقدس هو السر المركزي في الإيمان المسيحي وفي الحياة المسيحية. إنه سر الله في ذاته. سر حب. وعلى الصليب تجلى حب الله للإنسان في حقيقته الجوهرية: "ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه". فنحن نحمل الصليب دلالة على إيماننا بالثالوث الأقدس وبحب الله لنا حتى التجسد والموت على الصليب.
10
الموت مصدر حزن وكآبة للإنسان. ولكننا نؤمن بقيامة هذا الجسد الذي أحببناه حبا جما. فهل لك أن تحدثني قليلا عن قيامة الأجساد؟
نعم، أحدثك.
1 - نحن نؤمن بأن يسوع قام من القبر بقوته الذاتية، ولم يعرف جسده في القبر فسادا. وقيامته تملأ قلوبنا أملا وارتياحا وإيمانا بأننا نحن أيضا سنقوم وبأن مصيرنا مرتبط بمصيره. ونحن نؤمن بأن العماد يمحو الخطيئة ويقيم بين يسوع والمُعمَّد رابطة وحدة كيانية وشراكة أقوى من الموت. فكما أن المسيح قام حقا من بين الأموات، كذلك الصديقون من بعد موتهم سيقومون في اليوم الاخير وسيحيون مع المسيح إلى الأبد.
2 - وإذا كان الموت هو انفصال النفس عن الجسد، وإذا كانت نتيجة هذا الإنفصال أن يبلى جسد الإنسان في التراب، وتذهب نفسه لملاقاة باريها، فإن القيامة هي عودة النفس إلى هذا الجسد الذي يقيمه الله من التراب للمجد الأبدي. فالله في قدرته الكلية، سوف يمنح الحياة غير الفاسدة لأجسادنا الفاسدة. وسوف يعيد نفوسنا إلى أجسادنا، بفضل قيامة المسيح. فالذين عملوا الصالحات يقومون للحياة الأبدية، والذين عملوا السيئات يقومون للدينونة (يو 5/29). وفي السماء يكون الأبرار كملائكة الله. أما الكيفية التي بها تتم القيامة فتتخطى كل تصور وتفكير: فهي عقيدة وإيمان.
3 - وكما أن جسد المسيح القائم من القبر لم يَعُد إلى حياة أرضية فانية بل عاد إلى حياة مجيدة، فعلى هذا النحو سيقوم الأبرار، كل بجسده الخاص الذي له الان. وستتحول أجسادهم إلى أجساد ممجدة على صورة جسد المسيح. يقومون من الموت بغير فساد، إذ "لا بد لهذا الكائن الفاسد أن يلبس عدم الفساد، ولهذا الكائن المائت أن يلبس عدم الموت" (1 كو 15/35). فليس الجسد أمرا ثانويا في حياة الإنسان. ومصير الجسد الأبدي مرتبط بمصير النفس الأبدي. والإنسان نفسا وجسدا مدعو إلى القيامة والمجد الأبدي. فإما أن يكون مصيره الهلاك نفسا وجسدا، وإما أن يكون مصيره المجد الأبدي نفسا وجسدا.
تتفشى في عالم اليوم أمراض مخيفة نتيجة انتهاك كرامة الجسد، وأشدها فتكا ظاهرة الأيدز أو فقدان المناعة وتفشي الإباحية التي تدنس النفس والجسد وتبيح الإجهاض بأنواعه وتدمر الأسرة التي بناها الله الخالق على الزواج المقدس بين ذكر وأنثى. أما الإنسان المؤمن فينظر إلى جسده نظرة الإيمان ليكتشف أن الله يدعوه إلى الحياة الأبدية مع المسيح، ولا شيء في الدنيا يُفقده هذه الكرامة ويحجب عنه رجاء الوصول إلى الحياة الأبدية السعيدة إلا الخطيئة. الجسد مقدس والتعاطي مع الجسد يعني التعاطي مع القدسيات. فيجب الحفاظ على الجسد طاهرا مُطهَّرا من نزواته وأهوائه لأنه سيقوم.
إذا كان الموت مصدر حزن وألم وكآبة، فإن القيامة مصدر فرح وحياة مجيدة دائمة. وإذا كانت الخطيئة هي مصدر الموت الأبدي، فإن المسيح، بالآمه وموته، قد انتصر عليها وجعلنا بالعماد شركاءه في انتصاره. فقيامته نور يتألق في حياة المؤمنين، ورجاء يقيم في قلوبهم. والكنيسة يوم اربعاء الرماد تقول: "أذكر أيها الإنسان أنك تراب وإلى التراب تعود". وكأنها في الفصح المجيد تقول: "أذكر أيها الإنسان أنك ابن القيامة والحياة، وأن لك وطنا أبديا، مجيدا في السماء وأنك إلى هذا الوطن عائد بعد حين".
11
أنا أومن بأن الله لم يخلق الإنسان للموت بل للحياة. وبما أن هذه الحياة تزول، فالحياة التي يدعونا الله اليها هي ما بعد الموت، وهي لا تزول. والسيد المسيح، بقيامته المجيدة ضمّنا إلى انتصاره، أليس كذلك؟
نعم. إن حياة الإنسان هبة مجانية من لدن الله رب العالمين. فالإنسان لم يُخلَق للموت بل للحياة. ومع ذلك لا أحد يهرب من حقيقة الموت. ليس أمرا عظيما أن يتجنب الإنسان الموت لفترة قصيرة، ثم يموت. إنما الأمر العظيم هو الخلاص الكامل من الموت. لقد ضم السيد المسيح البشرية كلها إلى ذاته لمّا اتخذ طبيعتنا البشرية في سر تجسده، وضمها إلى الآمه وموته ورقاده في القبر من غير حياة، وقيامته في اليوم الثالث، وصعوده إلى أعالي السموات. ولو لم يغلب السيد المسيح الموت بقيامته المجيدة لَمَا كان مخلصا، ولَمَا كان للصليب معنى وقوة. فالبشرى بقيامته المجيدة هي البشرى بقيامتك لتكون شريكا في مجده.
فانظر إلى يسوع المصلوب بعين القلب، لترى إنسانيتك في إنسانيته، وجسدك في جسده. بالموت يُزرع جسدك في القبر بفساد، ليقوم منه منتصرا بالمجد والكرامة، لحياة خالدة مع الله، تفوق تصوّر البشر. لأن الله أعدَّ لمختاريه ما لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر على قلب بشر (1 كو 13/12).
12
هل قيامة الموتى هي موضوع إيمان، وما معنى القيامة؟
قيامة الموتى موضوع إيمان. في قانون الإيمان الذي نتلوه في ذبيحة القداس أيام الآحاد والأعياد، نعلن إيماننا قائلين: "ونترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي".
حياتنا الطبيعية تقاس بالزمن. وهي تنتهي بالموت. وبالموت تنفصل النفس عن الجسد، فيذهب جسد الإنسان إلى الفساد بينما النفس تذهب لملاقاة الله، وتبقى في ملكوتها تنتظر اتحادها من جديد بجسدها. يوم قيامة الأموات، الله الكلي القدرة، يُعيد الحياة غير الفاسدة لأجسادنا ويوحدها بنفوسنا. فالجسد الذي صار ترابا سيتحول إلى جسد روحاني، على صورة جسد المسيح الممجد وينضم إلى النفس.
عُبّربولس الرسول عن حقيقة الإيمان هذه بقوله: "يُزرع الجسد بفساد ويقوم بلا فساد، إذ لا بد لهذا الجسد الفاسد والمائت أن يلبس عدم الفساد وعدم الموت" (1 كو15/13-37).
13
هل سيقوم جميع الناس من مثوى الأموات؟ هل سيقوم الصالحون منهم والطالحون على السواء؟
جميع الناس الذين ماتوا، الصالحون منهم والطالحون، سيقومون وتنضم أجسادهم إلى نفوسهم. بولس الرسول يقول لأهل كورنتس بهذا الصدد: "إن المسيح قد قام من بين الأموات وهو بكر الذين ماتوا. عن يد إنسان أتى الموت، فعن يد إنسان أيضا تكون قيامة الأموات" (1 كو15/20-21).
نحن نؤمن أن الذين عملوا الصالحات يقومون للحياة، والذين عملوا السيئات يقومون للدينونة. فإذا كنت محبا للمسيح في هذه الدنيا، بحلوها ومرها، ستكون شريكا له في القيامة المجيدة والحياة السعيدة إلى الابد. مصير محبي المسيح هو من مصير المسيح قيامة وخلودا. ولذلك للموت المسيحي بفضل المسيح معنى إيجابي. قال بولس الرسول: "الحياة عندي هي المسيح، والموت ربح" (فل 1/21). وأما للإنسان الشرير الذي يموت بخطيئته فيقوم جسده ويتحد بنفسه للهلاك الأبدي. قال السيد المسيح إن الأعمال الصالحة ستكافأ في قيامة الأبرار(لوقا 14/14). وأكد يسوع قيامة الأموات في جداله مع الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة (متى 22/23-33)
قال يسوع لمرثا أخت لعازر: "سيقوم أخوك. قالت له مرثا: "أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير". فقال لها يسوع: "أنا القيامة والحياة من آمن بي، وإن مات، فسيحيا. وكل من يحيا ويؤمن بي لن يموت إلى الأبد أتؤمنين بهذا؟ قالت له: "نعم يا رب، إني أومن بأنك المسيح ابن الله الآتي إلى العالم (يو 11/23-27).
14
وكيف تكون قيامة الموتى؟ في أي جسد يعودون بعد أن أصبح الجسد ترابا؟
شرح بولس الرسول لأهل كورنتس كيف تكون قيامة الموتى، وقال:
" ورب قائل يقول: "كيف يقوم الأموات؟ في أي جسد يعودون؟ يا لك من غبي ! ما تزرعه أنت لا يحيا إلا إذا مات. وما تزرعه هو غير الجسم الذي سوف يكون، ولكنه مجرد حبة من الحنطة مثلا أو غيرها من البذور، وإن الله يجعل لها جسما كما يشاء، يجعل لكل من البذور جسما خاصا ... يكون زرع الجسم بفساد والقيامة بغير فساد. يكون زرع الجسم بهوان والقيامة بمجد. يكون زرع الجسم بضعف والقيامة بقوة. يُزرع جسم بشري، فيقوم جسما روحيا" (1 كو 15/35 – 44).
قام المسيح في جسده الخاص. لكنه لم يَعُد إلى حياة أرضية بل إلى حياة أبدية. على هذا النحو، سيقوم الجميع، كل بجسده الخاص الذي له الآن، غير أن هذا الجسد لن يعود إلى حياة أرضية، بل إلى حياة أبدية، ويكون ممجدا إلى الأبد. ويقول بولس الرسول إلى أهل روما: "إذا كان الروح الذي أقام يسوع من بين الأموات حالا فيكم، فالذي أقام يسوع المسيح من بين الأموات يحيى أيضا أجسادكم الفانية بروحه الحال فيكم ... فإذا كنا أبناء الله فنحن ورثة: ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث، لأننا إذا شاركناه في الآمه، نشاركه في مجده أيضا" (رو 8/11-17)
أما الكيفية التي بها تتم القيامة، فهي تتخطى تصورنا وتفكيرنا. ولا يمكن الوصول إليها إلا بالإيمان. في الموت يدعو الله الإنسان اليه، فيتحول موت الإنسان الصالح إلى فعل طاعة ومحبة نحو الآب على مثال المسيح. قالت القديسة تريز الطفل يسوع: "أريد أن أرى الله ولكي أراه يجب أن اموت... إنني لا أموت بل أدخل الحياة".
15
يسوع خلصنا. وهذا يكفي لضمان خلاصنا الأبدي أليس كذلك؟
نعم، يسوع خلصنا. ولكننا لسنا أمام نظرية مجردة ولا أمام عملية سحرية. نحن أمام تحرر روحي يُقدم للجميع بفضل حب يسوع الحقيقي والمخلص، وبفضل موته وقيامته.
هذا الخلاص أي الفداء، حققه يسوع بدمه الذي ختم به العهدالجديد بذبيحته الكاملة والنهائية (عبر 8/10). ويسوع نفسه أكد أنه جاء ليعطي حياته فدية عن الكثيرين (مر 10/45) وإذا كان الخلاص هو ثمرة الآلام المرتبطة بالقيامة ارتباطا وثيقا، فإن الخلاص المقدم للناس لا يتحقق لهم إلا بدخولهم في سر الآم يسوع وموته للوصول إلى المجد السماوي للتمتع بالسعادة الأبدية اي بالخلاص في الملكوت السماوي. والدخول في سر الآم يسوع، في سر الفداء يعني حفظ الوصايا، وحمل الصليب، ومشاركة المسيح في الآمه ومحاربة الشرير وطلب النجاة منه كل يوم كما علمنا المسيح في صلاة أبانا. صلاة المسيحي تتضمن طلبه للخلاص: "نجنا من الشرير" كما تتضمن نداء إلى المسيح: "تعال أيها الرب يسوع، تعال" (1 كو16/22، رؤيا22/20). فالسيد المسيح فتح طريق الخلاص وحقق المصالحة مع الله، وهو يدعو كل الناس إلى الخلاص. وعلى الناس أن يختاروا. فمَن منهم يسلك طريق الخلاص يخلص.
16
تنتهي صلواتنا الليتورجية بهذه الكلمات: "إلى أبد الدهور"، أي بذكر الأبدية مع العلم أننا نعيش في الزمن، أي أننا نعيش حياة لها بداية ولها نهاية. فما الفرق بين الزمن والأبدية؟
"الحياة الأبدية" تعني إستمرار الحياة إلى ما لا نهاية، كما تعني أيضا نوعية الحياة، أي "حياة الله". فالمؤمن الذي ينال الحياة الأبدية يكون له نصيب في حياة الله إلى الأبد. فالحياة الأبدية هي حياة الله وبالتالي لا نهاية لها أيضا.
الله خلق العالم، وبالخلق بدأ الزمن، والزمن يرتبط بالتغيير والحركة. كل المخلوقات لها بداية وتتطور على مراحل. أما الله فلا يتغيّر. ليس له بداية في الزمان، وليس له نهاية. فهو موجود قبل بداية الخليقة وقبل بداية الزمن. نُعبِّر عن هذه الحقيقة بقولنا إنه "موجود منذ الأزل". الزمان في تتابع مستمر، أما الطبيعة الأبدية فهي استمرار غير محدود وغير متغير. وكما يختلف الخالق عن المخلوق هكذا تختلف الأبدية عن الزمن.
نستنتج بديهيا أن الله لا يكون قادرا على كل شيء إلا إذا كان دائم الوجود، لا بداية له ولا نهاية، أي إلا إذا كان أزليا. ورجاء الإنسان في القيامة مرتبط بيقينه بأن الله أبدي يجلب عليه السعادة الأبدية. المزمور 90/2 يعبر عن أزلية الله قائلا: "مِن قبل أن تولد الجبال أو بدأت الأرض والمسكونة، منذ الأزل إلى الأبد انت الله". ومعنى هذا أن وجود الله لا يحده زمان ولا مكان، وليس له بداية ولا نهاية.
17
الحياة الأبدية تنتظرنا في نهاية الطريق. فلماذا كثيرون من المسيحيين يعيشون وكأن الدنيا دائمة لهم. وعندما يداهمهم الموت لا يجدون في إيمانهم تعزية؟
من المؤسف حقا أن كثيرين من المسيحيين يعيشون وكأن الدنيا مخلدة. أما أنت فإنك تؤمن بالقيامة، وأنت ابن القيامة. والقيامة تنتظرك في نهاية الطريق. إنها ليست حلما بعيدا، وهي ليست وهما وخيالا، بل هي حقيقة، أنت تقترب منها يوما بعد يوم. قف أمامها وجها لوجه، وسر في طريقها، واكتشف أن كل يوم من حياتك هو صفحة من كتاب حب الله العظيم لك. فأنت محبوب، وجعلك الله عظيما، ووفّر لك قسطا من الذكاء الطبيعي والخيرات الدنيوية، ووهبك نعمة الإيمان بالقيامة. فلا تخف أن تسير في طريقها مرنما، لتكون قيامة المسيح المجيدة قيامتك، وملكوته ملكوتك.
أنظر حولك. تَعَلّم. إستخلص العِبَر من الحياة. فالحياة مدرسة تُعلِّم مَن يريد أن يتعلم. كثيرون من الذين كانوا حولك، ليسوا اليوم في الوجود. وستنتهي مسيرتك مثلهم أيضا. ولكن أين تنتهي؟ وكيف تنتهي؟ ومتى تنتهي؟ تذوّق منذ الآن طعم إيمانك بقيامتك المجيدة للحياة الأبدية. كن إنسانا حكيما، ولا تُضيِّع وقتك، ولا تهدر حياتك. لا تجازف بها. حياتك ليست رخيصة. كن فطنا، وجاهد الجهاد الحسن كي لا تنزلق شمالا أو يمينا عن إرادة الله القدوسة. نور إيمانك بالقيامة يضيء لك الطريق.
18
لا شيء يخفى على الله. وقد سمح لرؤساء الكهنة ولبيلاطس أن يحكموا على يسوع بالموت صلبا وأن ينفذوا هذا الحكم، وقَبِل يسوع بحريته أن يموت على الصليب ليحيا بموته الاخرون. سؤالي هو: هل الله برمج لهذا الصلب؟ فإذا صح ذلك، فهذا يعني أن الله أراد أن يرتكب رؤساء الكهنة وبيلاطس هذا الجرم الفظيع. بالإضافة إلى ذلك ألم يكن سر التجسد كافيا للتكفير عن خطايا البشر؟ أرجو ان تنيرني.
1 - كان الله يستطيع أن يرحم البشر وأن يغفر لهم خطاياهم بأية طريقة يريد، حتى من غير أن يتجسد الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس ويموت على الصليب.
2 - نحن أمام أمرين: من جهة، فإن الإنسان أخطأ وأهان الله وخسر مكانته ومستقبله وهدف حياته. ومن جهة أخرى، فان الله هو الحب بالذات ولا حد لحبه وكماله. ولأنه كامل فهو في نفس الوقت عادل ورحيم. ولذلك فإن "عملية" الخلاص التي بها "يُرمِّم" الله الإنسان ويعود به الى طريق الملكوت، يجب أن تحقق العدل والرحمة والمحبة. وقد رأى الله في حكمته الإلهية ضرورة التجسد والفداء، لأن التجسد والفداء يحققان حبه للبشر، ويحققان متطلبات العدل الإلهي. "ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل احبائه". المسيح أحبنا وبذل نفسه على الصليب في سبيلنا. وكان موته على الصليب الطريقة العملية لتنفيذ قرار الحب والتعويض الإلهيين.
3 - بكل تاكيد، كان الله بسابق علمه الإلهي يرى كل شيء. وكان يرى الظروف السياسية والإجتماعية كلها. وكان يرى ما في ضمائر الرؤساء من أنانية وطمع وكبرياء، وأنهم إنما حكموا على يسوع ظلما. لقد أساؤوا استعمال حريتهم وكانوا مخالفين لوصية الله في الكتاب المقدس: "لا تقتل". اتخذوا قرارهم بحريتهم. فالله لا يريد الشر الذي ارتكبوه، ولكنه احترم حريتهم، ومن هذا الظلم الذي ارتكبوه، عرف الله بحكمته الالهية أن يحقق الخلاص للبشر. فالله خطط لخلاص البشر ولم ينتهك حرية الذين قتلوا المسيح. كل منهم في موقعه يتحمل كامل مسؤولياته. ومن خلال ضعف البشر وخطاياهم، كانت يد الله الخفية تعمل لخيرهم ولخلاصهم.
19
بيني وبين أختى جدل كبير: هل في جهنم ذكور أكثر من الأنات أم أناث أكثر من الذكور؟ وهل في تعليم الكنيسة ما يدعم الرأي بأن في جهنم ذكورا أكثر من الأناث أو أناثا أكثر من الذكور؟
الكتاب المقدس برمته يبين أن الله يريد خلاص كل البشر ولا يريد هلاك أحد، وأن الفداء الذي حققه السيد المسيح بالآمه وموته وقيامته كان فائضا شاملا كل البشر، في كل العصور وفي كل مكان وزمان. والطريق المؤدية إلى السعادة الأبدية سالكة لكل من يريد أن يسلكها من ذكور وأناث. وقد حذر السيد المسيح قائلا:
"لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النفس، بل خافوا الذي يقدر على أن يُهلك النفس والجسد جميعا في جهنم" (متى 10/28).
وبنفس المعنى ورد في لوقا:
"أقول لكم يا أحبائي، لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ثم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا بعد ذلك. ولكنني سأبين لكم مَن تخافون: خافوا مَن له القدرة بعد القتل على أن يلقي في جهنم. أقول لكم: نعم. هذا خافوه" (لو 12/4-5).
وحذر السيد المسيح أيضا قائلا:
"الويل للذي يكون حجر عثرة. فإذا كانت يدك أو رجلك حجر عثرة لك، فاقطعها وألقها عنك، فلأن تدخل الحياة وأنت أقطع اليد أو أقطع الرجل خير لك من أن يكون لك يدان أو رجلان وتلقى في النار الأبدية. وإذا كانت عينك حجر عثرة لك، فاقلعها وألقها عنك، فلأن تدخل الحياة وأنت أعور خير لك من أن يكون لك عينان وتُلقى في جهنم النار" (متى 18/7-9). وكذلك في مرقس 9/42-48.
فكما ترى، لا يُميَز السيد المسيح بين ذكور وأناث، ويطلب الحذر والإنتباه من الجميع على السواء. فمن المؤكد أيضا أن مَن يسلك في هذه الحياة طريق جهنم، ذكرا كان أم أنثى، فإنه سيصل إلى جهنم في نهاية الطريق. ومَن يسلك طريق السماء سيصل إلى السماء.
أنت تشير في كتابك الموجّه إلى: "لباس النساء غير المحتشم الذي تعتبره خطيئة مميتة ترتكبها الكثيرات من الصبايا والنساء والذي يجر الكثيرين إلى ارتكاب الخطيئة، قلما يكون بالفكر". إلاّ أن الكنيسة المقدسة تُعلِّم، إستنادا إلى الكتاب المقدس، أن الخطيئة المميتة وحدها تؤدي إلى خسارة محبة الله والحرمان من نعمته المقدسة، وهي وحدها تُقصي عن ملكوت الله وتؤدي في النتيجة إلى الموت الأبدي في جهنم. وإذا كان باستطاعتنا أن نحكم بأن فعلا ما، هو بذاته إثم كبير، فالسيد المسيح يعلمنا قائلا: "لا تدينوا لئلا تُدانوا" (متى 7/1). فعلينا في الحكم على الناس أن نترك ذلك لعدالة الله ورحمته.
بعد عمر طويل لك ولاختك، عندما تذهبان إلى السماء، سوف يُتاح لكما، بكل تأكيد، أن تعرفا كم عدد الهالكين في جهنم من الذكور ومن الإناث.
20
لماذا لم يمنع الله آدم من السقوط في الخطيئة؟
نحن نؤمن أن "الله محبة" (1 يو4/8، 16) وحبه أقوى من الخطيئة: "هكذا أحب الله العالم حتى إنه بذل ابنه الوحيد" (يو 3/16). والله يُظهر في جميع أعماله رحمته ونعمته ومحبته. والله نور وليس فيه ظلمة (1 يو1/5). فالله لا يصدر عنه إلا الخير والحب والعدل. ومع كل ذلك فإننا أمام الخطيئة ونتساءل: لماذا لم يمنع الله هذه الخطيئة؟ كان من الأفضل ألا يسقط الإنسان. هنا أيضا نحن نقف أمام سر "الله محبة" ولا ندرك هذا السر، ونؤمن أن انتصار المسيح على الخطيئة أعطى خيرات أفضل من تلك التي قضت عليها الخطيئة.
كثيرون من الآباء والقديسين حاولوا أن يجيبوا على السؤال المطروح:
1 – قال القديس بولس: "حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة " (رو 5/20)
2 - وقال القديس لاون الكبير البابا: "نعمة المسيح التي لا توصف وهبتنا خيرات أعظم من تلك التي كان ابليس قد انتزعها منا.
3 – وقال القديس توما الاكويني: "لا شيء يمنع من أن تكون الطبيعة البشرية قد أُعدّت لغاية أرفع من الخطيئة. فإن الله يسمح بأن تحصل الشرور لكي يستخرج من تلك الشرور خيرا أعظم".
4 – وترنم الكنيسة في المديح الفصحي، ليلة سبت النور قائلة:
"يا لرائع حنوك علينا، يا لمطلق محبتك لنا: يا من أسلمت ابنك الوحيد فداء عن العبيد. ألا يا معصية آدم، يا من لمحوك مات المسيح. يا مَن مِن أجل ذلك، كنت واجبة الوجود. إنك المعصية السعيدة لأنه من أجلك انت، جاء هذا المخلص"
21
لماذا حل بنا القصاص من جراء خطيئة آدم وحواء؟ ما هو ذنبنا؟ نقرأ في سفر تثنية الإشتراع 24/16 وفي سفر حزقيال 18/20 أن البنين لا يقاصصون بسبب خطيئة الوالدين. آدم ارتكب خطيئة العصيان والكبريا فلماذا نعتبر ابناءه مذنبين معه؟
أجيبك أولا بمثل بسيط: افترض أن عمك صاحب الأموال الطائلة وعدك بمليون دينار شرط أن تعتني بوالدك المصاب بإعاقة شديدة. وأنت وعدته أن تعتني به لكي تربح المليون، ولكنك لم تفعل، وأهملت الاهتمام به. وفي النتيجة خسرت المليون دينار. من بديهيات الأمور أن يتأثر بيتك كله وابنك وامرأتك بالخسارة. بيتك كله يربح اذا ربحت، ويخسر اذا خسرت. أنت خسرت وبالتالي بيتك كله خسر معك.
هكذا بالنسبة للجنس البشري. كان آدم متسربلا بالنعمة والبرارة. ولو ثبت على حاله لبقي بيته كله ينعم معه بالنعمة والبرارة. ولكنه بارتكابه الخطيئة خسر، فخسر معه أهل بيته. كان غنيا فاصبح خاطئا فقيرا ضعيفا جاهلا، فورّث وضعه هذا لأهل بيته. فبدلا من أن يرثوا عنه النعمة والبرارة ورثوا عنه خطيئته وفقره وضعفه وجهله. ويُعبّر بولس الرسول عن هذه الحقيقة بقوله إن زلة إنسان واحد جرّت الهلاك على جميع الناس (رو 5/18).
أما الله فلم يترك الإنسان وشأنه بعد خطيئته لأنه يحبه ويريد له سعادة أبدية. ولذلك أرسل إليه ابنه متجسدا، لكي يخلصه ويرمم ما هدم ودمر بخطيئته. يقول بولس الرسول: "جميع الناس خطئوا فحرموا مجد الله، ولكنهم نالوا البر مجانا بنعمته، بحكم الفداء الذي تمّ في المسيح يسوع ذاك الذي جعله الله كفارة في دمه بالإيمان ليُظهِر بره" (رو3/24-25). وقال ايضا: "كما أن زلة إنسان واحد جرّت الهلاك على جميع الناس، فكذلك بِرُّ إنسان واحد يأتي جميع الناس بالبر الذي يهب الحياة" (رو 5/18). كما قال أيضا بهذا الصدد إلى أهل كورنتس: "وكما يموت جميع الناس في آدم فكذلك سيحيون في المسيح" (2 كو 15/22). . فلو لم يخطأ آدم لبقينا متحدين بالله وفي حالة النعمة الأصلية. وأما الفداء فإنه أعاد إلى البشر تلك الحالة التي أرادها الله للبشر وذلك استنادا إلى موت يسوع.
أما إشارتك إلى ما ورد في تثنية الاشتراع وسفر دانيال فيجب عليك أن تضعها في اطارها التاريخي والاجتماعي لكي يتضح لك معناها الأصيل. إن ما ورد في السفرين المذكورين بهذا الشأن، يُرجعنا إلى خليط من القوانين والأنظمة التي كانت سارية المفعول لدى الشعب الإسرائيلي آنذاك.
بالمقابل، نشير إلى ما صنعه يشوع ب "عاكان بن كرمي بن زبدي بن زارخ" من قبيلة يهوذا. بسبب خطيئته، رجمه شعب إسرائيل هو وأهل بيته (يشوع 7/24-25). وكذلك نشير إلى ما جاء بهذا الصدد في سفر صموئيل الثاني (21/1-6). هذه الأمثلة وغيرها تعود بنا إلى القوانين والانظمة القديمة التي كان يحتكم اليها بنو اسرائيل. وبالطبع، فقد كانت هذه القوانين والأحكام قابلة للتغيير والتبديل. ولا تزال آثارها باقية في أنظمة وعادات العشائر في الأردن. فعندما يرتكب أحدهم جريمة قتل، يُعتبر اقرب المقربين إلى المجرم مجرما.
22
تعلمنا منذ الصغر أننا بسبب خطيئة آدم وحواء، نولد كلنا بالخطيئة الأصلية وأن سر العماد يمحوها. ولكن سمعت أيضا أن بعض المسيحيين ينكرون ذلك. وما رأيك بالأطفال الذين يموتون بدون عماد؟
إن ما تعلمت هو عين الصواب، "كلنا نولد بالخطيئة الأصلية" ومن اعتقد بخلاف ذلك كان مخطئا. عقيدة الإيمان هذه، ترددها الكنيسة المقدسة على ابنائها في تعاليمها وفي وثائقها مثل: وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، والوثائق البابوية والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ...الخ. تعلم الكنيسة المقدسة أن الله خلق الإنسان الأول أي آدم وحواء، بحال النعمة والبرارة، وأن هذا الإنسان الأول تمرد وأخطأ وفَقَدَ حالة النعمة والبرارة، وأنه ورّث ابناءه خطيئته وتبعاتها. وهذا ما تسميه الكنيسة "الخطيئة الأصلية".
أما مفعول الخطيئة الأصلية على الجنس البشري فقد ذكرته الكنيسة مرارا في وثائقها الحديثة كما في وثائقها القديمة. وعلى سبيل المثال ذكرها الرقم 13 من "دستور في الكنيسة في العالم المعاصر"، وذكرها أيضا البابا بولس السادس في "قانون إيمان الشعب المسيحي"، كما ذكرها البابا يوحنا بولس الثاني في مناسبات كثيرة. وسنة 1986 قال: "كنتيجة للخطيئة الأصلية، فإن البشر يولدون بحال وراثية من الضعف الذي يقودهم بكل سهولة إلى ارتكاب الخطايا عندما لا يتجاوبون مع النعمة التي يعطيها الرب للبشر بواسطة المسيح المخلص". وقد ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: "لقد اتبعت الكنيسة القديس بولس، فعلمت دائما أن الشقاء العارم الذي يبهظ البشر، وميلهم إلى الشر وإلى الموت لا يُفهمان بمعزل عن علاقتهم بخطيئة آدم، وبواقع أنه أورثنا خطيئة نولد حاملين وزرها وهي "موت النفس". إنطلاقا من هذا اليقين العقائدي تمنح الكنيسة المعمودية لمغفرة الخطايا، حتى للأطفال الصغار الذين لم يرتكبوا خطيئة شخصية" (403).
العماد المقدس يرمم ما دمرته الخطيئة ويعيد إلى النفس حياة النعمة الإلهية ويجعلها هيكلا للثالوث الأقدس، وأهلا للملكوت. أما بشأن الأولاد الصغار الذين يموتون بدون عماد فان التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية يقول: "أما الأطفال الذين يموتون بدون معمودية، فالكنيسة لا تقدر إلا أن تكل أمرهم إلى الرحمة الالهية، كما هو دأبها في الصلاة لأجلهم. ولا شك أن الله الواسع الرحمة، يريد أن يخلص جميع الناس (1 طيم 2/4)، وأن يسوع يحب الأطفال: "دعوا الأطفال يأتون إليّ، لا تمنعوهم" (مر 10/4)، وهو يعطينا الأمل بأن الأطفال الذين يموتون، بلا معمودية، سيجدون خلاصا. ولهذا تنادي الكنيسة بالحاح اَلاّ يُمنع الاطفال من أن يأتوا إلى المسيح بواسطة المعمودية المقدسة".
إن عند الله طرقا، بها يخلص الأطفال الذين يموتون بدون معمودية. فالمعمودية ضرورية للخلاص. ولا بد من أن نذكر هنا أن المعمودية لا تقتصر على معمودية الماء، بل هنالك أيضا معمودية الدم، أي الإستشهاد من أجل المسيح، ومعمودية الشوق التي كثيرا ما تكون ضمنا لدى الإنسان الذي يجهل المعمودية ويجهل ضرورتها، ولكنه ينتمي إلى المسيح والكنيسة من حيث لا يدري، بأعماله الصالحة وبالتجاوب الصادق مع النعمة المعطاة له في ظروف حياته ومكانه وزمانه.
23
نحن نؤمن أن العماد يمحو الخطيئة الأصلية والخطايا الفعلية إن وجدت. ولكن ماذا بعد العماد؟ فالإنسان المُعَمّد معرض لارتكاب الخطيئة المميتة ولفقدان حياة النعمة. وهذا يعني، بالنسبة لي، أن محبة الله لها حدود وهي مشروطة بتوبتنا فهل لك أن توضح لي ذلك؟
في الواقع، يتناول سؤالك أمرين: محبة الله للإنسان، ومحبة الإنسان لله.
أنت على صواب بقولك بأن الإنسان بعد العماد يبقى معرضا لارتكاب الخطيئة المميتة وبالتالي معرضا لأن يخسر سعادته الأبدية. فإذا ما ارتكب الخطيئة المميتة، فهذا يعني أن الإنسان لم يكن أمينا على النعمة المعطاة له، ولا يعني أن الله ليس أمينا. أما الله فيبقى ثابتا في محبته اللامحدودة للإنسان، بحيث إذا ما رجع الإنسان وتاب وطلب المغفره فإن الله يغفر له، لأنه رحيم غفور. فالله في حبه المطلق للإنسان، لا يتغير ولا يتبدل بتغير الإنسان وتقلباته. نحن نؤمن بأن الله محبة (1 يو 4/8) وأنه يبقى أمينا على حبه للأنسان ولا حدود لحبه. وقد أحب الإنسان حبا جما فأرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي يخلص به العالم (1 يو4/10).
24
تعلمنا أنه لا خلاص خارج الكنيسة الكاثوليكية. وبنفس الوقت تعلمنا أن الخلاص يشمل كل الناس فكيف تفسر ذلك؟
نعم لا خلاص خارج الكنيسة التي أسسها السيد المسيح. ومع ذلك فإن الخلاص يشمل جميع الناس. في العصور الأولى، ردّد آباء الكنيسة هذا الإيمان، وكررته الكنيسة في مناسبات كثيرة مثل المجمع اللاتراني الرابع سنة 1215، ومجمع فلورنسا سنة 1442، والمجمع التريدنتيني سنة 1545 والمجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1962، والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية. ولكن ماذا نعني بانه "لا خلاص خارج الكنيسة الكاثوليكية"؟ اننا نعني قبل كل شيء:
1 – بأننا نؤمن بأن الكنيسة ضرورية للخلاص، لأن المسيح هو الوسيط الوحيد وطريق الخلاص، وهو يتجلى لنا في الكنيسة التي هي جسده. باب الإنتماء إلى الكنيسة هو سر العماد المقدس. ولكن المسيحي يدرك أنه لا يكفي أن يكون معمدا وعضوا في الكنيسة الكاثوليكية لكي ينال الخلاص، بل يجب عليه أن يعيش بموجب تعاليم الكنيسة وروح المسيح وأن يقبل نظام الكنيسة بكامله ووسائل الخلاص المرسومة فيها برمتها، وأن يتحد بجماعة الكنيسة المنظورة التي يدبرها المسيح بواسطة الحبر الأعظم والأساقفة، بروابط الاعتراف بالإيمان والأسرار المقدسة والإدارة الكنسية والشركة، وأن يثبت في المحبة (الدستور العقائدي في الكنيسة 14).
2 – بأننا نؤمن بأن الخلاص يشمل جميع الناس. وقد شرح البابا بولس السادس في صورة الاعتراف بالإيمان لسنة 1968 قائلا: "أما الذين يجهلون، على غير خطأ منهم، إنجيل المسيح وكنيسته ويطلبون الله بقلب سليم ويحاولون أن يتمموا بنعمة من الله إرادته القدوسة التي يعرفونها بصوت ضميرهم، فهؤلاء أيضا، والله عالم بعددهم، ينتمون إلى شعب الله بصورة غير منظورة ويمكنهم أن ينالوا الخلاص الأبدي". إنهم، من حيث لا يدرون، مُخَلّصون بنعمة المسيح المُخَلِّص التي يفيضها عليهم بجسده السري أي الكنيسة المقدسة.
إن الانتماء إلى شعب الله أي إلى الكنيسة يتم بطريقة منظورة بواسطة سر العماد المقدس، كما يتم أيضا بصورة غير منظورة بعمودية الدم ومعمودية الشوق.
أما معمودية الدم فهي الإستشهاد من أجل المسيح قبل الحصول على معمودية الماء. وأما معمودية الشوق فهي تضم جميع الناس الذين، من غير ذنب منهم، يجهلون المسيح، ويجهلون كنيسة المسيح، ولكنهم يطلبون الله بقلب صادق، ويجتهدون، بنعمته، أن يتمموا في أعمالهم إرادته القدوسة كما يمليها عليهم ضميرهم. فلو أنارهم الله وجاد عليهم بنعمة الإيمان لاعتمدوا واصبحوا اعضاء في كنيسة المسيح. ولذلك فإنهم بصورة غير منظورة ينتمون إلى شعب الله، وينالون الخلاص الأبدي (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (847). وهذا ما علمه آباء الكنيسة منذ القِدم، مثل القديس ايريناوس في القرن الثاني للمسيح وترتليانوس وقبريانوس في القرن الثالث، وكيرلس الأورشليمي في القرن الرابع، وأغسطينوس في القرن الخامس وكثيرون غيرهم. وكتب القديس أغسطينوس بهذا الصدد قائلا: "أعتقد جازما أنه ليس فقط شهادة الدم تقوم مقام معمودية الماء بل أيضا توبة القلب وصدق نواياه".
فمن جهة لا يكفي أن يكون الإنسان غير معمد لكي يهلك، لأنه بصدق نواياه وباتباع صوت ضميره يعمل مشيئة الله وينتمي في داخله إلى جماعة المؤمنين من حيث لا يدري، وبالتالي فهو مخلص بواسطة الكنيسة وفي الكنيسة، بنعمة المسيح الذي حقق الخلاص لكل البشر. ومن جهة أخرى فإن الذين لا يجهلون أن الله أنشأ بيسوع المسيح الكنيسة الكاثوليكية أداة ضرورية ويرفضون الدخول اليها أو الثبات فيها، لا يستطيعون إلى الخلاص سبيلا (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (846).
25
لماذا لا يتطرق الكهنة إلى الحياة الأبدية؟ هل النعيم والمطهر والجحيم لا تزال موجودة والإيمان بها لا يزال مطلوبا؟
كان الكهنة، في الرياضات الروحية والوعظ في الكنائس يتناولون، حتى عهد قريب، أواخر الإنسان أي الموت والدينونة والنعيم والمطهر والجحيم. وأما في أيامنا الحاضرة فقلما تجد كاهنا شُجاعا يتناول في وعظه وارشاده أواخر الإنسان. إلا أن الكنيسة لا تنقطع أبدا في ليتورجيتها وصلواتها، عن هداية الناس وتوجيههم نحو الحياة الأبدية. وعلى سبيل المثال، فإن مقدمة الفصل السابع من "الدستور العقائدي في الكنيسة" للمجمع الفاتيكاني الثاني تحدثنا عن الكمال في المجد السماوي:
"إن الكنيسة التي دُعينا جميعا إليها في المسيح يسوع والتي نكون فيها بنعمة الله قديسين، لن تبلغ الكمال إلا في المجد السماوي عندما يأتى الوقت ليتجدد كل شيء (أعمال 3/12)، وعندما يبلغ الكون كماله النهائي مع الجنس البشري، متحدا بالمسيح اتحادا وثيقا وبالغا به غايته (أف 1/10 ، كو 1/20، 2 بط 3/10-13). فالمسيح جذب إليه الكل ... ولا يزال وهو جالس عن يمين الله الآب يعمل في العالم ليقود البشر إلى الكنيسة ويضمهم إليه بواسطتها ضما وثيقا ويشركهم ... في حياته المجيدة"( رقم 48).
بالعودة إلى "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" نحن نعلن:
أ - أننا نؤمن بأن الذين يموتون في نعمة الله ومحبته، وقد تطهروا كليا، يحيون على الدوام مع المسيح. إنهم سيكونون على الدوام أمثاله، لأنهم سيعاينونه كما هو، وجها لوجه (1023).
ب- وأننا نؤمن بأن الذين يموتون في نعمة الله ومحبته، ولم يتطهروا بعد تطهيرا كاملا، وإن كانوا على ثقة من خلاصهم الأبدي، فإنهم يخضعون بعد موتهم لتطهير، يحصلون به على القداسة الضرورية لدخول السماء (رقم 1030). إن ما يحدثنا عنه القديس يوحنا الصليبي عن "شعلة الحب الحية" المطهرة وعن "الليالي الصوفية" التي يصفها انطلاقا من خبرته الذاتية، إنما يشكل معادلة للمطهر. فالله يقود الإنسان بتطهير طبيعته الجسدية والروحية كلها من الداخل، لكي يقوده إلى الاتحاد به. فالله محبة، والمحبة تفترض الطهارة ليصير الإنسان طاهرا جديرا بالاتحاد بالله المحبة.
ج - وأننا نؤمن بأن الذين يموتون بحال الخطيئة المميتة رافضين التوبة ومحبة الله الرحيمة، يبقون بعيدين عن الله على الدوام باختيارهم الحر. وما جهنم سوى البُعد عن الله (رقم 1033). لقد شغلت مسألة جهنم، على مدى الأزمنة، مفكري الكنيسة الكبار. والكنيسة تعود دوما الى كلام يسوع الذي لا لبس فيه. فهو يتكلم بوضوح في انجيل متى على الذين سيلاقون نارا أبدية (متى 25/46).
إن الإنسان حر، ولأنه حر فهو مسؤول. وعظمته تكمن في كونه حرا ومسؤولا أمام ذاته وأمام الناس وأمام الله. فهو يقرر بذاته مصيره. فالله لا يريد لأحد هلاكا. إنما كل إنسان ينال بما له من نفس خالدة جزاءه الأبدي.
26
هل من وجود للشيطان، أليس من الوهم والخيال أن نؤمن بوجوده؟
نحن نؤمن بأن الشيطان موجود، وأن الشيطان ليس وهما ولا خيالا. يقول البابا بولس السادس في صورة الإعتراف بالإيمان التي تلاها يوم اختتام سنة الإيمان في 30 حزيران 1968:
"الشيطان روح محض حي، فاسد ومفسد للبشر. إنه حقيقة رهيبة وهو العدو الأول ومجرب البشر للشر. إننا نعرف أن هذا الروح الشرير موجود وأنه لا يزال يعيث فسادا بين البشر ويزرع الشرور بينهم في مسيرتهم التاريخية".
فالبشرية منذ انطلاقة مسيرتها التاريخية تخوض صراعا قاسيا مع قوى الشر أي مع الشيطان. وقد بدأ هذا الصراع منذ بدء العالم وسيدوم حتى المنتهى وإلى يوم الدين. والشيطان يعمل في العالم بعامل الحقد على الله وعلى ملكوته في يسوع المسيح. وعلى الإنسان أن يجاهد باستمرار، وأن يلتمس نعمة الله لكي يثبت في الخير ويحقق ذاته ودعوته الأبدية (دستور الكنيسة في العالم المعاصر 37).
كان الشيطان ملاكا صالحا. خلقه الله صالحا، ولكنه تمرد بمحض إرادته على الله. وكان منذ البدء مُهلِكا للناس. قال فيه السيد المسيح: " لم يثبت على الحق لأنه ليس فيه شيء من الحق. فاذا نطق بالكذب نضح بما فيه، لانه كذاب وأبو الكذب (يو 8/44). والشيطان جرّب المسيح وحاول أن يرده عن رسالته التي تسلمها من الله الآب (متى 4/1/11). ويقول لنا يوحنا الحبيب في رسالته الأولى : "ظهر ابن الله ليحبط أعمال ابليس" (1 يو3/8).
لماذا يسمح الله بأن يعيث الشيطان في الناس فسادا؟ مهما يكن الجواب فإننا نقف أمام سر عظيم، ونحن نعلم أن "الله يسعى في كل شيء لخير الذين يحبونه، وإن كانوا يجهلون هذا الخير (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 395).
27
لماذا سقط الشيطان في الخطيئة، وما هي خطيئته؟
رأى آباء الكنيسة أن كبرياء الشيطان كانت السبب في سقوطه. وأظهر إبليس وملائكته كبرياءهم بأنهم أرادوا أن يكونوا مثل الله. ويقول القديس إيرينيوس أن خطيئة الشيطان كانت أيضا خطيئة الحسد للإنسان. وقد أسقط الشيطانُ الإنسان في الخطيئة، وجعله مثله متمردا على الله.
سفر الرؤيا يشير إلى حقيقة الإيمان هذه بقوله: "نشبت حرب في السماء. وإن ميخائيل وملائكته قاتلوا التنين فحمل عليهم التنين بملائكته، لكنهم عجزوا عنهم وطُرِدوا من السماء. فنُبذ إلى الأرض التنين العظيم، الحية القديمة، ذاك الذي يقال له إبليس أو الشيطان، فتّان الدنيا كلها ونُبذت معه ملائكته " (رؤ 12/7-9).
28
أصحيح أن الشيطان يسكن الإنسان؟ وهل يستطيع الكاهن أن يطرده منه؟
نعم. قد يسكن الشيطان في الإنسان، فيكون الإنسان "ممسوسا". وقد كلف السيد المسيح تلاميذه بأن يطردوا الشياطين باسمه (مر 16/17). وقد وضعت الكنيسة صلوات خاصة للتعزيم، أي لإخراج الأراوح الشريرة وطردها من الإنسان. ولكن لا يمكن لأحد أن يتلو صلاة التعزيم شرعا على الممسوسين، ما لم يحصل من الرئيس الكنسي المحلي على إذن خاص وصريح بذلك. وعلى الرئيس الكنسي المحلي ألا يمنح هذا الإذن، إلا لكاهن يتحلى بالتقوى والعلم والفطنة وسلامة السيرة (مجموعة الحق القانوني 1172). أما الصلوات التي رتبتها الكنيسة لهذا الغرض فهي طلبة جميع القديسين والصلاة الربية وقانون الإيمان، وصلوات التعزيم أي طرد الشياطين وقراءة من الإنجيل المقدس واستعمال الماء المبارك والصليب المقدس.
ولا يأمر المطران بإجراء التعزيم إلا بعد التأكد من أن الشيطان يسكن في الإنسان حقيقة. ومن الدلائل الأكيدة على سكناه في الإنسان أن المسكون يتكلم بلغات لا يفهمها الناس، أو أنه يتكلم عن أمور لا يعرفها أحد، أو يُظهر قوة جسدية غير عادية تفوق كثيرا قوى إنسان بعمره وظروفه الصحية. ولا بُدّ من التنويه بأن إخراج الشايطين ليس بالأمر السهل، ويتطلب صوما وصلاة وتوبة، ويلجأ الشيطان مرارا إلى حركات وكلمات غير أخلاقية يندى لها الجبين، ويحاول أن يتهجم على الكاهن وعلى المجتمعين حوله أو المصلين معه...الخ.
29
من هو الملاك؟ وهل حقا هنالك ثلاثة رؤساء للملائكة: جبرائيل ورفائيل ومخائيل؟
أجيبك على السؤال بمقطع من عظة للبابا القديس غريغوريوس الكبير "في الأناجيل"، حيث تناول هذا الموضوع وقال:
"يجب أن نعرف أن لفظة "الملاك" تدل على "الوظيفة" لا على "الطبيعة"، (لفظة الملاك تعني المُرسل). لأن هذه الأرواح القديسة في الوطن السماوي هي دائما أرواح، ولكن لا يمكن أن نسميهم دائما ملائكة، لأنهم ملائكة فقط عندما يُرسَلون لحمل البشارة. والذين يُبشِّرون بأمور صغيرة يُسمَّون ملائكة، والذين يبشِّرون بأمور كبيرة يُسمَّون رؤساء الملائكة.
ولم يُرسل الله إلى مريم العذراء ملاكا عاديا، بل أرسل جبرائيل رئيس الملائكة. وكان من اللائق في هذه الحال أن يُرسل أكبر الملائكة للبشارة بأعظم حدث في العالم.
ويُعرف بعض الملائكة أحيانا بأسماء خاصة تبيّن العمل الذي يقومون به. وليسوا بحاجة إلى هذه الأسماء الخاصة في المدينة المقدسة، أي في السماء وكأنهم لا يُعرفون من دون هذه الأسماء، فالعمل في السماء كامل بمشاهدة الله القدير، ولكنهم يُسمَّون عندما يُرسلون إلينا في مهمة ما. فيتخذون الأسماء بحسب المهمة. ميخائيل يعني "مَن مثل الله"، وجبرائيل "قوة الله" ورفائيل "شفاء الله".
حيث تكون الحاجة إلى اظهار القوة يُرسَل ميخائيل. فيُعرَف من اسمه ومن عمله أنه لا أحد يقدر أن يعمل ما يقدر أن يعمله الله. ومن ثم فإن العدو القديم الذي أراد أن يكون بكبريائه مثل الله قال: "إني أصعد إلى السماء، أرفع عرشي فوق كواكب الله، وأكون شبيها بالعلي" (أش 14/13-14). في نهاية العالم سوف يُسلم إلى العذاب، وسوف يقاتل رئيس الملائكة ميخائيل، كما قال يوحنا: "نشبت حرب في السماء، مع ميخائيل رئيس الملائكة" (رؤ 12/7).
رئيس الملائكة جبرائيل أُرسِل إلى مريم العذراء، واسمه "قوة الله". فقد أُُرسِل ليبشر بمجىء من سيقاتل قوى الشر. فمن الطبيعي أن يبشر "بقوة الله" بمجىء رب القوات القدير في القتال.
ومعنى رفائيل كما قلنا "شفاء الله"، لأنه لمس عيني طوبيا وقد أُرسل لشفائه، فأزال عن عينيه العمى. فمن يُرسَل للشفاء من اللائق أن يُدعى "شفاء الله".
30
أصحيح أن الله أقام لكل إنسان ملاكا حارسا ؟
نعم. نحن نؤمن بالملائكة الحراس. ونؤمن بأن لكل إنسان ملاكا حارسا يقيه المخاطر الروحية، ويلهمه الخير والقيام بالأعمال الصالحة. هذا إيمان الكنيسة منذ نشأتها. والكنيسة خصصت اليوم الثاني من تشرين الأول عيدا يؤدي فيه المؤمنون الإكرام للملائكة الحراس. وهي تعلم أن: "لكل مؤمن ملاكا حارسا يرافقه ويرعاه ويقوده إلى الحياة" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 336)
نقرأ في سفر الخروج أن الرب قال لموسى: "ها إني أرسل أمامكم ملاكا يحفظكم في الطريق ويجىء بكم إلى المكان الذي أعددته فانتبهوا له واستمعوا إلى صوته ولا تتمردوا عليه" (خر 23/20-21). وعندما حذرالسيد المسيح من الذين يشككون الصغار قال:"إياكم أن تحتقروا أحدا من هؤلا الصغار. أقول لــكم إن ملائكتــهم في السموات يشاهدون أبدا وجه أبي الذي في السموات" (متى 18/10). وقد ورد في سفر أعمال الرسل أن بطرس عندما أخرجه الملاك من السجن، عاد إلى بيت مريم أم مرقس حيث كانت جماعة المؤمنين تصلي من أجله، وقرع باب الدهليز فأقبلت جارية اسمها روضة تتسمع. فعرفت صوت بطرس فلم تفتح الباب من فرحها بل أسرعت إلى داخل البيت وبشرتهم بأن بطرس على الباب. فقالوا لها: "أنتِ تهذين. فأكدت لهم أن الأمر كما ذكرت لهم. فقالوا لها "هذا ملاكه". أما بطرس فما زال يقرع حتى فتحوا له (رسل 12/16).
إنها لعادة حميدة أن تصلي كل يوم إلى ملاكك الحارس:
"يا ملاك الله المُقلّد حراستي من رأفته تعالى
نور عقلي واحرسني ودبرني وارشدني
وخلصني من الشر. آمين"
وقال القديس برنردس رئيس الرهبان في عظة له عن الملائكة:
"اللهم، مَن هو الإنسان حتى تذكره؟ ولماذا تعطف عليه؟ إنك تعطف عليه وتحمل همومه وترعاه. وأخيرا ترسل إليه ابنك الوحيد ... أرسلت لخدمتنا تلك الأرواح الطوباوية، وفوّضتها بحراستنا، وأمرتها بأن ترشدنا وتهدينا في جميع طرقنا.
"أوصى ملائكته بك، ليحفظوك في جميع طرقك" ... إنهم حاضرون لحمايتك، إنهم حاضرون لمنفعتك. يرسلهم هو وبكل حب يطيعون، وفي كل شدة يذودون عنا: فلا يجوز أن تكون للجميل مُنكِرا ... لا يمكن أن يُغلبوا ولا أن يُخدعوا، ولا يمكن بأولى حجة أن يخدعونا، بل هم الذين يحرسوننا في كل طرقنا. إنهم حكماء وأقوياء: فماذا نخاف؟ لنتبعهم فقط، ولنتمسك بهم، فنبقى في حراسة إله السماء".
31
الملاك روح، فكيف له أن يحارب وأن يموت أو أن يُجرح؟ وهل يحمل سلاحا؟ لقد رأيت تماثيل لملائكة تحمل سلاحا، فما رأيك؟
الملائكة هم أرواح محضة بعقل وإرادة حرة. ليس لهم أجساد ولذلك لا يموتون ولا يُجرحون ولا يتألمون آلاما جسدية ولا يحملون سلاحا. عندما يتدخلون بشؤون البشر فانهم يتخذون صورة إنسان ولكنهم غير خاضعين لِما يخضع له البشر من حدود جسدية. وعلى سبيل المثال لكي ترى قوة الملائكة راجع الفصل 19 من سفر التكوين أي دمار سدوم وعمورة، وراجع الفصل 24 من سفر صموئيل الثاني بالنسبة لخراب أورشليم، وراجع الفصل 19 من سفر الملوك الثاني بالنسبة للقضاء على جيش الأشوريين.
يرسم الفنانون الملاك ميخائيل عادة حاملا السيف لكي يرمزوا إلى أنه طرد الملائكة الاشرار من السماء. ولقد عَبَّر عن ذلك سفر الرؤيا بقوله: "نشبت معركة في السماء، فإن ميخائيل وملائكته قاتلوا التنين، فحمل عليهم التنين بملائكته ولكنهم عجزوا عنهم وطُردوا من السماء. فنُبذ إلى الأرض التنين العظيم، الحية القديمة، ذاك الذي يقال له إبليس أو الشيطان، فتّان الدنيا كلها ونُبذت معه ملائكته" (رؤ 12/7-9). فتصويره حاملا السيف ما هو إلا رمز. الملاك ميخائيل وجميع الملائكة هم أرواح وليس لهم أيد يحملون بها السيوف وهم ليسوا بحاجة إلى مثل هذا السلاح.
32
هل جاء يسوع إلى الارض لكي يقيم ديانة جديدة بقوانين وأنظمة جديدة ورؤيا اجتماعية جديدة؟ وهل أراد أن يكشف للإنسان حياة جديدة. قرأت كتابا ينكر ذلك، وهذا لا يريحني، فما رأيك؟
ولا يريحني أنا أيضا. فالسيد المسيح جاء لكي يُعلّم الناس طريقة جديدة للحياة وأقام العهد الجديد (1 كو 11/25) واقام ديانة جديدة أو بالأحرى ما نسميها اليوم الكنيسة (متى 16/18) طريقا للخلاص. نقرأ في "الدستور العقائدي في الكنيسة" للمجمع الفاتيكاني الثاني ما يلي:
"إن المسيح، الوسيط الوحيد، يخلق ويثبت دوما على الأرض، في وحدة منظورة، كنيسته المقدسة، وهي شركة الإيمان والرجاء والمحبة، وبواسطتها يفيض الحق والنعمة على الجميع ... هذه هي كنيسة المسيح الوحيدة التي نعترف بها في قانون الإيمان أنها واحدة مقدسة جامعة رسولية والتي سلمها مخلصنا بعد قيامته إلى بطرس ليرعاها (يو 21/17)، وهي التي عهد إلى بطرس وسائر الرسل بنشرها وإدارتها (متى 28/18) والتي أقامها على الدوام "عمودا وقاعدة للحق" (1 طيم 3/15). هذه الكنيسة المعتبرة كجماعة مؤسسة ومنظمة في هذا العالم يتحقق كيانها في الكنيسة الكاثوليكية التي يسوسها خليفة بطرس والأساقفة المشتركون معه" ( 8 )
33
إن الله روح وليس له جسد، وبالتالي ليس له يدان، وليس له يمين وليس له شمال. فكيف تشرح لي أن يسوع "جالس عن يمين الله"؟
عندما يُحيط الملك رجلا بإكرام وتقدير عظيمين، يُجلسه عن يمينه. وفي الأسرة اليهودية، في العهد القدبم، كان الجلوس عن يمين الأب من حقوق الابن البكر. صحيح أن الله روح وأن ليس له جسد، وليس لديه يمين ويسار. إلا أن للعبارة معنى رمزيا وهو أن يسوع هو ابن الله، وأنه مساو لأبيه في الجوهر وأن له أعلى مكانه في السماء.
القديس يوحنا الدمشقي يقول بهذا الصدد: " عندما نقول "وجلس عن يمين الآب" نحن نفهم مجد الابن وكرامة ألوهيّته، وأن مكانه هو مكان الابن الذي كان له قبل نشأة الخليقة، فهو الله وهو واحد مع الآب في الجوهر، وبعد تجسده جلس عن يمين الله بما لجسده القائم من القبر من مجد وكرامة".
34
بما أن يسوع كان بلا خطيئة فلماذا أراد أن يعتمد على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن؟
ترى الكنيسة في عماد يسوع على يد يوحنا المعمدان في الأردن قبوله لرسالته باعتباره عبد الله المتألم الذي ذكره أشعيا في الفصل 53. فالسيد المسيح اتضع واصطف بين الخطأة لأنه "حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم (يو 1/29). وقد شرح التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ذلك قائلا:
"اعتماد يسوع هو، من جهته، قبول وافتتاح لرسالته بصفته عبدالله المتألم. إنه رضي بأن يُعَدَّ في الخطأة. وهو منذ الآن حَمَلُ الله الذي يرفع خطيئة العالم (يو 1/29)، وهو منذ الآن يستبق "معموديته" أي موته الدامي. فهو يأتي منذ الآن ليكمل كل بِر (متى 3/15)، أي ليخضع بكليّته لمشيئة أبيه: إنه يرتضي بمحبة، معمودية الموت هذه، لمغفرة خطايانا. ويقابل هذا الرضى صوت الآب الذي يجعل في ابنه كل مسرته. والروح، الذي يملكه يسوع بملئه منذ الحبل به، يأتي ويستقر عليه، وهو سيكون ينبوعه لجميع البشر. فعند اعتماد يسوع "تنفتح السموات" (متى 3/16) التي أغلقتها خطيئة آدم. والمياه تتقدس بحلول يسوع والروح القدس، افتتاحا للخلق الجديد ( رقم 536).
35
لماذا أراد يسوع أن يتعرض للتجرية، ألم يكن إلها؟ أليست الخطيئة هي ضد طبيعته الإلهية وأنه ليس بالإمكان أن يسقط الله في الخطيئة مثل الإنسان؟
تعرض يسوع للتجربة في الصحراء (متى 4/1-11) وفي بستان الجسمانية (لو22/39-46) لكي يعلمنا أن ننتصر على التجارب في حياتنا. لم يكن أبدا ممكنا أن يسقط في التجربة لأن السقوط فيها إهانة لله وتمرد عليه، وهذا يناقض طبيعته الإلهية، وبالتالي من المستحيل أن يناقض الله ذاته. فالسيد المسيح هو أقنوم إلهي، وكل عمل يقوم به هو عمل الله، ولا يمكن أن يكون عمل الشيطان. قال يوحنا: "تعلمون أنه قد ظهر ليزيل الخطايا، ولا خطيئة له" (1 يو 3/5). الرسالة إلى العبرانيين تقول: "لقد امتحن في كل شيء مثلنا ما عدا الخطيئة" (عبر4/15). وقال أيضا: "إن العذاب الذي ابتلي به يمكنه من إغاثة المبتلين" (عبر2/18).
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن يسوع هو آدم الجديد. بدأ حياته العلنية من حيث سقط آدم الأول. واجه قبضة الشر وبدأ العودة بالبشرية إلى الله. وكانت تجربة الخبز تجربة الشعب اليهودي في البرية. والمسيح رأس الكنيسة أي إسرائيل العهد الجديد، جُرّب كما جُرِّب إسرائيل العهد القديم. ولكنه انتصر ولم يُهزم مثل إسرائيل العهد القديم. وأجوبة يسوع مأخوذة من الكتاب المقدس.
36
إنتمى أحد أصدقائي إلى المتجددين وأخذ يقول لي أن كل ما يجب أن أعمله لكي أنال الخلاص هو أن أؤمن بأن يسوع خلصني، واستشهد بيوحنا 3/16: " إن الله بلغ من حبه للعالم حتى إنه جاد بابنه الواحد لكي لا يهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية". فهل يكفي أن أقول إني أومن لكي أخلص؟
1 - نعم، "إن الله بلغ من حبه للعالم أنه جاد بابنه لكي لا يهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية". ولكن الإيمان بالمسيح ليس مجرد كلام بل هو حياة بالمسيح وفي المسيح ومع المسيح. من آمن بالمسيح يحفظ الوصايا والمحبة الإنجيلية ولا يفعل الإثم ولا يكتفي بالكلام. ويكفي أن اذكرك بما قال يسوع: "إن كثيرا من الناس سيحاولون الدخول فلا يستطيعون. وإذا قام رب البيت وأقفل الباب، فوقفتم في خارجه، وأخذتم تقرعون الباب وتقولون: يا رب افتح لنا، ويُجيبكم: لا أعرف من أين انتم. حينئذ تقولون: لقد أكلنا وشربنا أمامك، ولقد علَّمت في ساحاتنا، فيقول لكم: لا أعرف من أين انتم. اليكم عني يا فاعلي السوء جميعا" (لو 13/24-28). وقال يسوع أيضا: "ليس من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات، بل الذي يعمل مشيئة أبي يدخل ملكوت السموات". ولذلك فان مجرد القول "انا أؤمن بالمسيح فاديا ومخلصا" لا يكفي للخلاص.
2 - السيد المسيح صنع الخلاص لكل الناس، وجعل الطريق إليه سالكا لكل الراغبين. والمؤمن بالمسيح يعمل بمشيئة المسيح لكي ينال الخلاص، وإذا لم يعمل فلن يخلص. قال القديس يعقوب الرسول في رسالته إن: "الشياطين تؤمن به وترتعد ... ماذا ينفع الإنسان، يا إخوتي، أن يدّعي الإيمان من غير أعمال، أبوسع الإيمان أن يخلصه... إن الإيمان من غير أعمال شيء عقيم ... ترون أن الإنسان يُبَرر بالأعمال لا بالإيمان وحده" (يع 2/14-26).
ورسم السيد المسيح لوحة الدينونة الأخيرة حيث بيّن أنه لم يظلم أحدا، وأن المُخَلَّصين نالوا الخلاص لأنهم التزموا بأعمال المحبة في حياتهم: "تعالوا إلي يا من باركهم أبي، فرثوا الملكوت المعد لكم منذ إنشاء العالم لأني جعت فاطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريبا فآويتموني، وعريانا فكسوتموني، ومريضا فعتموني وسجينا فزرتموني ... " (متى 25/3146). فهو لا يقول لهم: " أنتم آمنتم بي مخلصا لذلك أنتم مُخَلَّصون" بل يقول لهم: "أنتم عملتم أعمال المحبة والرحمة لذلك أنتم مُخَلَّصون". ويهلك الهالكون لأنهم لم يعملوا بموجب إيمانهم، لم يعملوا أعمال المحبة والرحمة. وقال بولس لأهل فيلبي: "إعملوا لخلاصكم بخوف ورعدة" (فل 2/12).
3 - فإذا قال لك صديقك المتجدد بأن المسيح خلصه، قل له:" المسيح فداك، وجعل أمامك طريق الخلاص سالكة. فإذا سلكتها تخلص، وإذا لم تسلكها تهلك. وطريق الخلاص تتطلب حفظ وصايا الرب وعيش روح الإنجيل والمحبة الإنجيلية وأعمال الرحمة، والطاعة للكنيسة التي أسسها المسيح على صخرة بطرس وجعلها طريقا ومرشدا وموزعا لكنوز نعم الخلاص. "
37
أصحيح أن كل الكنائس هي صالحة؟
في الإجابة على السؤال، يجب أولا أن نميز بين "الكنيسة" ومعتقداتها من جهة، وبين الذين ينتمون بصدق إلى هذه الكنيسة أو تلك. والرب سوف يجازيهم خيرا، استنادا إلى نيتهم الصالحة وإلى الخير الذي يعملونه. نحن الآن، في جوابنا على السؤال، نتكلم عن "الكنيسة ومعتقداتها وليس عن المنتمين إليها.
إن الفتور والجهل في أمور الدين وعدم الاكتراث يؤدي إلى القول بأن كل الكنائس هي صالحة وأنه لا فرق بين كنيسة وأخرى وأن الصلاة في كل كنيسة جائزة. فهناك اليوم كنائس تُعلّم تعاليم متناقضة تماما: هناك كنائس تُعلم أن يسوع هو الله، وكنائس تعلم أنه ليس الله، أن جهنم موجودة وأن جهنم غير موجودة، أن عماد الأطفال ضرورة، وأن عماد الأطفال ليس ضروريا، أن الإجهاض حلال وأن الإجهاض حرام ...الخ. فإذا قلت أن كل الكنائس صالحة ولا فرق بين كنيسة وأخرى، فإنك تجعل الغلط والصح متساويين. وهذا لا يقبله العقل السليم. هنالك متناقضات إيمانية كثيرة بين الكنائس، فلا يمكن أن تقول بأنها كلها صالحة.
البابا يوحنا الثالث والعشرون حذر من الخطر الذي يقود إليه عدم الاكتراث الديني في رسالته العامة بعنوان "بالقرب من ضريح بطرس الرسول" حيث قال:
"إن الاعتقاد بأنه لا اختلاف بين الأمور المتضادة والمتناقضة الموجودة في الكنائس والأديان، إنما تكون نتائجه هدامة، وهو يدل على أن الشخص الذي يعتقد ذلك ليست له الرغبة في أن ينتمي إلى دين، سواء من حيث المبدأ أو من حيث الواقع. إن الله الحق لا يمكن أن يناقض نفسه وأن يوحي بالمتناقضات".
38
هل سنشاهد في السماء أهلنا واحباءنا؟
تقوم سعادة السماء أولا على مشاهدة الله كما هو، وعلى مشاركته في حياته الثالوثية مع مريم العذراء والملائكة والطوباويين. سعادة القديسين في السماء تفوق كل فهم وتصور. بولس الرسول يقول: "أعد الله للذين يحبونه كل ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر" (1 كو 2/9). ففي السماء نكون مع الله ومع كل القديسين، من أهلنا وأقربائنا وقديسي كل العصور والأزمان، من آدم وحواء وحتى آخر قديس يدخل السماء عند نهاية العالم.
السماء هي غاية الإنسان القصوى، وهي تحقق أعمق رغباته. إنها حالة السعادة الفائقة والنهائية. يقول بولس الرسول أيضا: "نحن اليوم نرى في مرآة رؤية ملتبسة، وأما يومذاك فتكون رؤيتنا وجها لوجه. اليوم أعرف معرفة ناقصة، وأما يومذاك فسأعرف مثلما أنا معروف" (1 كور13/12).
39
قال أحد الأصدقاء: بما أن الكنيسة تعترف بصحة عماد البروتستنط فهذا يدل على أن كل الكنائس صالحة، فهل هذا صحيح؟
يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في "قرار في الحركة المسكونية:
"إن المؤمنين بالمسيح الذين تعمدوا عمادا صحيحا يمكن وصفهم بأنهم على الشركة مع الكنيسة الكاثوليكية وإن كانت هذه الشركة غير كاملة. والكنيسة الكاثوليكية تحيطهم باحترامها الأخوي ومحبتها. أما القول بأن معموديتهم هي صحيحة، فهذا لا يعني أن جميع معتقداتهم صحيحة، ولا يعني أن كل الكنائس واحدة. لدى الكنائس غير الكاثوليكية وجهات نظر متباينة بينهم وبين الكنيسة الكاثوليكية وهي تدور حول بعض المسائل المتعلقة بالتعليم العقائدي، وفي أحيان أخرى حول المسائل النظامية أو التي تخص تكوين الكنيسة، وأحيانا تصل هذه الخلافات، وهي ليست بقليلة، إلى درجة الخطورة، وتقف حائلا في وجه الشركة الكنسية الكاملة."(3)
وقد ورد في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
"روح المسيح يستخدم هذه الكنائس والجماعات الكنسية كوسائل خلاص تأتي قوتها من ملء النعمة والحقيقة الذي أئتمن المسيح الكنيسة الكاثوليكية عليه. كل هذه الخيرات تأتي من المسيح وتقود إليه، وتدعو في ذاتها إلى "الوحدة الكاثوليكية" (819). وقال المجمع الفاتيكاني الثاني في دستور "الكنيسة في العالم المعاصر" أن الكنيسة الكاثوليكية هي وحدها التي أسسها السيد المسيح على بطرس بعد القيامة. وهذه الكنيسة أنشئت ونُظمت كمجتمع في هذا العالم يسوسها خليفة بطرس والأساقفة الذين على الشركة معه" (تعليم الكنيسة الكاثوليكية 816).
40
نفهم بالبروتستنطية فئات كثيرة غير كاثوليكية، فما معنى هذه الكلمة؟
تعني كلمة البروتستنط "المحتجين". إنها الاحتجاج الذي أطلق رصاصته الأولى مارتن لوثر في القرن السادس عشر ضد الكثير من العقائد الكاثوليكية وضد الكنيسة كمؤسسة. هذا المفهوم يضم كل الجماعات المسيحية التي تُسمّي ذاتها "حركة الإصلاح"، ولها كلها طابع أساسي مشترك ألا وهو القضاء على الكنيسة الكاثوليكية.
يقول لوثر ان الإيمان وحده يبرر الإنسان الخاطىء. وان الإيمان هو لقاء شخصي بالمسيح التاريخي الذي هو كلمة الله المتجسد ينبوع الخلاص. ولما كان الإنسان الخاطىء عاجزا عن أن يشترك بصورة ما في خلاصه، فالإنسان مُبَرّر بالمسيح وخاطىء في آن واحد.
كذلك تعلم البروتستنطية أن أساس الإيمان هو الكتاب المقدس وحده. وليس للإيمان من رباط مع سلطة الكنيسة ولا مع التقليد. والكتاب المقدس وحده يشرح نفسه بنفسه وبالتالي ليس من عصمة في التعليم. الكتاب المقدس يُظهر المسيح المخلص. والمسيح ليس مؤسِّسا للكنيسة وليس مشترِعا بل هو حاضر فقط بالروح القدس. أما النعمة المعطاة لنا في المسيح فهي التي تجعلنا خلقا جديدا وتثمر الأعمال الصالحة، إنما النعمة لا تبرر الإنسان تماما من الخطيئة.
وجدير بالذكر أن الأسقفية موجودة في بعض الفئات البروتستنطية، وهي مجرد وظيفة عندهم لأنهم يرفضون درجة الكهنوت والأسقفية وذبيحة القداس.
هذه التعاليم تحتوي على مخالفات خطيرة لتعليم الكنيسة الكاثوليكية ولإيمانها.
41
أنا ابن الكنيسة، وأنا إنسان خاطىء، وأعرف أن في الكنيسة خطأة كثيرين مثلي، ولكن هل يحق لنا أن نقول : الكنيسة خاطئة؟
الكنيسة في جوهرها مقدسة بالرغم مِن أن اعضاءها خطأة لأنه ليس لها حياة سوى حياة النعمة التي يفيضها عليها رأسها المسيح والروح القدس الذي يحييها. إنها جسد المسيح السري، كما وصفها بولس الرسول (1 كور 12/27). وهي تدعو جميع ابنائها إلى القداسة لأن: "مشيئة الله إنما هي تقديس نفوسكم" (1 تسا 4/3 ، أف 1/4). وإذا كان ابناؤها مخلصين لها فإنهم ينعمون بقداستها، ولا يفصلهم عنها وعن قداستها سوى الخطيئة.
قال المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستور العقائدي في الكنيسة: "إن الكنيسة التي يفسر المجمع المقدس سرها هي مقدسة كل القداسة في نظر الإيمان. فالمسيح ابن الله الذي نسبّحه مع الاب والروح القدس معلنين أنه القدوس الوحيد أحب الكنيسة عروسا له وبذل نفسه من أجلها ليقدسها (أف 5/25-26).
42
من حين إلى آخر تُطلِعُنا وسائل الإعلام على أن بعض الشخصيات الكاثوليكية في مختلف بلاد العالم يُعلِّمون ما يخالف عقائد الكنيسة الكاثوليكية، فما رأيك في ذلك؟
إن حدوث ذلك أمر مؤسف جدا ومشكك لجماعة المؤمنين. ولكن يجب ألا نستغرب. فالسيد المسيح سبق وحذر قائلا إنه لا بد من أن تحدث الشكوك في العالم، ولكن الويل لمن تحدث الشكوك عن يده. الهرطقات والبدع والانشقاقات حدثت في الماضي، وتحدث اليوم أيضا. ابناء الكنيسة الكاثوليكية الذين يتبنون تعاليم وتيارات خارجة عن ايمان الكنيسة وتعاليمها يسببون شكوكا كثيرة للمؤمنين وغير المؤمنين، ويشككون بسلطان الكنيسة التعليمي الذي يسهر على الإيمان ويقود قطيع المسيح في مراعي المسيح الخصبة.
يوم اختتام سنة الإيمان في 30 حزيران 1968 أعلن البابا بولس السادس حقائق إيماننا المسيحي الكاثوليكي، ومن بعده أصدر الباباوات المتعاقبون على كرسي بطرس الكثير من الوثائق التي توضح للمؤمنين إيمان الكنيسة وتعاليمها بالنسبة للمسائل التي تطرحها العلوم المعاصرة حول قيمة الحياة، والإجهاض، وعبدة الشيطان، والجنس، وحقيقة الموت، والموت الرحيم، وأصدرت الكنيسة سنة 1997 "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" باسلوب بسيط، وهو في متناول أيدي جميع المؤمنين.
قال السيد المسيح: "ها أنا معكم كل الأيام وحتى منتهى الدهر" (متى 28/20) وقد أعطى كنيسته الروح القدس، روح الحق ليبقى معها دائما (يو 14/16-17). وقال أيضا ان أبواب الجحيم لن تقوى على كنيسته (متى 16/18). اقوال السيد المسيح هذه تعزينا وتُدخل الطمأنينة إلى نفوسنا بأن الكنيسة، سفينة بطرس الرسول تبقى ثابتة في الإيمان، مهما تعرضت له من ضعف أبنائها ومن زوابع وهجمات.
43
ما هي الغفرانات؟ وما شروط اكتسابها؟
يسعى المسيحي الصالح إلى تنقية ذاته من الخطيئة ومن عواقبها المترتبة عليها، وإلى تقديس ذاته بمعونة النعمة الإلهية. الغفران لا يمحو الخطيئة، بل يمحو وينقي من عواقب الخطيئة. فليس الغفران غفرانا للخطيئة بل غفران لعقوبات ترتبت على الخطيئة التي غُفِرَت ويجب على الخاطىء أن يكفّر عنها. ولذلك ترتبط الغفرانات بسر التوبة.
أشرح لك موضوع الغفرانات باختصار كما يلي:
1 – المفعول الأول للخطيئة المميتة هو أنها تحرمنا من الشركة مع الله وتجعلنا من أهل الجحيم، لا نستحق الحياة الأبدية وهذا ما يسمى بالعقاب الأبدي للخطيئة. فإذا كنت في حال الخطيئة المميتة، لا تنفعك الغفرانات، ولا تعفيك من العقوبات. لكي تتخلص من خطيئتك المميتة ما عليك سوى الندامة الصادقة عليها والاعتراف بها ونيل الحل منها في سر التوبة.
2 – المفعول الثاني للخطيئة المميتة المغفورة، والمفعول الاول للخطايا العرضية هو أنها تجعلنا نتعلق بالأرضيات تعلقا خاطئا يحتاج إلى تنقية في هذا العالم بالتوبة والأعمال الصالحة، وإلا ففي المطهر بعد الموت. فإذا كانت ندامتنا في سر التوبة ندامة صادقة كاملة فهي تغفر لنا ليس فقط الخطيئة، بل أيضا عقوبتها الزمنية التي ترتبت علينا أن نشفى منها بالتوبة، والأعمال الصالحة، والتجرد، والتواضع، والتقوى، والإيمان والمحبة. الغفران يتناول هذه الحالة المرضية للنفس وما يترتب عليها من عقوبات زمنية لازمة للشفاء لكي تكون محبتنا لله محبة كاملة.
3 - وللغفران شروط وهي: أن نكون في حال النعمة، وأن نتوب بصدق، أن نحضر القداس، وأن نتناول وأن نصلي قلما يكون خمس مرات أبانا والسلام والمجد عن نية قداسة البابا. فالغفران ليس قضية تجارية ولا يعمل اوتوماتيكيا، بل هو مرتبط بالشروط المذكورة وبالمحبة التي تربطنا بالرب. فإذا كانت المحبة كاملة فالغفران يغفر لنا كل ما ترتب على خطايانا من عقوبات زمنية، وإذا كانت محبتنا غير كاملة فهي تعفينا جزئيا منها.
4 – أما الخلفية اللاهوتية للغفرانات فهي أن الكنيسة مؤتمنة على ثمار الفداء وعلى استحقاقات المسيح الفادي والقديسين، ومؤتمنة على توزيعها على المؤمنين الصادقين في توبتهم ومحبتهم لله. وجميع المؤمنين مرتبطون ارتباطا عجيبا في وحدة تفوق الطبيعة، وهي وحدة جسد المسيح السري، وهذا ما تسميه الكنيسة "شركة القديسين"، ينتمي إليها المؤمنون المجاهدون على هذه الارض والقديسون في السماء والنفوس المطهرية. وكنز هذه الشركة في جسد المسيح السري هو استحقاقات المسيح وجميع القديسين في السماء وعلى الأرض. فشركة القديسين تعود علينا نحن ابناء الكنيسة المجاهدة على هذه الارض وعلى النفوس المطهرية، بفائدة روحية كبرى تتخطى الأذى الذي تُلحقه بنا خطايانا. أما كنز الكنيسة فلا حد له لأنه استحقاقات المسيح التي لا حد لها ولا قياس.
(راجع بهذا الصدد "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1471 – 1479).
44
أصحيح أن يوحنا المعمدان ولد بدون خطيئة أصلية؟ وما معنى أن اصغر واحد في الملكوت أكبر منه؟
1 - في الكنيسة تقليد مفاده أن يوحنا المعمدان قد أُعتق من الخطيئة الأصلية عندما كان لا يزال في بطن أمّه اليصابات حينما زارتها مريم العذراء. وهذا التقليد يدعمه قول الملاك جبرائيل لوالده زكريا: "يمتلىء من الروح القدس وهو في بطن أمه" (لو1/16). والإنسان الذي لا يزال في الخطيئة الأصلية لا يمكن أن يكون ممتلئا من الروح القدس. نبوءة الملاك هذه تمت لدى زيارة مريم لوالدة يوحنا المعمدان: "فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت اليصابات من الروح القدس، فهتفت بأعلى صوتها: "مباركة أنت في النسا ومباركة ثمرة بطنك ! أنى لي أن تأتيني أم ربي؟ فما إن وقع صوت سلامك في مسمعي حتى اهتز الجنين طربا في بطني" (لو 1/41-44). اهتزاز يوحنا طربا في بطن أمه يعني أن المعمدان قد طُهِّر من الخطيئة الأصلية.
2 - أمّا قول يسوع لتلاميذه: " أقول لكم ليس في أولاد النساء أكبر من يوحنا ولكن أصغر الذين في ملكوت الله أكبر منه" (لو 7/28) فلا ينقص من شأن يوحنا المعمدان، ويعني أن يوحنا المعمادن أكبر مواليد النساء، لم يكن يتمتع بميزات الإنجيل وحياة الأسرار وخيرات العهد الجديد الروحية حيث أن أصغر واحد في ملكوت المسيح يستطيع أن يحقق أكثر مما حقق يوحنا، لأن المسيح هو له الطريق والحق والحياة.
45
ماذا سيحدث لنا عند الدينونة الخاصة وعند الدينونة العامة؟
الموت يضع حدا لحياة الإنسان على الارض حيث يستطيع الإنسان أن يتقبل النعمة الإلهية أو أن يرفضها. تُعلِّم الكنيسة أن كل إنسان سوف يواجه بعد موته دينونتين:
1 – الدينونة الخاصة، حالا بعد الموت حيث أن السيد المسيح يدين كل واحد منا على ما أحببناه وخدمنا الله والقريب على الأرض. العهد الجديد يؤكد مرات عديدة الجزاء المباشر بعد الموت لكل إنسان تبعا لأعماله وإيمانه. فمثل لعازر المسكين(لو 16/22)، وكلام المسيح وهو على الصليب للص التائب (لو 23/43)، ونصوص أخرى من العهد الجديد (2 كو 5/8 " عب 9/27 ،/ 12/23) كلها تؤكد ذلك. وقال أيضا بولس الرسول: "الناس يموتون مرة واحدة، وبعد ذلك الدينونة" (عبر 9/28). والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية يقول: "كل إنسان ينال في نفسه الخالدة جزاءه الأبدي، منذ موته، في دينونة خاصة تُحال فيها حياته إلى المسيح، إما عبر تطهير، وإما للدخول مباشرة في سعادة السماء، وإما للهلاك الفوري والدائم". " في مساء حياتنا سوف ندان على المحبة" (1022)
2 – الدينونة العامة، ويتكلم العهد الجديد عنها بنوع خاص في إطار اللقاء الأخير مع المسيح في مجيئه الثاني. قيامة جميع الأموات "الأبرار والأشرار" سوف تسبق الدينونة العامة. وستكون "الساعة التي يسمع فيها جميع من في القبور صوت ابن البشر، فيخرجون منها ..." (يو 5/28-29) حينئذ يأتي المسيح "في مجده وجميع الملائكة معه ... وتحشد لديه جميع الأمم ... أمام المسيح الذي هو الحق، سوف تُعلَن بصراحة وبشكل نهائي حقيقة علاقة كل إنسان بالله، فتكشف الدينونة العامة ما فعله كل واحد من خير أو أهمل فعله في حياته على الارض، وذلك حتى في اقصى عواقبه" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1038 – 1039)
"ستقع الدينونة لدى عودة المسيح المجيدة ... الآب سيعلن بابنه يسوع المسيح كلمته الأخيرة على التاريخ كله. سنعرف المعنى الأخير لكل تاريخ الخليقة وكل تدبير الخلاص، وسنفهم السبل العجيبة التي قادت بها عنايته كل شي نحو غايته القصوى، وستكشف الدينونة الأخيرة أن بِرّ الله ينتصر على كل المظالم التي ترتكبها خلائقه، وأن محبته اقوى من الموت" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1040). ونتيجة للدينونة سوف يقول الملك للأبرار: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم ... وسيقول للأشرار: إذهبوا عني إلى النار الأبدية المُعّدة لإبليس وملائكته" (متى 25/34-41).
46
ماذا تقول الكنيسة الكاثوليكية في حرق الجثث بدلا من دفنها؟
إن الكنيسة توصي بشدة بالمحافظة على العادة التقوية بدفن أجساد المتوفين، لأنها تريد دائما أن تكرم الجسد الذي كان هيكلا للروح القدس، وأن يتشبه المؤمن بالمسيح الذي، بعد موته على الصليب، دُفن في قبر. فيجب أن تقام مراسيم الدفن الكنسية للمؤمنين المتوفين بموجب احكام القانون الكنسي والليتورجي.
ولكن نظرا للمشاكل الكثيرة التي تلاقيها السلطات العامة صاحبة الصلاحية في دفن الموتى، وخصوصا في المدن الكبرى، فإن الكنيسة لا تمنع حرق الجثة، على شرط ألا يتم الحرق لاسباب مخالفة للعقيدة المسيحية.( مجموعة الحق القانوني 1176).
47
أين تذهب نفوس الأطفال الذين يُجهَضون والذين يموتون بدون معمودية؟
إن الكنيسة المقدسة، تَكِل أمر الأطفال الذين يموتون بلا معمودية إلى الرحمة الألهية، كما هو دأبها في الصلاة لأجلهم عندما يموتون. فمن جهة، إرادة الله الذي يريد أن يخلص جميع الناس، ومن جهة أخرى، محبة يسوع للأطفال تتيحان لنا الأمل بأن يجد الأطفال الذين يموتون بلا معمودية، طريقا إلى الخلاص. ولهذا تنادي الكنيسة بإلحاح ألا يُمنع الأطفال من أن يأتوا إلى المسيح بواسطة المعمودية المقدسة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1261).
48
هل من وجود للمطهر؟ وكيف يكون فيه عذاب النفوس؟
نعم، المَطهَرموجود. وتدعو الكنيسة مطهرا التطهير النهائي للمختارين، المتميز كليا عن قصاص الهالكين في جهنم. المطهر محبة مُطهِّرة، ألم تقاسيه النفس طوعا. وكلما احترقت أو تألمت النفس بنار هذه المحبة شعرت ورأت ذاتها تعود طاهرة وقادرة على الدخول في الله. ولو لم يكن من وجود للمطهر لما أقامت الكنيسة قداس الثالث والسابع والأربعين ونصف السنة والسنة عن أرواح الراقدين، ولما أقامت وتقيم الذكرى السنوية لجميع الموتى المؤمنين في الثاني من تشرين الثاني من كل سنة.
لقد كرمت الكنيسة منذ القرون الأولى ذكرى الأموات وقدمت لأجلهم الصلوات، وبنوع خاص الذبيحة الإفخارستية، حتى يتطهروا بها فيبلغوا الرؤية السعيدة. وتوصي الكنيسة أيضا بالصدقات والغفرانات وأعمال التوبة لأجل الراقدين. وقد ذكر الكتاب المقدس الصلاة من أجل الموتى في سفر المكابيين: "أخذوا يصلون ويبتهلون أن تُمحى تلك الخطيئة المرتكبة محوا تاما ... ثم جمع يهوذا من كل واحد تقدمة ... فأرسلها إلى أورشليم لِتُقَدّم بها ذبيحة عن الخطيئة. وكان عمله من أحسن الصنيع وأسماه على حسب فكرة قيامة الموتى، لأنه لو لم يكن يرجو قيامة الذين سقطوا، لكانت صلاته من أجل الموتى أمرا سخيفا لا طائل تحته. وإن عَدَّ أن الذين رقدوا بالتقوى قد ادُّخر لهم ثواب جميل، كان في هذا فكر مقدس تقوي. ولهذا قدم ذبيحة التكفير عن الأموات، لِيُحلّوا من الخطيئة" (2 مك 12/42-46).
وقد صاغت الكنيسة عقيدة الإيمان المتعلقة بالمطهر في مجمع ليون سنة 1274، ومجمع فلورنسا سنة 1439. وعندما أنكر لوثر وكالفان وجود المطهر صراحة، حدد المجمع التريدنتيني 1545 – 1563 الأعتقاد بوجود المطهر كما يلي:
"إن الكنيسة الكاثوليكية بوحي من الروح القدس، واستنتاجا منها لتعاليم الكتب المقدسة واعتقاد آباء الكنيسة القديم، بعد أن ثبّتت في مجامعها وخاصة هذا المجمع، أن المطهر موجود، وأن الأنفس المحبوسة فيه يمكن التخفيف عنها بصلوات المؤمنين، ولا سيما ذبيحة القداس، تأمر الأحبار بالسهر بعناية على أن يتعلم المؤمنون المعتقد الصحيح المتعلق بالمطهر، كما جاءنا من الآباء والمجامع، وأن يؤمنوا به ويحافظوا عليه، وأن يُكرز به في كل مكان".
وكذلك المجمع الفاتيكاني الثاني 1964 والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1030-1032.
أما بالنسبة لطبيعة عذاب المطهر فإن الكنيسة لم تحدده قط. فهل يقاس بالزمن؟ وهل يقاس بنوع الألم وكثافته؟ عذاب المطهر هو عذاب فقدان الله. فالله هو هدف النفس، والنفس تتألم لعدم حصولها عليه بعد. الآم المطهر مُطهّرة ولها نهاية، وهي بخلاف الآم جهنم التي لا تُطهر ولا نهاية لها. في المطهر تتألم النفس حبا وتعرف أنها عندما يكتمل حبها تدخل السماء.
49
نحن نؤمن بالمطهر، ولكن لماذا لا يؤمن به الكثيرون من المسيحيين، مع العلم أنهم يصلون من أجل نفوس الموتى؟ فإذا كانوا لا يؤمنون بوجود المطهر، فلماذا يصلون من أجل الموتى؟
مَن يصلي مِن أجل الموتى وهو لا يؤمن بالمطهر فهو يناقض ذاته. إنه يصلي لأنه يعتقد بأن صلاته تجلب العون الإلهي لنفوس الموتى. وهذا يعني أنه يؤمن بأن الذين يموتون في نعمة الله وحبه، ولم يتطهروا بعد تطهيرا كاملا، وإن كانوا على ثقة من خلاصهم الأبدي، فإنهم يخضعون من بعد موتهم لتطهير، يحصلون به على القداسة الضرورية لدخول فرح السماء. الكنيسة الكاثوليكية تدعو هذا التطهير النهائي للمختارين بعد الموت "المطهر".
هذا هو التقليد المسيحي منذ نشأة الكنيسة في الشرق والغرب. وعلى سبيل المثال، فإن القديس يوحنا الذهبي الفم (347 – 407)، بطريرك القسطنطينية الذي اضطهدته الملكة اودوكسيا بسبب دفاعه عن الإيمان الكاثوليكي، قال:
" ... إن كان ابناء أيوب قد تطهروا بذبيحة أبيهم، لِماذا نشك بأن تقادمنا لأجل الراقدين تجلب لهم بعض التعزية؟ ... فلا نتردد إذن في مساعدة الذين رحلوا وتقدمة صلوات من أجلهم".
50
هل الروح القدس يدخل في النفس عند العماد؟ ماذا تعلمنا الكنسية بهذا الخصوص.
الكنيسة تعلم أن الطفل ينال بالعماد نعمة الروح القدس. في لقائه مع نيقوديموس، قال يسوع: "ما مِن أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله، إلا اذا وُلِد من جديد من الماء والروح "
أما بولس الرسول فيقول: "خُلِّصنا بغسل الميلاد الثاني، والتجديد من الروح القدس الذي أفاضه علينا وافرا بيسوع المسيح مخلصنا، حتى نُبَرًّر بنعمته فنصير، بحسب الرجاء، ورثة الحياة الأبدية" (طي 3/5-7).
وفي ليتورجية العماد تجد أكثر من مرجع يبين أن الطفل ينال الحياة الجديدة بالماء والروح القدس.
51
كيف نفهم أنه يجب أن نولد ثانية لِنَخلص؟
"الولادة الثانية" عبارة مأخوذة من كلام السيد المسيح في حديثه لنيقوديمس: "الحق الحق أقول لك ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله إلا إذا وُلِد من الماء والروح" (يو 3/5). بعض البروتستنط يفسرون ذلك قائلين أنه يكفي للإنسان أن يقرر فيؤمن بالمسيح مخلصا لكي ينال الخلاص، مهما كانت أعماله. وهذا التفسير يناقض بولس الرسول القائل:" كل واحد منا سيؤدي عن نفسه حسابا لله"(رؤ 14/12).
أما نحن الكاثوليك، فنحن نؤمن بأن الإنسان يولد ولادة ثانية بالمعمودية وينال قوة من الروح القدس بسر التثبيت. ونحن نؤمن أيضا بأنه بالإضافة إلى العماد يجب أن يعيش الإنسان المعمد وفقا لمخطط الله الخلاصي.
بكلمة وجيزة فإن العماد هو باب الدخول في الخلاص وأنه يجب علينا أن نتابع الطريق، ونعمل لخلاصنا بخوف ورعدة كما يقول بولس الرسول لأهل فيلبي (2/12). ويستطيع المسيحي ذلك بحفظ الوصايا وبالمواظبة على الأسرار المقدسة خصوصا على سر التوبة وعلى سر الإفخارستيا الذي به يقبل المسيح في قلبه مخلصا.
52
نسمع الكهنة من حين إلى آخر يذكرون شركة القديسين، وكنوز الكنيسة. ما هي هذه الشركة؟ وما هي هذه الكنوز؟
ليست شركة القديسين ولا كنوز الكنيسة التي تحدثنا عنها الكتب الروحية والكتب اللاهوتية امورا مادية بل هي موضوع إيمان. فالمسيحي الساعي إلى تنقية ذاته من الخطيئة وتقديس ذاته بمعونة النعمة الإلهية ليس وحيدا في مسعاه هذا لأن حياة كل مؤمن مرتبطة ارتباطا عجيبا في المسيح وبالمسيح وبحياة إخوته المسيحيين، في وحدة تفوق الطبيعة، وحدة جسد المسيح السري.
فشركة القديسين هي رباط المحبة الدائم وتبادل الخيرات الروحية القائم بين القديسين الذين بلغوا الوطن السماوي، والنفوس المطهرية التي تُكفِّر عن ذنوبها، والذين لا يزالون على هذه الأرض يجاهدون للوصول إلى الوطن السماوي. في هذا التبادل العجيب قداسة الفرد تعود على الآخرين بفائدة تتخطى، إلى حد بعيد، الأذى الذي تُلحقه بالآخرين خطيئة الفرد.
أما الخيرات الروحية النابعة من شركة القديسين والتي نُسميها عادة "كنز الكنيسة" فهي استحقاقات السيد المسيح وصلوات الطوباوية مريم البتول وأعمالها وصلوات جميع القديسين وأعمالهم الصالحة إذ أنهم تقدسوا بنعمة المسيح وأرضوا الرب بسيرتهم وساهموا وهم يعملون لخلاصهم، ولخلاص إخوتهم أيضا، في وحدة الجسد السري.
53
كيف يمكن أن أعرف الله؟ ماذا تقول الكنيسة بهذا الشأن؟
تعلم الكنيسة بهذا الشأن ما يلي:
إنه من الممكن أن يعرف الإنسان الله، مبدأ كل شيء وغاية كل إنسان، معرفة يقين، بنور العقل الإنساني الطبيعي، انطلاقا من المخلوقات. ولكن العقل البشري، كما يبين ذلك تاريخ الديانات، يجد أمامه عقبات كثيرة تحول دون أن يستعمل طاقته الطبيعية استعمالا ناجعا ومفيدا. وأما الصعوبات فهي متأتية من الحواس والمخيلة والميول الشريرة الناتجة عن الخطيئة الأصلية. ولهذا:
"فإن الإنسان بحاجة إلى أن ينيره وحي الله، ليس في ما يفوق إدراكه وحسب، ولكن في أمر "الحقائق الدينية والأخلاقية التي لا يعجز العقل عن إدراكها"، وذلك لكي تصبح، في الوضع الحالي للجنس البشري، معروفة لدى الجميع بسهولة ويسر، معرفة أكيدة ثابتة ولا يشوبها ضلال" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 38).
54
الذين ينتمون إلى "جسد المسيح" السري هم المعمَّدون. إلاّ أن إحدى الراهبات تقول أن كل الناس ينتمون إلى جسد المسيح السري. فهل هذا صحيح؟
نقرأ في الرقم 14 من "الدستور العقائدي في الكنيسة" للمجمع الفاتيكاني الثاني:
"ينتمي إلى جماعة الكنيسة إنتماء تاما أولئك الذين نالوا الروح القدس ويقبلون نظام الكنيسة بكامله ووسائل الخلاص المرسومة فيها برمتها، ويتّحِدون بجماعة الكنيسة المنظورة مع المسيح الذي يديرها بواسطة الحبر الأعظم والأساقفة، بروابط الاعتراف بالإيمان والأسرار المقدسة والإدارة الكنسية والشركة".
بالنسة للمسيحيين المنفصلين عن الكنيسة الكاثوليكية الذين تعمدوا عمادا صحيحا فيمكن وصفهم بأنهم في شركة ما مع الكنيسة الكاثوليكية وإن كانت هذه الشركة غير كاملة. وأما بالنسبة لغير المعمدين، فإن الإنتماء إلى الكنيسة يتم بمعمودية الماء, كما يمكن أن يكون أيضا بمعمودية الدم، أي بمعمودية الاستشهاد في سبيل المسيح، وبمعمودية الشوق. وتعني الكنيسة بمعمودية الشوق حالة غير المسيحيين الذين يجهلون المسيح، ويجهلون كنيسة المسيح على غير ذنب منهم ولكنهم يبحثون عن الله بقلب مخلص، بتوبة القلب وصدق الحياة، ويسعون بأعمالهم تحت تأثير النعمه، إلى إتمام مشيئته الظاهرة لهم فيما يمليه عليهم ضميرهم. فالعناية الإلهية لا تحرم من العون الضروري للخلاص الذين لم يَبلغوا بعد، بلا ذنب منهم إلى معرفة الله معرفة واضحة ويسعون بنعمة إلهية إلى حياة قويمة. فكل ما كان عندهم من خير وحق تعتبره الكنيسة بمثابة تمهيد للإنجيل، وهبة ممن ينير كل إنسان حتى ينال الحياة الأبدية (دستور عقائدي في الكنيسة 16).
55
في "الدستور العقائدي في الكنيسة" للمجمع الفاتيكاني الثاني نقرأ أن المسلمين هم أيضا أبناء ابراهيم ويمكن أن يشاركوا في الخلاص بالرغم من أنهم غير معمدين، فهل لك أن تنيرني؟
في الرقم 16 من الدستور العقائدي في الكنيسة للمجمع الفاتيكاني الثاني نقرأ ما يلي:
"تدبير الخلاص يشمل أيضا الذين يعترفون بالخالق وفي طليعتهم المسلمون، الذين يعلنون تمسكهم بإيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الإله الواحد، الرحيم، الذي سيدين البشر في اليوم الآخِر" (16)
وهناك توضيح آخر في الرقم 3 من تصريح المجمع الفاتيكاني الثاني بشأن علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية، حيث ورد:
"تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الأحد، الحي، القيوم، الرحمن القدير، خالق السموات والأرض، الذي كلم الناس".
"إنهم يجتهدون في التسليم بكل نفوسهم لأحكام الله وإن خفيت عليهم مقاصده، كما سلم إبراهيم الله، الذي يفخر الدين الإسلامي بالانتساب اليه، وبالرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع إلها فانهم يكرمونه نبيا ويكرمون أمّه العذراء مريم ويذكرونها بخشوع، ثم أنهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي فيه الله جميع الناس عندما يُبعثون أحياء، من أجل هذا يقدرون الحياة الأدبية ويتقربون إلى الله بالصلاة والصدقة والصوم."
يسوع يُعلّم أن العماد ضروري للخلاص، وكذلك تعلم الكنيسة أن العماد يمكن أن يكون بالماء والروح، والاستشهاد والاشتياق. ولذلك فإن المسلمين غير المعمدين بالماء والذين يعبدون ويمجدون الله الواحد، ويحاولون، استنادا إلى النعمة المعطاة لهم من الله أبي الانوار، أن يعيشوا وفقا لمتطلبات الشريعة الأدبية، إنما يُعتبرون عائشين وفق ما تسميه الكنيسة معمودية الشوق، أي الشوق إلى الانتماء لكنيسة المسيح. جهودهم الصادقة في طلب الله والعيش بموجب مقتضيات الآداب والأخلاق يجعلهم داخل مخطط الله الخلاصي.
56
أنا أنتمي إلى كنيسة بروتستنطية وأريد أن أصبح كاثوليكيا: فماذا أفعل؟ هل علي أن اتعمد ثانية وأن أنال سر التثبيت ثانية؟
لا يجوز أن تُعمَّد ثانية، لأننا نؤمن بمعمودية واحدة. الكنيسة الكاثوليكية تعتبر العماد الذي يجريه البروتستنط صحيحا سواء كان العماد بالتغطيس أم بالصب الذي تصاحبه كلمات العماد (أنا أعمدك... باسم الاب والابن والروح القدس). فيجب عليك أن تبرز شهادة تثبت أنك نلت المعمودية.
ولكن يجب أيضا أن تنال سر التثبيت المقدس لأن الكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بصحة التثبيت في الكنائس البروتستنطية، إذ ليس عندهم سر الكهنوت.
وأما بالنسبة لإجراءات الدخول في الكنيسة الكاثوليكية فيجب عليك أن تلتقي كاهنا كاثوليكيا وأن تبدي إليه رغبتك. وهو يحدد الإجراءات اللازمة للتحضير الروحي واللاهوتي لقبولك. وهذا الأمر يعتمد على ما لديك من معرفة بشأن العقائد التي تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية من جهة، وعلى حياتك المسيحية من جهة أخرى.
57
ابني اعتنق الكثلكة ويرغب في أن ينتمي إلى الماسونية، فهل يجوز ذلك؟ ما هو موقف الكنيسة الكاثوليكية من الماسونية، وهل يجوز للكاثوليكي أن ينتمي إليها؟
نشأت الماسونية في لندن في أوائل القرن السابع عشر وكانت معادية للديانات عموما وللكنيسة الكاثوليكية خاصة. ثمانية باباوات أدانوا الماسونية ابتداء من البابا اكليمنضوس الثاني عشر سنة 1738. ولكن بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، سنة 1970 أخذ الناس يعتقدون أن الكنيسة التي تنفتح على جميع الديانات، تسمح بالدخول في الماسونية، إذ انها لم تعد، حسب قولهم، عدوة للكنيسة الكاثوليكية. ولكن سنة 1980 أصدر مجمع العقيدة والإيمان في روما بيانا أدان فيه الإشاعة أو الرأي القائل بأنه يجوز الدخول في الماسونية. وكرر المجمع هذه الإدانة مرة أخرى في 26/11/1983. وقد ورد فيها:
"إن إدانة الكنيسة للماسونية تبقى قائمة لأن مبادىء الماسونية كانت ولا تزال معادية للدين ولا تتفق مع إيمان الكنيسة الكاثوليكية. ولذلك لا تزال الكنيسة تعتبر اعتناقها حراما. فالكاثوليك الذين ينضمون إلى الماسونية إنما هم خارجون عن الدين ومحرومون ولا يجوز لهم الإقتراب من سر القربان".
وفي شهر حزيران 1985 أعلن مجمع أساقفة الولايات المتحدة أن الماسونية دعوة كافرة تحارب الكنيسة الكاثوليكية لأن المبادىء التي تتبناها وطقوسها التي تقيمها تحارب الإيمان الكاثوليكي وتنبذ الحياة المسيحية. فمن انتمى إلى الماسونية كان خاطئا ومحروما.
والقانون 1374 من مجموعة الحق القانوني نص على ما يلي:
"يُعاقب عقابا عادلا كل من سجل اسمه في جمعية تتآمر على الكنيسة. أما كل من يروج لتلك الجمعية أو يديرها فيعاقب بعقوبة المنع الكنسي".
58
ما هو موقف الكنيسة من نظرية التطور؟ وهل هذه النظرية تقضي على ما تعلمناه بشأن آدم وحواء وبداية البشرية؟
ألفت النظر أولا إلى أن "نظرية التطور" هي نظرية أي أنها رأي حائر لا يقوم على الدليل الثابت والبرهان القاطع. أما موقف الكنيسة من "نظرية التطور" فهو كما يلي: القول بأن جسم الإنسان والخليقة المنظورة كلها قد تطورت عبر العصور قبل أن تصل إلى حقيقتها الراهنة، لا يخالف تعاليم الكنيسة. أما القول بأن النفس تطورت فهذا يناقض العقيدة لأن النفس روح ولا تخضع لتطورات الجسد والخليقة المنظورة. وإذا كان هنالك تطور للمخلوقات أو لم يكن، فإن الله في كل الحالات هو الخالق وهو الذي أمر للخليقة أن تتطور فتطورت ووصلت إلى ما هي عليه اليوم.
أما بالنسبة لما ورد في سفر التكوين بشأن آدم وحواء، فلا يجوز لنا ان نقرأه قراءة علمية، لأنه درس ديني وتاريخي حيث المؤلف يلجأ إلى التشابيه التي تقرب فهم الحقيقة للناس الموجه إليهم، لكي يعلم مبادىء دينية أساسية وهي: أن الله بدافع من حبه خلق الكون من العدم، وأن كل ما خلقه كان حسنا، وأنه خلق الإنسان على صورته ومثاله، وأن الإنسان فقد سعادته وكماله بسبب خطيئة العصيان والكبرياء، وأن الجنس البشري برمته يعاني من نتائج تلك الخطيئة، وأن المخلص سوف يأتي ويخلص الناس من الخطيئة والشقاء.
وخلاصة القول فإن نظرية التطور بالمعنى المذكور أعلاه لا تتعارض مع تعليم الكنيسة. فالفصول في سفر التكوين التي تحدثنا عن خلق الإنسان ليست دروسا في العلم بل تُعلّم الحقائق الدينية التي علمتها وتعلمها الكنيسة منذ ألفي سنة.
59
متى بدأنا في الشرق نسمي الكاهن "أبونا"؟
بدأت تسمية الكاهن "أبونا" في الأديرة. وكان الرهبان يسمون رئيس الدير "أبونا" باعتبار أن الدير كله بمثابة أسرة واحدة والرئيس هو رأسها وأبوها.
القانون الرهباني الذي جاء به القديس بندكتوس رئيس الرهبان حوالي سنة 525 يحدثنا عن مسؤولية الرئيس باعتباره أبا للجميع. ثم امتدت التسمية إلى الرهبان الذين كانوا يقومون بالإرشاد الروحي لغيرهم من الرهبان. وأخيرا عمّت التسمية كل الكهنة، خصوصا كهنة الرعايا، باعتبارهم آباء ومرشدين روحيين.
60
لماذا نؤمن أن الكنيسة الكاثوليكية هي الكنيسة التي أسسها السيد المسيح؟
نؤمن بأن الكنيسة الكاثوليكية هي الكنيسة التي أسسها السيد المسيح، لأن الله واحد ولا يمكن أن يؤسس إلا كنيسة واحدة، ولأن الأناجيل تخبرنا أن السيد المسيح أسس كنيسة واحدة، وأنه قال لبطرس: "أنت صخر وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي" (متى 16/18). وقال أيضا إن كنيسته ستدوم إلى الأبد: "هاءنذا معكم طول الأيام حتى منتهى الدهر" (متى 28/20). ومن الثابت تاريخيا أن رئيس الكنيسة الكاثوليكية، هو خليفة القديس بطرس.
وفي الكنيسة الكاثوليكية تتجلى علامات الكنيسة الاربع:
1 – قال السيد المسيح إن كنيسته واحدة "هناك رعية واحدة وراع واحد" (يو 10/6). وهذا الاتحاد في الوحدة متوفر على اختلاف الليتورجيات الكاثوليكية، شرقية وغربية، وفي العبادة والإيمان. وهذا أمر واضح عالميا في الكنيسة الكاثوليكية التي يرأسها خلفاء بطرس الرسول.
2 – السيد المسيح قدوس، وكنيسته التي هي جسده السري هي أيضا مقدسة وتثمر القداسة وتنجب القديسين، رجالا ونساء، ممن عاشوا وفق تعاليم المسيح والكنيسة. رسله وخلفاؤهم باسمه : "يطردون الشياطين ... ويضعون أيديهم على المرضى فيتعافون" (مر 46/17 - 18).
3 – الكنيسة التي أسسها المسيح جامعة شاملة جميع الشعوب. قال: "إذهبوا في الأرض كلها وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين" (مر 16/15، متى 28/19). الكنيسة الكاثوليكية وحدها، وُجدت منذ نشأتها وحتى اليوم منتشرة في كل مكان في العالم.
4 – الكنيسة الكاثوليكية رسولية لأن أساقفتها هم خلفاء الرسل الذين كانوا أول رؤساء في كنيسة المسيح، والأساقفة اليوم يُعلِّمون ما علمه الرسل، ولإثبات ذلك يكفي أن نعود إلى قانون الإيمان الذي نعلنه اليوم وقانون الإيمان الذي أعلنته الكنيسة منذ القرن الأول وفي المجمع النيقاوي في القرن الرابع.
لهذه الأسباب فإن"الدين الحقيقي الوحيد قائم في الكنيسة الكاثوليكية الرسولية". هذا ما أعلنه المجمع الفاتيكاني الثاني في بيانه عن الحرية الدينية، والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (2105).
61
سمعت أحد الكهنة الكاثوليك يقول: إن علامات الكنيسة الحقيقية ليست أربعا بل ثلاث: كنيسة مقدسة جامعة ورسولية. وقال إنها ليست واحدة. فمَن وضع العلامات الأربع لكنيسة المسيح كما أسسها المسيح؟ ألا يُعتبر تعليم هذا الكاهن مخالفا للإيمان؟
نعم إنه تعليم مخالف للإيمان. فالعلامات الأربع التي تميّز كنيسة المسيح الحقيقية التي أسسها المسيح موجودة أولا في قانون الإيمان كما أقرّه المجمع النيقاوي سنة 325 ومجمع القسطنطينية سنة 381: "نؤمن بكنيسة واحدة، مقدسة، جامعة رسولية".
هذا الإيمان تجده مفصلا في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية من رقم 811 الى رقم 870 الذي يبدأ كما يلي: "تلك هي كنيسة المسيح التي نعترف في قانون الإيمان بانها واحدة مقدسة كاثوليكية رسولية" هذه الصفات الأربع، المترابطة ترابطا غير قابل الانفصام تدل على خصائص جوهرية في الكنيسة وفي رسالتها" (811).
62
بماذا نجيب الذين يقولون بأن الكنيسة غنيه وبأنه يجب أن تبيع أملاكها وتوزعها على الفقراء؟
اولا – ليست الكنيسة غنية بمعنى الغنى المتداول بين الناس والذي يفهمه ويعنيه الناس. نعم للكنيسة المقدسة بيوت عبادة وكنائس ومدارس كثيرة وأديرة ومستشفيات ومياتم وبيوت للعجزة وللمعوقين ... الخ. ولكن جميع هذه الممتلكات ليست لغايات تجارية. إنها تحمل محبة المسيح وتعليمه إلى الناس لكي تُغني الآخرين بنعمة الله وبالخدمة التي ينالونها وبالثقافة المسيحية التي ينشأون عليها. هذه المباني تكلف كثيرا وصيانتها أيضا تكلف الكثير الكثير، إذ بدون صيانة فإنها سرعان ما تصبح عديمة الاستعمال للهدف الذي من أجله بُنيت. هدفها خير النفوس، وكثيرا منها يكون عجزها كبيرا.
ثانيا – الكنيسة غنية بالكتب والمكتبات وأعمال الفن وكنوز التاريخ. إنها بمثابة حارسة لها. فالكنيسة هي التي حمت هذه الكنوز من الدمار ومن الضياع من البرابرة وفي أثناء الحروب الكثيرة، وهي لا تزال تحافظ عليها في الكنائس لكي يتمتع بمشاهدتها الجميع.
ثالثا – حتى لو باعت الكنيسة كل أملاكها ووزعتها على الفقراء، فإن الفقراء سوف يجوعون أيضا وسيبقى فقراء دائما في العالم كما قال السيد المسيح: "الفقراء هم عندكم في كل حين". وفي هذه الحالة تكون الكنيسة قد سلمت هذه الكنوز العلمية والتاريخية والفنية إلى افراد يملكون الدراهم لشرائها، ولا تعرف ما سوف تؤول اليه.
رابعا – يجب أن نتذكر أنه ليس هنالك أية مؤسسة في العالم عملت من أجل الفقراء أكثر من الكنيسة وذلك بسبب سخاء ملايين المسيحيين. إنها قدوة في عمل الخير لكل الناس.
وأخيرا هل خطر على بالك السؤال التالي: لماذا الذين يطالبون الكنيسة ببيع كنوزها الفنية والتاريخية وأرزاقها، لا يطالبون الحكومات ببيع المتاحف الحكومية التي تحتوي على كنوز لا حصر لها لكي يوزعوها على الفقراء؟
من الواضح أن الذين يطالبون الكنيسة ببيع أملاكها لا يهمهم الفقراء بقدر ما يهمهم الطعن في الكنيسة وإظهار الحقد والبغض تجاهها، بسبب مواقفها الإنجيلية، ورفضها الإجهاض وموانع الحبل الإصطناعية والطلاق وزواج المثليين وغيرها من الأمور اللاأخلاقية المتفشية في عالم اليوم .
63
متى صاغت الكنيسة قانون الإيمان الذي نتلوه في الكنيسة أيام الآحاد والأعياد؟
صاغت الكنيسة قانون الإيمان الذي نتلوه في ذبيحة القداس، أيام الآحاد والأعياد:
1 - في المجمع المسكوني النيقاوي سنة 325 حيث صاغت الكنيسة تعبير الإيمان بأن الابن واحد في الجوهر مع الآب أي انه هو والآب واحد.
2 - وفي المجمع المسكوني الذي عُقد في القسطنطينية سنة 381 الذي احتفظ بالتعبير الذي صاغة المجمع النيقاوي وأضاف: "ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من اله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب الجوهر".
إن إيمان جميع المسيحيين يقوم على الإله الواحد المثلث الأقانيم. قال القديس كيرلس الأورشليمي في عظاته في المعمودية: "إن قانون الإيمان يُقسم إلى ثلاثة أقسام: أولا كلام على الأقنوم الإلهي الأول وعلى عمل الخلق الرائع، ثم على الأقنوم الإلهي الثاني وعلى سر فداء البشر، وأخيرا على الاقنوم الإلهي الثالث ينبوع تقديسنا".
وقد أصبح قانون الإيمان هذا إلزاميا في القداس أيام الآحاد والأعياد، في الليتورجية اللاتينية منذ سنة 1014. وهو لا يزال مشتركا بين جميع الكنائس في الشرق والغرب.
64
من أوجد الله؟ من خلقه ؟
يبدو السؤال لأول وهلة أنه طفولي. كثيرا ما يلقيه الصغار على الكبار لإحراجهم، وهم بالفعل يحرجونهم مرارا لأن الكبار لا يعرفون بماذا يجيبون صغارهم. وكثيرون في مقتبل العمر يلقونه على معلمي التعليم الديني. ومن حقهم أن يحصلوا على الجواب. وباستطاعة معلمي الدين أن يجدوا الأسلوب الأنسب لمخاطبة الطلاب بالنسبة لثقافتهم وعمرهم، وأن يجيبوا بما معناه:
1 – إن الايمان يعطي الجواب، وليس الإنسان. والإيمان يؤكد لنا أن الله غير مخلوق وأنه دائم الوجود والكمال. فلو كان الله مخلوقا لما كان إلها لأنه يكون ناقصا في وجوده وناقصا في كمالاته.
2 – لا نستطيع أن نضع الله في دائرة الزمن ودائرة عقلنا المحدود، لأن الله غير محدود، وموجود قبل الزمن، وهو الذي أوجد الزمن. وتُعبّر الكنيسة عن هذه الحقيقة بقولها إنه لا بداية له ولا نهاية.
3 – إن الإنسان لا يستطيع أن يحكم على الله وأن يفهم حقيقة كيانه الإلهي إلا بمقدار ما يوحي به الله عن ذاته، والسيد المسيح، كلمة الله المتجسد، هو كمال الوحي. ولذلك فإن موقف الإنسان الصحيح من الله هو الاصغاء إليه والإيمان به، والإلتزام بحفظ وصاياه.
65
ما معنى أن يسوع المسيح هو الرب؟
كلمة "الرب" تعني السيادة الإلهية. الإعتراف بيسوع ربا، أو الإبتهال إليه ربا، هو إعلان الإيمان بألوهيته: "لا أحد يستطيع أن يقول "يسوع رب" إلا بالروح القدس" (1 كو 12/3). بإلهام من الروح القدس قالت أليصابات لمريم معترفة بسر يسوع الإلهي: "من أين لي أن تأتيني أم ربي؟" (لو 1/43). وقال الملاك للرعاة: "وُلِد لكم اليوم مخلص في مدينة داود وهو المسيح الرب" (لو 2/11).
كثيرا ما كان الناس في الإنجيل يخاطبون يسوع ويدعونه ربا. وهذا الاسم يتضمن احتراما وثقة من قبل الذين يقتربون من يسوع ويترقبون منه عونا أو شفاء. في حياته العلنية، يسوع سمى ذاته ربا بطريقة خفية عندما ناقش الفريسيين في معنى المزمور 110: "قال الرب لربي إجلس عن يميني". وصرح بذلك في كلامه لرسله. وكان يُظهر سيادته الإلهية وهيمنته على الأمراض والشياطين والموت والخطيئة.
صلاتنا الليتورجية تذكر مرارا وتكرارا اسم الرب يسوع. فالكاهن يحيي الشعب قائلا: "الرب معكم"، ويختتم جميع الصلوات قائلا: "بربنا يسوع المسيح ... الخ".
66
ماذا نعني بالعلماني" في العرف الكنسي ؟
كلمة "العلماني" هي ترجمة لكلمة يونانية ومعناها الحرفي: "ما يخص الشعب"، أو "ما يتصل بالشعب". أما في العرف الكنسي فالعلماني هو الإنسان الذي بالعماد انضم إلى كنيسة المسيح، ولم ينخرط في سلك الإكليروس، كما ورد في البند الأول من القانون 207 من مجموعة الحق القانوني:
"بتأسيس إلهي، يوجد في الكنيسة بين المؤمنين بالمسيح، خدام مقدسون، ويُدعون أيضا في القانون بالإكليريكيين، في حين يُدعى الآخرون بالعلمانيين".
وللعلماني، في الكنسية دور عامل ومسؤولية كنسية خاصة به. وأما إطار عمله الرئيسي فهو الإلتزام الزمني حيث يخدم الله ويشهد لإيمانه في حياته (الزواج، العمل، المهنة) ويشارك المسيح، بطريقته الخاصة، في وظيفته الكهنوتية والنبوية والملكية، في مهمة الكنيسة لخلاص العالم (مجموعة الحق القانوني، البند 1 من القانون 204). وينال العلماني من الرب المواهب الكثيرة في إطار حياة الكنيسة التي بها يقوده الله ويقدس كنيسته. وقد بينت مجموعة الحق القانوني بالتفصيل الواجبات والحقوق العامة لجميع المؤمنين الناتجة عن سر العماد المقدس في القوانين 208 – 223 من مجموعة الحق القانوني، كما بينت الواجبات والحقوق الخاصة بالعلمانيين وذلك في القوانين 224-231.
67
الكنيسة في صلواتها الليتورجية تذكر مرارا كلمة"أواخِر" وكلمة "الماورائيات" فماذا تعني بذلك؟
اللاهوت المسيحي يقصد بأواخر الإنسان أو الماورائيات ما ينتظر الإنسان ما بعد الموت. فالكنيسة تدعو المؤمنين مرارا عديدة أن يلقوا نظرة حرة روحية واعية على ما ينتظرهم.
يقول الكتاب: "أيها الإنسان، أذكر أواخرك فلن تخطأ". وأواخر الإنسان هي الموت، والدينونة الفردية، والسماء، وجهنم، والمطهر، والدينونة العامة.
68
تعلم الكنيسة أن مرجعية الايمان الكاثوليكي هي الكتاب المقدس والتقليد، فما هو التقليد الذي تعنيه الكنيسة؟
التقليد، في المعنى العام، هو ما استلمناه من جيل إلى جيل، من افكار وتراث ومؤسسات عبر مجموعة من المراحل ونقلناه إلى الآخرين. التقليد يعطي كرامة واستقرارا للمؤسسات وللحياة الاجتماعية في مختلف أشكالها: الدولة، العائلة، العدالة ...الخ، وهو سند للسلطة. بالتقليد يظل الإنسان في علاقة مع تاريخه في جماعاته وبيئته وشعبه. وفي مسيرة التاريخ يخضع التقليد لتبديلات بطيئة وخفية. وكثيرا ما تقضي الثورات على هذا التواصل مع التاريخ.
هذا بالنسبة للمفهوم العام للتقليد. وبالنبسة لمفهوم التقليد في عرف اللاهوت الكاثوليكي فهو يعني التقليد الرسولي أي كرازة الذين حملوا الوحي شفويا. وهم يسوع المسيح بالذات أولا وخاصة، والرسل الكرام. وبعد التعليم الشفوي بالحقائق الموحاة، دوّن الكُتّاب الملهمون في كتب العهد الجديد من الكتاب المقدس الحقائق الموحاة، قلما تكون في جوهرها. ولم يدونوا كل شيء (يو 21/25) وهذا يعني أن بشارة الخلاص وصلت إلينا بطريقتين متميزيتين: الكتاب المقدس وهو كلمة الله من حيث إنها مدوّنة كتابة بإلهام من الروح القدس. والتقليد المقدس وهو كلمة الله من حيث إنها غير مدونة، وهي التي ألقى بها المسيح والروح القدس إلى الرسل، ونقلها الرسل وخلفاؤهم، وكرزوا بها، وحافظوا عليها وعرضوها بأمانة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 81). فالتقليد المقدس والكتاب المقدس مرتبطان أحدهم بالآخر، ومتصلان اتصالا وثيقا. والكنيسة التي أودعت نقل الوحي وتفسيره، في الوصول إلى يقينها في جميع نقاط الوحي، تعتمد الكتاب المقدس والتقليد الرسولي.
69
قال السيد المسيج "توبوا" وكثيرون يفهمون التوبة على هواهم. فماذا تفهم الكنيسة بالتوبة؟
التوبة تعبر عن موقف الإنسان الأدبي والديني الصحيح من خطيئته فيتوب عنها. وهذا الموقف هو نعمة من المسيح، وهو يتطلب الثقة برحمة الله والإقرار بخطايانا في سر الإعتراف، والإرادة الجدية والعملية للاصلاح.
بالتوبة يبتعد الإنسان عن ماضيه الذي يثقله، ويرذل الخطيئة وما تجره عليه من عبودية ويقرر أن يعيش حرا متنعما بحرية ابناء الله وحافظا وصايا الرب، وملتزما بأعمال التوبة الخارجية والداخلية.
70
أنا أؤمن أن الله يريد خلاص كل البشر، ولكن كيف توفق بين إرادة الله الخلاصية ووجود جهنم؟
أن يموت الإنسان وهو في حال الخطيئة المميتة، من غير أن يتوب عنها، يعني أنه يرفض محبة الله الرحيمة، ويبقى منفصلا عنها على الدوام وذلك باختياره الحر. هذه الحالة من الإقصاء الذاتي عن الشركة مع الله ومع القديسين هي "جهنم". ويقوم عذاب جهنم الرئيسي في الانفصال الأبدي عن الله الذي فيه وحده يجد الإنسان الحياة والسعادة اللتين خُلِق لاجلهما. فجهنم هي من صنع الخطيئة التي يرتكبها الإنسان ويموت مصرا عليها. وبالتالي فهي ليست من صنع الله الذي يريد أن يخلص جميع الناس. ويؤكد تعليم الكنيسة أن نفوس الذين يموتون في حالة الخطيئة المميتة تهبط على الفور بعد موتها إلى جهنم، حيث تقاسي عذابات أبدية.
لا يحدد الله مسبقا مصير أحد في جهنم. فالله لا يريد أن يهلك أحد بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة (2 بط 3/9). تكون جهنم نصيب من يكره الله بملء إرادته، وهذه هي الخطيئة المميتة، ويثبت في هذا الكره حتى النهاية.
لا يستطيع أحد أن يتحد بالله وينعم بسعادته الأبدية، ما لم يختر بحريته أن يحب الله. ولا يستطيع أحد أن يحب الله وهو يرزح تحت نير الخطايا المميتة التي يرتكبها ضد الله أو ضد القريب: "من لا يحب يثبت في الموت. كل من يُبغض أخاه فهو قاتل، وتعلمون أن كل قاتل ليست له الحياة الأبدية ثابتة فيه" (1 يو 3/14-15). كذلك يحذرنا الرب في مشهد الدينونة الأخيرة، أن جهنم ستكون نصيب كل من أهمل المحبة للفقراء والصغار (متى 25/31-46). وقد تكلم يسوع مرارا على جهنم، على النار التي لا تُطفأ، المعدة للذين يرفضون حتى نهاية حياتهم أن يؤمنوا ويتوبوا، وحذرنا من الذي يمكن أن يهلك النفس والجسد معا (متى 10/28).
71
الله ينجينا من جهنم. ولكن قل لي ما هي جهنم التي يجب أن نخافها؟ كيف تصفها؟ ولماذا صنع الله جهنم؟
الله لم يصنع جهنم بل صنعها الإنسان الخاطىء الذي يصر على خطيئته ويرفض الله. ذلك أن جهنم هي حالة النفس التي حادت عن الطريق القويم في حياتها ولم تصل إلى شركة السعادة مع الله. إنها الحالة التي يكون فيها الإنسان شخصيا ونهائيا بعيدا عن الله. ولهذا الوضع طابع العقاب. وتعلم الكنيسة أن جهنم موجودة، وأن عقابها يتبع الموت مباشرة ويدوم إلى الأبد.
وهذا يعني أن حياة الإنسان تظل مهدَّدة بامكانية اخفاق أبدي حقيقي. وهذا التهديد أمر حاصل واقعيا لأن للإنسان القدرة على أن يعمل بذاته ما يريده وأنه يستطيع أن يرفض الله نفسه. هذه الإمكانية يعبر عنها يسوع مباشرة باستعماله الصور والتشابيه المستعملة آنذاك في عصره: " ... يقذفون بهم في أتون النار، فهناك البكاء وصريف الأسنان" (متى 13/41-43).
وبالتالي فإن جهنم هي من صنع الإنسان. البشارة تدعونا إلى فحص الضمير والهداية. فالله يريد خلاص الإنسان ويوفر له امكانيات الخلاص ويحذر من الهلاك الأبدي. فإذا كنت ثابتا على محبة الله، كن مطمئنا: جهنم ليست لك.
72
كثيرا ما نتحدث عن السماء باعتبارها السعادة الأبدية، ولكن هل لك أن تصف لي ما هي السماء؟
السماء، في المفهوم اللاهوتي هي غاية الإنسان القصوى التي تحقق أعمق رغباته وحالة السعادة الفائقة والنهائية. إنها السعادة الأبدية التي تحظى بها نفوس القديسين الذين يموتون في نعمة الله وصداقته أطهارا. فهم ينعمون بالحياة الكاملة مع الثالوث القدوس ومع مريم العذراء والملائكة والطوباويين. إنهم يكونون على الدوام مع المسيح ويعاينونه كما هو (1 يو 3/2) وجها لوجه (1 كو 13/12) ويجدون فيه هويتهم الحقيقية. قال القديس أمبروزيوس: "الحياة هي أن نكون مع المسيح: حيث المسيح هناك الحياة، هناك الملكوت". فالسيد المسيح بموته وقيامته فتح لنا السماء. وحياة الطوباويين في السماء تقوم على الامتلاك الكامل لثمار الفداء الذي حققه المسيح. وجميع القديسين يشتركون في السماء بتمجيده. وبالتالي فإن السماء هي الجماعة السعيدة المكونة من جميع الذين انضموا إلى المسيح انضماما كاملا أبديا.
"إن سر الشراكة السعيدة مع الله ومع جميع الذين هم للمسيح يفوق كل فهم وكل تصور. والكتاب المقدس يكلمنا عليه في صور: الحياة، النور، وليمة العرس، خمر الملكوت، بيت الآب، أورشليم السماوية، الفردوس. أعد الله للذين يحبونه ما لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر على قلب بشر (1 كو 2/9) ... في مجد السماء يتمم القديسون بفرح إرادة الله بالنسبة إلى سائر الناس وإلى الخليقة كلها. إنهم من الآن يملكون مع المسيح، "وسيملكون معه إلى دهر الداهرين" (رؤ 22/5)". (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1027، 1029)
قال القديس قبريانوس الشهيد:
"كم سيكون مجدك وسعادتك، أن تُقبَل لمشاهدة الله، أن تحظى بشرف الإشتراك في أفراح الخلاص والنور الأبدي في صحبة المسيح الرب إلهك ... أن تنعم في ملكوت السموات مع الصديقين بأفراح الخلود المعطى".
73
الخطيئة كلمة شائعة في كتب التعليم المسيحي ومرارا كثيرة في الليتورجية، ولكن ما هي الخطيئة في المعنى اللاهوتي؟
الخطيئة، ونعني بها هنا الخطيئة الثقيلة أي الخطيئة المميتة، هي التي يرتكبها الإنسان بحريته ومعرفته فيخالف بها شريعة الله القدوسة. هذه المخالفة تعني الرفض لإرادة الخالق ولنعمته ولدعوته إلى الملكوت السماوي. وبهذا يناقض الإنسان الخاطىء طبيعته الذاتية المدعوة إلى السعادة الأبدية، ويناقض المعنى الأصيل لحريته التي يجب أن تتوجه إلى الله. وهي دائما ممكنة، لان الله خلق الإنسان حرا في اختياره وبالتالي لا يمكن أن تحصل الخطيئة المميتة إلا في الحرية وبمقدار ما تكون هذه الحرية حقيقية.
أما الميل إلى الشهوة فهو ليس بخطيئة، بل هو نتيجة الخطيئة الأصلية ودافع إلى الخطيئة الشخصية التي إذا قبلها الإنسان سقط في الخطيئة، وإذا مات في خطيئته كان هالكا إلى الأبد.
74
الموت هو مصير كل إنسان في هذه الدنيا. ماذا يجب ان نفهم بالموت لاهوتيا ؟
الإنسان مركب من جسد وروح. فهو كائن جسدي وروحاني معا. الروح والمادة لا يكوّنان لديه طبيعتين متحدتين، بل طبيعة واحدة هي "الطبيعة الإنسانية". الكتاب المقدس يُعبِّر عن هذه الحقيقة بكلام رمزي عندما يقول إن الله جبل الإنسان ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار الإنسان نفسا حية (تك 2/7).
الموت هو انفصال النفس عن الجسد. وهذا يعني أن المبدأ الحيوي الروحي في الإنسان هو النفس. موت الإنسان هو حدث يرضخ له الإنسان، ويقف أمامه عاجزا لأنه نهاية الحياة الطبيعية. لماذا يموت الإنسان؟ العلوم تشرح أسباب الموت، ولكنها عاجزة عن إعطاء الجواب على السؤال. الإيمان وحده يشرح لماذا يموت الإنسان. دخل الموت العالم بسبب خطيئة الإنسان. خلق الله الإنسان على صورته كمثاله وأعده لعدم الموت. ولكن الموت دخل العالم عقابا على خطيئة الإنسان. الموت الجسدي هو خاتمة حياتنا الارضية، وهو "عدو الإنسان الاخير" (1 كو15/26) الذي يجب الانتصار عليه، ذلك أن حياة االإنسان لا تقاس بالزمن، لأن الإنسان مدعو إلى الحياة الأبدية.
السيد المسيح، بموته وحبه وطاعته واستسلامه كليا لمشيئة الآب، حوّل الموت إلى بركة (رو 5/19-21). ولذلك اصبح للموت المسيحي معنى إيجابي: "الحياة لي هي المسيح، والموت لي ربح" (فل 1/21). ويقول بولس الرسول أيضا: "إنه لقول صدق أننا إذا متنا مع المسيح حيينا معه" (2 طيم 2/11). بالمعمودية، يموت المسيحي منذ الآن وبطريقة سرية "مع المسيح" ليحيا حياة جديدة. فإذا مات في المسيح، فإن موته الطبيعي هذا يتمم فيه "الموت مع المسيح" وينجز انضمامه إليه في عمل الفداء. فالموت الجسدي للذين يموتون في المسيح، هو موت مع الرب، وقيامة مع المسيح وحياة جديدة لا تموت.
القديس أغناطيوس الأنطاكي الشهيد، كتب إلى الكنيسة في روما قائلا: "إني أفضِّل أن أموت في المسيح يسوع من أن أملك على أقاصي الأرض. الذي ألتمسه، هو من مات وقام لأجلي. ولادتي تقترب ... دعوني أحصل على النور الصافي، ومتى بلغت إلى هناك صرت إنسانا".
بالموت يدعو الله الإنسان إليه. لذلك يستطيع الإنسان أن يشعر إزاء الموت برغبة مماثلة لرغبة القديس بولس: "أرغب في الانطلاق فأكون مع المسيح" (فل 1/23) ويستطيع أن يحوِّل موته إلى فعل طاعة ومحبة نحو الآب، على مثال المسيح. قالت القديسة تريزيا الطفل يسوع: "إن رغبتي الأرضية قد صُلبت ... إن بين أضلعي ينبوع ماء حي له في داخلي خرير يقول: تعالي إلى الآب. أريد أن أرى الله، ولكي أراه يجب أن أموت. إني لا أموت، بل أدخل الحياة".
تقول الكنيسة في مقدمة الموتى الأولى بأن حياة المؤمنين، لا تزول بل تتيدّل. وإذا هدم منزل هذه الغربة الأرضية، أُقيم في السماء منزل أبدي بديل. فالموت للإنسان هو نهاية غربته على الأرض، نهاية زمن النعمة والرأفة الذي يقدمه له الله ليحقق مصيره في الآخرة. وعندما تنتهي حياتنا على الأرض، لن نعود اليها مرة أخرى. فالناس لا يموتون إلا مرة واحدة (عبر 9/27).
عندما نتذكر أننا مائتون نتذكر أيضا أنه ليس لنا سوى وقت محدود نعيشه: "أذكر خالقك في أيام شبابك ... قبل أن يعود التراب إلى الأرض حيث كان، ويعود النَفَس إلى الله الذي وهبه" (جا 12/1-7). تشجعنا الكنيسة على أن نهيىء أنفسنا لساعة الموت وأن نطلب إلى أمنا مريم العذراء أن تتشفع فينا عند ساعة موتنا وأن نودع ذواتنا للقديس يوسف شفيع الميتة الصالحة. وقد ورد في كتاب الاقتداء بالمسيح: "فما كان أحراك أن تسلك، في كل عمل وفكر، سلوك من كان موشكا ان يموت اليوم. لو كان ضميرك صالحا، لما كنت تخاف الموت كثيرا. تجنب الخطايا خير من محاولة الهرب من الموت. إن كنت اليوم غير متأهب، فغدا كيف تكون مستعدا؟". قال القديس فرنسيس الاسيزي في نشيد الخلائق: "الحمد لك، رب، لأجل أخينا الموت الجسدي، الذي لا ينجو منه حي ... طوبى للذين يلقاهم الرب مقيمين على إرادته القدوسة، فالموت الثاني لن يضرهم".
75
ما معنى كلمة "اللاهوت"؟
كلمة اللاهوت، في لغة الكنيسة والليتورجيا، تعني الكلام على الله. اللاهوت أصلا هو جهد يقوم به الإنسان المؤمن، باستخدام المنطق والفلسفة، كي يسمع ويفهم ويدرك بصورة واضحة وحي الله في التاريخ. فاللاهوت هو علم معرفة الوحي والعمل على تنمية المعلومات التي يكتسبها الإنسان بالتفكير. ذلك أن الوحي قد تم دائما في الكلمة البشرية ونجد فيه دائما عنصرا تفكيريا بشريا يستخدمه الله، فيصبح اللاهوت الأصيل صلاة وتأملا وكرازة.
أما انواع اللاهوت فهي كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: اللاهوت العقائدي، واللاهوت الأدبي، واللاهوت الأساسي، واللاهوت الإستنتاجي، ولاهوت الأسرار واللاهوت البولسي ولاهوت الثالوث واللاهوت الدفاعي ....الح. وفي اللاهوت مواد تاريخية ومواد نظرية. المواد التاريخية تتناول حدث الوحي في التاريخ لتصل بنا إلى نقطة القمة في يسوع المسيح وحضور الخلاص الدائم في الكنيسة الواحدة التي أسسها المسيح. في عصر آباء الكنيسة، في القرنين الثاني والثالث كان اللاهوت يردد تعليم الإيمان ويدافع عن هذا التعليم ضد اليهود والوثنيين والهراطقة. وفي القرنين الرابع والخامس نشب الصراع اللاهوتي ضد الأريوسية والنسطورية وغيرهما من البِدع.
يفترض علم اللاهوت الأصيل الاصغاء لكلمة الله في سبيل الخلاص. وكلمة الله هي حاضرة في الكنيسة بصورة مستمرة. والكنيسة بتعليمها الحي، الرسمي، تحفظ الوحي وتفسره بالعودة الدائمة إلى الكتاب المقدس والتقليد. ولذلك فإن اللاهوت علم يفترض نعمة الإيمان بالله وبالكنيسة وبالكتاب المقدس والتقليد لأن موضوع اللاهوت هو الله الذي يظهر ذاته في مجده ويعطي ذاته في النعمة، في يسوع المسيح في سبيل الإنسان.
في القرن الحادي عشر نشأ التعليم المدرسي(السكولاستيك) الذي ألف بصورة نظامية عددا من كتب التعليم لكثير من المواد التي لم يكن الفكر اللاهوتي في عصر الآباء قد تعمق فيها. ويتميز هذا التعليم باستخدام الفلسفة الإرسطوطالية بصورة نظامية ليعود بحقائق الإيمان إلى مفاهيم نظرية. وقد أعطى وبنى مؤلفات شاملة منتظمة نسبيا في موادها وتحليلها. ثم بدأت مرحلة جديدة مع المجمع التريدنتي في الصراع ضد المتجددين الذين لُقِّبوا بحركات الاصلاح. وقد تميز في مرحلة ما بعد المجمع التريدنتيني لاهوت الدومنيكان الإسبان ولاهوت اليسوعيين، فأثمر اللاهوت كتبا قيمة في الكنيسة وفي تعليمها الرسمي. وكذلك نشأ ونما اللاهوت الدفاعي واللاهوت الجدلي وتاريخ العقائد والتعمق في مشاكل الصلة بين النعمة والحرية. وأخيرا أصبح اللاهوت الأدبي مادة قائمة بذاتها. وفي الجيل التاسع عشر كان التعليم المدرسي سائدا.
أما المواد النظرية فانها تتعلق بالله مصدر الخلاص وبعمله، وبالإنسان في لقائه بالله، وفي جماعة الكنيسة. فاللاهوت الأدبي، على سبيل المثال، أساسه الوحي الذي يتعلق بالإنسان كي يسلك في حياته وفقا لإرادة الله القدوسة. إنه يتأصل بالوحي الإلهي في يسوع المسيح. ويسوع المسيح هو الطريق والحق والحياة، وهو الذي يقود الإنسان الى غايته القصوى.
اللاهوت الأدبي بمحتواه وأصوله وطريقته هو جزء من العقيدة المسيحية التي ترتكز على الكتاب المقدس والتقليد وتعليم الكنيسة الرسمي. أما اللاهوت الأساسي فقد تكوّن نتيجة الصراع مع الفكر غير المسيحي وذلك منذ أزمنة المسيحية الأولى. وكان دفاعا موجها ضد الوثنية واليهودية والغنوصية والمانوية. وأصبح بعد ذلك بصورة متزايدة دفاعا منظما عقائديا، يشرح العقائد المسيحية.
76
هل لك أن تقول لي بوضوح من هو الإنسان؟
علوم كثيرة تتكلم عن الإنسان وتقول عنه الكثير. ولكن ما تعلمه يبقى دائما محدودا لأن الإنسان، بحد ذاته سر، ولذلك فهو موضوع إيمان وليس مجرد موضوع علم من العلوم الطبيعية. ويعلم الإيمان أن الإنسان مدعو إلى صداقة الله المطلقة، وأن الله هو السر الذي يفوق الفهم والطبيعة. ولذلك لا يمكن أن يتم التعبير عن حقيقة الإنسان تعبيرا كاملا ونهائيا في العلوم البشرية.
الإنسان مرتبط بالله ومتأصّل فيه. فهو موجود في الزمن ويمارس في هذا العالم حريته ومسؤوليته. ويصطدم بحدود كيانه المخلوق، فيكتشف أنه دائما بحاجة إلى خلاص، وأنه لا يجد الخلاص في العلوم الكثيرة وفي الخيرات الدنيوية الزائلة. الوحي وحده يمكّن الإنسان من تحقيق ذاته بانفتاحه على تصميم الله الحر الذي يريد خلاص الإنسان. وبالتالي يجب على الإنسان أن يتعرف على أوضاع وجوده الإنساني الفائق الطبيعة كما ورد في وحي الله الذي يُعبِّر عنه الكتاب المقدس والتقليد وتعليم الكنيسة التي أسسها المسيح علامة وواسطة للخلاص.
”لقد أراد الآب أن يدعو جميع البشر في كنيسة ابنه ليجمع مجددا جميع ابنائه الذين شتتتهم الخطيئة وأضلتهم. الكنيسة هي المكان الذي يجب أن تجد فيه البشرية وحدتها وخلاصها. إنها "العالم مُصَالحا" بحسب قول القديس اغسطينوس. وهي، بحسب قول القديس امبروزيوس: "تلك السفينة التي تمخر عباب هذا العالم على ريح الروح القدس تحت شراع الصليب". وعلى حد تصور آباء الكنيسة، هي"فُلك النجاة من الطوفان" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 845).
77
الله يريد خلاص الإنسان ولكن الإنسان خاطىء، فهل نفهم بتبرير الخاطىء مجرد انعتاقه من خطيئته؟
1 – إن الإنسان الذي دُعي إلى السعادة وجرحته الخطيئة هو بحاجة إلى خلاص الله. والله يريد أن يُخلِّص جميع الناس، وأن يبلغوا إلى معرفة الحق (1 طيم 2/4) لأن الخلاص هو في الحق. وبالتالي فإن الذين ينقادون لروح الحق هم في طريق الخلاص. قال السيد المسيح: "أنا الطريق والحق والحياة" (يو 14/6). "وأما الذي يعمل بالحق، فيُقبل إلى النور لتظهر أعماله وقد صنعت في الله" (يو 3/21).
2 – إن التبرير هو العمل الاسمى الذي تقوم به محبة الله التي أعلنها في المسيح يسوع والتي يهبها الروح القدس. يقول القديس اغسطينوس أن تبرير المنافق عمل أعظم من خلق السماء والأرض، لان التبرير يكون مرورا حاسما من حالة الخطيئة إلى حالة البرارة. ولذلك فإن أول أعمال نعمة الروح القدس هي التوبة التي تصنع التبرير، بحسب ما اعلنه يسوع المسيح: "توبوا فإن ملكوت السموات قريب" (متى 4/17)، "إن لم تتوبوا، تهلكوا باجمعكم مثلهم" (لو 13/3). فالإنسان بالنعمة يتجه نحو الله ويحيد عن الخطيئة، ويلتزم بالخير والوصايا. فالتبرير يفصل الإنسان عن الخطيئة ويطهر قلبه، فيتبع الإنسان رحمة الله التي تقدم له المغفرة، فيتصالح مع الله ويُحَرَّر من عبودية الخطيئة وتشفى نفسه منها.
إن التبرير يحتوي على مغفرة الخطايا والتقديس وتجديد الإنسان الداخلي. ومع التبرير يُفاض في النفس الإيمان والرجاء والمحبة، وينشأ التعاون بين النعمة وحرية الإنسان. (التعليم المسيحي 1987 – 1990). ويخسر الإنسان البرارة بكل فعل يخالف المحبة الالهية.
78
نحن نصلي قائلين: "لا تدخلنا في التجربة" فما هي التجربة ؟
التجربة هي الإغواء على ارتكاب الخطيئة، والجاذبية نحو الشر. والخطيئة هي ثمرة رضى الإنسان بالتجربة. موضوع التجربة في الظاهر "طيّب، ومتعة للعيون ومنية" (تك 3/6) بينما ثمرتها الموت. في كل إنسان ميول تحثه على تلبية شهوته دون التطلع إلى الغاية الشاملة والأخلاقية التي وضعها الخالق للإنسان. ولذلك يقول القديس يعقوب إن الله لا يجرب أحدا (يع 1/13) ويريدنا أن ننتصر على التجربة. إن التجربة لا تقضي على الحرية ولا على المسؤولية. وبامكاننا ان ننتصر عليها بنعمة الله والصلاة والسهر.
"لا تدخلنا في تجربة" هي ترجمة لِلَفظة يونانية تعني "لا تسمح بالدخول في" أي لا تسمح بالسقوط في التجربة. فنحن نطلب من الله أن لا يدعنا نسير في الطريق المؤدي الى الخطيئة.
" إن الله لا يريد فرض الخير، بل يريد كائنات حرة ... فالتجربة لا تخلو من الفائدة ... إنها تعلمنا أن نعرف انفسنا، وتكشف لنا بؤسنا، وتوجب علينا أن نشكر لله الخيرات التي أظهرتها لنا التجربة. الدخول في التجربة"، يعني قبولها: "حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم ... لا يستطيع أحد أن يعبد سيدين... إن كنا نحيا بالروح فلنسلكن أيضا بحسب الروح ... إن الله أمين لا يدعكم تجربون فوق طاقتكم، بل يجعل أيضا مع التجربة مخرجا لتستطيعوا أن تحتملوا ... " (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2847 - 2848).
79
لطفا: اشرح لي باختصار ما هو الضمير؟
الضمير هو المركز الأشد عمقا وسرية في الإنسان. وهو الهيكل الذي يختلي فيه الإنسان مع الله ويسمع فيه صوته الذي يدعوه دائما إلى حب الخير وعمله، وإلى تجنب الشر. في أعماق الإنسان ناموس يُلزمه بالطاعة لله. وعلى الإنسان في كل ما يفعل ويقول أن يتبع بأمانة ما يعلم أنه قويم وحق. إنه الضمير الأخلاقي الذي يعرف به الإنسان الصفة الأخلاقية للافعال التي يعملها، ولكل ما سيفعله. فهو يدرك ويعرف رسوم الشريعة الالهية بحكم ضميره، ويتحمل مسؤولية ما يأتي به من افعال. وبهذا الشأن،يقول القديس اغسطينوس:
"عد إلى ضميرك وحاسبه... عودوا، أيها الاخوة، إلى الداخل، وانظروا، في كل ما تفعلون"
كرامة الشخص تتطلب استقامة الضمير الأخلاقي واتخاذ الوسائل السليمة لتنشئة الضمير تنشئة قويمة وصادقة، وكي لا يصدر عنه أحكام خاطئة. فلا بد من أن يكون الضمير مطلعا، والحكم الأخلاقي مستنيرا، فيخضع بسلاسة وقناعة لحكمه الأكيد.
يستطيع الضمير عند اختيار اخلاقي، أن يُصدر حكما يكون مستقيما متوافقا مع العقل والشريعة الإلهية، أو أن يصدر حكما خاطئا. وعلى الإنسان أن يبحث دوما عما هو قويم وصالح وأن يميز بين مشيئة الله في الشريعة الإلهية وبين الإنحرافات الكثيرة. فإذا صنع الإنسان الشر، فإن ضميره يؤنبه لأنه الشاهد على الشر الذي صنع. وفي نفس الوقت يدعوه ضميره إلى التوبة وطلب الرحمة والمغفرة من الله، والالتزام بممارسة الفضيلة متكلا على نعمة الله. وفي تنشئة الضمير يكون كلام الله للإنسان نورا يضيء الطريق، ويكون تعليم الكنيسة المقدسة دليلا للإيمان والصلاة. الضمير الصالح النقي ينيره الإيمان الحقيقي لان المحبة تصدر عن قلب طاهر وضمير صالح وإيمان لا رياء فيه (1 طيم 1/5)
80
في كيان كل إنسان شريعة نسميها الشريعة الطبيعية فما علاقتها بالنعمة والخلاص؟
لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله بنفس عاقلة واحدة وجعل كل البشر من طبيعة واحدة وأصل واحد، ودعاهم إلى السعادة الأبدية. ولكن بما أن الإنسان أخطأ وحاد عن طريق الخلاص، فقد شاء المسيح ان يفتديه بذبيحته على الصليب، وأن يوجهه إلى المشاركة في السعادة الإلهية نفسها. فكل الناس مهما تنوعوا يتمتعون أمام الله بكرامة متساوية.
في الطبيعة الإنسانية "حِسٌّ اخلاقي" أصلي يسمح له بأن يميز بالعقل ما هو الخير وما هو الشر، ما هي الحقيقة وما هو الكذب. فالشريعة الطبيعية محفورة في نفس كل إنسان وهي، في تنوع الثقافات، تبقى القاعدة التي تربط بين الناس وتفرض عليهم مبادىء مشتركة، بالرغم من الإختلافات الكثيرة القائمة بينهم. ولكن من الواضح أن جميع الناس لا يرون مبادىء الشريعة الطبيعية رؤية واضحة ومباشرة. فلا بد للإنسان الخاطىء من النعمة والوحي حتى يتمكن من معرفة الخالق. الشريعة الطبيعية توفر للشريعة الإلهية وللنعمة قاعدة أعدها الله وجعلها متناسقة مع عمل روحه القدوس.
الشريعة الإنجيلية هي كمال الشريعة الإلهية الموحى بها. إنها من عمل المسيح التي عبر عنها بنوع خاص في "عظة الجبل". وهي أيضا من عمل الروح القدس ونعمة منه أعطيت للمؤمنين بالمسيح. وهي تكون فاعلة بالمحبة وتعلمنا ما يجب أن نعمله. وأعطانا السيد المسيح الأسرار المقدسة التي تمنحنا النعمة. وقد منحتنا الشريعة الإنجيلية القاعدة الذهبية: "كل ما أردتم ان يفعل الناس لكم، افعلوه انتم لهم: هذه هي الشريعة والانبياء" (متى 7/12). شريعة الإنجيل هي شريعة المحبة والنعمة والحرية.
81
كيف يمكنني أن اشرح للمسيحيين ما هي عقيدة الثالوث الاقدس؟ لا أقول لغير المسيحيين، بل للمسيحيين الذين يؤمنون بالله الواحد المثلث الاقانيم.
سر الثالوث الأقدس هو ركن الإيمان المسيحي والحياة المسيحية. الإنجيل المقدس وأسفار العهد الجديد تقول أن الله واحد في ثلاثة أقانيم: آب وابن وروح قدس. ونستطيع أن نفسر كما يلي:
1 - إننا لا نؤمن بثلاثة آلهة بل بإله واحد في ثلاثة أقانيم. وكلمة "أقنوم" كلمة يونانية تعني "الشخص".
الله واحد. فالاقانيم الالهية الثلاثة إله واحد وطبيعة إلهية واحدة:
الآب هو الله وهو واحد مع الابن والروح القدس
والابن هو الله وهو واحد مع الآب والروح القدس
والروح القدس هو الله وهو واحد مع الأب والابن
إله واحد. جوهر إلهي واحد وطبيعة إلهية واحدة وثلاثة أقانيم. لا زيادة ولا انقسام ولا نقصان. أما كيف يكون ذلك فهذا هو سر الله الذي لا يقبله الناس إلا بالحب والإيمان.
2 – نحن نؤمن بإله واحد في ثلاثة أقانيم متميّزين في ما بينها تمييزا حقيقيا:
فالآب ليس مجرد اسم من أسماء الله
والابن ليس مجرد اسم من اسماء الله
والروح القدس ليس مجرد اسم من اسماء الله
فالابن ليس الآب، والآب ليس الابن. والروح القدس ليس الآب، ولا الابن. إنهم ثلاثة بالاقنومية وواحد بالذات والجوهر، متميزون في ما بينهم بعلاقات الصدور والإنبثاق:
أ - فالآب هو الذي يلد، والأبوة هنا ليست زمنية بل أبوته أزلية منزهة، ليس لها بداية وليس لها نهاية.
ب - والابن هو المولود، والولادة هنا ليست زمنية بل روحية أزلية منزهة. ليس لها بداية وليس لها نهاية. فالابن مولود غير مخلوق" أزلي.
ج - الروح القدس هو الذي ينبثق، وهذا الإنبثاق ليس زمنيا بل روحيا أزليا منزها. ليس له بداية وليس له نهاية.
ليس التمييز في الذات بل في العلاقات القائمة بين الاقانيم: أبوة ترجع إلى الابن، وبنوة ترجع إلى الأبوة، وانبثاق من كليهما. الإيمان المسيحي هو الإعتراف بطبيعة الله الواحدة، وذات الله الواحدة، وجوهر الله الواحد. فكل شيء بين الأقانيم واحد. لذلك
فالآب كله في الابن، وكله في الروح القدس،
والابن كله في الآب وكله في الروح القدس،
والروح القدس كله في الآب وكله في الابن.
3 - إن سر تجسد ابن الله يكشف أن الله هو الآب الازلي، وأن الابن هو والآب جوهر واحد، أي أنه فيه ومعه إلها واحدا أحد.
4 – والروح القدس، الذي ارسله الآب باسم الابن (يو 14/26) وأرسله الابن من لدن الآب (يو 15/26) هو معهما الإله الواحد الأحد. مع الآب والابن يُعبَد ويُمجَّد. والروح القدس ينبثق من الآب على أن الآب هو الينبوع الاول، وبالموهبة الأزلية التي منه للابن، ينبثق من الآب والابن متحدين في الشركة.
ونحن بالمعمودية "باسم الآب والابن والروح القدس"، مدعوون إلى الإشتراك في حياة الثالوث السعيدة، في هذا العالم بالإيمان، وبعد الموت بالحب والمشاهدة.
وخلاصة القول: فإن الإيمان المسيحي يقوم على عبادة الإله الواحد في ذاته والثالوث في أقانيمه دونما اختلاف أو تمييز في الذات والجوهر. فالآب هو اقنوم، والابن اقنوم، والروح القدس اقنوم، ثلاثة أقانيم وذات إلهية واحدة والمجد واحد والسيادة واحدة. والأقانيم الإلهية غير منقسمة في ما هي عليه، غير منقسمة أيضا في ما تعمل. ولكن في العمل الإلهي الواحد، كل اقنوم يُظهر ما يختص به في الثالوث: ولاسيما في رسالة الابن ورسالة الروح القدس الإلهيتين.
(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 253 -267)
82
ماذا نعني بكلمة الإيمان؟
تعني كلمة الإيمان، في المفهوم اللغوي، قبول بيان شخص ما، قبولا حرا للثقة فيه. فالإيمان يدل على علاقة ثقة بين أشخاص يعرفون بعضهم بعضا. بهذا يتميز الإيمان عن المعرفة بالدليل والبرهان.
هذا المفهوم العام ينطبق على الإيمان المسيحي بمعنى قياسي لاننا نؤمن بالله الذي لا نراه، ونؤمن بما يقول هو عن ذاته وهذا ما نسميه الوحي ، كما نؤمن ونثق بالشهود الذين اختارهم. إن الفارق الأساسي بين مفهوم الإيمان العام، ومفهوم الايمان المسيحي هو أن الإيمان بالله هبه منه تعالى وأنه يتناول الإنسان برمته وليس فقط عقله، لأن الله في الوحي يعطي ذاته للإنسان ويطلب من الإنسان أن يبادله عطاء بعطاء. فالله يحب الإنسان ويُعرِّف الإنسان بذاته وهو غاية الإنسان الأخيرة. وقد حدد المجمع التريدنتيني أن الإيمان هو أكثر من مجرد ثقة بالله، إنما هو الفعل الذي به نصدق الله، ونصدق ما أوحى به وما وعده، وأن مصدر هذا الفعل هو نعمة الله الفائقة الطبيعة، وأن الإيمان للإنسان هو بدء الخلاص وأساس كل تبرير . وبدون أعمال، أي بدون رجاء ومحبة، يكون الإيمان ميتا.
ورد في نصوص المجمع الفاتيكاني الأول بشأن الإيمان ما يلي:
"بما أن الإنسان مرتبط بالله خالقه وسيده، وبما أن العقل المخلوق خاضع للحقيقة غير المخلوقة، فاننا ملزمون ان نقدم بالإيمان لله الذي يظهر ذاته، احترام الطاعة عقلا وإرادة. وفي ما يتعلق بهذا الإيمان الذي هو بدء خلاص الإنسان، فإن الكنيسة الكاثوليكية تعلن أن مصدر الإيمان نعمة إلهية داخلية، أي أنه فضيلة فائقة الطبيعة، بها نؤمن أن ما أوحى به هو حق. فنحن لا نؤمن إستنادا إلى نور العقل الطبيعي، لأن سر الله يفوق الفهم، بل نؤمن إستنادا إلى سلطة الله الموحي الذي لا يمكنه أن يغش ولا ان يُغَش. لأن الإيمان، كما يقول بولس الرسول، هو تأكيد الأمور المرجوة، وبرهان الحقائق غير المنظورة (عبر 11/1).
وخلاصة القول فإن الإيمان المسيحي هو هبة مجانية من الله ونعمة داخلية فائقة الطبيعة تعمل في العقل والإرادة، ويصبح الإيمان فعلا شخصيا عندما يقبله الإنسان بكامل حريته.
83
سمعت من الأب نعوم كرادشة، رحمة الله عليه، أن الكهنة في عيد الثالوث الاقدس يتلون فعل إيمان أحد القديسين القدماء، الذي يقدم شروحا جميلة تبين ان عقيدة الله الواحد المثلث الاقانيم هي موضوع إيمان وأنها في نفس الوقت لا تناقض العقل والمنطق البشري، فهل لك أن تدلني عليها؟
نعم. نجد في كتاب الفرض الإلهي الذي كان الكهنة يتلونه قبل المجمع الفاتيكاني الثاني، فعل إيمان القديس اثناسيوس، بطريرك الاسكندرية (295-373) الملقب بحامي الإيمان الذي قاوم بدعة الكاهن أريوس المولود في الإسكندرية أيضا (280-336)، والذي كان ينكر الجوهر الواحد في الله المثلث الاقانيم، وبالتالي كان ينكر ألوهية السيد المسيح. وقد أدانه وحرمه المجمع النيقاوي سنة 325 ومجمع القسطنطينية سنة 381.
وإليك ترجمة النص:
"كل مَن ابتغى الخلاص، وجب عليه قبل كل شيء أن يتمسك بالإيمان الكاثوليكي للكنيسة ...
وهو أن تعبد إلها واحدا على التثليث، وثالوثا على الوحدة.
لا نمزج الاقانيم ولا نفصل الجوهر. أن للآب اقنوما، وللابن اقنوما، وللروح القدس أقنوما. ولكن الآب والابن والروح القدس إله واحد، ومجد واحد، وجلال واحد.
كما هو الآب، كذلك هو الابن، وكذلك هو الروح القدس. الآب غير مخلوق، والابن غير مخلوق، والروح القدس غير مخلوق. الآب غير محدود، والابن غير محدود، والروح القدس غير محدود.
الآب سرمدي، والابن سرمدي، والروح القدس سرمدي. ولكنهم ليسوا ثلاثة سرمديين، بل سرمدي واحد.
وكذلك ليسوا ثلاثة غير مخلوقين، ولا ثلاثة غير محدودين، بل غير مخلوق واحد، وغير محدود واحد.
وكذلك الآب ضابط الكل، والابن ضابط الكل، والروح القدس ضابط الكل. ولكنهم ليسوا ثلاثة ضابطي الكل، بل ضابط الكل واحد.
وهكذا الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله. ولكنهم ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد.
وهكذا الآب رب، والابن رب، والروح القدس رب. ولكن ليسوا ثلاثة أرباب، بل رب واحد.
وكما أننا بايماننا المسيحي نعترف بأن كلا من هذه الاقانيم هو بذاته إله ورب، كذلك إيماننا الكاثوليكي ينهانا عن القول بوجود ثلاثة آلهة وثلاثة أرباب.
فالآب غير مخلوق من أحد، ولا منبثق ولا مولود. والابن مولود من الآب وحده، غير مخلوق. والروح القدس منبثق من الآب والابن، ليس مخلوقا ولا مولودا. فإذا آب واحد لا ثلاثة آباء، وابن واحد لا ثلاثة ابناء، وروح قدس واحد لا ثلاثة أرواح قدس.
ليس في الثالوث من هو قبل أو بعد ولا من هو أكبر ولا أصغر. ولذلك في جميع ما ذُكر، يجب أن نعبد الوحدانية في الثالوث، والثالوث في الوحدانية".
وأضيف: إقرأ فعل إيمان القديس اثناسيوس بتأن وتقوى وعبادة، مرارا وتكرار، لكي تعرف عمق السر الإلهي الذي لا يدركه العقل، وأن جوابك على وحي الله الواحد بالذات والجوهر والمثلث بالاقانيم هو أن تقول بصدق: "آمنت يا رب فأعن ضعف إيماني".
84
ماذا نعني بكلمة الدين؟
الدين يعني اولا علاقة الإنسان بالله. والدين هو أيضا جواب الإنسان على وجود الله، يُعبر عنه بالإكرام والعبادة. فالدين جزء من إنسانية الإنسان الكاملة. ويُعبر عنه الإنسان في المجاهرة بإيمانه، بالكلام والأعمال. في كل إنسان عاطفة دينية بإمكانها أن تؤدي به إلى بناء علاقة صحيحة بالله، وبإمكانها أن تؤدي به إلى الإنحراف عن الله فتصبح أعماله منافيه لقداسة الله الذي يحب الجميع ويريد الخير للجميع.
بالاضافة إلى ذلك، هنالك ترابط بين الدين من جهة وما بين الثقافة والنظام القانوني والسياسي من جهة اخرى. وهذا الترابط كثيرا ما يخلق التباسات في حياة الناس. فالثقافة، على سبيل المثال، تتأصل في الدين ولا يمكننا فهمها إذا عزلناها عن جذورها الدينية، مثل الفن، والموسيقى والشعر والفلسفة، وتكوين أشكال الحياة الاجتماعية المختلفة. فإذا اتحد الدين بالثقافة أو بالنظام السياسي والإجتماعي اتحادا شاملا، فإنه يصبح حاضرا ملموسا وتصبح الثقافة والنظام السياسي والإجتماعي قوة تفرض نفسها على الإنسان، مما يُعرِّض الدين لأخطار كثيرة وأهمها أنها تقضي على الميزة التي تفصله أصلا عن السلطة المدنية وعن الثقافة. الأمر الجوهري في الدين هو بناء علاقة الحب مع الله القدوس.
85
هل من فرق بين البتولية كما يفهمها الناس وبين البتولية كما تفهمها الكنيسة ويعيشها الكهنة والمكرسون؟
تعلم الكنيسة إنه:
"يجب أن يتصف الأشخاص بالطهارة بحسب حالات حياتهم المختلفة: البعض في البتولية المكرسة، وهي طريقة سامية لتسليم الذات لله بسهولة أكبر وبقلب ليس فيه انقسام. والآخرون بالطريقة التي تقررها الشريعة الطبيعية للجميع، بحسب كونهم متزوجين أو متبتلين. الاشخاص المتزوجون مدعوون إلى أن يحيوا حياة الطهارة الزوجية. والآخرون يعيشون الطهارة في العفة:
"هناك ثلاث صيغ لفضيلة الطهارة: الواحدة للزوجات، والأخرى للترمل، والثالثة للعذرية. ولا نمدح أيا منها دون الأخريين. وبذلك نظام الكنيسة غني" (القديس امبروزيوس) (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2349)
البتولية من أجل ملكوت السموات، كما ذكرها المسيح (متى 19/12) هي مشورة إنجيلية بمعنى أنها لا تُفرض على أحد، وهي دعوة إلهية وهبة مجانية، وهي علامة بليغة من علامات سمو العلاقة بالمسيح، والدلالة على أن الزواج هو من شؤون هذا الدهر العابر. فالسيد المسيح هو الذي يدعو البعض إلى البتولية، وهو يبقى مثالها، وعلى من يعتنقها حبا وطوعا أن يلتزم بها مستندا إلى نعمة الرب التي تدعمه لكي يكون أمينا على ما تعهد به من أجل الرب. ومنذ بدء تاريخ الكنيسة، نجد رجالا ونساء أحجموا عن الزواج كي لا يهتموا إلا لما هو للرب. والكنسية اللاتينية لا تقبل في صفوف كهنتها إلا الذين يلتزمون بالبتولية بكامل حريتهم حبا للمسيح. وهذا الحب هو عماد حياة الكنيسة الداخلية.
لا نستطيع أن نكتفي باللجوء إلى الأخلاقيات الطبيعية لشرح البتولية المسيحية المكرسة. فليس للتعفف الجنسي بحد ذاته قيمة أدبية. وإنما يكتسب قيمته من كونه من أجل امسيح، ومن أجل الملكوت. فالمحبة وحدها أولا وآخرا هي التي تطبع البتولية المكرسة بطابعها، وتسمو فوق العالم وتوجه إلى أواخر الإنسان.
إن محور كل أنواع الحياة المسيحية هو المسيح، وبالتالي:
"فإن الزواج والبتولية لأجل ملكوت الله كلاهما من الرب نفسه يصدران. فهو الذي يؤتيهما قيمة ويجود عليهما بالنعمة التي لا بد منها لممارستهما طبقا لإرادته. احترام البتولية لأجل الملكوت والزواج في مفهومه المسيحي صنوان لا يفترقان بل يتكاملان: تقبيح الزواج يقلل من سمو البتولية، والإشادة به يُعلي ما يُفترض من الأعجاب بالبتولية..." (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية1618 – 1620)
86
ما هي أشباه الأسرار؟ وهل لها مفعول تلقائي مثل الأسرار؟
أشباه الأسرار هي علامات مقدسة تُشبه الأسرار، ولها مفعولها الروحي في معظم الأحوال، وبها يتهيأ المؤمنون لتقبل الأسرار والإستفادة من مفعولها الرئيسي، وبها تتقدس شتى أشكال الحياة. وقد وضعتها الكنيسة لتقديس بعض الخِدَم الكنسية، وظروف الحياة المسيحية على أنواعها، ولتقديس الأشياء المفيدة للإنسان. وهي تتضمن دائما الصلاة، ويرافقها عادة علامة معينة مثل وضع اليد وإشارة الصليب ورش الماء المقدس. إنها حركات مليئة بالمعنى، وغنية بالنعمة، واستعمالها متروك لحرية المسيحي. أشباه الأسرار كثيرة ومتنوعة، منها:
1 – البركات للأشخاص والمائدة والأشياء والأمكنة. كل بركة هي بمثابة شكر لله، وصلاة لنيل مواهبه. في المسيح ينال المسيحيون من الله الآب كل بركة روحية (أف 1/3) ولذا تمنح الكنيسة البركة باسم يسوع وترسم إشارة الصليب المقدس.
2 – البركات التي تهدف إلى تكريس أشخاص لله، مثل البركة الممنوحة لرئيس أو رئيسة دير، وتكريس العذارى والأرامل وحفلة النذور الرهبانية والبركات الممنوحة لبعض الخِدَم الكنسية للقرّاء والمعاونين ومعلمي الدين.
3 - تكريس الأواني والأمكنة للاستعمال الليتورجي، مثل مباركة بعض الأماكن وتدشين كنيسة أو مذبح، وبركة الزيت والأواني والملابس الليتورجية والأجراس...الخ.
للكرسي الرسولي وحده أن يقيم أشباه أسرار جديدة أو أن يفسر رسميا ما كان قائما منها، وأن يُلغي أو يعدل بعضها. وفي إقامة أشباه الأسرار أو في منحها، يجب المحافظة بدقة على الطقوس والنصوص التي صادقت عليها السلطة الكنسية. وأما خادم أشباه الأسرار فهو الإكليريكي المزود بالصلاحية اللازمة. وأما التكريس والتدشين فلا يقوم بهما إلا الأسقف، أو الكاهن المفوض رسميا للقيام بذلك. ويمكن لأي كاهن أن يقوم بمنح البركات باستثناء البركات المحفوظة للحبر الروماني والأساقفة. (راجع مجموعة الحق القانوني، القوانين 1166 – 1171).
87
نقرأ في بعض الكتب أن الأسقف يمنح بعض الكهنة سلطة التعزيم وإخراج الشياطين، فما هو التعزيم، وهل تسكن الشياطين حقا في الناس؟
"التعزيم" هو أن تمارس الكنيسة علنا وبقوة سلطتها، باسم يسوع المسيح، تحرير الناس أو الاشياء من قبضة ابليس ونفوذه. وقد مارسه يسوع المسيح (مر 1/25) وأعطى الرسل عليه سلطانا من سلطانه (مر 3/15) وطرد التلاميذ كثيرا من الشياطين (مر 6/13). وقال يسوع لتلاميذه بعد قيامته:
"إذهبوا في العالم كله، وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين ... باسمي يطردون الشياطين" (مر 16/17). ومن يسوع تستمد الكنيسة القدرة على التعزيم.
يتم التعزيم في شكله البسيط في ليتورجة سر العماد. وأما التعزيم الإحتفالي أو "التعيزم الكبير" فلا يقوم به إلا كاهن بتفويض من الأسقف، ولا بد من أدائه بفطنة، والتقيد بالقواعد التي تضعها الكنيسة.
الشيطان موجود. وقد يسترسل الإنسان في ارتكاب الخطيئة إلى حد أن يستحوذ عليه الشيطان ويسكنه. ويهدف التعزيم إلى طرد الشياطين أو اعتاق النفس من اعتراء الشيطان للإنسان وذلك بالسلطة الروحية التي وكلها يسوع إلى كنيسته. ولكن يجب التمييز بين الاعتراء الشيطاني والحالات المرضية، ولاسيما الأمراض النفسية التي هي مجرد أمراض، ويعود إلى الطب ان يعالجها.
88
الاختلافات كثيرة بين الناس ولكن هل يمكن تحقيق الوحدة بالرغم من اختلافاتهم.
الاختلافات كثيرة بين الناس. وخبرة الإنسان اليومية تنبع من مصادر مختلفة أصلا، مع أن جميع الناس يجدون وحدتهم في الله وفي المصير. نجد الاختلافات والتعددية في كل أصعدة الوجود الإنساني، الفردي والإجتماعي. إذ أنه ليس من الممكن أن يكون هناك مرجع واحد ومحدد يوجه في آن واحد وبصورة مستقلة وملائمة كل الإعمال الفردية والإجتماعية. هذه التعددية هي في طبيعة الإنسان. وفي الله وحده يجد كل شيء وحدته.
في تعليمها عن استقلاليتها واستقلالية الدولة تدل الكنيسة على أنها لا تعتبر ذاتها ولا تعتبر الدولة المرجع المطلق لكل شيء. إن كل السلطات في العالم تمثل سلطان الله وهي ليست سوى سلطات تنظم عملها وتُعنى بمناطق مختلفة، وتظل في آخر المطاف سرا من أسرار عناية الله المطلقة.
89
ما أسهل على الأنسان المسيحي أن يقول: أنا أحب، ولكن الكثيرين يجهلون ما هي المحبة المسيحية، فهل لك أن تقول لي بكلام وجيز ما هي المحبة بحسب الدين المسيحي؟
الحديث المسيحي عن الحب والمحبة واسع جدا. فهو يتناول حبا الله والقريب، وحب المسيح والكنيسة، والتقيد بحياة مسيحية أخلاقية، والمحبة كفضيلة إلهية وإنسانية، والحب في الحياة الكهنوتية والرهبانية، والحب في الحياة الزوجية ...الخ. ونختصر جوابنا على السؤال كما يلي:
1 - المحبة، بحسب تعليم الكنيسة هي فضيلة إلهية، يفيضها الله في نفوسنا بها نحب الله فوق كل شيء لأجل ذاته ونحب القريب كأنفسنا من أجل الله. ذلك أن كيان الله ذاته محبة. وهو نفسه تبادل محبة. وقد جعل يسوع من المحبة وصيته الأخيرة حين قال: "هذه وصيتي: أن يحب بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا" (يو 15/12). فالمحبة هي من أولى واجبات الإنسان الجوهرية، لأنها تحتوي كل ما يُطلب من الإنسان لنيل الخلاص الأبدي.
2 - في الدينونة الأخيرة سوف يديننا الله على المحبة. محبة الله والقريب هي خلاصة الوصايا العشر. فالمسيح يأمرنا بمحبة الله والقريب، وبمحبة الأعداء والفقراء ويطلب منا أن نغفر لكل من أساء الينا وأن نتخلى عن العنف وأن نحب كما أحب المسيح: "أحبوا بعضكم بعضا كما انا احببتكم". ويقول بولس الرسول: "بدون محبة لست بشيء ... المحبة هي رباط الكمال"، وهي تثبّت وتطهر الإنسان، وتسمو به إلى كمال محبة الله الفائقة الطبيعة. وهي تقيم في القلب، ولا تسقط ابدا.
3 - إن ممارسة الحياة الأخلاقية التي تنعشها المحبة تثمر حرية ابناء الله الروحية. فلا يقف المسيحي أمام الله وقوف العبد، ولا يخاف الله خوف العبد، ولا يكون أجيرا، بل ابنا يبادل الرب حبا بحب. وأما ثمر المحبة فهو الفرح والسلام والرحمة. (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1822 – 1829)
90
عندما يغضب الإنسان ويستبد برأيه، كثيرا ما يبرر استبداده بقوله:"أنا حر"، فما هي الحرية في حياة الإنسان؟
خلق الله الإنسان وفتح أمامه آفاقا واسعة وخيَّره بين الإمكانات الكثيرة المختلفة. فالإنسان حر، وتجريده من الحرية هو حرمانه مما هو أساسي في طبيعته الإنسانية وفي تكوينه وجوهره. فعلى الإنسان أن يقبل حريته الشخصية بوعي ومسؤولية. حرية الإنسان هي عنوان كرامته وشخصيته. وحرية أبناء الله هي ثمرة الفداء في يسوع المسيح. وهي تعني أننا أُعتقنا من سيطرة الخطيئة. الحرية بطبيعتها اخروية موجهة إلى الخلاص الأبدي إلى آخر الازمنة حيث نُفتدى نهائيا من العبودية لننتقل إلى حرية مجد أبناء الله (رو 8/21) التي هي قمة حريتنا.
في ممارسة حريته الشخصية، كل إنسان يصطدم بحريات الآخرين، لها أن تنفتح أو أن تنكمش تجاه نواياه الشخصية وخططه وأعماله، مما يبني حدودا لاطار ممارسته لحريته. إن حرية الاختيار التي أعطيت للإنسان لأنه شخص روحي تفترض حسن استعمالها أو سوء استعمالها، أي ارتكاب الخطيئة وهذا ما يؤكده الوحي. وإذا ما ارتكب الإنسان الخطيئة بقي أيضا حرا في الرجوع إلى الله بالتوبة والإيمان والمحبة.
91
نؤمن بكنيسة "كاثوليكية" فماذا نعني بذلك؟
"الكاثوليكية" تعني الجامعة وهي صفة خاصة جوهرية من صفات الكنيسة وعلامة من علاماتها الحقيقية. أبواب الكنيسة مفتوحة لكل الناس حتى منتهى الدهر، دون تحديد زمان أو مكان، استنادا إلى إرادة الله الخلاصية الشاملة، وإلى الفداء المعطى أصلا لكل إنسان. فالكنيسة الكاثوليكية تقبل التعددية التي يريدها الله، وتقبل اختلاف الأطر الخاصة والعامة، وهي لا ترفض بشارتها لأي شعب. وتجد في الكنيسة الكاثوليكية ملء وسائل الخلاص التي أرادها لها مؤسسها المسيح وهي:
1 - "الإعتراف بالايمان القويم والكامل، وحياة الأسرار التامة، وخدمة الخلافة الرسولية. وهكذا كانت الكنيسة، بهذا المعنى الأساسي، كاثوليكية في يوم العنصرة، وستكون كذلك إلى يوم مجىء المسيح" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 830). فالمسيح حمّلها رسالة الخلاص لتبلغها إلى الجنس البشري بكامله.
2 - "إن جميع الناس مدعوون إلى أن يكونوا من شعب الله الجديد. لذلك يجب أن يمتد ذلك الشعب، مع بقائه واحدا وحيدا، على العالم باسره، وعلى جميع الأزمنة، لكي تتم مقاصد الله الذي خلق في البدء الطبيعة البشرية واحدة، ويريد أن يجمع أخيرا في الوحدة ابناءها المتفرقين ... وأن طابع الشمول، الذي يلقي النور على شعب الله هو عطية من الله نفسه، تسعى بقوتها الكنيسة الكاثوليكية سعيا حثيثا إلى جمع البشرية بأسرها، مع كل ما تنطوي عليه من خير، تحت رأسها الذي هو المسيح في وحدة الروح القدس" (دستور عقائدي في الكنيسة 13).
92
عندما أقول "كنيسة" أفهم الكنيسة كبناء، وكجماعة المؤمنين بالمسيح. فهل هذا يكفي لكي أعبر عن حقيقة "الكنيسة"؟
كلمة كنيسة كلمة يونانية وتعني الجماعة المجتمعة بمناسبة عيد. وتدل في التعبير المسيحي، على الذين تدعوهم كلمة الله ليؤلفوا شعب الله، والذين يتغذون بجسد المسيح. وتشبيه الكنيسة بالجسد يُلقي ضوءا على العلاقة العميقة بين الكنيسة والمسيح. فهي موحدة فيه، في جسده. وقد أنشأ السيد المسيح الكنيسة ملكوتا لله على الأرض. وبهذا الشأن فقد ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
1 - "يتجلّى هذا الملكوت لعيون الناس في كلام المسيح وأعماله وحضوره. وقبول كلمة يسوع هو قبول للملكوت نفسه. وأبناء الملكوت هم "القطيع الصغير" (لو 12/32) ممن دعاهم يسوع إليه وكان لهم بنفسه راعيا. إنهم يؤلفون أسرة يسوع الحقيقية. وهؤلا الذين جمعهم حوله علمهم طريقة سلوك جديدة، ولكن أيضا علمهم صلاة خاصة" رقم (764)
2 - "الرب يسوع مهر جماعته بهيكلية سوف تستمر إلى أن يبلغ الملكوت تمامه. هنالك أولا اختيار الإثني عشر وعلى رأسهم بطرس. وإذ كانوا يمثلون أسباط إسرائيل الإثني عشر، فهم حجارة الأساس لأورشليم الجديدة. الإثنا عشر والتلاميذ الآخرون يشتركون في رسالة المسيح وسلطانه، ولكن في مصيره أيضا. المسيح في جميع أعماله، يهيىء كنيسته ويبنيها" (رقم 765)
"ولكن الكنيسة ولدت بنوع خاص من بذل المسيح الكامل لذاته في سبيل خلاصنا، مسبقا في إقامة سر الإفخارستيا، ومتمما على الصليب. ابتداء الكنيسة ونموها يرمز اليهما الدم والماء الخارجان من جنب يسوع المصلوب. إذ أنه من جنب يسوع المعلق على الصليب وُلد سر الكنيسة العجيب. وكما أن حواء كونت من ضلع آدم النائم كذلك الكنيسة نشأت من جنب يسوع المائت على الصليب مطعونا بحربة" (رقم 766).
3 - القديس بولس يسمي اتحاد المسيح بالكنيسة "السر العظيم" (أفسس 5/32). من ميزات الكنيسة أن تكون بشرية وإلهية معا، منظورة وغير منظورة، حاضرة في العالم وغريبة عنه، ما هو بشري فيها موجه إلى ما هو إلهي وخاضع له وما هو منظور لغير المنظور. وهي أداة المسيح لفداء جميع البشر. فهي معدة لأن تكون وسيطة خلاص لكل من لهم أن يرثوا الملكوت. تعبير القديس قبريانوس: "لا خلاص خارج الكنيسة" يتأصل في وحدة الفداء، ويتوافق مع إرادة الله الخلاصية الشاملة. وهذه العبارة لا تنفي الإمكانية الواقعية للجميع في أن يخلصوا، سواء كانوا داخل الكنيسة أو خارجها، وفي نفس الوقت لا تنفي واجب الإنتماء إلى الكنيسة:
4 - "إن الذين يجهلون بلا ذنب منهم إنجيل المسيح وكنيسته، ويطلبون الله بقلب صادق، ويسعون بأعمالهم، تحت تأثير النعمة، إلى اتمام مشيئته الظاهرة لهم في ما يمليه عليهم ضميرهم، يستطيعون أن يصلوا إلى الخلاص الأبدي. والعناية الإلهية لا تحرم من العون الضروري لخلاص الذين لم يبلغوا بعد، بلا ذنب منهم إلى معرفة الله معرفة واضحة ويسعون بنعمة إلهية إلى حياة قويمة. فكل ما كان عندهم من خير وحق تعتبره الكنيسة بمثابة تمهيد للإنجيل، وهبة من لدن الله الذي ينير كل إنسان حتى ينال الحياة أخيرا." (دستور عقائدي في اللكنيسة 16)
93
نحن نؤمن بالله الواحد في ثلاثة اقانيم فهل لك أن تعطيني بايجاز ما هو محتوى هذه العقيدة؟
عقيدة الله الواحد في ثلاثة أقانيم هي سر، ونسميه سر الثالوث الأقدس، ونعني به سرِّ الله الواحد في ذاته وجوهره وطبيعته والثالوث في أقانيمة: الآب والابن والروح القدس. وهو السر الأعظم في المسيحية. وأسرار الله هي أكبر من أن يدركها عقل الإنسان المحدود في الزمان، وإنما يؤمن بها الإنسان استنادا إلى وحي الله عن سر ذاته. ونحن نؤمن بأنه أوحى بها، وأن الله حق، لا يغش ولا يُغش.
التعليم الرسمي في الكنيسة يعبر عن هذا السر كما يلي:
1- إن الله واحد في أقانيم ثلاثة، في طبيعة إلهية واحدة أي في جوهر إلهي واحد، وذات إلهية واحدة. ولذلك فالأقانيم لا تتقاسم الألوهية بل كل اقنوم هو الله الواحد والطبيعة الإلهية الواحدة بالذات، وهم متساوون بالأزلية وبالقدرة المطلقة. عندما نتحدث عن الله الواحد المثلث الأقانيم يجب أن نخرج من الزمن، وأن نخرج من مفهوم البداية والنهاية، لأن الله أزلي لا تحصره بداية ولا نهاية، وبالتالي عندما نتكلم عن البنوة الإلهية وعن الولادة الإلهية فإنهما ليسا من هذا العالم، وليس لهما بداية ولا نهاية لأنهما حقيقة من حقائق الله المطلقة والأزلية.
2 – الله الابن واجب الوجود وهو كيان إلهي واحد مع الآب والروح القدس. الله يعرف ذاته في ذاته، يعرف كل ما هو قابل للمعرفة، وبفعل هذه المعرفة اللا متناهية ينطق كلمته أو يلدها ولادة أزلية. فكان الابن كائنا حيا من كائن حي، إله من إله، وكان بلغة البشر ابن الله الوحيد. والروح القدس ليس مولودا إنما ينبثق من الآب والابن كما ومن مبدأ واحد بانبثاق واحد، ومنذ الازل لانه الله، الذي لا بداية له ولا نهاية.
3 – هذه الاقانيم الثلاثة هي الاله الواحد بدون تمييز، بدون أسبقية في الزمن. إنه الله الواحد منذ الأزل لا بداية له ولا نهاية، إنما يتميز الأقنوم عن الأقنوم في العلاقات: الأبوة، والبنوة، والإنبثاق في الذات الإلهية الواحدة. كل أقنوم موجود كله في كل أقنوم آخر لان الله واحد وهو في أقانيمه الثلاثة المبدأ الفاعل لكل الخليقة المنظورة وغير المنظورة.
4 - لا يمكن أن نأخذ فكرة عن ذلك إلا بالرجوع إلى الإيمان بأن الله ليس له بداية وليس له نهاية، وهو، بالوحي في الكتاب المقدس، كشف لنا عن حقيقته الإلهية. وجواب الإنسان الصائب هو الإيمان بحقيقة الله كما عرّف الله بها عن ذاته. لا يستطيع الإنسان أن يتصور كيف أن الله موجود وليس له بداية. حيال هذه الحقيقة: إمّا أن تقول هذا مستحيل فالله غير موجود، وإمّا أن يرضخ لها عقلك وتقول: نعم يا رب إني أومن.
حقائق الله هي أسرار إيمان وليست موضوع معرفة وإدراك على مستوى العقل البشري. ونحن نقبلها بالحب والتصديق ولا نقبلها بالعلم والمعرفة.
إلا أن التعابير والصور البشرية تساعد الإنسان على الإقتناع بأن عقيدة الله الواحد بالذات، المثلث الأقانيم، لا تتنافى مع المنطق والعقل. فعلى سبيل المثال، هنالك أسرار كثيرة في العالم، يتقبلها الإنسان ولا يدركها: الطبيعة الإنسانية على كثرة عناصرها واحدة، لا تتجزأ، وهي موجودة كاملة في كل إنسان: في الغني والفقير، في الصحيح والمريض، في العاقل والمجنون. إنها واحدة في المليارات من البشر، كاملة في كل واحد منهم، لا تتجزأ، ومع ذلك كل إنسان يختلف عن الآخر. هذه الحقيقة يتقلبها العقل ويعتبرها أمرا طبيعيا بغير جدل كيف تكون الطبيعة الإنسانية واحدة غير متجزئة في كل البشر.
5 – أمام هذه الحقيقة البشرية قد يتساءل المرء: لماذا ثلاثة أقانيم فقط في الإله الواحد؟ نجيب لأن الله محبة ولأن عناصر المحبة هي فقط ثلاثة: مُحِب (وهو الآب) ومحبوب (وهو الابن) وحب قائم بينهما (وهو الروح القدس). فإذا كان المحبوب من الله خارج كيان الله الازلي (مثلا الإنسان أو الخليقة) فهذا يعني أن الله غير كامل وأنه بحاجة إلى من هو خارج عن كيانه الإلهي لكي يكون كاملا. لذلك نستنتج بديهيا أن المحبوب هو في كيان الله، وأنه الله الذي ليس له بداية. فالله هو المُحب منذ الأزل، والله هو المحبوب منذ الأزل، والله هو الحب منذ الأزل. والله المحب والمحبوب هو الله الواحد في الجوهر غير المنقسم، والقائم منذ الأزل، لا بداية له ولا نهاية. فبدون سر الله الواحد المثلث الأقانيم، لا يستطيع المؤمن أن يشرح كيف يكون الله واحدا: محب وحب ومحبوب منذ الأزل، لا بداية له ولا نهاية.
94
وماذا نفهم بقيامة الموتى؟
قانون الإيمان المسيحي الذي تتلوه جماعة المؤمنين كل يوم أحد ينتهي بإعلان الإيمان بقيامة الموتى عند نهاية الأزمنة.
الإعتقاد بقيامة الموتى هو أحد عناصر الإيمان المسيحي الأساسية. في زمن السيد المسيح كان الصدوقيون ينكرون قيامة الموتى لأنها حسب أقوالهم لا تظهر في كلام موسى، إنما يسوع دحضهم مستندا إلى الكتاب المقدس (مر 12/18-27). قيامة الموتى واضحة في كرازة يسوع ونجدها أيضا في أعمال الرسل (24/15) وفي إنجيل يوحنا وفي الرؤيا. وأما القديس بولس الرسول فيتوسع لاهوتيا في وصف هذه العقيدة، ويقول إن جسد المسيحي المنتصر على الموت له طابع روحي يتلاءم وجسد المسيح الممجد (فل 3/21، 1كو15/35). وقد ربط السيد المسيح القيامة بشخصه الكريم حين قال: "أنا القيامة والحياة" (يو 11/25).
بالموت تنفصل النفس عن الجسد، ويعود جسد الإنسان ترابا، فيما تذهب نفسه لملاقاة الله، على أنها تبقى في انتظار اتحادها من جديد بجسدها الذي يصبح في القيامة جسدا ممجدا. فالله بقدرته سوف يعيد الحياة غير الفاسدة إلى اجسادنا الفاسدة موحِّدا إياها بنفوسنا، بفضل قيامة يسوع. فكما أن المسيح قام وهو حي على الدوام، كذلك سنقوم كلنا في اليوم الأخير وستعاد إلى النفس وحدتها مع جسدها في يوم القيامة.
يقول بولس الرسول:
"الجسد ليس للزنى، بل هو للرب والرب للجسد. وإن الله الذي أقام الرب سيقيمنا نحن أيضا بقدرته... أوما تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس، وهو فيكم قد نلتموه من الله، وأنكم لستم لأنفسكم فقد أُشتريتم وأُدّي الثمن. فمجدوا الله إذا في أجسادكم" (1 كو 6/13-15، 19-20).
(راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 988 – 1019)
95
ما هو مفهوم الكنيسة الكاثوليكية للخطيئة الأصلية ؟
مفهوم الخطيئة الأصلية، بحسب تعليم الكنيسة، هو الحالة التي يولد فيها بنو آدم أي غياب النعمة التي كان الله قد خلق الإنسان فيها. وهذا الحرمان يفصل حقا الإنسان عن الله دون أن يكون الإنفصال خطيئة شخصية. المجمع التريدنتيني يؤكد بأنه للوصول إلى الحياة الأبدية يجب أن تمحى الخطيئة الأصلية.
سبب هذه الحالة، أي سبب الخطيئة الأولى، هو خطيئة آدم الإنسان الأول، أب البشرية ورأسها. فبهذه الخطيئة كل إنسان هو أمام الله في وضع حرمان من الخلاص وهذا الحرمان يؤثر على كيانه. ولا بد من التمييز بين "الخطيئة الأصلية" التي ورثها الإنسان عن أبيه آدم وليس له فيها ذنب، ولكن يعاني من نتائجها، وبين الخطيئة الشخصية التي يرتكبها الإنسان بحريته.
96
نسمع أن الإنسان بحاجة إلى الخلاص، ولكن ما هو الخلاص ؟
خلق الله الإنسان ودعاه إلى السعادة الأبدية، ولكن الإنسان، بخطيئته، هدم نفسه وأغلق في وجهه الخلاص، وهو لا يستطيع أن يعيد فتح باب الخلاص لذاته بقواه الطبيعية. إلا أن الله الذي كله محبة، لم يدع الإنسان في الهلاك، بل أرسل إليه إبنه الوحيد، فتجسد وتألم ومات على الصليب وقام من القبر ممجدا في سبيل خلاصنا. وهكذا حقق الخلاص للبشرية كلها، وجعل طريق الخلاص سالكا للجميع.
لقد أسس السيد المسيح الكنيسة وأرادها سرا لخلاص البشر لتنقل النعمة إلى النفوس. فهي الطريق إلى الخلاص، ولها علاماتها التي تميزها. يولد الإنسان ابنا للكنيسة بسر العماد المقدس، ويتغذى بجسد الرب. والكنيسة مقدسة لأن رأسها المسيح قدوس. ولكن الخطأة فيها كثيرون، فعليها أن تطهرهم دوما وأبدا. وهي جامعة كما أرادها المسيح بالذات أي لا يحدها زمان ولا مكان، تتسامى فوق الإعتبارات القومية واللغوية والثقافية واعتبارات اللون والجنس والعنصر. وتنتشر في جميع الأقطار وعليها أن تبشر الجميع بالخلاص. وهي أيضا رسولية لأن المسيح أسسها على الرسل وسلمها لبطرس ليرعاها ولسائر الرسل لينشروها ويدبروها. وتُعلِّم الكنيسة ان الخلاص في متناول جميع ذوي الإرادة الصالحة ممن ينتمون بشكل أو باخر إلى الكنيسة.
97
نؤمن بالله خالق الكون كله، ولكن كيف تم الخلق؟
نحن نؤمن بأن الله خلق الكون بقرار اختياره، ومباشرة، ومن دون أية معونه. في البدء خلق الله السماء والأرض (تك 1/1). ويوحنا الإنجيلي يقول: "في البدء كان الكلمة... وكان الكلمة الله ... به كون كل شيء وبدونه لم يكن شيء مما كون" (يو 1/1-3). فالعهد الجديد يكشف عن أن الله خلق كل شيء بالكلمة الازلية، بابنه الحبيب. ويقول بولس الرسول لأهل كولوسي: "فيه خلق جميع ما في السموات وعلى الأرض ... به وله خلق كل شيء. إنه قبل كل شيء وفيه يثبت كل شيء" (قول 1/16-17).
قانون الإيمان يكرر هذه الكلمات معترفا بالله الآب الكلي القدرة على أنه خالق السماء والأرض، خالق الكون المنظور وغير المنظور، لا لزيادة مجده، بل لإظهار ذلك المجد ولاشراك الإنسان فيه. فما من سبب للخلق سوى محبة الله وجودته. قال القديس توما الاكويني: "مفتاح المحبة هو الذي فتح كف الله لإنشاء الخلائق". قال بولس الرسول: "قُدِّر لنا منذ القدم أن يتبنانا بيسوع المسيح على ما ارتضته مشيئته للتسبيح بمجد نعمته التي أنعم بها علينا في الحبيب" (أف 1/5-6) و
قال القديس إيريناوس: "إن مجد الله هو الإنسان الحي. وحياة الإنسان هي رؤية الله. فإذا كان الكشف عن الله بالخلق وفّر الحياة لجميع الكائنات التي تعيش على الأرض، فكم بالحري يوفر ظهور "الكلمة" الحياة للذين يرون الله. وخلاصة القول فإن غاية الخلق القصوى هي أن يصبح الله خالق جميع الكائنات كلا في الكل (1 كو 15/28).
98
بعد الموت: الأبدية، أي الخلود، فما هو الخلود؟
نعني بالخلود تلك الحياة التي لا يدركها الموت. الإنسان خالد ليس بمعنى أن حياته الدنيوية لا تنتهي، ولكنه يترك بالموت هذه الحياة المكانية والزمنية، لكي يوجد في حياة بصورة مؤبدة تتجاوز الزمن. نفس الإنسان هي مبدأ جوهري يفوق المادة، ودورها يتجاوز أساسا الدور الذي تقوم به في تكوين الحقيقة المكانية الزمنية. أما بالنسبة لله فإن خلوده مطلق، إذ لا بداية له ولا نهاية
99
وبعد الموت حالا الدينونة الخاصة، أليس كذلك؟
نحن نؤمن بالدينونة الخاصة للإنسان حالا بعد موته، وبالدينونة العامة في نهاية العالم:
1 - فالموت يضع حدا لحياة الإنسان على الأرض حيث يستطيع الإنسان أن يتقبل النعمة الإلهية التي تجلت في المسيح كما يستطيع أن يرفضها. وكل إنسان ينال جزاءه الأبدي، عند موته، في دينونة خاصة تُحال فيها حياته إلى المسيح، إما عبر تطهير (في المطهر)، وإما للدخول مباشرة في سعادة السماء، وإما للهلاك الأبدي. في ختام حياتنا سوف ندان على المحبة. وقد أكد السيد المسيح الجزاء المباشر بعد الموت لكل إنسان تبعا لأعماله وإيمانه في مثل لعازر المسكين، وفي كلامه وهو على الصليب حين قال للّص الذي كان عن يمينه: "اليوم ستكون معي في الفردوس" (لو 23/43).
2 – في قانون الإيمان نحن نعلن أيضا إيماننا بالدينونة العامة: "سيأتي ليدين الأحياء والاموات". إنها الدينونة الاخيرة التي تنهي تاريح البشر.
يتكلم العهد الجديد على الدينونة بنوع خاص في إطار اللقاء الأخير مع المسيح عند مجيئه الثاني حيث يكشف المسيح سلوك كل واحد وسرّ القلوب: "فما من مستور إلا سيكشف، ولا من مكتوم إلا سيعلم ... (لو 12/1-3). كما يكشف أيضا موقف كل إنسان من قريبه ومن النعمة التي غمره بها الرب طيلة حياته على الأرض. سيقول يسوع في اليوم الأخير: "كلما صنعتم شيئا من ذلك لواحد من إخوتي هؤلا الصغار فلي قد صنعتموه (متى 25/40).
إن السيد المسيح هو رب الحياة والموت، وله الحق الكامل في أن يحكم نهائيا على أعمال البشر وعلى قلوبهم لكونه فادي العالم. لقد اكتسب هذا الحق بصليبه. فإليه أولى الآب القضاء كله (يو 5/22)، والابن لم يأت ليدين، بل ليخلص، ولكي يعطي الحياة. وكل من يرفض النعمة في هذه الحياة الفانية فإنه يدين ذاته (يو 3/18 ، 12/48) فينال ما تستحقه أعماله، ويستطيع أن يهلك نفسه إلى الأبد برفضه محبة الله والقريب (متى 12/28-34). المسيحي الصالح ينتظر دينونته بثقة كاملة في المسيح الرحيم الذي يحبه في هذه الحياة ويحفظ وصاياه، وخصوصا وصية المحبة التي سيدينه عليها.
100
ماذا نعني بذخائر القديسين؟
نعني بذخائر القديسين رُفات القديسين وبقاياهم بعد موتهم. فالكنيسة تحفظها باحترام وتحيطها بالإكرام.، ولا يجوز بيعها على الإطلاق (القانون 1190 من مجموعة الحق القانوني).
101
هل الغفرانات تغفر الخطايا؟
الغفرانات لا تغفر الخطايا وهي ليست بديلا عن التوبة. والغفران هو:
"أن يترك لنا الله العقاب الزمني الذي تستحقه الخطايا المغفورة. وترك العقاب هذا، يحظى به المؤمن بشروط معينة، بفعل الكنيسة التي جعلها الله قيّمة على ثمار الفداء، فتوزعها بسلطانها، وتطبّق على المؤمنين استحقاقات المسيح والقديسين" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1471). أما العقوبة الزمنية المترتبة على الخطايا المغفورة فلا يعلم بها إلا الله وحده.
"لكي نفهم هذه العقيدة وهذه الممارسة في الكنيسة، لا بد من النظر إلى الخطيئة في مفعولها المزدوج. فالخطيئة الثقيلة تحرمنا الشركة مع الله، وتجعلنا غير أهل للحياة الأبدية، وهذا ما يسمى بالعقاب الأبدي للخطيئة. ومن جهة أخرى فإن كل خطيئة، حتى الخطيئة العرضية، تجعلنا نتعلق تعلقا مريضا بالخلائق، يحتاج إلى تطهير، سواء في هذا العالم أم بعد الموت في ما يسمونه المطهر. هذا التطهير يطهرنا مما يسمى بالعقاب الزمني للخطيئة ... مغفرة الخطيئة تعيد إلى النفس الشركة مع الله وتمحو العقوبة الأبدية المترتبة على الخطيئة. وإنما تبقى هناك عقوبات زمنية، وعلى المسيحي أن يسعى إلى أن يتحمل في الصبر عذابات الحياة المختلفة، ومتى جاءت الساعة، أن يواجه الموت راضيا، ويحسب هذه العقوبات الزمنية نعمة من الله. وعليه أن يسعى، بأعمال الرحمة والمحبة، وبالصلاة ومختلف أعمال التوبة، إلى خلع "الإنسان القديم" وارتداء الإنسان الجديد" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثولبيكية 1472-1473).
أما الشروط المطلوبة لربح الغفران فهي: العماد، وعدم وجود أي حرم، وحال النعمة والقيام بالصلوات الكنسية المطلوبة، مع النية لربح الغفران.
102
ماذا تعني الكنيسة بكلمة سر عندما تتكلم عن "الأسرار السبعة" أو عن أسرار الإيمان؟
لكلمة "سر"، في العرف اللاهوتي عدة معاني:
1 - عندما نتحدث عن الأسرار السبعة نعني بكلمة سر علامات ووسائل حسية من كلمات وأعمال ورموز يفيض بها الروحُ القدس نعمةَ المسيح التي ترمز إليها هذه العلامات والوسائل. وقد وضعها يسوع المسيح ووكلها إلى الكنيسة، لكي نحصل بها على الحياة الإلهية. ويحقق السر مفعوله من النعمة في الذين ينالونه، عندما يقبلونه وهم على أتم الاستعداد الذي تطلبه منهم الكنيسة.
2 - وعندما نتكلم عن أسرار الإيمان فان المسيح نفسه هو سر الخلاص. القديس أغسطينوس يقول: "المسيح وحده هو السر". والعمل الخلاصي الذي حققه المسيح في ناسوته أي في طبيعته البشرية فهو مقدَّس ومقدِّس، وهو سر الخلاص الذي يظهر ويعمل في أسرار الكنيسة. والكنيسة ياتحادها بالمسيح على أنه رأسها تصبح هي نفسها سرا، وغايتها الأولى هي أن تكون سر الاتحاد الصميم بين الله والبشر، وسر وحدة الجنس البشري وفيها ابتدأت هذه الوحدة إذ انها تجمع البشر من جميع الامم والأعراق والشعوب واللغات. وفي ليتورجية الكنيسة يعبر المسيح خصوصا عن سره الفصحي ويحققه:
"لقد مات يسوع وقبر وقام من بين الأموات وجلس عن يمين الآب "مرة واحدة" (رؤ 6/10، عبر 7/27 ، 9/12). إنه حدث حقيقي طرأ على تاريخنا، ولكنه حدث فرد: كل ما سواه من أحداث التاريخ يحدث مرة ثم يعبر ويبتلعه الماضي. وأما سر المسيح الفصحي فلا يمكن أن يبقى فقط في الماضي لأن المسيح بموته أباد الموت، ولأن المسيح كله بهويته وبكل ما صنعه وكابده في سبيل الناس أجمعين يشترك في الأبدية الإلهية ويُشرف هكذا على جميع الأزمان ويظل فيها حاضرا. إن حدث الصليب والقيامة يدوم ويجتذب إلى الحياة كل شيء" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1085).
3 – إن المسيح، لتعميم عمله الخلاصي وإيصاله إلى الناس في كل جيل وفي كل مكان وزمان، حاضر في كنيسته ولاسيما في الأعمال الليتورجية. إنه حاضر في ذبيحة القداس، وفي شخص خادم السر:
"فالذي يُقدَّم الآن على يد الكهنة هو الذي قدّم ذاته على الصليب حينذاك، وبأعلى درجة تحت أشكال الإفخارستيا. إنه حاضر بقوته في الأسرار، فإذا عَمّد أحد، كان المسيح نفسه هو المُعَمِّد. وهو حاضر في كلمته، لأنه هو المتكلم عندما نقرأ الكتب المقدسة في الكنيسة. وهو حاضر أخيرا عندما تصلي الكنيسة، وترتل المزامير، لأنه هو الذي وعد قائلا: "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فأنا أكون هناك في ما بينهم" (متى 18/20)" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1088)
103
لماذا لا يتحد المسيحيون ويؤلفوا كنيسة واحدة كما أراد المسيح؟
إن العهد الجديد من الكتاب المقدس، يبين لنا أن السيد المسيح أسس كنيسة واحدة، وختمها بهيكلية الرسل، وجعل الرسل حجارة الأساس، وعلى رأسهم بطرس الرسول، يشتركون في رسالته وسلطانه. ومنذ عهد الرسل ظهرت بعض انقسامات وانحرافات في الإيمان، إستنكرها بطرس وبولس والرسل، وشجبوها بشدة. وفي غضون القرون اللاحقة، وقعت أيضا انشقاقات أشدُّ خطورة، بذنب أفراد من هذا الفريق أو من الفريق الآخر. جراح وحدة الكنيسة تمت وتتم بخطيئة البشر. وأسباب الخروج عن إيمان بطرس وخلفائه كثيرة، وهي أسباب شخصية ودينية وسياسية. ومهما كانت الأسباب فهي لا تبرر انقسام المسيحيين إلى فئات كثيرة تجعل من وحدة الكنيسة حلما جميلا نتوق اليه ولا نستطيع اليه سبيلا.
"أن تكون الكنيسة واحدة في شركة الإيمان"، إنما هو همّ جوهري من همومنا، رعاة ومؤمنين، بل هو همّ المسيح الذي عبّر عنه، حين صلى إلى الآب قائلا: "فليكونوا باجمعهم واحدا كما انك انت ايها الاب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحدا فينا، حتى يؤمن العالم أنك أنت أرسلتني" (يو 17/21). وحدة الله المثلث الاقانيم، هي مبدأ كل وحدة، وهي ينبوع وحدة المسيحيين. فالكنيسة واحدة في ينبوعها، وواحدة من مؤسسها، وواحدة من روحها. وقد قال القديس اكليمنضوس الإسكندري: "يا له من سر عجيب، آب واحد للكون، وكلمة واحدة للكون، وكذلك روح قدس واحد، هو هو في كل مكان. وعذراء واحدة صارت أُمّا، ويطيب لي أن اسميها الكنيسة". فمن جوهر الكنيسة أن تكون واحدة، وأن تكون شركة الوحدة فيها فائقة الطبيعة، لا تحتويها حدود بشرية. وبالتالي فإن مصالحة جميع المسيحيين في وحدة كنيسة واحدة ووحيدة في المسيح، تفوق قوى البشر وتخطيطهم وذكاءهم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يجمع المسيحيين بالإيمان هو أكثر بكثير مما يجعلهم مختلفين. كلنا نعترف في قانون الإيمان بأن الكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، وكلنا نؤمن بأن الروح القدس يملأ الكنيسة ويحييها ويسوسها. كلنا نؤمن انه في داخل شركة الكنيسة الواحدة، توجد شرعا، كنائس محلية تتمتع بتقاليد خاصة. وهذا التنوع لا يعارض وحدة الكنيسة. فالكنيسة لا تنحصر في انتماء طائفي، ولا في شعب من الشعوب. ولا تقتصر في عبادتها على ليتورجية واحدة. نحن نؤمن بأن الكنيسة هي شعب الله، وجسد المسيح السري، وهيكل الروح القدس. إنها كرمة المسيح، ونحن فيها الأغصان. إنها عروس المسيح التي صارت لنا أمّا، وهي تجود علينا بالخيرات الإلهية التي استأهلها لنا المسيح بسره الفصحي.
إن الرغبة في العودة إلى وحدة جميع المسيحيين في إيمان واحد هي موهبة من المسيح، ودعوة من الروح القدس. فالروح القدس يزرع في قلوب المؤمنين الرغبة الصادقة، في أن يكونوا واحدا في المسيح، واحدا في المحبة والإيمان والشهادة للمسيح. ويكون المؤمنون صادقين في رغبتهم هذه عندما يسلكون طريق المحبة الإلهية التي تميز جماعة المسيح عن غيرهم من البشر. فالسيد المسيح أمرنا قائلا: "أثبتوا في محبتي" (يو 15/1-9) "أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم". المحبة المسيحية هي نقطة الإنطلاق الحقيقية، التي تجعل الطرق سالكة للاعتراف بإيمان واحد في كنيسة المسيح الواحدة، كما يريدها المسيح. والمحبة المسيحية ليست مجاملات، ولا تنحصر في التعبير عن العواطف الجميلة، وهي لا تكتفي بإعلان المواقف الإيجابية، بل هي محبة فاعلة، تُبنى أولا على توبة القلب والتواضع، على الصفح والغفران، على الصلاة المشتركة، والاحترام المتبادل، والتنشئة المسكونية للمؤمنين.
راجع أيضا كتاب "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" بشأن جراح الوحدة رقم 817 -819
104
Please قل لي: من أنا؟ عمرى 16 سنة ولا يزال هذا السؤال يحيرني. هل أنا غيمة تمر في سماء هذا العالم ثم تتلاشى وتضمحل؟
Please إقتنع أنه لا ينفعك كثيرا أن أقول لك من أنت. فأنت أصبحت رجلا ولست طفلا جاهلا. ألمهم بالأمر أن تكتشف أنت من أنت. كلامي الذي قد يكشف لك مَن أنت ... قد يكون في النتيجة غيمة جميلة تمر في سماء حياتك.، وسرعان ما تنساها، وتبقى على ما أنت.
ولكي تكتشف من أنت، إقرأ كلمة الله وأصغِ إلى أمك الكنيسة المقدسة ببساطة طفل، فهما يكشفان لك حقيقة من أنت ويضعان مفتاح سر حياتك بين يديك، لكي تدخل إلى ذاتك فتكتشف أنك موضوع حب الله الذي خلقك لأنه يحبك، وتكتشف أن يسوع، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس تجسد ومات على الصليب من أجل خلاصك، وحقق الفداء لك ولكل البشر. إكتشف كم أنت عظيم أمام الله، وكم أنت محبوب. فالله أحبك وخلقك ودعاك إلى سعادة أبدية. وهذه الحياة ليست سوى طريق مؤدية إليها.
كذلك كن واقعيا ولا تبق عائشا في عالم الخيال. وكما تقول لي في رسالتك التي فيها وجهت السؤال، فأنت تلمس لمس اليد كم أنت ضعيف وخاطىء وملىء بالتناقضات، ولكن ثق دائما بيسوع الذي يحبك والذي ترك لك سر التوبة علاجا لضعفك فتعود إليه تائبا وتلتقيه بقلب صادق ومتواضع، وأعطاك ذاته في سر القربان قوتا لنفسك، تلجأ إليه باستمرار فتتحد به ويتحد بك، وترك لك كلمته في الكتاب المقدس لتكون نورا لحياتك. وفي الصلاة تجده دائما بانتظارك ومستعدا للإصغاء إليك ولمساعدتك.
كن صادقا مع نفسك واكتشف أن يسوع يدعوك إلى الأعالي بينما طبيعتك الفاسدة تميل بك إلى الأسفل. فأنت صاحب القرار. ماذا ومَن تريد؟ هل موقفك من يسوع مجرد كلام وعواطف جميلة؟ يسوع يطلب منك صراحة أن تقاوم الشرير وأن تعمل الخير، وأن تحمل صليبك وأن تدخل من الباب الضيق لأنه باب الملكوت. فلا تطلب ما هو سهل ورخيص. يسوع ليس رخيصا، فهو الطريق والحق والحياة والنور والملكوت والسعادة. فاطلبه بعزم وثقة، فينقشع الظلام من سماء حياتك.
اكتشف أن الكنيسة المقدسة التي أسسها يسوع على صخرة بطرس هي أمّك، وأنت ابن لها، وأنت تحمل رسالتها إلى العالم كله. فعليك أن تشهد لها وليسوع شهادة حسنة بمحبتك وإنسانيتك وثباتك ونموك ونضوجك، بقدوة حياتك المسيحية، وبصلاتك الحارة من أجل الناس أجمعين.
القديس لاون الكبير البابا يقول لك:
"إعرف أيها المسيحي كرامتك. صرت مشاركا في الطبيعة الإلهية، فلا تَعُد بعد إلى ضلال سلوكك القديم. بل تذكر مَن هو رأسك (أي المسيح)، وفي أي جسد (أي الكنيسة) صرت عضوا. تذكر أنك انتُشلت من سلطان الظلمات ونُقِلتَ إلى نور الله وملكوته. بسر المعمودية أصبحت هيكلا للروح القدس. فلا تحمل هذا الضيف الكبير على الهرب بسبب أعمالك السيئة، فتعود مرة ثانية إلى عبودية الشيطان. ثمنك هو دم المسيح".
إكتشف كرامتك العظيمة عند الله. وانتقل من النظريات إلى العمل. أغرس في ذاتك اليقين الثابت من أن الله يحبك على ما أنت عليه. وتعامل مع كلمته بتواضع وبساطة. فإذا جعلت منها غذاء لنفسك وحاولت أن تفهمها لتكون حياتك مطابقة لها. فهنيئا لك وكن سعيدا.
105
قال بطرس ليسوع: "أنت المسيح ابن الله الحي". فماذا كان يعني بذلك؟
1 - في العهد القديم، كانت تعني عبارة "ابن الله" البنوّة بالتبني، أي أنه يوجد بين الله وخليقته (ابنه) علاقات أُلفة خاصة. وعندما قال قائد المائة والرجال الذين كانوا معه يحرسون يسوع، عندما رأوا أن يسوع صرخ صرخة شديدة وأسلم الروح: "كان هذا ابن الله حقا" (متى 27/54) لم يكن يعني أكثر من ذلك. ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لبطرس، لأنه عندما اعترف بأن يسوع هو "المسيح ابن الله الحي" (متى 16/16) أجابه يسوع رسميا قائلا: "ليس اللحم والدم كشفا لك هذا، بل أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك: أنت صخر وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي، فلن يقوى عليها سلطان الموت" (متى 16/17-18). إعلان بطرس بأن المسيح هو ابن الله، بموجب جواب المسيح له، كان ركيزة الإيمان الرسولي وأساس الكنيسة.
2 - كان المسيح يعني بأنه ابن الله حقا، عندما أعلن رسميا أمام المجلس الذي كان ملتئما لمحاكمته إذ أجاب على سؤال عظيم الكهنة: "أستحلفك بالله الحي لتقولن لنا هل أنت المسيح ابن الله" فقال له يسوع: " هو ما تقول، وأنا أقول لكم سترون بعد اليوم ابن الإنسان جالسا عن يمين القدير وآتيا على غمام السماء" (متى 26/63-64). وسبق أن أعلن المسيح لتلاميذه أنه: "ما من أحد يعرف الآب إلا الابن ومن شاء الابن أن يكشفه له (متى 11/27)، وبيّن لهم في مثل الكرامين القتلة أنه "الابن" ويختلف عن الخدام، أي الأنبياء الذين سبق الله وأرسلهم إلى شعبه (متى 21/37-38)، كما أعلن أنه فوق الملائكة أنفسهم حين قال: "السماء والأرض تزولان، وكلامي لن يزول" (متى 24/35). وفي مناسبتين رسميتين، في العماد والتجلي، أعلنه الآب "ابنا محبوبا" (متى 3/17 ، 17/5)،
3 - قال يوحنا الحبيب في مطلع إنجيله: "شاهدنا مجده، مجدا من الآب لابنه الوحيد الممتلىء نعمة وحقا" (يو 1/14). وأعلن المسيح عن نفسه لنيقودمس أنه ابن الله الوحيد حين قال له: " إن الله أحب العالم حتى إنه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3/16). قال يوحنا الحبيب أيضا في رسالته الأولى: "بهذه ظهرت محبة الله في ما بيننا، بأن الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لنحيا به ... هو نفسه أحبنا وأرسل ابنه كفارة عن خطايانا" (1 يو 4/9،14). وبولس الرسول، بعد اهتدائه، أخذ يبشر في المجامع بأن يسوع هو ابن الله، كما ورد في سفر أعمال الرسل 9/20. وقال لأهل غلاطية: "ولكن لما حسن لدى الله الذي أفرزني ... أن يكشف لي ابنه لأبشر به بين الوثنيين" (غلا 1/15-16). وفي سفر الرؤيا قال يوحنا الحبيب: "بعد قيامته تظهر بنوته الإلهية في قوة بشريته الممجدة: "...المُقام بحسب روح القداسة، في قدرة ابن الله، بعد قيامته من بين الأموات" (رؤ 1/4).
106
ماذا نعني أو ماذا يجب أن نفهم بسر التجسد؟
التجسد هو سر الاتحاد العجيب بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية في شخص الكلمة الوحيد. الكلمة صار جسدا أي اتخذ طبيعة بشرية لكي يحقق فيها خلاصنا. وقال بولس الرسول بهذا الصدد: "فمع أنه (أي المسيح) في صورة الله ... صار على مثال البشر، وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (فل 2/6-8). وجاء في الرسالة إلى العبرانيين: "فلذلك قال المسيح عند دخوله العالم: لم تَشأ ذبيحة وقربانا ولكنك أعددت لي جسدا. لم ترتضِ المحرقات ولا الذبائح عن الخطايا. فقلت حينئذ (وقد كان الكلام عليَّ في طيِّ الكتاب): هاءنذا آت، اللهمَّ لأعمل بمشيئتك" (عبر 10/5-7). وورد أيضا في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 463 بهذا الصدد:
"الإيمان بالتجسد الحقيقي لابن الله هو العلامة المميزة للإيمان المسيحي. بهذا تعرفون روح الله: إن كل روح يعترف بأن يسوع المسيح قد أتى في الجسد هو من الله" (1 يو4/2). ذلك هو يقين الكنيسة السعيد منذ البدء، عندما تتغنى بسر التقوى العظيم "لقد ظهر في الجسد" (1 طيم 3/16).
قال القديس اثناسيوس بطريرك الإسكندرية (295-373) في دفاعه عن الإيمان ضد آريوس الذي انكر ألوهية السيد المسيح أنه:
"يجب أن نؤمن بتجسد ربنا يسوع المسيح، لأن الإيمان المستقيم هو أن نؤمن ونقر بأن ربنا يسوع المسيح ابن الله هو إله وإنسان. هو إله من جوهر الآب، مولود قبل الدهور، وإنسان من جوهر أمه مولود في هذا الدهر. فهو إله كامل وإنسان كامل، كائن بنفس ناطقة وجسد بشري. مساو للاب بحسب لاهوته، ودون الآب بحسب ناسوته. وهو وإن يكن إلها وإنسانا، إنما هو مسيح واحد لا مسيحان.
إنه واحد، ليس بتحويل لاهوته جسدا، بل باتحاد الناسوت واللاهوت ... لأنه كما أن النفس الناطقة والجسد إنسان واحد، كذلك الاله والإنسان مسيح واحد. هو الذي تألم لأجل خلاصنا ... وقام أيضا في اليوم الثالث من بين الأموات. وصعد إلى السماء ... ومن هناك يأتي ليدين الاحياء والاموات ..."
وقال القديس أغسطينوس: "تنبّه أيها الإنسان. من أجلك صار الله إنسانا. تنبّه أيها النائم، وقم من بين الأموات، يضىء لك المسيح. من أجلك صار الله إنسانا. لو لم يولد الرب في الزمن، لمكثت في الموت إلى الأبد. لو لم يتخذ الرب جسدا مثل جسدنا الخاطىء لما تحررت من خطيئة الجسد. لو لم تأت الرحمة منه، لبقيت في شقاء دائم. لقد سطع سر خلاصنا. المسيح ولد لنا فهلموا نسجد له"
107
المسيح هو إله وإنسان: هل يعني ذلك أن نصفه إله ونصفه إنسان؟
كلا. لان المسيح هو إله حق وإنسان حق. كامل في اللاهوت وكامل في الناسوت. فذلك لا يعني أنه إله في قسم منه وإنسان في قسم آخر. لقد صار إنسانا كاملا حقا وبقي إلها حقا. وهو شخص واحد وليس شخصين. وحرمت الكنيسة نسطوريوس الذي علم أن في المسيح شخصين: شخصا إلهيا وشخصا إنسانيا، كما حرمت الكنيسة بدعة الطبيعة الواحدة التي تتلاشى فيها الطبيعة الإنسانية لصالح الطبيعة الإلهية، وبدعة الإرادة الواحدة التي تزول فيها الإرادة الإنسانية لصالح المشيئة الإلهية. وقاومت الكنيسة كل الهرطقات التي انكرت ناسوت المسيح أي التي انكرت أن يسوع المسيح هو إنسان حق. وأكدت إيمانها بأن يسوع المسيح هو ابن الله بالطبيعة لا بالتبني وأنه مولود غير مخلوق وأنه والآب جوهر واحد.
قال المجمع الخلقيدوني المسكوني الرابع، الذي عُقد سنة 451:
"على أثر الآباء القديسين نعلّم بالاجماع الاعتراف بابن واحد هو هو، سيدنا يسوع المسيح. هو هو الكامل في اللاهوت، والكامل في الناسوت. هو هو إله حق وإنسان حق، المركب من نفس عاقلة ومن جسد، الذي جوهره جوهر الآب من حيث اللاهوت، وجوهره جوهرنا من حيث الناسوت، الذي "يشبهنا في كل شيء، ما عدا الخطيئة"، الذي ولده الآب قبل كل الدهور من حيث الألوهية، وفي هذه الايام الأخيرة وُلد من مريم البتول، من حيث الناسوت، لأجلنا ولأجل خلاصنا".
"واحد هو، وهو نفسه المسيح والرب والابن الوحيد، الذي يجب أن نعترف به في طبيعتين، غير مختلطتين، وغير متغيرتين ولا منقسمتين. إن اختلاف الطبيعتين لم يُلغِه اتحادهما بل بالحري احتفظت كل طبيعة بميزاتها، واجتمعت كلاهما في شخص واحد وأقنوم واحد" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 467)
وفي المجمع المسكوني الخامس المنعقد في القسطنطينية سنة 533 أعلنت الكنيسة أنها تؤمن بأن هنالك شخصا واحدا هو سيدنا يسوع المسيح، وهو واحد من الثالوث، وأن كل ما في ناسوت المسيح يجب أن يُنسب إلى الشخص الإلهي على أنه من عمله الخاص، ليس المعجزات وحسب بل الآلام أيضا وحتى الموت. فالذي صلب في الجسد، سيدنا يسوع المسيح، هو إله حق وإنسان حق، رب المجد وواحد من الثالوث الاقدس".
وتعلن ليتورجية القديس يوحنا الذهبي الفم في نشيد "يا كلمة الله": "يا كلمة الله الابن الوحيد، الذي لا يموت، لقد رضيت من أجل خلاصنا، أن تتجسد من والدة الإله مريم الدائمة البتولية، فتأنست بغير استحالة، وصُلبت أيها المسيح الإله، وبالموت وطئت الموت، أنت أحد الثالوث القدوس، الممجد مع الآب والروح القدس خلصنا".
108
سألني أحد الاصدقاء: هل كان ليسوع، بالاضافة إلى جسده الإنساني، نفس إنسانية مثلنا؟ وهل له معرفة إنسانية وإرادة إنسانية مثلنا؟ وهل لك أن تنيرني لكي اعطي صديقي الجواب الصحيح؟
1 - نحن نؤمن بأن ابن الله، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس قد تجسَّد، أي أصبح إنسانا كاملا شبيها بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة، له مثلنا جسده البشري، ونفس بشرية ذات إرادة ومعرفة بشرية حقيقية. ولذلك كان ينمو في الحكمة والسن والنعمة (لو 2/52). ففي يسوع المسيح طبيعتان، الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية وهما غير ملتبستين، بل متحدتين في شخص ابن الله الوحيد. وهو، في طبيعتيه الإلهية والإنسانية شخص واحد. وكانت معرفته البشرية الحقيقية تُعبِّر عن حياة شخصه الإلهية. فكانت طبيعته البشرية، لا بذاتها بل باتحادها بالكلمة، تَعلم وتُظهر في ذاتها كل ما يليق بالله. وكانت مرجعية كل ما كان يصدر عنه بصفته إنسانا، كونه ابن الله المتأنس، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. وكانت معرفة المسيح البشرية، بفضل اتحادها بالحكمة الإلهية في شخص الكلمة المتجسد، تتمتع تمتعا كاملا بعلم المقاصد الأزلية التي جاء ليكشف عنها هكذا. فالمسيح يُعبِّر بشريا في نفسه وفي جسده عن المقاصد الإلهية.
2 - يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في دستور الكنيسة في عالم اليوم:
"إشتغل ابن الله بيدين بشريتين، وفكر بعقل بشري، وعمل بإرادة بشرية، وأحب بقلب بشري. وُلد من العذراء مريم، وصار في الحقيقة واحدا منا، شبيها بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة" (رقم 22).
كذلك تؤمن الكنيسة (مجمع القسطنطينية سنة 681):
"بأن للمسيح إرادتين وفعلين طبيعيين، إلهي وبشري، لا متعارضين، بل متعاونين، بحيث أن الكلمة المتجسد أراد بشريا، في طاعة أبيه، كل ما أقرَّه إلهيا مع الآب والروح القدس من أجل خلاصنا. إن إرادة المسيح البشرية "تتبع إرادته الإلهية" بدون ان تكون مُعيقة لها ولا معارضة، بل بالحري بخضوعها لهذه الإرادة الكلية القدرة" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 475).
"وبما أن الكلمة صار جسدا متخذا ناسوتا حقيقيا، فإن جسد المسيح كان محددا. ولهذا كان بالإمكان رسم وجه يسوع البشري. وفي المجمع المسكوني السابع (مجمع نيقية سنة 787) اعترفت الكنيسة بأنه من الشرعي رسمه في صور مقدسة" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 476).
"فالمسيح أله حق وإنسان حق يملك عقلا وإرادة بشريين، متفقين كل الاتفاق، وخاضعين لعقله وإرادته الإلهيين اللذين يشترك فيهما مع الآب والروح القدس". (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 482)
3 – وتقول الكنيسة اللاتينية في ليتورجيتها، في مقدمة عيد الميلاد، بأن الله غير المنظور بطبيعته أصبح منظورا في جسد يسوع. وقد أحبنا بقلب بشري:
"ولهذا السبب فقلب يسوع الأقدس، الذي طُعن بآثامنا ولأجل خلاصنا، "يُعدّ العلامة والرمز الجليلين ... لهذه المحبة التي يُحب بها الفادي الإلهي، محبة لا تنقطع، الآب الازلي وجميع البشر من غير استثناء" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 477 – 478).
109
قلما يتناول كهنتنا في وعظهم وإرشادهم "الروح القدس الاقنوم الثالث من الثالوث الأقدس"، فهل لك أن تعطيني شرحا للروح القدس أكثر مما يُعطى للمقدمين على قبول سر التثبيت المقدس؟
الإيمان "بالروح القدس الإقنوم الثالث من الثالوث الأقدس" طويل جدا، ولا يمكن أن نوفيه كامل حقه بالإجابة على هذا السؤال. ولذلك نكتفي هنا بأن نجيب بإعطاء بعض الشروحات لإيماننا بالروح القدس الذي نعلنه في "قانون الإيمان" بعد العظة في الذبيحة الإلهية، أيام الآحاد والأعياد حيث نقول: "نؤمن بالروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الآب والابن، الذي مع الآب والابن، يُسجد له ويُمجّدَ: الناطق بالأنبياء ".
1 – فنحن نؤمن بالروح القدس: الرب المحيي
نحن نؤمن أن الروح القدس هو الله، وأنه الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس، وأنه الرب المحيي، الواحد في الجوهر غير المنقسم مع الآب والابن، لا ينفصل عنهما في حياة الثالوث الحميمة وفي موهبة محبته للعالم. كما نؤمن أيضا بتمييز الأقانيم الثلاثة. قال يسوع: " متى جاء هو، أي روح الحق، أرشدكم إلى الحق كله، لأنه لن يتكلم من عنده، بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث. سيمجدني لأنه سيأخذ مما لي ويخبركم به. جميع ما هو للآب فهو لي، ولذلك قلت لكم إنه يأخذ مما لي ويخبركم به" (يو 16/13-16). فالمسيح في سر التجسد، الله غير المنظور أصبح منظورا في هيئة إنسان. والروح القدس هو الذي يكشفه للعالم. ولكن: "لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه"، بينما المؤمنون بالمسيح يعرفونه، لأنه يقيم معهم" (يو 14/17)". وقال أيضا يسوع لتلاميذه: "وعندما تساقون إلى المجامع والحكام وأصحاب السلطة فلا يُهمَّنكم كيف تدافعون عن أنفسكم أو ماذا تقولون. لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوا" (لو 12/11-12)
وقد بلغ عمل الروح القدس الرب "المحيي" ذروته في سر التجسد. فكان يسوع ممتلئا من الروح القدس. ونؤمن أن يسوع هو المسيح، أي الممسوح بمسحة الروح القدس: "روح الرب مسحني وأرسلني لأبشر المساكين" (لو4/18). وبهذا الصدد، شرح غريغوريوس النيصي (335- 395) قائلا:
"فكرة المسحة توحي ... بأن ليس هنالك أيّ بُعد بين الابن والروح القدس. فكما أنه بين سطح الجسد ومسحة الزيت لا يعرف العقل ولا الحس أي وسيط، هكذا يكون اتصال الابن بالروح مباشرا، بحيث إنه لا بد لمن سيتصل بالابن بالإيمان من أن يلقى أولا الزيت باللمس. وهكذا فما من جزء عار من الروح القدس. ولهذا فالاعتراف بسيادة الابن تجرى في الروح القدس للذين يقبلونها، إذ يأتي الروح القدس من كل جهة إلى أمام الذين يقتربون بالإيمان". (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 689-690)
2 – ونحن نؤمن بانبثاق الروح القدس من الآب والابن
الحب، عند البشر، عاطفة بين شخصين. أما الحب في الله، فهو أقنوم بين الآب والابن. فالآب أقنوم والابن أقنوم، والروح القدس أقنوم، وهو حبهما المتبادل. وهذا موضوع إيمان، أوحى الله به في الكتاب المقدس. ويعجز العقل البشري عن إدراكه. الروح القدس "غير مخلوق وغير مولود" من الآب والابن بل ينبثق منهما. والإنبثاق تعبير لاهوتي عن الحب المتبادل بين الآب والابن. وهذا يعني أن الآب يمنح الابن كل ما له حتى القدرة على الحب وعلى أن يكون هو أيضا مصدر حب. فالروح القدس ينبثق من الآب والابن. لو كان الروح القدس ينبثق فقط من الآب ولا ينبثق أيضا من الابن، لكان الابن أدنى شأنا من الآب في الحب، ولما كان مساويا للآب في الجوهر، ولما كان هو والآب واحدا. وقد شبه بعض آباء الكنيسة الروح القدس بوثبة الحب الإلهي المتبادل بين الآب والابن، وبالأنشودة المتبادلة التي يترنمان بها... هذه التشابيه وغيرها تقرب إلى أذهاننا حقيقة السر الإلهي، ولكن يجب أن نكون دوما مدركين أنه من العبث أن نحاول أن نقيس أسرار الله بمقاييسنا الزمنية.
قال البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة "الروح القدس في حياة الكنيسة والعالم" أن يوحنا (16/1-15) يسمي الآب والابن والروح القدس صراحة أشخاصا – أي أقانيما - يتميز الأول فيهم عن الثاني والثالث، ويتميز الثالث عن الاثنين الآخرين، كما يتكلم عن الروابط التي تصل الآب بالابن والروح القدس. وقال أن صيغة العماد: "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" تبرز سر الله العميق، سر الحياة الإلهية، سر الأب والابن والروح القدس، الوحدة الإلهية في الثالوث. فالله هو محبة جوهرية يشترك فيها الأقانيم الثلاثة، والروح القدس هو "الأقنوم – المحبة" لأنه روح الآب والابن. ويصح القول بأن حياة الله الواحد المثلث تصير في العمق بالروح القدس عطاء، تبادل حب بين الأقانيم الإلهية، وأن الله بالروح القدس كائن على طريقة العطاء. والروح القدس هو التعبير الشخصي عن عطاء الحب هذا في الثالوث. إنه "الشخص – المحبة"، "والشخص – العطاء". ومفهوم الشخص في الله حقيقة سر لا تُدرك أبعاده ولا يُسبر غوره، وإنما نعرف بوجوده من الله الذى أوحي به.
3 – نسجد للروح القدس ونمجده مع الآب والابن
إن النعمة الإلهية بالمعنى الحصري هي صداقة وشراكة مع الله، وهي تقوم في إفاضة محبة الله في قلوبنا بالروح القدس (رو 5/5)، وتُدخلنا في حياة الثالوث الإقدس وفي محبته. ويتكلم الكتاب المقدس عن سكنى الروح القدس في النفوس. فقد جاء في إنجيل يوحنا: "وأنا سأسأل الآب، فيهب لكم مؤيدا آخر يكون معكم للأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يتلقاه لأنه لا يراه ولا يعرفه. أما أنتم فتعلمون أنه يقيم عندكم ويكون فيكم" (يو 14/16 – 17). فهو حي في تلاميذ المسيح، ومن خلال سكناه فيهم يتم أيضا حضور الآب والابن (يو 14/23) وعبادة الله، كما بيّن لنا يسوع تتم بالروح والحق" (يو 4/24). وقد دعانا بولس الرسول إلى فتح أبواب نفوسنا للروح القدس حين قال لأهل أفسس: ""دعوا الروح يملأكم" (أف 5/18)، "لا تُحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء" (أف 4/30). هكذا نستطيع أن نجني في نفوسنا ثمار الروح، وهي كما قال بولس لأهل غلاطية: " المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف (غلا 5/22-23).
4 – نؤمن بالروح القدس الناطق بالانبياء
نقرأ في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
"... فهو الناطق بالأنبياء الذي يُسمعنا كلام الآب ويُعدُّنا لاستقباله في الإيمان. إنه روح الحق الذي يكشف لنا المسيح "لا يتكلم من عند نفسه (يو 16/13). وهو الناطق بالأنبياء في الكتب الموحى بها، وفي تقليد الكنيسة وليتورجية الأسرار، وفي سلطة الكنيسة التعليمية التي يرافقها ويثبتها على الإيمان القويم. في يوم العنصرة نزل الروح القدس على الرسل المجتمعين في العلية مع مريم أم يسوع وبعض النسوة فاكتمل وحي الثالوث الأقدس وصار الملكوت الذي بشر به المسيح مفتوحا امام الذين يؤمنون به. " (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 731-732).
الروح القدس الذي يفيضه المسيح في الكنيسة يُحييها ويقدّسها. فالكنيسة هي سر اتحاد الثالوث القدوس بالبشر. رسالة المسيح والروح القدس تتحقق في الكنيسة، جسد المسيح السري وهيكل الروح القدس. إنه فاعل في رسالة الكنيسة، في كل كيانها وفي جميع أعضائها. فهو الذي يقودها في طريق الملكوت ويفتح لها باستمرار حقولا جديدة لرسالتها. يقول القديس كيرلوس الإسكندري:
"نحن جميعا الذين نلنا الروح الواحد نفسه، أي الروح القدس، قد انصهرنا في ما بيننا وفي الله. ذلك أنه، مع كوننا، كل بمفرده، كثيرين، ومع كون المسيح يجعل روح الآب وروحه الخاص يسكن في كل منا، هذا الروح الواحد وغير المنقسم يعيد بذاته إلى الوحدة جميع الذين هم متميزون في ما بينهم ... ويجعلهم واحدا بالذات" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 738).
110
قال يسوع للسامرية: "الماء الذي أعطيه إياه يصير فيه عين ماء يتفجر حياة أبدية" (يو 4/14) وعرفت أن مفسري هذا النص يقولون إن يسوع عنى بكلامه "الروح القدس". فهل لك أن تشرح لي ذلك؟
ردا على السؤال، لا أجد أفضل من شرح القديس كيرلوس الأورشليمي حيث قال في إحدى عظاته:
"الماء الذي أعطيه أياه يصير فيه عين ماء يتفجر حياة أبدية" (يو 4/14). هو نوع جديد من الماء الذي يتفجر ويحيي. يتفجر في من يستحقونه. ولماذا دعا النعمة الروحية ماء؟ لأن جميع الأشياء تأخذ من الماء كيانها. ولأن الماء يحيي النبات والحيوان، ولأنه يهطل من غيوم السماء. ينحدر الماء بشكل واحد وبصورة واحدة، ولكنه يُنتج أشكالا كثيرة متنوعة. ماء يروي النخيل، وماء يروي الكرمة. فهو كل شيء في كل شيء. طبيعته واحدة في حد ذاتها، ولا يمكن أن يكون غير ما هو عليه. المطر هو هو ... ولكنه يتكيف بحسب العناصر التي تستقبله، فيضع في جميعها ما يلائمها"
"كذلك الروح القدس، فهو واحد بسيط لا يتجزأ، ويوزِّع النعمة على من يشاء. وكما أن الشجر الجاف، إذا ارتوى بالماء، أزهر، كذلك النفس الخاطئة، إذا مُنِحت بالتوبة موهبة الروح القدس، أنبتت براعم البر ... يعطي الواحد لسانا لينطق بالحكمة، وينير ذهن آخر للنبوءة، ويمنح غيره سلطانا لطرد الشياطين، ويهب لغيره موهبة تفسير الكتب الإلهية. وآخرا يثبّته في القناعة، أو يُعلِّمه كل ما يتصل بالرحمة، أو يعلِّمه الصوم وممارسة حياة الزهد، أو احتقار شؤون الجسد، أو يُعدِّه للاستشهاد. فله في كل واحد عمل مختلف. ولكنه لا يكون أبدا مختلفا عن ذاته. جاء في الكتاب المقدس: "كل واحد يتلقى ما يُظهر الروح لأجل الخير العام" (1 كو 12/7) مجيئه حليم لطيف، وحضوره عذب عطر، ونيره ليّن خفيف ..."
111
أنا أومن أن الروح القدس هو الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس، وأنه الرب المحيي. فهل إيماني هذا يعني أن الروح القدس هو الذي يحقق القداسة في الكنيسة؟
نعم. هو الروح القدس الرب المحيي الذي يحقق القداسة في الكنيسة وفي النفوس التقية التي تلتزم بتعاليم السيد المسيح. ونقرأ بهذا الصدد في وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني "الكنيسة نور الشعوب" ما يلي:
"ولما أُنجِز العمل الذي كلف الآب ابنه بتحقيقه على الأرض (يو 17/4) أُرسل الروح القدس، في يوم العنصرة لكي يقدس الكنيسة باستمرار، فيكفل للمؤمنين الوصول إلى الآب بالمسيح في وحدة الروح (أف 2/18) ... وبقوة الإنجيل يحفظ للكنيسة شبابها، ويجددها باستمرار ... ولا يقتصر فعل الروح القدس على تقديس شعب الله بالأسرار والخِدَم الروحية، وهدايته وتزيينه بالفضائل، بل يوزع مواهبه على من يشاء (1 كو12/11) ويهب المؤمنين من كل فئة ومرتبة نعما خاصة تؤتيهم الكفاءة والمقدرة على القيام بمختلف المهام والخدمات المفيدة، لتجديد الكنيسة ونمائها، على حسب ما قيل: "كل واحد يتلقى ما يظهر الروح لأجل الخير العام (1 كو 12/7)" (رقم 4، 12)
ولنا وصف جميل لأعمال الروح القدس، في كتاب للقديس باسيليوس الكبير (329 – 379)" في الروح القدس"، حيث قال:
"كل الذين يطلبون التقديس يلتفتون إليه. وكل الذين يعيشون في الفضيلة يتوقون إليه. بمائه يرتوون ويجدون العون ... هو مصدر القداسة، ونور العقل، يُفيض من ذاته نوعا من الإشراق في كل قوة عاقلة للبحث عن الحقيقة".
"غير مُدرَك في طبيعته، ولكنه قريب المنال برأفته. مالىء الكل بقوته. لا يهب ذاته إلا للمستحقين. ولا يهب بالمقدار نفسه، بل لكل واحد بمقدار إيمانه. بسيط بجوهره، متنوع بقوته. حاضر كله في كل واحد، وموجود كله في كل مكان ... الكل يشارك فيه، ويبقى كاملا في ذاته. هو مثل أشعة الشمس، ينعم كل واحد بإحسانها وكأنها كلها له، وهي تنير الأرض والبحر وهي بالهواء ممتزجة. كذلك الروح القدس: هو حاضر في كل فرد أهل لقبوله، وكأنه وحده مستقبِل له، بينما يهب نعمته الكافية والكاملة للجميع. والذين ينالونه يتمتعون به على قدر ما تستطيع طبيعتهم، لا على قدر ما يستطيع هو".
"به ترتفع القلوب إلى العلى، ويؤخذ الضعيف بيده، والساعون إلى الكمال يكمَّلون. يضيء لكل الذين تطهروا من كل وصمة، وبشركتهم معه يحولهم إلى أناس روحيين".
112
قال يسوع لتلاميذه بأنه سوف يرسل اليهم الروح القدس من عند الاب لكي يعلمهم ويذكرهم تعاليمه. ألم يكن تعليمه لهم كافيا؟ فكيف تفسر لي ذلك (يو 14/26)
1 - كان يسوع يعلم أنه سوف يخرج من هذا العالم ويعود إلى أبيه، أي أنه سوف يخرج من حدود المكان والزمان فيتخلى عن وضعه الزمني الذي يجعله في متناول المعرفة الملموسة، وبالتالي سوف يختفى عن عيون تلاميذه وعن عيون محبيه والمؤمنين به في كل مكان وزمان. ولذلك أراد أن يبقى حاضرا، وإلى الأبد، في كنيسته بالروح القدس حضورا لا يكون في متناول الحواس. وقد أدرك التلاميذ بعد القيامة أن غياب يسوع عنهم بالجسد شرط لحضوره السري الدائم في الكنيسة، وأن الظهورات الفصحية ما كانت إلا لمدة قصيرة ولعدد من المؤمنين.
2 - إن الروح القدس ليس شبحا، ولا وهما ولا خيالا، بل هو شخص، أقنوم، متحد بالآب والابن اتحادا سريا، وهو يقوم بعمل المسيح ويتابعه ويسهر عليه في الكنيسة ويرشدها إلى الحق كله، ليجعل منها روحا وحياة. فهو على مدى القرون والأجيال، يذكّر تلاميذ المسيح بتعاليمه، وينير أذهانهم لكي يفهموا معنى أقواله وأعماله، ويعيشوا بموجبها. ولذلك فإن مهمة الروح القدس هي امتداد لمهمة المسيح. فالمسيح كلمة الله، والروح القدس، أرسلهما الآب ليتمّما عمل الخلاص. وقد حل الروح القدس على الرسل يوم العنصرة ومنحهم كل سلطان ليفتحوا أمام جميع الشعوب أبواب الحياة وليُدخِلوهم في العهد الجديد.
3 – إن الروح القدس حل ويحل في الكنيسة ويقوم بعمل المسيح بطريقة خفية سرية. وهو يُعلِّم النفوس التقية أن معرفة الله علاقة شخصية وحب وحياة روحية تقوم على حفظ كلمته وعلى الإلتزام بمتطلبات حبه الإلهي. يأتي الروح القدس لينير إيماننا بسرَّي التجسد والفداء وبتعاليم السيد المسيح التي يُسهّل فهمها علينا. فحضور الروح القدس في الكنيسة حضور إلهي مباشر وحياة الهية في المحبة.
113
أين أستطيع أن أجد مراجع كاثوليكية لاتمكن من الإجابة على أسئلة واعتراضات المتجددين؟
المراجع كثيرة، وهي بمختلف اللغات، أذكر لك من المراجع العربية، على سبيل المثال، لا الحصر:
1 - التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
2 - الجواب من الكتاب (للاب يعقوب سعادة / بمشاركة الأب د. بيتر
مدروس).
3 – وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني.
4 – التاريخ في خدمة الإيمان (نصوص ووثائق للرعاة ومعملي الدين
المسيحي).
5 – تحريف شهود يهوه للكتاب المقدس (Pro manuscripto)
6 – الشيع المسيحية، نشأتها وتنظيماتها (بقلم جان م. صدقة)
موسوعة المعرفة المسيحية / تاريخ الكنيسة.
7 – شهود يهوه و "الأسرار" / انطون سعادة / لبنان 1985
8 – لا لشهود يهوه / انطون سعادة / 1984
9 – بدعة شهود يهوه ومشايعيهم / اسكندر جديد
ومن المراجع باللغة الأنكليزية، أذكر الكتب التالية:
1 - Catholicism and fundamentalism by Karl Keating
2 - Answering a Fundamentalist by Albert J. Nevins, M.M.
3 - Strangers at Your door by Albert J. Nevins, M.M.
4 - Rome Sweet Home ( Ignatius press) by Scott and Kimberly Hahn
5 - Surprised by Truth )Basilica press) edited by Patrick Madrid
114
ما الفرق بين "الهرطوقي" والمنشق عن الكنيسة؟
الهرطوقي هو المسيحي الكاثوليكي الذي يصر على إنكار عقيدة من عقائد الإيمان التي يجب أن يؤمِن بها. أما الإنشقاق أي الإنفصال عن الكنيسة فهو رفض الخضوع لراس الكنيسة أي لقداسة البابا خليفة القديس بطرس ورفض الشركة معه أو مع الكنيسة الكاثوليكية. فالمسيحي الكاثوليكي الذي ينكر عقيدة من عقائد الإيمان الكاثوليكي والذي ينشق عن الكنيسة الكاثوليكية يكون محروما من الكنيسة تلقائيا.
115
ما هي الكنيسة المرمونية وما هي معتقداتها؟
الاسم الرسمي للكنيسة المرمونية هو " كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأزمنة الاخيرة" وقد أسسها سنة 1829 المدعو جوزيف سميث الذي يدّعي أن ملاكا كشف له عن صفائح ذهبية مدفونة بالقرب من بالميرا / نيويورك، ويدعي ايضا أن الملاك قد منحه قدرة على تحليل الكتابة الهيروغليفية التي تحتوي عليها الصفائح وهكذا نشأ كتاب المرمون.
وبحسب جوزيف سميث، فإن الكنيسة قد سقطت في أضاليل كثيرة حالا بعد موت آخر تلميذ من التلاميذ الاثني عشر، وأن الله اقامها من عثراتها حين ظهر له الله الاب ويسوع سنة 1829. ثم نقل مجموعته الكنسية إلى اوهايو / ميسوري، ومن ثم إلى اللينوس (Illinois) حيث قتل سنة 1844. وخَلفَه بريقام يونق الذي قاد جماعة المرمون إلى ما يسمى اليوم يوتا. وقد انتشر المرمون ولهم سبعة ملايين من الاتباع.
يؤمن المرمون بأن عقائدهم التي يحتويها كتابهم، متوفرة كلها في الكتاب المقدس وفي العهد القديم. وبالرغم من أن المرمون يدّعون أنهم مسيحيون فإنهم ينكرون العقائد الأساسية في المسيحية. وعلى سبيل المثال فإنهم يدّعون أن هنالك أكثر من إله لاكثر من عالم، وأن الله كان في الماضي إنسانا، وأن المرمون سيصبحون أيضا آلهة بعد موتهم. قال زعيمهم بريقام يونق: "إننا الآن في الحالة التي كان فيها الله، وسوف نصبح في الحالة التي هو فيها الان. أي أننا الآن بشر مثل الله عندما كان بشرا، وسوف نصبح آلهة مثلما أصبح".
بالاضافة إلى ذلك فإن المسيحية تعبد إلها واحدا في ثلاثة أقانيم (الآب والابن والروح القدس) أما المرمون فيعبدون آلهة ثلاثة.
المرمون يحرمون الكحول والتبغ والمنشطات مثل الكوفايين، ويدفعون العشر من أموالهم، ويساعدون عائلات كثيرة ويطلبون من الشباب التطوع للرسالة لمدة سنة أو سنتين لكي يربحوا أعضاء جددا. وهؤلا المرسلون يحفظون جيدا بعض المقاطع من الكتاب المقدس ومن كتابهم لإقناع المسيحيين بالإنضمام اليهم وللرد على اعتراضاتهم وتساؤلاتهم.
116
هل لك أن تبين لي من هم شهود يهوه؟
تأسست جماعة شهود يهوه قبل حوالي مائة سنة على يد رجل اسمه شارل روسل. وهو معروف باسم باني الجماعة وله حوالي مليونان من الاتباع منهم نصف مليون في الولايات المتحدة. رسلهم يقضون 16 الى 20 ساعة اسبوعيا يطرقون أبواب الناس ويقيمون حلقات الدراسة للكتاب المقدس في قاعة "مملكتهم" وكل جماعة مؤلفة من 75 عضوا.
شهود يهوه يؤمنون أننا نعيش في الأيام الأخيرة قبل معركة ارماجدون النهائية بين المسيح والشيطان. وقد تنبأوا بأن المعركة الأخيرة التي تضع نهاية للعالم تكون سنة 1914. ولما لم تتم نقلوها إلى سنة 1925. ولما لم تتحقق نقلوها إلى سنة 1975، ولكنهم لم يَصدُقوا. ومع ذلك فإنهم يصرون على أن نهاية العالم أصبحت وشيكة. إنهم يعتبرون أنفسهم جماعة يهوه الجديدة. ويرفضون أن يؤدوا التحية لعلم البلاد ويرفضون خدمة العلم والدخول في الجيش ويرفضون كل وظيفة رسمية، ويعتبرون الحكومات القائمة من صنع الشيطان.
إنهم يؤمنون أن الله هو الآب وحده، وهو يهوه وأن يسوع ليس إلها وأنه أصبح إنسانا ومات من أجل خطايانا وهو ينفذ إرادة الله في السماء وهو معروف باسم ميخائيل رئيس الملائكة، وأن المخلصين هم 144000 فقط، وأن شهود يهوه يعيشون على الأرض إلى الأبد وأن بقية الناس سوف يتلاشون.
كذلك لا يؤمن شهود يهوه بأية آداب وأخلاق ، ولا يرون في الزنى خطيئة ولا في الإجهاض جريمة ولا يرون زواج المثلين خطيئة ...الخ ولا يؤمنون بالميلاد والفصح. إنهم يختارون بعض النصوص من الكتاب المقدس ويشرحونها بخبث ودهاء. ويُنصَح المؤمنون، وإن كانوا على درجة عالية من الثقافة ومعرفة الكتاب المقدس ألا يسمعوا لهم خطابا وألا يفتحوا لهم بابا.
117
من هو أريوس وما هي بدعته التي سميت باسمه" الأريوسية"؟
ولد اريوس سنة 256 ويبدو أنه كان ليبي الأصل وكان كاهنا في مصر في القرن الرابع وأخذ ينشر آراءه قبل 320 حيث أنكر لاهوت المسيح. وعلّم أن يسوع المسيح هو إنسان محض وأنه أكمل الخلائق. وأن الكلمة (اللوغس) ليس أزليا كالاب، وليس من جوهره، إنما أوجده الآب مباشرة قبل الزمن، كما لم يفعل لسائر المخلوقات. فالكلمة مولود ومخلوق معا. إنه ليس إلها إلا بالمشاركة. ولكي يتألم صار الكلمة إنسانا كاملا بمعنى أن الإنسان في المسيح اتخذ الكلمة مكان النفس البشرية، فيسوع لم يكن له نفس بشرية. وقد انقسم الاريوسيون إلى أقسام عديد:
1 – اريوسيون متطرفون يقولون بأن المسيح ليس شبيها بالآب
2 – وأريوسيون معتدلون يقولون بأن المسيح شبيه بالآب
3 – واريوسيون توفيقيون وهم قريبون من تعليم المجمع النيقاوي ويقولون
بأن الابن هو من جوهر الآب عينه أو انه من جوهر شبيه بجوهر
الآب.
أجمع الآباء في مجمع نيقية المسكوني (سنة 325) على إدانة هرطقة أريوس وعلى الاعتراف بإيمان الكنيسة أي بأن المسيح إله وأنه مساو للآب في الذات والجوهر. ولكن الأريوسية وجدت دعما قويا من بلاط القسطنطينية. مما كلف اثناسيوس النفي عدة مرات بصفته المدافع الأول عن المجمع النيقاوي. وفي سنة 381 عُقد مجمع القسطنطينية الأول فأدان هذه التعاليم المضللة مرة أخرى. وكان هذا المجمع في أول الأمر مجمعا محليا، ثم تحول إلى مجمع مسكوني بعد موافقة البابا في روما على ما قرره آباء المجمع، فأصبح نص قانون الإيمان كما هو اليوم بين أيدينا: "نؤمن بإله واحد، آب اضابط الكل، خالق السماء والارض ... وبرب واحد يسوع المسيح ... مولود غير مخلوق ... مساو للآب في الجوهر".
118
من هم النساطرة، وماذا كان تعليمهم بالنسبة للسيد المسيح؟
سنة 428 انتخب لكرسي القسطنطينية لاهوتي من أنطاكية هو نسطوريوس. وكان يشدد على تمييز بين الطبيعتين في "الكلمة المتجسد" إلى درجة الفصل بينهما. فكان يُعلّم أن المسيح هو مسيحان مسيح إله قبل التجسد، ومسيح إنسان بعد التجسد. كان ينكر وحدة السيد المسيح وينكر اتحاد اللاهوت والناسوت في شخص السيد المسيح. فهو يميز فيه شخصين منفصلين. ونتيجة لذلك فقد رفض أن تسمى مريم العذراء والدة الاله وهو لقب يعبر أحسن تعبير عن حقيقة سر تجسد الكلمة وميلاده.
وحدث أن أحد تلاميذ نسطوريوس، وعظ لجمهور المؤمنين في القسطنطينية، وقال إنه لا يجوز أن تُدعى مريم أم الله" بل "أم يسوع لا غير". فثار المؤمنون عليه وطالبوا نسطوريوس أن يدين تلميذه وأن ينكر تعليمه هذا، فأبى. فتدخل عندئذ كيرلوس أسقف الإسكندرية وأرسل إلى نسطوريوس عدة رسائل يسأله فيها أن يرجع عن تعليمه هذا، فرفض. فرفع كيرلوس عندئذ الأمر إلى البابا سلستينوس الأول في روما. فعقد البابا سنة 430 مجمعا أعلن فيه صحة موقف كيرلس وأعلن أن تعليم نسطوريوس كان تعليما هرطوقيا. وبالرغم من ذلك لم يرجع نسطوريوس عن آرائه. فعُقِد المجمع المسكوني الثالث في أفسس سنة 431 وترأسه كيرلس. فقرر المجمع إدانة نسطوريوس وأتباعه، وأكّد على العقيدة المسيحية معلنا أمومة مريم الالهية.
119
في كتب التاريخ الكنسي، ورد مرارا اسم اليعاقبة، فهل لك أن تفيدني من هم اليعاقبة؟
اليعاقة هم الذين كانوا يؤمنون بأن في السيد المسيح طبيعة واحدة. وقد أطلق عليهم اسم اليعاقبة نسبة إلى المطران يعقوب البردعي مطرن الغساسنة على الرها. وهذا يعود بنا إلى تاريخ هذه الهرطقة في الكنيسة وإلى تاريخ الغساسنة في سوريا:
1 - كان أوطيخا رئيس دير بالقرب من القسطنطينية وكان يُعلِّم بأن في المسيح طبيعة واحدة فقط. وعُقِد في القسطنطينية مجمع محلي سنة 448 للنظر في هذا التعليم، فرفض أوطيخا أن يرجع عن تعليمه فحُرم وعُزل من رئاسة ديره. وأكد المجمع على إيمان الكنيسة بطبيعتين في السيد المسيح. ولكن أوطيخا استطاع أن يقنع الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني أن يعقد مجمعا في أفسس سنة 449 وأسند الإمبراطور رئاسة المجمع إلى ديسقورس بطريرك الإسكندرية. فأطلع فلافيانوس بطريرك القسطنطينية البابا لاون الكبير على الأمر، فارسل البابا رسالتين واحدة للبطريرك والأخرى للمجمع وأوضح فيها التعليم المسيحي القويم وأدان ضلالات أوطيخا. ولكن القائمين على المجمع أساؤا معاملة رسل البابا ورفضوا أن يقرأوا في المجمع الرسالتين المذكورتين. وتعرض فلافيانوس لمعاملة سيئة من هذا المجمع، ونُفي ومات بعد نفيه بقليل. وقد أثار هذا التصرف احتجاج البابا لاون واحتجاج عدد كبير من أساقفة الشرق. وفي هذه الاثناء مات الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني. فانعقد مجمع مسكوني في خلقيدونية. وعندما قرئت رسالة البابا إلى فلافيانوس، صرّح الآباء الحاضرون: "هذا إيمان آبائنا. هذا إيمان الرسل. وهكذا نؤمن جميعا. وهكذا يؤمن الارثوذكسيون فليكن محروما من لا يؤمن بهذا الإيمان. إن بطرس قد تكلم بفم البابا لاون".
أما ديسقورس وأساقفة مصر فرفضوا رسالة البابا لاون إلى فلافيانوس، كما رفضوا أن يوقعوا تحديد الإيمان القويم. وبعد انتهاء مجمع خلقيدونية أصدر الامبراطور أمرا بنفي ديسفورس إلى جزيرة في آسيا الصغرى حيث قضى خمس سنوات وتوفي فيها سنة 457.
2 - كان الحارث ملك الغساسنة من أنصار القائلين بالطبيعة الواحدة في المسيح. وقد طلب سنة 563 من الملكة تيودورا تعيين أسقفين وهما يعقوب البردعي وتيودورس على المقاطعات السورية العربية. وقد حصل يعقوب على الرها مركزا أسقفيا له مع سلطة قضائية على سوريا والديار العربية، ودعم القائلين بالطبيعة الواحدة في المسيح، وذاع صيته وغلب اسمه على أتباع الهرطقة فعرفوا باليعاقبة. أما سلطة تيودورس فكانت تمتد إلى الديار الواقعة إلى الغرب من سوريا، وإلى فلسطين، ومركزها الحيرة. وكان أسقفا متجولا يتنقل مع القبائل الرّحّل.