المجموعة الحادية عشرة
متفرقات
516
ما هو واجب المسيحي تجاه دينه وكيف يعزز انتماءه إليه؟
واجب المسيحي الأول هو:
1 - أن يتعلم الإنجيل والآداب والعقائد المسيحية.
2 - أن يتخذ من الأسرار المقدسة وكلمة الله في الكتاب المقدس وفي الليتورجية غذاء روحيا، وأن يحافظ على وديعة الإيمان التي تعلمها الكنيسة في كل مكان وزمان.
3 - ان يعيش وفقا لما يؤمن به، بحيث تكون حياته اليومية إنجيلا حيا ناطقا.
4 – أن يكون شاهدا للمسيح، وأن يحمل إلى الناس رسالة المحبة بحياته وأعماله وتقواه وإنسانيته وفضائله.
517
لماذا لا يتحد المسيحيون ويؤلفون كنيسة واحدة كما أراد المسيح؟
إن العهد الجديد من الكتاب المقدس، يبين لنا أن السيد المسيح أسس كنيسة واحدة، وختمها بهيكلية الرسل، وجعل الرسل حجارة الأساس، وعلى رأسهم بطرس الرسول، يشتركون في رسالته وسلطانه. ومنذ عهد الرسل ظهرت بعض انقسامات وانحرافات في الإيمان، استنكرها بطرس وبولس والرسل، وشجبوها بشدة. وعلى مدى القرون اللاحقة، وقعت أيضا انشقاقات أشدُّ خطورة، بذنب أفراد من هذا الفريق أو من الفريق الآخر. جراح الكنيسة تمت بخطيئة البشر. وأسباب الخروج عن إيمان بطرس وخلفائه كثيرة، وهي أسباب شخصية ودينية وسياسية. ومهما كانت الأسباب فهي لا تبرّر انقسام المسيحيين إلى كنائس كثيرة متناحرة تجعل من وحدة الكنيسة حلما بعيدا نتوق اليه ولا نستطيع اليه سبيلا.
"أن تكون الكنيسة واحدة في شركة الإيمان"، إنما هو همّ جوهري من همومنا، بل هو همّ المسيح الذي عبّر عنه، حين صلى إلى الآب قائلا: "فليكونوا باجمعهم واحدا كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم ايضا واحدا فينا، حتى يؤمن العالم انك أنت أرسلتني" (يو 17/21). وحدة الله المثلث الأقانيم، هي مبدأ كل وحدة، وهي ينبوع وحدة المسيحيين. فالكنيسة واحدة في ينبوعها، وواحدة في مؤسسها، وواحدة في روحها. قال القديس اكليمنضوس الإسكندري: "يا له من سر عجيب، آب واحد للكون، وكلمة واحدة للكون، وكذلك روح قدس واحد، هو هو في كل مكان. وعذراء واحدة صارت أما، ويطيب لي أن أسميها الكنيسة". فمن جوهر الكنيسة ان تكون واحدة، وأن تكون شركة الوحدة فيها فائقة الطبيعة، لا تحتويها حدود بشرية. وبالتالي فإن مصالحة جميع المسيحيين في كنيسة واحدة ووحيدة في المسيح، تفوق قوى البشر.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يجمع المسيحيين على الايمان الواحد هو أكثر بكثير مما يفرق بينهم. كلنا نعترف في قانون الإيمان بأن الكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، وكلنا نؤمن بأن الروح القدس يملأ الكنيسة ويحييها ويسوسها. كلنا نؤمن انه في داخل الكنيسة الواحدة، توجد شرعا، كنائس محلية تتمتع بتقاليد خاصة. وهذا التنوع لا يعارض وحدة الكنيسة. فالكنيسة لا تنحصر في انتماء طائفي، ولا في شعب دون شعب. ولا تقتصر في عبادتها على ليتورجية واحدة. نحن نؤمن بأن الكنيسة هي شعب الله، وجسد المسيح السري، وهيكل الروح القدس. إنها كرمة المسيح، ونحن فيها الاغصان. إنها عروس المسيح التي صارت لنا أما، وهي تجود علينا بالخيرات الإلهية التي استأهلها لنا المسيح بسره الفصحي.
إن الرغبة في العودة إلى وحدة جميع المسيحيين على إيمان واحد هي موهبة من المسيح، ودعوة من الروح القدس. فالروح القدس يزرع في قلوب المؤمنين الرغبة الصادقة، في أن يكونوا واحدا في المسيح، واحدا في المحبة والإيمان والشهادة للمسيح. ويكون المؤمنون صادقين في رغبتهم هذه عندما يسلكون طريق المحبة الإلهية التي تميز جماعة المسيح عن غيرهم. فالسيد المسيح أمرنا قائلا: "اثبتوا في محبتي" (يو 15/1-9) "أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم". المحبة المسيحية هي نقطة الإنطلاق الحقيقية، التي تجعل الطرق سالكة للاعتراف بإيمان واحد في كنيسة المسيح الواحدة، كما يريدها المسيح. والمحبة المسيحية ليست مجاملات، ولا تنحصر في العواطف الجميلة، وهي لا تكتفي بإعلان المواقف الإيجابية، بل هي محبة فاعلة، تُبنى أولا على توبة القلب والتواضع، على الصفح والغفران، على الصلاة المشتركة، والإحترام المتبادل، والتنشئة المسكونية للمؤمنين.
(راجع أيضا كتاب "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" بشأن جراح الوحدة رقم 817 -819).
518
هل من فرق في المعنى بين الطقوس والليتورجيا؟
الطقوس تعني الليتورجيا، والليتورجيا تعني الطقوس، وهي العبادة الرسمية التي يقوم بها الشعب وعلى رأسهم الكاهن أو الأسقف، ويتم ذلك بنوع خاص في اقامة الذبيحة الإفخارستية.
في الأجيال الأولى لم تكن الصلوات في الطقوس محددة بدقة. وفي أواخر القرن السادس فرضت روما الطقوس بصورة إلزامية وثبتت نصوصها الرسمية. وعلى مدى العصور أضافت وعدلت عليها لكي تكون الطقوس في متناول الشعب وتخدمه في تقواه وعبادته. وقد سمح المجمع الفاتيكاني الثاني بأن تقام ذبيحة القداس وأن تعطى الأسرار بلغة البلد التي تقام فيها كما أجرت تعديلات كثيرة تناسب عالمنا الحاضر.
519
نحن نؤمن بكنيسة رسولية فماذا نعني بذلك؟
نحن نؤمن بكنيسة "رسولية" أي مبنية على الرسل وتحمل رسالة الرسل التي تلقوها من المسيح وهم مؤتمنون عليها ليبشروا بها العالم كله. وصفة "رسولية" ميزة جوهرية للكنيسة ودليل على انها واحدة وأنها تلك الكنيسة التي أسسها الرسل والتي تستمر عبر القرون والأجيال.
تقوم هذه الوحدة على أن الكنيسة أسسها المسيح على الرسل وبواسطتهم، وأنها في تعليمها وأسرارها تظل أمينة لمؤسسة الرسل، وأن البابا هو خليفة بطرس وأن الأساقفة هم في خلافة متواصلة وحقيقية للرسل، وبالتالي أن الخلافة الرسولية حقيقة راهنة وليست صورية وأنها أمينة على صحة السيامة الأسقفية، التي توجد أيضا خارج الكنيسة الكاثوليكية ولا سيما عند الكنائس الشرقية المنفصلة عن روما أي عن إيمان بطرس الرسول.
520
هل أطرد مَن في فمه علكة في القداس أم أنتظر خروجه من الكنيسة لكي "أبهدله"؟
لا تطرده ولا تبهدله، مع العلم أنه يستأهل البهدلة. ولكن إعتبر أنه "نسي" العلكة في فمه وهو داخل إلى الكنيسة، ونبّهه بكل لطف إلى أنه "نسي العلكة في فمه" وأنه الان في الكنيسة للصلاة.
وإذا كانت العلكة في فم طفل، وإذا كان الطفل مع والديه، فمن الأفضل أن تلفت انتباه والديه على ذلك. فالملاحظة، عندما تأتي إلى الطفل من والديه، أي ممن هم قائمون على تربيته، قد يتقبلها بأريحية، وتساعد ملاحظتك الأهل على متابعة الاهتمام بالموضوع في المستقبل. وفي هذه الحالة، قد تكون الملاحظة مفيدة للطفل وللوالدين على السواء.
521
طعام الرحمة على الأموات عادة قديمة لماذا يتمسك بها الناس وهي ترهق بيوت أناس كثيرين لا قدرة لهم على ذلك؟
جرت محاولات كثيرة للحد من الإنفاق الزائد الذي لا مبرر له بمناسبة الموت والدفن، وكان النجاح ولا يزال جزئيا. فالالتزام مطلوب قبل كل شيء من المؤمنين الموسرين لكي يكونوا قدوة للاخرين ويشجعوا العائلات المستورة على الاقتداء بهم. لأن العائلات المستورة ترى من الواجب الإلتزام بالعادات الاجتماعية التي يلتزم بها الآخرون، ويصرفون على طعام الرحمة ما لا قدرة لهم عليه، ويستدينون ويتحملون ديونا باهظة.
بالاضافة إلى ذلك نلفت النظر إلى أن الجميعات العشائرية تستطيع أن تحد من الإنفاق على طعام الرحمة عندما تلزم بذلك، في قوانينها الداخلية، جميع المنتسبين إلى الجمعية، أغنياء كانوا أم معوزين.
522
ألا يجب أن يهتم كاهن الرعية بجوقة الترتيل لكي تكتسب الإحتفالات الليتورجية روعة وجمالا؟ وهل من مكان خاص في الكنيسة لجوقة الترتيل؟
من المحبذ جدا أن يكون في كل كنيسة جوقة الترتيل. ويجب على كاهن الرعية أن يهتم اهتماما خاصا بجوقة الترتيل إما مباشرة أو بواسطة آخرين من ذوي الاصوات الرخيمة ممن يجيدون الترتيل ولهم إلمام بالموسيقى الكنسية والكلاسيكية.
أما جوقة الترتيل فهي مجموعة من المرتلين يتم اختيارهم كي يقوموا بالترتيل ويقودوا الشعب في الترتيل ويحيوا القداس، خصوصا في أيام الآحاد والأعياد.
يكون موضع جوقة الترتيل والأرغن والأجهزة الموسيقية الأخرى، بحسب ما لكل كنيسة من تصميم، في المكان الصالح والمناسب الذي يتيح للجوقة رؤية الهيكل، ويتيح للمؤمنين أن يسمعوا الترتيل والعزف جيدا وبكل ارتياح. فالمشاركون في جوقة الترتيل هم جزء من جماعة المؤمنين الذين يؤدون خدمتهم الليتورجية ويشتركون في القداس الإلهي اشتراكا تقويا كاملا. (كتاب "قداس الأحد في رعيتي" صفحة 114).
523
أنا ابن السينودس الأبرشي. كنت عاملا فاعلا فيه، شأني شأن مئات من الشباب والصبايا. فلماذا توقف السينودس وأصبح في حكم الماضي؟
لقد تم افتتاح السينودس الأبرشي في بلادنا المقدسة في عشية عيد العنصرة في 3/6/1995 وتم اختتامه رسميا مع الحج الذي قام به قداسة البابا يوحنا بولس الثاني للبلاد المقدسة بمناسبة سنة اليوبيل الكبير، أي سنة الألفين، حيث قدم غبطة البطريرك ميشيل الصباح لقداسته المخطط الرعوي الذي يحتوي على جميع قرارات وتوصيات السينودس.
كان السينودس الأبرشي مسيرة روحية ورعوية شارك فيها جميع أبناء الكنيسة الكاثوليكية في بلادنا المقدسة، من إكليروس وعلمانيين على تنوع خدماتهم ومواهبهم. فكروا معا، وعملوا معا بغية تجديد حياة الكنيسة في جميع جوانبها.
إنتهى السينودس وبدأت الجهود لتنفيذ ما اتخذه السينودس من قرارات وتوصيات. ويبدو واضحا أن كل المحاولات لم تحقق النجاح الذي كنا نرجوه. لماذا؟ الجواب يتطلب فحص ضمير شامل للإكليروس والعلمانيين الملتزمين لكي يكتشفوا الأسباب الحقيقية، ويعملوا على معالجتها ويحاولوا من جديد، أن يغرفوا من ينابيع السينودس الروحية والرعوية. كان في السينودس:
"مداخلات جدّية، ومسؤولية، وغضب، ونقد، وصراحة، وحرية ... يجب أن نتعود على هذه اللغة. وأقولها بشكل خصوصي – وبشكل أخوي – للإكليروس الذي سيقرأ هذه الكلمات. أرجو أن يصلوا إلى النتيجة أن "شيئا ما" يتغير حولنا. وإذا تغير هذ "الشيء ما" إلى نداءات، والنداءات إلى استجابة، والإستجابة إلى تغيير الذهنية، وتغيير الذهنية إلى عمل ملموس، بما فيه من قناعات وخيارات وقرارات شخصية وجماعية ... نكون قد وصلنا إلى الغاية التي توخاها السينودس والجمعية العمومية ..." (عن مجلة اللقاء، صفحة 5 السنة الخامسة، العدد الثالث والرابع، سنة 2000)
ما رأيك أن تصلي كل يوم "صلاة المسيرة الرعوية المشتركة" المنبثقة عن السينودس فتلتمس كل يوم من الرب أن تحيى رعايانا مع رعاتها في المحبة والوفاق، وأن نتمم مشيئة الله علينا وعلى كنائسنا؟ وأما الصلاة فهي:
اللهم، يا مَن تُقدِّس كنيستك المنتشرة في العالم كله،
أنظر إلينا، نحن الماثلين بين يديك. باركنا وسدِّد خطانا.
أغمرنا بفيض مواهب روحك القدوس،
لتستنير عيوننا، وتصفو نفوسنا، وتجتمع جهودنا.
جُد على رعايانا أن تحيى مع رعاتها،
حول كلمتك وجسدك ودمك، في المحبة والوفاق،
فيعمل أبناؤها معا، بقلب واحد ونفس واحدة، خدمة لملكوتك،
وبناء لكنيستك المقدسة في بلادنا،
وشهادة لاسمك القدوس.
يا مريم أمَّ الكنيسة وأمَّنا، باركي بلادنا وكنائسنا،
رافقينا ببهاء حضورك الوالدي،
كي نُتمِّم مشيئة الله علينا وعلى كنائسنا،
فيتمجد بذلك الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس.
آمين.
524
ما هو الخير العام وهل يمكن تحقيقه لجميع المواطنين؟
نفهم عموما بالخير العام الأوضاع الإجتماعية التي تتيح للجماعات ولأعضائها أن يبلغوا كمالهم بشكل شمولي. وقد ذكر المجمع الفاتيكاني الثاني في "دستور الكنيسة في العالم العاصر" الأوضاع التي تتيح للشخص أن يعيش حياته الإنسانية الحقيقية بكرامة، حيث قال:
"لا بد من تيسير كل شيء من شأنه أن يتيح للإنسان الحياة الكريمة وعلى سبيل المثال: الغذاء، والكساء، والدواء والسكن، وحق اختيار الحياة التي يريد عيشها، وتكوين أسرة، والتثقيف، والحصول على عمل، وكذلك الحق في حسن السمعة والإحترام والإعلام بالقدر الكافي، وأن يتصرف وفقا لالهام ضميره السليم، وان تصان حياته الخاصة، وكذلك حقه في حرية عادلة تشمل أيضا حياته الدينية. وبناء على ذلك فإن النظام الإجتماعي ينبغي أن يعود بالخير على الأشخاص حيث يخضع نظام الأشياء لنظام البشر وليس العكس، بناء على قول السيد المسيح: "خُلِق السبت لأجل الإنسان لا الإنسان من أجل السبت". وهذا النظام ينبغي تأسيسة على أسس العدالة وانعاشه بالحب." (رقم 26)
فالخير العام يهم جميع الناس، وهو يتضمن ثلاثة عناصر أساسية:
1 – احترام الشخص. السلطات العامة مُلزَمَة باحترام حقوق الشخص البشري الأساسية وحقه في ممارسة حرياته الطبيعية التي لا بد منها.
2 – الرفاهية الإجتماعية والتنمية. فعلى السلطة أن تمكّن كل إنسان مما يحتاج اليه لكي يعيش عيشة كريمة: من غذاء وكساء ودواء وعمل وتربية وثقافة وإعلام لائق، وحق تأسيس العائلة ... الخ.
3 – السلام أي دوام نظام عادل وآمن شامل. فيجب على السلطة أن توفر الأمن للجميع بالوسائل القويمة.
(راجع بهذا الشأن "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1905-1917).
525
هل يجب أن يكون للمسيحيين مقابر خاصة أم يمكن أن يَدفنوا موتاهم في مقابر الآخرين؟
لا يوجد في بلادنا مقابر عامة حيث يُدفن فيها المواطنون وغير المواطنين من كل الأديان بل توجد مقابر للمسلمين ومقابر للمسيحيين. وتفضل الكنيسة أن يكون للمسيحيين مقابرهم الخاصة بهم. وكثيرا ما كانت تقام المقابر بالقرب من كنيسة الرعية لكي يتمكن المؤمنون من زيارة قبور موتاهم ويصلوا من أجلهم.
في القانون 1240 من مجلة الحق القانوني لسنة 1917 طالبت الكنيسة بأن يكون للمسيحيين مقابرهم الخاصة إذا كان ذلك ممكنا، وإلا تُدفن أجساد المتوفين في المقابر العامة شرط أن يبارك الكاهن القبر. وأما في قوانينها الجديدة لسنة 1983 فلم تتطرق إلى الموضوع واكتفت بأن تبين من هم الأشخاص الذين يجب أن تُقام لهم مراسم الدفن الكنسية أو أن تُرفض (راجع القوانين 1183 – 1185).
526
أنا لا افهم قصة الكنيسة عروس المسيح، والمسيح عريس الكنيسة، فما هي علاقة العروس والعريس بالمسيح والكنيسة، فهل لك أن تشرح لي ذلك؟
تشبيه الكنيسة بالجسد يُلقي ضوءا على العلاقة الخاصّة بين الكنيسة والمسيح. فليست الكنيسة مجمّعة حوله وحسب، إنما هي متحدة به. كثيرا ما يُعبَّر عن هذا الاتحاد بصورة الزوج والزوجة. وموضوع المسيح عريس الكنيسة هيأه الأنبياء وبشر به يوحنا المعمدان (يو 3/29). والسيد المسيح نفسه دل على ذاته بلفظة العريس (مر 2/19). والرسول بولس يقدم الكنيسة على أنها عروس "مخطوبة" للمسيح الرب بحيث لا تكون معه إلا روحا واحدا (1 كو 6/15). إنها العروس العفيفة الطاهرة للحمل العفيف الطاهر (رؤ 22/17). أحبها المسيح، ولأجلها أسلم نفسه لكي يقدسها (أف 5/26) واتخذها شريكة له بعهد أبدي ويرعاها كجسده. والكنيسة جسد المسيح، والمؤمنون أعضاء هذا الجسد (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 796 ). وهذا يعني:
1 – وحدة المؤمنين من اتحادهم بالمسيح. فالمؤمنون الذين يستجيبون لكلمة الله هم أعضاء جسد المسيح السري، وهم متحدون بالمسيح اتحادا وثيقا. ووحدة الجسد السري تبعث المحبة وتنشطها بين المؤمنين. فإذا تألم عضو تألمت معه الأعضاء كلها وإذا أُكرم عضو أُكرمت الأعضاء كلها. وحدة الجسد السري تنفي انقسامات البشر: "فانتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم المسيح، فليس يهودي ولا يوناني، وليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثى، لأنكم جميعكم واحد في المسيح يسوع" (غل 3/27-28).
2 – المسيح رأس الجسد الذي هو الكنيسة. وهو يشركنا في فصحه. إننا نشترك في الآمه اشتراك الجسد مع الرأس. يتألم معه ويتمجد معه. رأس وأعضاء، شخص واحد سري، حقيقة واحدة سرية لا تخضع لحواسنا بل نقبلها بالايمان.
3 – "وحدة المسيح والكنيسة، الرأس والأعضاء، تتضمن أيضا تمّيّز الاثنين في علاقة شخصية.
527
إن الكنيسة تقيم أعيادا للمسيح وللروح القدس، فهل تقيم أعيادا لله الآب؟
في الليتورجية لا يوجد عيد خاص بالله الآب. أقرب عيد له هو "أحد الثالوث الأقدس" الذي تحتفل به الكنيسة في الأحد الأول بعد أحد العنصرة. ولكن لا يجوز اعتبار ذلك نوعا من أهمال الكنيسة لاحترام الله الآب لأن الكنيسة في طقوسها تحتفل بأهم مراحل خلاصنا، وجميع الصلوت الإفخارستية في ذبيحة القداس موجهة إلى الله الآب.
528
هل يجوز أن يسمح رؤساؤنا لغير الكاثوليك أن يستعملوا كنائسنا لاحتفالاتهم؟
نعم، يجوز ذلك. فالتوجه المسكوني الذي تبنّته الكنيسة الكاثوليكية وتشجّعه يتطلب أن يكون التعاون قائما بين كهنتنا وكهنة أو قسس الكنائس الأخرى في الأمور التي يمكن أن يتم فيها التعاون دون التعرض إلى الإيمان الكاثوليكي.
من حيث المبدأ، فإن الكنائس الكاثوليبكية هي للعبادة الكاثوليكية ولإقامة الأسرار المقدسة. ولكن إذا توفر سبب موجب لإقامة إكليل أو مناسبة دينية عارضة لإحدى الكنائس الأخرى، ولا مكان لديهم لإقامته، فلا مانع أبدا من السماح لهم باقامته في كنيستنا شرط أن لا يكون الإكليل المطلوب إقامته باطلا بموجب قانون الكنيسة الكاثوليكية، مثلا: إثنان لاتينيان لا يلتزمان بقوانين الكنيسة اللاتينية ويريدان أن يكلّلهما القسيس في كنيسة اللاتين.
529
ما الفرق بين الصوم والانقطاع؟ من يجب عليه أن يصوم؟ متى وكيف يجب أن نصوم؟
الإنقطاع هو الإمتناع عن أكل اللحم، أما الصوم فهو الإمتناع عن الطعام باستثاء وجبة واحدة في النهار والقيام باعمال التوبة والتقوى وأعمال الرحمة والمحبة. من الواضح أن السؤال المطروح يعود بنا إلى التزام المسيحيين بالقيام بأعمال التوبة. فالمسيحيون ملزمون بحكم القانون الإلهي، كل بطريقته الخاصة، بالقيام بأعمال التوبة. وفي الزمن الأربعيني فرضت الكنيسة أعمالا من التوبة والتقوى والرحمة، والكفر بالذات، والمحافظة على الصوم والإنقطاع. وبهذا الشأن فقد نصت القوانين الكنسية على ما يلي:
1 - نص القانون 1251 من مجموعة الحق القانوني على أنه يجب مراعاة الإنقطاع عن أكل اللحم أو عن طعام آخر، بموجب تعليمات مؤتمر الأساقفة، جميع أيام الجُمَع من السنة، ما لم يقع فيها أي من الأعياد الاحتفالية. كما يجب مراعاة الإنقطاع والصوم يومي أربعاء الرماد والجمعة العظيمة، حيث تذكر الكنيسة الآم ربنا يسوع المسيح وموته"
وقد قرر مؤتمر الأساقفة اللاتين في البلاد العربية على ما يلي:
أ– تُلزم الكنيسة بالإنقطاع عن أكل اللحوم كل أيام الجمعة من زمن الصوم الأربعيني وأربعاء الرماد.
أما بقية أيام الجمعة من السنة، فنظرا لظروف المسيحيين في البلاد الإسلامية، فان المؤتمر سمح بأكل اللحم وأن يعوض عنه بالانقطاع في يوم آخر من الاسبوع.
ب - تُلزم الكنيسة بالصوم تحت طائل الخطأ المميت، يومي الجمعة العظيمة وأربعاء الرماد. وأما بقية أيام الصوم، فالكنيسة تطلب إلى المؤمنين أن يصوموا بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم، وبأن يتوجهوا إلى التوبة والصلاة وأعمال الرحمة والمحبة. وأما الصوم عن الإكل فيقوم إما بأكل وجبة واحدة في النهار، وإما بالامتناع عن اللحوم والزفر طيلة الأربعين يوما.
2- ونص القانون 1252 على ما يلي:
"يُلزم بقانون الإنقطاع مَن أتموا الرابعة عشرة من العمر (حتى الموت). أما قانون الصوم، فيُلزم جميع من بلغوا سن البلوغ، وحتى بداية السنة الستين من عمرهم. غير أنه على رعاة النفوس والوالدين أن يسهروا على تربية مَن هم غير ملزمين، لصغر سنهم، بقانون الصوم والإنقطاع، على معنى التوبة الأصيلة".
530
ما هو الماء المقدس، ولماذا نستعمله؟
1 - كان الماء يستعمل في فروض دينية كثيرة يهودية وغير يهودية. والكنيسة، بناء على رغبة السيد المسيح استعملت الماء للعماد (يو 3/5)، واقتداء به حافظت على غسل الأرجل بالماء يوم خميس الأسرار (يو 13/5).
يوحنا المعدان كان يعمد بالماء في نهر الأردن، والسيد المسيح بقبوله العماد في النهر عن يد يوحنا قدس الماء للعماد المسيحي.
2 - الماء الذي يباركه الكاهن هو رمز الطهر والنقاء يعتبر شبه سر ويبارك به الكاهن والمؤمنون أنفسهم والأشياء، ويستعمل الماء المبارك أيضا لطرد الشياطين وفي أوقات الخطر. كذلك يستعمل علامة للتوبة في القداس إذ بدلا من "أنا اعترف" يمكن أن يبارك الماء ويرش الشعب علامة التوبة. وفي القداس يغسل الكاهن أصابع يديه التي بها يلمس القربان المقدس، رمزا إلى الطهر والنقاء قائلا: "إغسلني يا رب من إثمي ومن خطيئتي طهرني".
3 - كذلك يرمز الماء المبارك الى النعمة الإلهية التي يفيضها الرب، وإلى الخلاص الجاري باستمرار من جنب المسيح ومن ذبيحته على الصليب التي تكون حاضرة لدى إقامة ذبيحة القداس. فنحن نتبارك بالماء المبارك عند باب الكنيسة مما يساعدنا على دخول الكنيسة بورع وخشوع، ويعود بنا تفكيرنا إلى ينابيع إيماننا وانتمائنا إلى المسيح والكنيسة. الماء المبارك في النتيجة هو درس لاهوتي عميق بسيط يفهمه الكبار والصغار، والعلماء والجهلة. ومن المؤسف حقا أن يُهمل هذا الدرس وأن تُهمل هذه الواسطة التي أرادتها الكنيسة لكي تساعد المؤمن على الدخول إلى بيت الله بورع وخشوع.
4– يوضع عادة جرن للماء المبارك عند مدخل الكنيسة كي يأخذ منه المؤمنون ويرسمون به على ذواتهم إشارة الصليب، ويتذكرون عمادهم الذي به ينتمون إلى المسيح والكنيسة.
531
نعرف أن مركز سيدة السلام يقدم خدماته للمعوقين مجانا وأنه يتكل على العناية الربانية وسخاء محبي الإنسانية. ولكن هل من جديد في خدماته أم يكتفي بالخدمات التقليدية؟
مركز سيدة السلام الذي يقدم للمجتمع الأردني خدمة فريدة من نوعهها وهي: توعية المجتمع الأردني على مشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة. لا يكتفي المركز بتقديم خدمات عامة لذوي الإحتياجات الخاصة، شأنه في ذلك شأن المراكز الأخرى التي تُعنى بذوي بالمعوقين، بل ينفرد في توعية اسرة الإنسان المعاق، على وجوب احترامه ومعاملته معاملة إنسانية تليق بالإنسان، وتليق بابن الأسرة.
مراكز ذوي الإحتياجات الخاصة في الأردن تقدم خدمات لعدد محصور جدا من المعوقين. عشرات الألوف من المعوقين لا تصلهم أية خدمة. فالمركز يعمل على توعية أسرهم على وجوب احترامهم وخدمتهم واحترام حقوقهم وحسن معاملتهم، وذلك بمختلف الطرق مثل المسيرات، واليوم الطبي، والعمل التطوعي، ونشاطات اخرى كثيرة تهدف إلى توصيل المعلومة للأسرة الأردنية لكي لا تخجل الأسرة من ابنها المعاق، ولكي لا تخفيه، ولكي تتجاسر وتخرج به في المجتمع.
ولكي يحقق المركز هذا الطموح البنّاء في مجتمع أغلبيته الساحقة مسلمة، والأقلية فيه مسيحية، لجأ إلى الحوار الذي يجمع المواطنين، مسلمين ومسيحيين للعمل سوية. ولا يعني به الحوار الأكاديمي الذي يبقى محصورا بين عدد من الاشخاص، على أعلى المستويات، بل إلى الحوار الذي لا يحتاج إلى كلام، ولكنه يحتاج إلى عمل. فأنشأ المركز لجان سيدة السلام على أرضية مشتركة وهي:
- أن المعاق هو إنسان يجب أن يتمتع بحقوقه الإنسانية،
- وأنه مواطن يجب أن يتمتع بحقوق المواطنة،
- وأننا جميعا مؤمنون بالله الرحمن الرحيم.
وتعمل لجان سيدة السلام في العقبة ومادبا وعمان والفحيص والزرقاء والمفرق على توعية المجنمع الأردني.
هدف مركز سيدة السلام هو العمل يدا بيد، لتوعية المجتمع على قضية المعوقين، وذلك بشتى الوسائل المتاحة لديه، لكي يعيش ذوو الإحتياجات الخاصة حياة إنسانية وأسرية ووطنية كريمة، فلا يبقوا معزولين، مهانين ومحتقرين ومظلومين في أسر كثيرة وأماكن كثيرة. ذوو الإحتياجات الخاصة هم خلائق الله، كرمهم الله فأعطاهم الحياة مجانا كما أعطانا إياها. وبهذه الصفة لهم ما لنا من الكرامة الإنسانية والدينية، ولا يحق لأي إنسان أن يسيء معاملتهم وأن يهضم حقوقهم الإنسانية والوطنية. إنهم مواطنون، ولهم ما لنا من حقوق فردية وأسرية واجتماعية.
يوجه المركز نداءه إلى جميع المواطنين الطيبين، من المسيحيين والمسلمين، الذين يعيشون إيمانهم بالله الرحمن الرحيم، ويدعوهم إلى العمل التطوعي مع لجان سيدة السلام، ليزرعوا في وطننا الغالي المحبة حيث البغض، والإخاء حيث الجفاء، ويوطدوا الوحدة الوطنية ويقفوا سدا منيعا أمام العابثين بالأمن والاستقرار.
532
ما رأيك بزينة الهيكل؟ مرارا كثيرة أتساءل هل الهيكل للزينة أم الزينة للهيكل؟
الزينة للهيكل وليس الهيكل للزينة. لذلك لا يجوز وضع الورود على الهيكل. فالهيكل هو مائدة الرب ويجب أن يسهل على المؤمنين الجالسين في مختلف انحاء الكنيسة أن يشاهدوا ما يجري عليه، وما يوضع عليه من تقادم لاقامة الذبيحة. كما يجب أن يتحلى المؤمنون والكهنة والرهبان والراهبات ب "حس الإيمان" لكي يدركوا أن كثرة الورود لا تعني أنها تزيد الهيكل جمالا ( راجع كتاب "قداس الاحد في رعيتي"، صفحة111). وإذا ما وُضعت الورود حول المذبح، فلا يجوز أن تعيق حركة التفاف الكاهن حول المذبح للتبخير، ويجب أن تراعى مقتضيات الفن بدقة، حتى في أدق الأمور وأقلها أهمية، وأن تقترن فيها البساطة الكريمة والعناية الموصولة" (الاحكام العامة لكتاب القداس الروماني 312).
ورتبت الكنيسة أن يُلقى على المذبح، قلما يكون غطاء واحد على الأقل ينسجم معه شكلا وحجما وزخرفة، وذلك إجلالا لذكرى عشاء الرب. وأما الشموع التي تقتضيها كل واقعة ليتورجية، دليلا على إكرامنا، فتوضع على المذبح في انسجام معه، من غير ان يحول وضعها على هذا النحو أو ذاك، دون مشاهدة المؤمنين لما يجري على المذبح أو ما يؤتى به عليه. كذلك يوضع على المذبح أو على مقربة من المذبح صليب يكون على مرأى من جماعة المؤمنين. (الأحكام العامة لكتاب القداس الروماني 268 – 270).
"جمال الهيكل وكرامته وقيمته وقدسيته تنبع أولا وآخرا من إيماننا بأن الهيكل هو مائدة الرب، ومن وجود يسوع عليه تحت شكلي الخبز والخمر. فلا بد مِن احترام هذه القاعدة الإيمانية، ومِن توعية شعبنا المؤمن. ومِن المؤسف انه في كثير من الأحيان، وفي عدد من الكنائس، يصبح الهيكل وكأنه معرض للزهور. (راجع كتاب "قداس الاحد في رعيتي" صفحة 111).
أما بالنسبة لزينة المذبح والكنيسة بمناسبة الأعراس، فالمبدأ العام هو هو أي مبدأ البساطة التي تلازم كل فن أصيل، وأعني بها البساطة الخالية من الفخفخة والابّهة، والمنسجمة مع القدسيات.
533
من كتب مجموعة الحق القانوني وهل يجب علينا أن نتقيد بها؟
أول مجموعة للحق القانوني في الكنيسة جمعها القديس ريموند دي بينيافور سنة 1234 بناء على طلب البابا غريغوريوس التاسع. هذه المجموعة مع القوانين الأخرى التي صدرت بعدها جُمعت مرارا على مدى التاريخ، وجُمِعت تحت عنوان "الحق القانوني" سنة 1917.
البابا يوحنا الثالث والعشرون أمر سنة 1959 بأن يعاد النظر فيها وأن تعاد دراستها. وقد كُلفت لجنة لإعادة النظر فيها سنة 1966 ولدراسة شاملة لقوانين الكنيسة. وألفت عشر لجان فرعية ضمت مطارنة وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين من بلاد العالم، ومن رجالات العلم والقانون. وكان لهذه اللجان مستشارون من مختلف فروع العلم اللاهوتي والراعوي.
وقد قُدم النص النهائي لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني في 29 اكتوبر سنة 1981، فألف قداسته لجنة خاصة لإبداء الراي. وأعاد قداسته شخصيا النظر في كل القانون وعدل الكثير منها، وأخيرا أمر بنشرها وأن تكون سارية المفعول من اليوم الاول من المجىء لسنة 1983 وقال:
" ... ننشر المجموعة الحالية، كما نُظمت وكما أعيد النظر فيها، لتصبح سارية المفعول للمستقبل. ونأمر بأن تكون لها قوة الشريعة للكنيسة اللاتينية جمعاء ... نعلن ونأمر بأن تتخذ قوة الإلزام إعتبارا من اليوم الأول من المجىء لسنة 1983... إننا نحث اذا جميع أبنائنا الأعزاء على أن يحفظوا هذه القوانبن، المقدمة بقلب صادق ونية صافية، على رجاء أن يزهر في الكنيسة نظام متجدد يعزز خلاص النفوس أكثر فأكثر، وذلك بمعونة العذراء الطوباوية مريم أم الكنيسة" ( 25/1/1983).
534
تذكار الموتى المؤمنين في الثاني من تشرين الثاني يُذكّر المؤمنين بقصر الحياة وحتمية الموت. فهل من عيد آخر يوجه أفكارهم إلى مصيرهم الأبدي ؟
أجمل عيد للتأمل في مصير الإنسان هو عيد الفصح المجيد. فالله خلق الإنسان للحياة الأبدية. إلا أن الخطيئة جلبت الموت على الإنسان. جاء السيد المسيح يخلص الإنسان من الموت والخطيئة، فغلب الموت بسره الفصحي، أي بموته وقيامته المجيدة، وحقق للإنسان حياة أبدية ليس للموت عليها من سلطان. لقد حوّل السيد المسيح لعنة الموت إلى بركة. وضم البشرية كلها إلى ذاته لما اتخذ طبيعتنا بسر التجسد، وضمها إلى الآمه وموته ورقاده في القبر مائتا، وقيامته في اليوم الثالث، وصعوده إلى السماء. فلو لم يقم المسيح لما كان مخلّصا، ولما كان للصليب معنى وقوة. فالقيامة مرتبطة بشخص السيد المسيح إذ قال: أنا القيامة والحياة (يو 11/25).
535
أنا طالب فلسفة. أطرح سؤالا يدور في ذهني منذ بداية السنة الدراسية : هل من انسجام أو تناقض بين الفلسفة واللاهوت ؟
الفلسفة في إطارها الأصيل، تخدم اللاهوت. فاللاهوت هو علم الله، يحدثنا عن النعمة، عن معرفة الله بالوحي. أما الفلسفة فتحدثنا عن معرفة الله بواسطة العقل. ويتطلب اللاهوت وجود الفلسفة والعقل كي يرسخ الوحي والإيمان. ولذلك فإن اللاهوت استخدم دائما الوسائل الفلسفية ووقفت الكنيسة دائما ضد التيارات التي تبني الإيمان على أساس العاطفة الدينية. الوحي والنعمة يتوجهان إلى الإنسان بكامله، وبالتالي إلى الإنسان الذي يفكر. ولذلك في المعاهد الإكليريكية، يدرس طلاب الكهنوت الفلسفة لمدة ثلاث سنوات قبل دراسة اللاهوت.
ولكن كم من شذوذ فكري لدى الفلاسفة الذين لا يوجهون فلسفتهم إلى الله في ذاته باعتباره السر المطلق، ويقدمون نظرياتهم الفلسفية وكأنها حقائق ثابتة ثبوت الإيمان، مع العلم أن الفلسفة لا تستطيع أن تشرح من هو الإنسان، وما هي الحياة والموت، ومصير الإنسان بعد الموت ... الخ. الإجابة على هذه الأسئلة تجدها في علم اللاهوت وليس في علم الفلسفة.
536
شاركت في مخيمات الشبيبة. ولكن كل شيء تبخر. ونحن الشباب نحب الإنبساط وعدم التقيد بالنظام حتى بعد منتصف الليل. ومن جهة أخرى فإن المسؤولين يسايروننا إلى أقصى الحدود. قل لي ماذا يمكنني أن اعمل لكي استفيد حقا من المخيم لحياتي الروحية؟
أفهم من سؤالك في رسالتك الطويلة أنك شاب في حيرة من أمر حياتك الروحية التي تشعر فيها أنك لا تتقدم بل تتأخر، وأنك سوف تلتحق بالجامعة في السنة الدراسية المقبلة، وتسأل كيف يمكنك أن تستفيد من المشاركة في المخيمات. وأجيبك بما يلي:
1 – لكي تستفيد من المخيمات، يجب أولا أن تعرف كيف تستفيد روحيا من حياتك اليومية. المبادىء تُسِيّر حياة الناس والدول. فإذا كان مبدأ حياتك ساميا، عليك أن تسعى إلى الله بعرق جبينك: "مَن طلب العلى سهر الليالي". مبدأك يسوع المسيح. ولكي تلتقيه عليك الالتزام بالصمت والتأمل والإختلاء والإصغاء. وإلا فإن علاقتك به تبقى سطحية ولا تنمو. لن تبلغ النضوج الروحي. وتبقى تتقاذفك عواطفك وأحاسيسك، وهي التي تخذلك، لأنها متقلبة، ولا أحد يبني بيته على الرمل.
2 – بالإضافة إلى صلواتك اليومية العادية، أنصحك أن تكرس يوميا نصف ساعة للصلاة للتامل والصمت. ففي الصمت والتأمل تلتقي يسوع وتلتقي ذاتك، ويكشف لك يسوع داءك، ويزرع فيك كلمته. فكن له تلميذا نجيبا وتربة صالحة. فالصلاة التأملية هي طريقك الأكيد الى يسوع.
3 – أعرِف كثيرين من الرجال والنساء البسطاء الذين يخصصون كل يوم نصف ساعة للصلاة الصامتة، بالرغم من كثرة أشغالهم. أعرف طالبة جامعية تخصص كل يوم ساعة للتأمل والصمت والإصغاء والسجود للقربان. وعرفت عددا من السفراء يخصصون كل يوم نصف ساعة للصمت والصلاة. وعرفت طبيبا لا يدخل غرفة العمليات لإجراء أية عمليه جراحية قبل أن يحضر القداس اليومي ويلتزم بنصف ساعة بالصلاة التأملية. هؤلا وأمثالهم يقيمون مع المسيح علاقة إيمانية وجدانية، ويزدادون معرفة لذواتهم، ويتخذون من المسيح قوة لذواتهم ونورا لطرقاتهم.
4 – أنت أيضا تستطيع أن تقضي كل يوم نصف ساعة بالصمت والصلاة التأملية. بدون ذلك أنت تُقدّم رِجلا وتُؤخّر رِجلا. يكفي أن تريد. يكفي أن تقرر. واثبت على قرارك مهما كلف الأمر. لا تجزع ولا تتراجع: فالرب يقودك في الطريق الضيق. عندما تشارك في المخيم، تستطيع أن تفرض على ذاتك قلما يكون ساعة في النهار بدلا من نصف ساعة. جرب. كن رجلا. ولا تبقَ طفلا. واعلم أن يسوع يحبك وأنه يبحث عنك، فلا تبتعد عنه. إذا حضر يسوع كان لحياتك معنى، وأصبح الصعب سهلا، والمستحيل ممكنا لأنه لا شيء يعجز الله. كن دائما حذرا مِن إبليس، لأنه خصمك اللدود، وهو كالأسد الزائر يرود في طلبك، فقاومه راسخا في الإيمان (1 بط 5/8).
537
لم أسرق، لم أظلم أحدا، وقد وفقني الرب وصرت غنيا بالطرق الحلال. فهل أذهب إلى جهنم لأنني غني؟
كلا لن تذهب إلى جهنم لأنك غني. المسيح لا يقول ذلك. والكنيسة لا تقول ذلك. وأما قول المسيح: "فلأن يدخل الجمل في ثقب الإبرة أيسر من أن يدخل الغني ملكوت الله" (لو 18/25) فهو مثل دارج كان يلجأ إليه الناس عندما يريدون أن يبينوا أن أمرا ما صعب للغاية. قال السامعون ليسوع: "فمن يقدر أن يخلص؟ قال يسوع: "ما يُعجز الناس فإن الله عليه قدير" (لو 18/26).
وقال السيد المسيح: "لا تستطيعون أن تعملوا لله وللمال" (متى 6/24) فالمال الذي يبعدك عن الله وتصبح له عبدا، يبعدك عن السماء. وقد يكون الغني عابد مال وقد لا يكون. وكذلك قد يكون الفقير بالمال عابد مال وقد لا يكون. فالمال لا يغلق باب السماء ولا يزج بك في جهنم. أما حب الغنى الذي يبعدك عن الله ويجردك من الرحمة والرأفة بالمساكين، فهو يقود الغني والفقير إلى جهنم. وبهذا الصدد قال القديس البابا لاون الكبير في أحدى عظاته:
"وما هو تعليم المسيح؟ ... قال: "طوبى لفقراء الروح، فإن لهم ملكوت السماوات" (متى5/3). عن أي فقراء يتكلم الحق سبحانه؟ ... وأضاف "طوبى للفقراء" كي يعلمنا كيف يجب أن يُفهم الفقر. فلا يكفي، لاستحقاق ملكوت السموات أن يكون الإنسان في حالة عوز أو ضرورة قصوى. أضاف وقال: "طوبى لفقراء الروح"، مبينا أن ملكوت السموات لفقراء الروح وأن كثرت أموالهم، وليس للأغنياء بشهوة المال وإن قل مالهم".
وتابع قائلا:
"لا شك في أن الفقراء أقرب إلى فضيلة التواضع من الأغنياء لأن الفقراء أقرب إلى الحِلم، والأغنياء أقرب إلى الكبرياء. إلا أن هناك أيضا كثيرين من الاغنياء الذين لا تنتفخ نفوسهم بالكبرياء بالرغم من وفرة خيراتهم، إذ يستخدمونها لأعمال البر والإحسان ويعتبرون ربحا كبيرا ما يبذلونه في سبيل التخفيف من عناء الآخرين. وكل طبقة من الناس يمكن أن يكون لها نصيب في هذه الفضيلة، لأنه يمكن أن يلتقوا في القصد، وإن اختلفوا من حيث المال. ليس مهما أن يختلفوا في الإمكانات الأرضية، إن كانوا متساوين في الخيرات السماوية".
ملكوت السموات يُعطى للذين تواضعت أنفسهم وإن كثرت أموالهم وليس للذين تكبرت نفوسهم وإن قَلّت أموالهم. ولا تنس انه كان للسيد المسيح أصدقاء من الأغنياء. وقام أحدهم بدفنه، وهو يوسف الرامي، ودفنه في قبره الخاص الذي حفره لذاته في الصخر على عادة الأغنياء.
538
ماذا يمكن أن نعمل من أجل التربية الدينية المسيحية؟
مشكلة التربية الدينية تتفاقم في بعض المدارس المسيحية. هذا أمر لم يعد خافيا على أحد. في رسالتك تقول أن بعض المدارس تهمل التربية المسيحية اهمالا كليا، وأن بعض المسؤولين عن البرامج المدرسية يضعون حصص الدين المسيحي في أسوأ الاوقات من النهار، ويوزعون الحصص على المعلمين والمعلمات لتعبئة الفراغ ليس إلا. ولكني أضيف مؤكدا لك أن التربية الدينية في المدارس المسيحية هي هَمّ رئيسي من هموم كهنتنا ورسالتنا المسيحية.
ماذا يمكننا ان نعمل؟ أرجو ان أَلفت النظر الى ما يلي:
1 – إن المدرسة المسيحية هي جزء لا يجزأ من تربية الطالب المسيحي. إلا أن مسؤولية التربية المسيحية الأولى تقع على عاتق الأسرة المسيحية حيث يعيش الطفل. فماذا يمكننا أن نعمل من أجل توعية الوالدين على تربية ابنائهم تربية مسيحية أصيلة بالقول والعمل؟ باستطاعة المدرسة أن تعمل الكثير، قلما يكون في اجتماع أهالي الطلبة مرتين أو ثلاث في السنة.
2 – وماذا يمكن أن نعمل بالنسبة للمدارس؟ إن الجامعات والمعاهد اللاهوتية والتربوية المسيحية في روما تزخر بالكهنة والرهبان والعلمانيين الذين تختارهم الكنائس المحلية والمؤسسات الكنسية وترسلهم إلى روما للتخصص في دراسة اللاهوت والتربية المسيحية والعمل الرسولي. ونحن أيضا بحاجة ماسة لأن نرسل علمانيين للتخصص في التربية الدينية. وعلى الكنيسة ومؤسساتها أن تضمن لهم نفقات الدراسة في روما، وأن يُضاف إلى دراستهم برامج لخدمة المحتاجين في الرعية، والمعوقين والمتقدمين في السن والمرضى والمدمنين على المخدرات والكحول، لكي لا يبقوا، عند رجوعهم "أساتذة تربية دينية" فقط، بل ينخرطوا جديا في الرعية وفي نشاطاتها الرسولية.
وبعد تخصصهم في روما، على الكنيسة والمؤسسات التي أرسلتهم أن تضمن لهم راتبا جيدا، بل أقول مشجعا ومغريا، يجعلهم ينظرون إلى واقعهم وإلى مستقبلهم باطمئنان.
539
ما خطورة الهجرة المسيحية وما أبعادها الوطنية؟
لا أعتقد أننا متنبهون على الأبعاد السلبية لهجرة المسيحيين. لقد بدأت الهجرة من الأردن إلى الخارج بعد الحرب العالمية الأولى، وكان المواطنون يتوجهون في حينها إلى امريكا الوسطى، وفي الخمسينات من القرن الماضي كان التوجه إلى الولايات المتحدة. أما الأسباب فكانت واضحة وهي الفقر وطلب العمل والعيش الكريم. وكانت البلاد تمر بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين سنة 1947/1948 بحالة فقر وركود شديدين.
يراهن المسيحيون الأردنيون، في الوطن والمهجر، على انتمائهم الوطني ويجعلون من عروبتهم سندا لانتمائهم الوطني ولهويتهم العربية. إلا انه في أيامنا الحاضرة، ظهرت الحركات الإسلامية السياسية المتطرفة، وازداد الإنغلاق والتعصب فقلب صفحة العروبة، وأصبح خطاب الحركات السياسي خطابا إسلاميا متطرفا. وعلى المستوى الرسمي، استُهدِف المسيحيون بصمت فتراجع عددهم وقلت الوظائف العامة، وأخذوا يشعرون أنهم مرفوضون وغير مرغوب فيهم. هذا الواقع خلق لديهم قلقا، وسبّب، بالاضافة إلى الهجرة إلى الخارج، "الهجرة الداخلية إلى الفحيص" البلدة المسيحية الكبيرة التي لا يقل عدد المسيحيين فيها عن 90 % من سكانها وذلك طلبا للأمن والإستقرار وحسن الجوار. وهذا أمر خطير للغاية. وهو البرهان الكبير الذي يعبر عما يساور المسيحيين من هلع وقلق حول المستقبل، ليس لخطر يهدّدهم من الخارج، بل لخطر يداهمهم في الداخل.
540
هل من علاج لبقاء المسيحيين في أوطانهم، خصوصا في الظروف المأساوية التي يمر بها الشرق الأوسط؟
نعم. العلاج يتطلب مصارحة شفافة بين المسيحيين أنفسهم وعمليات جراحية في كياننا المسيحي الأردني. ماذا سيؤول إليه وجودنا المسيحي في مجتمعنا الأردني؟ ومؤسساتنا المسيحية الإجتماعية؟ وما العمل؟ وإلى اين؟" مجال العمل واسع جدا. وأذكر بنوع خاص:
1 – وجوب العمل الجاد على توحيد كلمة المسيحيين، على أساس وطني شامل، بعيدا عن الانتماء الطائفي والحزبي، وعلى كسر الجمود والتقوقع واللامبالاة المُسَيطِرة على الكثيرين من المسيحيين الأردنيين، لكي يكونوا يدا واحدة في مطالباتهم ومواقفهم وحقوقهم "الوطنية المسيحية". وهذا يتطلب أن يتغلب الحس الوطني المسيحي وأن يتحلّى المواطنون المسيحيون، بالمحبة الإنجيلية وبالجرأة الروحية ليتجاوزوا الحدود المغلقة على طوائفهم، ويرتفعوا إلى مستوى التشاور البنّاء والتفكير والتعاون الوطني المسيحي لوضع خطة تشمل الميادين الوطنية والإجتماعية والحقوق المسيحية، ويأخذوا المبادرة للترفّع عن سلبيات الطائفية والعشائرية، ويعززوا اهتمامهم بشأنهم المسيحي وبرسالتهم الوطنية والإجتماعية التي لا تنحصر بحدود الإنتماء الطائفي والعشائري.
2 – فتح قنوات الحوار الرسمي مع الجماعات الإسلامية المعتدلة كي يكونوا وإياهم يدا واحدة في المطالبة بحقوقهم الوطنية، ولدراسة القوانين المجحفة بحق الأقليات الدينية والسعي إلى تعديلها. موضوع المواطنين المسيحيين موضوع وطني يهم جميع المواطنين.
3 – المطالبة بوضع حد لتجاهل المسيحية والمسيحيين في الكتب والمناهج التعليمية في المدارس والجامعات وإعادة النظر في تربية الأجيال الطالعة على تقبل التعددية الدينية بين المواطنين، وعلى المساواة الوطنية والانفتاح والعمل المشترك لبناء الوطن. فالتكافل والتضامن مطلوبان من جميع المواطنين لبناء الوطن والسهر على رقيه وازدهاره.
4 - إن الظروف الصعبة جدا التي تمر بها المنطقة تتطلب التركيز على الوحدة الوطنية، وعلى أهميتها المطلقة ودعمها لدى المواطنين، وعدم المساس بها مهما كلف الأمر. وهي تتطلب من المسؤولين في الدولة أن يؤازروا المواطنين المسيحيين في مطالبهم العادلة وحقوقهم الوطنية كاملة.
541
قل لي بصراحة: ما هي مشكلة التعليم المسيحي للطلاب المسيحيين في المدارس الحكومية
مر حوالي 15 سنة على قرار وزارة التربية والتعليم رقم 29/97 تاريخ 9/4/1997 حيث قررت أن يأخذ الطالب المسيحي في مدارس التربية والتعليم دروس الدين المسيحي، إلا أن هذا القرار لا يزال حبرا على ورق. راجعنا في حينه التربية والتعليم مرارا وتكرارا. رؤساء الدين المسيحي وغيرهم من العلمانيين المسيحيين أصحاب النفوذ لا يزالون يتابعون أعلى السلطات في الوطن ولم يصلوا الى نتيجة ايجابية. متابعة الموضوع مع وزارة التربية والتعليم غير مجدية إطلاقا. لأن الوزارة لا ترغب في تطبيق القرار الذي اتخذته، على ما يبدو، بدون طيبة خاطر. التربية والتعليم لم تتعامل مع مادة التربية الدينية كبقية المواد التي تدرس في حرم مدارسها. إن موقفها هذا غريب جدا، مقارنة مع موقف دول الجوار مثل سوريا ومصر والعراق واسرائيل التي تدرس التربية الدينية المسيحية في مدارسها الحكومية.
وبهذا الصدد نتمنى على حكومتنا الرشيدة أن تعيد النظر في وجوب تنفيذ قرار وزارة التربية والتعليم المذكور آنفا في المدارس الحكومية، لان ذلك يضع الطالب المسيحي في إطاره الصحيح في نظر أخيه الطالب المسلم. وهذا أصبح ضرورة وطنية لتربية الطالب المسلم على قبول الآخر واحترامه، لتوعيته على أن المواطنة ليست حكرا على المسلم وأن التعددية في الوطن الواحد ظاهرة إيجابية جدا للوطن وللمواطنين.
542
هل لك أن تعطيني فكرة واضحة عن هجرة المسيحيين من القدس الشريف إلى الخارج؟
سؤالك هذا يصيب جرحا داميا من جراح المسيحية في بلادنا المقدسة.
في الإحصاء السكاني لعام 1931 لفلسطين كان مجموع سكان فلسطين (1035821)، منهم:
759712 مسلمون،
174610 يهود،
91398 مسيحيون،
10101 آخرون.
وفي عام 1948 قبل الحرب العربية الإسرائيلية كان في فلسطن 145000 مسيحيا من مجموع السكان. وقد أصبح منهم 90000 لاجئا فوصل عددهم بعد تلك الحرب مباشرة إلى 55000 ألفا. ويُقدّر أن أكثر من 50 % من سكان القدس قد هُجِّروا من بيوتهم في القدس الغربية من جراء هذه الحرب سنة 1948، لأن سكان الأحياء الغربية من المدينة كانوا في غالبيتهم من المسيحيين.
وتبين إحصاءات سنة 1944 أنه كان في القدس 29350 مسيحيا. وتقول الدراسات العلمية، أنه بمعادلة إحصائية عادية تستند إلى نمو سكاني مسيحي بنسبة 2 % فان عدد المسيحيين في القدس كان يجب أن يصل إلى 60000 عام 1979، وإلى 120000 عام 2014 . وكذلك تشير إحصاءات الهجرة من مسوحات مختلفة منذ عام 1990 بأن المسيحيين يتركون القدس بنسبة الضعفين مقارنة ببقية السكان.
في الوقت الحالي يوجد في القدس ما بين 8000 الى 10000 مسيحيا، ومعظمهم ليسوا من سكانها الأصليين، بل نزحوا اليها من القرى العربية المجاورة.
543
هل "صلاة الساعات" التي نتلوها من حين إلى آخر في بعض المناسبات الليتورجية هي "صلاة الفرض الإلهي" التي نتلوها في الثلاثية الفصحية المقدسة؟ ومَن يَلتزم بتلاوتها؟
"صلاة الساعات" هي "صلاة الفرض الإلهي" التي يتلوها الكهنة كل يوم، ويتلو المؤمنون جزءا منها في الثلاثية الفصحية المقدسة. وهي تشمل على: صلاة القراءات، وصلاة السَّحَر، وصلاة السّاعة الوسطى، وصلاة المساء، وصلاة النوم.
"صلاة الساعات" هي صلاة الكنيسة الرسمية، من أجلها ومن أجل العالم، تكتسب قيمتها من تقوى الكنيسة وحب الكنيسة للمسيح. ويتلوها باسم الكنيسة: الأساقفة والكهنة، والرهبان والراهبات، والآباء والأمهات، والشباب والشابات، في حياتهم الفردية والجماعية، وفي ملتقياتهم وكنائسهم وبيوتهم. يلتزم بها الشمامسة والأساقفة والكهنة بوعد رسمي يقطعوه على أنفسهم يوم السيامة الشماسية، كما تلتزم بها أيضا بوعد رسمي المُكرّسات يوم تكريسهن. وأما الرهبان والراهبات فيلتزمون بها بموجب قوانين رهبانياتهم. وتَحُثّ الكنيسة المقدسة المؤمنين العلمانيين على الإلتزام بتلاوتها يوميا، في بيوتهم واجتماعاتهم وكنائسهم، كما ورد في الأحكام العامة (رقم 27) لكتاب ليتورجية الساعات. المطلوب منهم بنوع خاص أن يلتزموا بصلاة السَّحَر وصلاة الغروب لكونهما صلاة الجماعة المسيحية.
"صلاة الساعات" تُغذّي نفوس المؤمنين الذين يتلونها، وتُقدّس ليلهم ونهارهم، وتجعلهم يلمسون أن المسيح القائم من القبر ما زال حيا، وأنه رفيق حياتهم، يغمرهم بضياء سِرّه الفصحي. بصلاة السَّحَر، يُقدسون وقت الصباح ويذكرون قيامة المسيح من بين الأموات، وبصلاة الغروب يذكرون عمل الفداء، ويشكرون الله على كل ما وهب لهم وصنعوه من خير طوال النهار.
كتاب "صلاة الساعات" بالعربية متوفر في الأبرشيية لكل من يطلبه.
544
هل يتطلب عمل الرحمة أن نعطي الفقراء مالا؟
محبة الفقراء هي من الدلالات الرئيسية على المحبة المسيحية وهي تتطلب أن نقوم تجاههم بأعمال الرحمة وهي كثيرة. وقد بينت الكنيسة أنها يمكن أن تكون:
1 – أعمال رحمة جسدية: مثل إطعام الجياع، وإيواء الغرباء، وإكساء العراة، وعيادة المرضى، وزيارة السجناء، ودفن الموت.
2 – وأعمال الرحمة الروحية: مثل التعليم والنصح والتعزية وتقوية العزم والمغفرة والاحتمال بصبر.
يسوع يقول لنا: "الفقراء في كل حين عندكم" (يو 12/8). ولذلك فإن امكانية القيام بأعمال الرحمة متوفرة للجميع. وقالت القديسة روزا دي ليما لامها عندما لامتها أمها على أنها تقبل في البيت الفقراء والمرضى: "ما دمنا نخدم المرضى، فنحن رائحة المسيح الطيبة".
545
ما هي البتولية المكرسة ؟ أليست هي رهبانية؟
"البتولية المكرسة" ليست رهبانية، وهي تختلف عن الرهبانيات اختلافا كبيرا. فالانخراط في البتولية المكرسة يعني أن تتكرس الفتاة للمسيح، بنذر البتولية والتكريس مع البقاء في العالم، وفي مختلف الوظائف والتخصصات المتاحة. بينما الراهبة فهي تنذر النذور الثلاثة: الفقر والعفة والطاعة، وتلتزم بالحياة الجماعية.
البتولية المكرسة هي دعوة مقدسة من الله، مثل الدعوة إلى الحياة الرهبانية والكهنوت، ولها مكانها ومكانتها في الكنيسة ورسالتها في العالم. إنها نعمة عظمى وفضيلة مقدسة وارتباط غير منقسم مع المسيح وعطاء حب كامل.
لقد نشأت "البتولية المكرسة" مع المسيحية، في عالم وثني يؤله المادة والجنس، فقدمت له الكنيسة، مع بشرى الخلاص بالمسيح المصلوب، البتولية المسيحية في سبيل الله، التي انتشرت معها بقوة الروح القدس، بين الكثيرين من الشبان والشابات. وقد أدركت الكنيسة منذ نشأتها أن البتولية في سبيل الله هي كنزها الثمين. وقد ذكر سفر أعمال الرسل (21/9) أنه كان للشماس فيليبس "أربع بنات عذارى يتنبأن"، أي يعشن البتولية في سبيل الله، إقتداء بالمسيح البتول. ومنذ الأجيال الأولى للمسيحية كثر المتبتلون من الرجال والنساء، ممن يقتدون بالمسيح ويتبتلون في سبيل الله. ويذكر التاريخ أن اثيناقورس من أثينا قد وجّه إلى الإمبراطور ماركوس أوريليوس سنة 177 رسالة استرحام من أجل المسيحيين المضطهدين، قال فيها: "ان كل رجل مسيحي يحتفظ بامرأة واحدة يتزوجها ... ولكنك تجد العديدين من رجالنا ونسائنا يعيشون حتى الشيخوخة على غير زواج، آملين أن يزدادوا اتحادا بالله".
وعندما انتهى عصر الاضطهاد وبدأت تبرز في الكنيسة الحياة النسكية والرهبانية، أخذ المتبتلون والمتبتلات من أجل الملكوت يتوجهون إليها. ويذكر التاريخ أن آخر فتاة مكرسة على البتولية عاشت في انكلترا في القرن الخامس عشر، ثم اندثر هذا النوع من التكريس. وقد أعاده المجمع الفاتيكاني الثاني، ودخل في التشريع الكنسي في القانون 604 من مجموعة الحق القانوني. واليوم فإن التكريس على البتولية منتشر في كل أنحاء العالم الكاثوليكي وله مرجعيته الرسمية في روما.
546
أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري، بودي أن أكون مكرسة فما هي الشروط المطلوبة للتكريس؟.
راجعي المطران لكي تدرسي دعوتك معه ومع مرشدك الروحي. فإذا رأى المطران بوادر مشجعة على وجود دعوة إلهية عندك، فعندئذ تبدأ مرحلة الإستعداد والتحضير وهي مرحلة تعمق في دعوة الله والإحاطة بأبعادها، والتجاوب مع مقتضياتها الروحية والكنسية والرسولية، وذلك بممارسة التقوى والبتولية والفضائل المتعلقة بها لكي تكتسبي مزيدا من الحرية الروحية فيكون جوابك على دعوتك مستنيرا، حرا، صريحا، محبا ومتهللا.
وأما الاستعداد المطلوب فهو باختصار شديد:
1 – الإستعداد الإنساني، وهو الإتزان الإنساني روحا وقلبا وجسدا والإتزان الروحي والإستعداد لحياة الخلوة والإنفتاح على الكنيسة وعلى العالم الذي تعيش فيه دون أن تكون منه لتحمل اليه المسيح، والإستعداد الثقافي واللاهوتي والليتورجي وتفهّم أبعاد الدعوة الخاصة إلى البتولية المكرسة
2 – النذور المؤقتة. قبل الوصول إلى التكريس لا بد للعذراء طالبة التكريس من أن تعيش البتولية بنذر تعتنقه عن حرية وتصميم، إذ لا يكفي أن تعيشها كما تعيشها سائر الفتيات المسيحيات غير المتزوجات. وأما مدة النذور المؤقتة فهي خمس سنوات تجددها الفتاة سنويا، وتمضيها في الحياة الروحية، مع بقائها في العالم وفي عملها ومع أهلها، وفي التعمق في حب المسيح ساعية أن تحيا بالمسيح ومع المسيح وفي المسيح وأن تكون مثالا في الحشمة والاتزان أانموذجا رائعا للحياة المسيحية الأصيلة.
547
سمعت من إحداهن أن بطرس الرسول هامة الرسل فتح باب التكريس لفتيات روما وأنه كرس البعض منهن عذارى من أجل المسيح، فهل هذا صحيح؟
التاريخ لم يذكر ذلك. إنما يذكر التاريخ أن القديس اكليمنضوس تلميذ بطرس الرسول وثاني خليفة له (91-100) ألبس القديسة العذراء الشهيدة فلافيا دوميتيلا خمار البتولية. ويُعتقد أن فلافيا دوميتيلا هذه قد نالت سر المعمودية، على يد بطرس الرسول. وتُعيِّد الكنيسة لهذه القديسة في الثاني عشر من شهر أيار.
وقد ألبس القديس اكليمنضوس أيضا خمار البتولية للقديسة بودنسيانا الشهيدة. وتشهد على ذلك لوحة فنية وُجدت على الجدران في ديامس عشيرة بودنسيانا الذي أقامته القديسة براكسيدا تخليدا لذكرى أختها بودنسيانا. واللوحة تبين رجلا جليلا جالسا على كرسي الأسقفية، وبالقرب منه فتاة، وهي بودنسيانا العذراء، تحمل بيدها خمارا يناولها إياه الأسقف، ويقف بالقرب من الأسقف كاهن. وتعود هذه اللوحة إلى القسم الأول من القرن الثاني. وقد استشهدت بعدها، أختها براكسيدا في الإضطهاد الذي أثاره ماركوس أوريليوس على الكنيسة.
548
حضرت مرة تكريس إحدى الفتيات قبل سنتين أو أكثر. كان احتفالا جميلا جدا ولكني لم أفهم قصة الخمار الذي سلّمه الأسقف للمكرسة فماذا يعني في احتفال التكريس
في الحفلة الليتورجية، بعد إبراز النذر وصلاة التكريس تتقدم العذراء المكرسة من المطران فيسلها الخاتم والخمار قائلا:
"إليك، يا ابنتي العزيزة، هذا الخاتم وهذا الخمار، فإنهما يرمزان إلى تكريسك فأوفي اذن بعهدك للعريس الالهي، ولا تنسي أبدا انك وقفت الحياة على خدمة المسيح وكنيسته. آمين".
ولخمار العذارى المكرسات تاريخ. فقد جرت العادة في روما أن تتخذ الفتاة عند زواجها خمارا، للدلالة على أنها مرتبطة بالزواج وأما الفتاة التي لم تتزوج بعد، فلم تكن تتخذ خمارا للدلالة على أنها لا تزال عزباء، والخمار هو ما تغطي به المرأة المتزوجة رأسها للحشمة والوقار.
لقد كان الموقف محرجا للعذارى المسيحيات الواقفات أنفسهن على المسيح. فإن لم تضع العذراء خمارا، فهي تبقى عرضة لطالبي الزواج، وينصحها ترتليانوس حوالي سنة 200 قائلا: "أرجوك أن تضعي خمار العروس فتحمي هكذا البتولية التي قبلتيها باختيارك ... أرتضي أن تخفي على الناس سرك الداخلي فلا تُظهرين حقيقتك إلا لله وحده. على أية حال، أنتِ لا تخادعين إذا ظهرت بمظهر المتزوجات، فأنت عروس المسيح. فله نذرت الجسد، وله نذرت الحياة".
وقد لبست العذارى، في الاضطهاد، خمار الزواج واتخذنه للحماية من الأعداء. إنهن عرائس المسيح. وفي الجيل الرابع، أصبح للخمار رتبة احتفالية في القداس تدل على مدى التزام عرائس المسيح بعهد المسيح.
ومن الجدير بالذكر أن بركة الكاهن للزواج آنذاك لم تكن إلزامية ولم تثبت بطقس ليتورجي. ولما أصبحت تدريجيا إلزامية في مختلف الأبرشيات، وضعت لها بعض الكنائس طقسا منظما، واستعارت بركة خمار العذارى التي كانت معروفة في كل مكان منذ منتصف القرن الرابع. لقد أعطت المتزوجات الخمار للعذارى، وأعطت العذارى للمتزوجات بركة الخمار. فاتخاذ الخمار المقرون بالصلاة يليق بعروس المسيح كما يليق بكل عروس.
549
قل لي، يا طويل العمر: ما أجمل ما في الحياة؟
أجمل ما في الحياة هي الحياة التي تنعم فيها بصداقة الله وحبه. فالله خلقك لكي تعرفه وتحبه وتعبده في هذه الدنيا ولكي تتمتع به في السعادة الأبدية. عش في نعمة الله وصداقته تكن حياتك كلها بمثابة "يوم جميل".
550
نسمع من حين إلى آخر عن ملك اسمه حمورابي وأنه واضع شريعة، فهل يفيدنا التاريخ من هو وما هي شريعته؟
كان حمورابي ملكا عظيما من ملوك بابل الأوائل، في أواخرالالف الثالث قبل المسيح، واشتهر بانتصاراته في الحروب وفي النهضة العمرانية، وفي بناء المعابد، والزراعة وشق الأقنية للري. وقد عُثر على مجموعة قوانين عُرفت باسمه منقوشة على حجر بركاني بالخط المسماري. على الوجه الأمامي نُقشت صورته واقفا يتعبد للاله الشمس الجالس على عرشه يتسلم منه صولجانا وخاتما رمز العدالة. ونُحتت تحت الصورة قوانين على ستة عشر عمودا، وعلى الجانب الآخر من الحجر 28 عمودا من هذه القوانين. ويعود هذا الحجر ألى حوالي سنة 2100 قبل المسيح. وهو محفوظ في متحلف اللوفر في فرنسا.
لم يكن حمورابي أول مشرّع في بابل. ولم تكن تشريعاته جديدة في جوهرها. فالكثير منها كانت قائمة قبله، ولكن إليه يرجع الفضل الكبير في جمعها وإعادة صياغتها. وقد نُسخت هذه القوانين، ويعود تاريخ البعض منها الى القرن السابع قبل المسيح.
ومن الملاحظ أن هذه القوانين ليست متسلسلة تسلسلا منطقيا، وهي ليست عملا مكتملا شاملا. وقد بذل الملك أقصى جهده لكي يكون القضاة هيئة عادلة أمينة. وقد ورد بهذا الشأن أن:
"القاضي الذي لا ينفذ حكم القضاء على وجه سليم، يكون عرضة، ليس فقط لدفع اثني عشر ضعفا للمبلغ موضوع القضية، بل يُطرد أيضا من وظيفته مشبعا بالخزي والعار".
كان الإعدام عقوبة لجريمة خطف الأطفال والسطو والسلب. وفي تشريعاته قوانين تتناول مواضيع كثيرة مثل الأموال المنقولة وغير المنقولة، والتجارة، والفنادق، وشؤون الأسرة، والمنازل، والسفن، والعبيد، والإستئجار وبناء البيوت.
أهمية هذه القوانين تعود لكونها أقدم مجموعة قوانين وصلت إلينا ولأنها تقدم صورة واضحة للحضارة البابلية وتنقل الينا حقائق عن الرق والعبودية ووضع المرأة. وملفت للنظر بنوع خاص أن هذه القوانين لا تتناول اطلاقا أمور الدين.
في شريعة موسى التي جاءت بعدها بمئات السنين تشابه كبير في نقاط كثيرة. وعلى سبيل المثال ورد في سفر الخروج: "وإن تأتّى ضررا تدفع نفسا بنفس، وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل ..." (خروج 21/23-24). وجاء في قوانين حمورابي: "إذا فقأ رَجُل عين رَجُل، تُفقأ عينه" (المادى 196)، "وإذا كسر عظمة لِرَجُل حر، تُكسر له عظمة" (المادة197) "وإذا كسر رَجُلٌ سِنَّ رَجُل من نفس طبقته، تُكسر له سِن" (المادة 200).
551
ما هو التحنيط وهل العبرانيون كانوا يحنطون موتاهم؟
التحنيط هو معالجة الجثة لحفظها من الفساد. وقد اشتهر به المصريون لأنهم كانوا يعتقدون بأن حالة النفس في الحياة الأخرى تتوقف تماما على حالة الجسد. وكانت توجد ثلاث طرق للتحنيط، تختلف باختلاف مكانة المتوفى، وتكاليف التحنيط.
أما العبرانيون فلم يمارسوا التحنيط. وكانوا يعتبرون أن مَن يَمَس جثة الميت يكون نجسا سبعة أيام: "مَن لَمَس ميتا ما من البشر يكون نجسا سبعة أيام" (عد 19/11).
إلا أننا نقرأ في سفر التكوين أن يوسف أمر خدامه بتحنيط والده يعقوب، بعدما مات في مصر. وكانت وصية يعقوب له أن يدفنه في مغارة المكفيلة، بإزاء ممرا التي اشتراها ابراهيم والتي فيها دفن هو وامراته ساره (تك 49/29-33). ودام التحنيط أربعين يوما، لانه كذلك تدوم أيام التحنيط (تك 50/3)) وعمل يوسف بموجب وصية أبيه فنقله بعد تحنيطه إلى مغارة المكفيلة ودفنه فيها. وكذلك حنّط بنو إسرائيل يوسف الذي مات ابن مائة وعشرين سنة، وجعل في تابوت بمصر (تك 50/26). ولما خرجوا من مصر حملوا معهم رفات يوسف لأن يوسف كان قد استحلف بني إسرائيل قائلا: "إن الله سيفتقدكم، فتصعدون عظامي من ههنا" (خر 13/19).
552
هل للمطران صلاحية على المدارس الكاثوليكية في أبرشيته؟ لمن تخضع المدارس والكليات والجامعات الكاثوليكية ؟
وردت القوانين العامة التي تنظّم أمور الجامعات الكاثوليكية ومؤسسات الدراسات الكاثوليكية العليا في القوانين 807 – 814 من مجموعة الحق القانوني وفي الرسالة بعنوان "من قلب الكنيسة" (Ex corde Ecclesiae) التي أصدرها المجلس البابوي للتربية الكاثوليكية في 15 آب سنة 1990.
كل أسقف يتحمل مسؤولية تنمية الثقافة الدينية في الجامعات الكاثوليكية في أبرشيته، وعليه أن يسهر على الصفة الكاثوليكية لتلك الجامعات. فإذا ما برزت بعض المشاكل التي تتناول هذه الصفة للجامعة، فعلى الأسقف المحلي أن يأخذ المبادرة اللازمة لحلها، بالعمل معا مع المسؤولين في الجامعة، وإذا استعصى الحل، عليه أن يرفع الأمر إلى الكرسي الرسولي.
مسؤولية الأسقف المحلي تشمل أيضا المدارس الكاثوليكية: الإبتدائية والثانوية التي تمتلكها الأبرشية والمؤسسات الرهبانية الكاثوليكية.
هذا من حيث المبدأ، أما من حيث الواقع، فمن المؤسف حقا أن نجد أن عددا من الجامعات والمعاهد في العالم التي تحمل اسم "كاثوليكية"، لم تعد كاثوليكية في إدارتها وتعليمها. فالمسؤولون عن الكليات يدعون لالقاء المحاضرات أناسا ينكرون إيمانهم الكاثوليكي علنا ويُعلِّمون أمورا تخالف الآداب والأخلاق، فانحرفت تلك الجامعات والمعاهد عن التعليم الكاثوليكي ولم تعد تتمسك بالنهج الكاثوليكي. ولذلك، لا يكفي أن تحمل الجامعة اسم كاثوليكية لكي تكون حقا كاثوليكية.
553
من يُعيّن الكهنة في الرعايا؟ وعلى أي أساس يكون التعيين؟ ولماذا في عدد من الرعايا نجد كاهنين أو أكثر لخدمتها بينما نجد كاهنا واحدا لخدمة رعية كبيرة في نفس الأبرشية أو المدينة؟ ولماذا في بعض الرعايا لا نجد كاهنا على الإطلاق؟
رئيس الابرشية يعيّن كهنة الرعايا ومساعديهم، بعد الأخذ بعين الإعتبار حاجات الرعايا وبعد الإصغاء لمجلسه الإستشاري. الرعايا التي يخدمها كاهن واحد، قد تبدو اكبر من الرعية التي يخدمها كاهنان، ولكن المقياس الحقيقي هو حجم العمل الراعوي المطلوب من الكاهن. فعلى سبيل المثال هناك رعايا كبيرة وليس فيها مدرسة، وهناك رعايا ربما أصغر منها عددا وفيها مدرسة أو أكثر من مدرسة ...الخ.
بعض الرعايا الصغيرة تبقى بدون كاهن مقيم فيها لقلة الكهنة. فيجب على المؤمنين أن يصلوا من أجل أن يرسل رب الحصاد كهنة إلى حصاده، ويجب أن يكون لدى الشباب جرأة الحب للمسيح بأن يقولوا له: "هاءنذا" إذا ما دعاهم إلى الكهنوت.
بالاضافة إلى ذلك، كثيرا ما يُطلب من بعض الكهنة ألا يكتفوا بالعمل الراعوي في رعاياهم الموكولة اليهم، بل أن يقوموا بأعمال راعوية تتعدى حدود رعيتهم مثل زيارة السجون ومساعدة المساجين روحيا وماديا إذا أمكن، وزيارة المرضى في المستشفيات، والعمل في الدوائر الأبرشية، وإدارة المدارس، والاهتمام بالتعليم المسيحي في الأبرشية ... الخ وهناك أيضا كهنة للمحاكم الكنسية.
554
ماذا تعني الكنيسة بوصيتها "أوف العشر أي البركة بحسب العادة"؟
إن العشر للهيكل والكنيسة قد ورد في الكتاب المقدس 46 مرة. وعلى سبيل المثال فإن إبراهيم أعطى ملكيصادق ملك شليم عشر جميع ما كان يملك (تكوين 14/18-20). العشر للرب من الحيوانات والخيرات مذكور في سفر اللاويين 27/30-33. وهذه العادات حافظ عليها المسيحيون الأولون وأصبحت وصية من وصايا الكنيسة سنة 567 .
الكنيسة ومشاريعها الخيرية والتربوية تعيش من سخاء أبنائها. فعلى المسيحيين الكاثوليك واجب ثقيل بأن يساهموا في دعم الكنيسة، ليس فقط كل منهم في رعيته ولكن أيضا في العالم كله وأن يساهموا في مصاريف كنائسهم وأن يدعموا أعمال الخير الذي تقام في أبرشياتهم وفي الكنيسة الجامعة.
ولكن ليس هنالك مبلغ معين مطلوب للمساهمة. ولذلك تقول الوصية "العشر، أي البركة" وتضيف "بحسب العادة". ومن لا يساهم أو من يكتفي بما يضعه في صينية الأحد، يجب أن يشعر بأنه مخل بواجب الإلتزام بوصية الكنيسة.
555
أنا لا أصوت في الانتخابات البرلمانية أو البلدية أو النقابية ... فهل هذه خطيئة؟
الوصية الرابعة "أكرم أباك وأمك" تتطلب إكرام الوالدين. هذا هو المفهوم الأول للوصية. وهي تتطلب ثانيا أن نكون مواطنين صالحين لأمتنا ولوطننا الذي نعيش فيه. فالعلاقة مع الوطن يجب أن تكون شبيهة بعلاقة الأسرة الواحدة آباء وامهات وأبناء. مواطنتك الصالحة تُولّد فيك غيرة واهتماما بمصلحته وأن تدافع عنه ضد كل معتدي وأن تصوّت للمرشح الأفضل الذي يخدم الوطن.
الإمتناع عن التصويت ليس خطيئة مميتة لأن شروط الخطيئة المميتة غير متوفرة، ولكنه خطيئة عرضية ومن المحبّذ أن تقر بها في كرسي الإعتراف. وبهذا الصدد، نقرأ في الرقم 75 من "دستور الكنيسة في العالم المعاصر" للمجمع الفاتيكاني الثاني ما يلي:
"مما يتفق تماما وطبيعة الإنسان، وجود أنظمة سياسية وقضائية تمكّن المؤمنين أكثر فأكثر، وبدون تفرقة، من أن يسهموا بحرية ونشاط في وضع الأسس القضائية للجماعة السياسية، كما في إدارة الشؤون العامة وتحديد مجال العمل وأهداف الأجهزة المختلفة، في انتخاب الحكام. فلا يتغافل جميع المواطنين عن حقهم وواجبهم معا، في ممارسة التصويت الحر والنزيه بقصد تحقيق المصلحة العامة".
كذلك ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 2240:
"يقتضي الخضوع للسلطة والمشاركة في المسؤولية عن الخير العام، من الوجهة الأخلاقية، وتسديد الضرائب، وممارسة حق التصويت، والدفاع عن البلد:
"أدوا إذن للجميع حقوقهم: الجزية لمن له الجزية، والجباية لمن له الجباية، والمهابة لمن له المهابة، والكرامة لمن له الكرامة"(رو 13/7).
556
ما رأي الكنيسة في خدمة العلم؟
المقصود بخدمة العلم توعية أبناء الوطن على واجب المساهمة في السهر على سلامة الوطن والمشاركة في المسؤولية عن الخير العام والدفاع عن الوطن وعن حريته واستتباب أمنه. وكل ذلك يساهم بطريقة غير مباشرة في استتباب السلام العالمي. وقد ورد بهذا الصدد في وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني الكنيسة في العالم المعاصر:
"الذين يتفرغون لخدمة الوطن في صفوف الجيش، فليعتبروا أنفسهم هم أيضا في خدمة أمن الشعوب وحريتها، فإذا قاموا بهذه المهمة بما يليق من الدقة، فإنهم يساهمون حقا في المحافظة على السلام"(79).
كذلك ورد في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
"واجب المواطنين أن يساهموا مع السلطات المدنية في خير المجتمع بروح الحقيقة والعدالة والتضامن والحرية. ويرتبط حب الوطن وخدمته بواجب الاعتراف بالجميل وبنظام المحبة. ويقتضي الخضوع للسلطات الشرعية وخدمة الخير العام، لذلك على المواطنين أن يقوموا بدورهم في حياة الجماعة السياسية" ( 2239- 2240).
ويقول بولس الرسول:
"أدوا اذن للجميع حقوقهم: الجزية لمن له الجزية، والجباية لمن له الجباية، والمهابة لمن له المهابة، والكرامة لمن له الكرامة (رو 13/7).
557
ماذا تقول الكنيسة في القتل دفاعا عن النفس؟
حياة الإنسان مقدسة، لأنها عمل الله في الخلق، وهي تبقى أبدا على علاقة خاصة بالخالق، لأن الله غايتها الوحيدة وهو وحده سيد الحياة منذ بدايتها إلى نهايتها. وليس لأحد في أي ظرف من الظروف أن يدّعي لنفسه الحق في أن يُدمّر مباشرة كائنا بشريا بريئا. ومن حق الإنسان الدفاع عن النفس وأن يجعل الآخرين يحترمون حقه في الحياة. ومن أقدس الواجبات أن يحافظ الإنسان على حياته وأن يدافع عنها تجاه المعتدي حتى لو اضطره الدفاع أن يسدد إلى المعتدي ضربة قاضية. ولكن إذا مارس الإنسان في الدفاع عن نفسه عنفا يزيد عن الضروري يكون ذلك غير جائز
ونقرأ في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
"قد يكون الدفاع المشروع ليس فقط حقا بل واجبا خطيرا بالنسبة إلى من هو مسؤول عن حياة الآخرين. الدفاع عن الخير العام يقتضي جعل المعتدي الظالم عاجزا عن الإيذاء. واستنادا إلى ذلك، يحق لأصحاب السلطة الشرعية اللجوء حتى إلى الأسلحة لرد المعتدين على الجماعة المدنية الموكولة إلى مسؤوليتهم" (2265)
558
ماذا تقول الكنيسة في عقوبة الإعدام ؟
تعليم الكنيسة التقليدي يجيز اللجوء إلى عقوبة الإعدام ضمن الشروط التالية:
1 - التأكد التام من هوية المذنب ومسؤوليته،
2 – التأكد من أن عقوبة الإعدام هي الوسيلة الوحيدة لحماية الحياة البشرية حماية فعالة من أذى المعتدي الظالم. فإذا وُجدت وسائل غير القتل كافية لرد المعتدي، وحماية أمن المواطنين والمجتمع ، فعلى السلطة أن تتخذها، لأن هذه الوسائل تتناسب بوجه أفضل وأوضاع الخير العام الواقعية، وتتوافق أكثر وكرامة الشخص البشري. قال البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة "إنجيل الحياة"، أن الكنيسة ترى أن عقوبة الإعدام يجب تجنب تطبيقها ما لم تكن الوسيلة الوحيدة لحماية المجتمع.
إن الدولة قادرة على قمع الإجرام قمعا فعالا يجعل مرتكبه عاجزا عن الإساءة، من دون قتله، ومن دون أن تنزع منه نهائيا إمكانية التوبة. فالحالات التي تكتمل فيها الشروط لتنفيذ الحكم بالاعدام أصبحت نادرة جدا، إن لم نقل لا وجود لها البتة في الواقع (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2267 ).
559
ما رأي الكنيسة في الملاكمة؟ أليس الجسد مقدسا؟ أليس هو هيكل الروح القدس؟
رفضت الكنيسة على مدى القرون الأولى المصاراعات الدموية والمبارزات بالسيوف التي كانت تنتهي بمصرع أحد المصارعين. أما بالنسبة للمصارعة، كما هي اليوم، فلا أعتقد أن الكنيسة تناولت هذا الموضوع في تعاليمها وتوجيهاتها. وإنما نجد في تعاليمها مبادىء عامة نستنتج منها أنها لا تحبذ الملاكمة القائمة على العنف الجسدي. فالكنيسة تعلم أنه يجب على الإنسان أن يحافظ على صحته وعلى حياته ولا يعرضهما للخطر.
أضف إلى ذلك أن العنف الذي هو أساس الملاكمة يزيد المتفرجين عنفا ويسيء إلى تربية الأطفال والشباب، ويصبح المجتىمع في نظر الجهال – وما أكثرهم - فئتين: أقوياء وضعفاء، غالبين ومغلوبين، منتصرين ومهزومين. وبالتالي فإن الملاكمة تسيء إلى الفضيلة والاستقامة.
560
ما رأيك بالتنويم المغناطيسي للاقلاع عن التدخين أو لتقويم عادة سيئة مثل السرقة؟
التنويم المغناطيسي يسلب الإنسان المنوَّم إرادته الحرة واستعمال عقله. وما أكثر ما يُستعمل التنويم المغناطيسي لإقناع المنوَّم بارتكاب الخطيئة التي لا يريدها وأن يسير إلى إرتكابها. فهو يكون تجاهها مسلوب العقل والإرادة. ولذلك فإن الكنيسة لا تحبذ إطلاقا أن ينجرّ أبناؤها إلى التنويم المغناطيسي حيث يصبحون آلة في يد المنوِّم ويتخلون له عن إرادتهم الحرة التي هي أجمل وأعظم ما في حياتهم.
ولكن إلى جانب هذه السلبيات، فإن التنويم المغناطيسي كثيرا ما يُستعمل لاهداف علاجية. وفي هذه الحالة تجيزه الكنيسة على شرط أن يكون المنوِّم إنسانا متصفا بأخلاق حميدة. وقد أصدرت الكنيسة تعليماتها بهذا الصدد في تموز سنة 1899 وفي آب سنة 1956. واليوم، في بعض المجتمعات، كثيرا ما يُستعمل التنويم المغناطيسي للتخلص من الإدمان على التدخين والكحول أو لتخفيف الوزن.
561
ما هي حركة comunione e liberazione؟ (الشراكة والتحرر)؟ هل الكنيسة تعترف بها؟
أخوية "الشراكة والتحرر" Comunione e Liberazione حركة كنسية علمانية، اعترفت بها الكنيسة عام 1981. وهي تهدف إلى توعية المنتمين إليها على مهمة الكنيسة في داخل المجتمع من خلال التربية المسيحية. بدأ الأب لويجي جوسّاني بتأسيس هذه الحركة عام 1954، وكانت اسمها آنذاك "الشبيبة المدرسية" (G.S). وفي عام 1969 بدأت تبرز التسمية الحالية "الشراكة والتحرر" Comunione e Liberazione . وكان الأب جوساني يقول بأن هذه الحركة نابعة من الخبرة الإنجيلية التي انطلقت قبل ألفي سنة، وهي تُظهر أهمية الإيمان في مواجهة حاجات الحياة. فالمسيحية تُحرر الإنسان عندما تكون حياة وشراكة. وقد وصف البابا يوحنا بولس الثاني هذه الأخوية بأن أول ما يلفت النظر فيها هو أنها تصغي إلى احتياجات الإنسان المعاصر، ولا تكتفي بأن تقترح الحلول للمشاكل، بل تعمل على حلها. وهي تؤمن بأن المسيح هو "الطريق والحق والحياة".
الحركة حاليا منتشرة في أكثر من 70 دولة، ويبلغ عدد المنضمين إليها رسميا 25000 ألفا، يؤازرهم أكثر من ثلاثمائة ألف طالب وعامل. وتعمل الحركة على تربيتهم المسيحية من خلال "مدارس الجماعة Scuole di Comunità الأسبوعية، والمجلة الشهرية التي تصدر بعدة لغات. ويدرك أعضاء الأخوية أن القداسة هي هدف الإنسان الأسمى، فيسعون إليها في حياتهم الفردية والجماعية. ولكي يسجل المسيحي عضوا في الأخوية عليه أن يلتزم بالصلاة اليومية والرياضات الروحية. وكثيرون من الأعضاء يلتزمون أيضا بتأدية العشر من أموالهم، ويتخذون المبادرات الخيرية والتطوعية لتطوير المجتمع المدني في ضوء الإيمان بالمسيح الفادي، ويساهمون في المشاريع الخيرية في الإرساليات.
إنبثق عن أخوية شراكة وتحرر مكرسين ومكرسات Memores Domini وأخوية جمعية القديس يوسف، وأخوية رهبنة كارلو بوروميو San Carlo Borromeo وغيرهم. توفي الأب جوساني في 22/2/2005 وتولى رئاسة الحركة من بعده الأب الإسباني جوليان كارون. وأما مركز الأخوية الرئيسي فهو في ميلانو.
562
ما هي حركة Focolari ؟ وهل الكنيسة تعترف بها رسميا؟
بدأت حركة "عمل مريم" المعروفة بالفوكولاري في أثناء الحرب العالمية الثانية سنة 1943، في مدينة ترينتا في شمال إيطاليا. ومؤسستها هي كيارا لوبيك التي عاشت خبرة تكريس ذاتها لله بنوع فريد، تحبه وتحبّب الناس إليه، سرعان ما جذبت اليها عددا من الشابات فاخذت الحركة تنمو وتزدهر رويدا رويدا. فانتشرت في إيطاليا وفي القارة الأوروبية أولا ثم في القارات الأخرى. واعترفت بها الكنيسة رسميا ونهائيا واعتبرتها جمعية ذات حق حبري، وذلك بموجب مرسوم من الكرسي الرسولي في 29 حزيران سنة 1990.
أما روحانية الفوكولاري فهي روحانية المشاركة للوصول إلى القداسة الجماعية بحيث يكون "الآخر"، مهما كان انتماؤه الديني والعرقي، طريقا يؤدي إلى الله، تحقيقا لرغبة المسيح: "فليكونوا باجمعهم واحدا" (يو 17/21). فالحركة تقيم الحوار بين الأعضاء المنتمين إليها، والحوار مع المسيحيين من الكنائس الأخرى، والحوار مع مؤمنين من الديانات الأخرى والحوار مع كل الثقافات في العالم. وهذه الروحانية أصبحت واسطة فعالة لنشر الإنجيل المقدس في العالم المعاصر وحققت مزيدا من التقارب والانفتاح والاتحاد في المجتمع المدني والكنسي، كما حققت الكثير في مجال الحوار والسلام بين الشعوب والمجتمعات، فأصبحت الفوكولاري، كما قال البابا يوحنا بولس الثاني، شجرة خيِّرة منتشرة في العالم كله.
وتضم الحركة أعضاء من كل الاعمار والثقافات والطبقات الاجتماعية من متزوجين وغير متزوجين، من كهنة وأساقفة، من رهبان وراهبات، من عائلات وعزاب، كرسوا أنفسهم لخدمة الله والقريب، ويلتزمون بالعيش بموجب هذه الروحانية التي انتشرت أيضا بين عدد من الكنائس الأرثوذكسية والبروتستنطية، بنوع خاص في أوروبا. وبلغ اعضاء الفوكولاري في العالم اكثر من خمسة ملايين منتشرين في 182 دولة، ومنها الأردن.
563
ما هي ال "Opus Dei" أي "عمل الله "، وما هي أهدافها، وهل لها مقرّ في الأردن؟ أناس كثيرون معجبون بها، وكثيرون غيرهم ينتقدونها. فما رأيك؟
"عمل الله" أي ال "Opus Dei" هي مؤسسة كنسية، أنشأها القديس خوسيماريا إسكريفا دي بالاغر، المولود في أسبانيا سنة 1902، والمتوفى في روما، في 26 حزيران سنة 1975. وقد شرع بتأسيسها سنة 1928. ولا وجود لها في الأردن.
غاية هذه المؤسسة هي نشر الكمال الإنجيلي بين المسيحيين على مختلف طبقاتهم، وبنوع أخص بين المثقّفين، وذلك بتقديس الأعمال والواجبات اليومية والنشاط المهني. المنتمون إلى "عمل الله" يسعون إلى إتمام أعمالهم ومهنهم بروح فائقة الطبيعة، وإلى تحويل عملهم إلى صلاة ومناجاة مع الله، بحيث يعيشون حياة روحية في الصميم، أينما وُجدوا، ومهما كان عملهم.
قال المؤسس القديس خوسيماريا:
"إن الدعوة المهنية هي جزء هام وغير منفصل عن كياننا المسيحي، لأن الله يريد أن نكون قديسين، في المكان الذي نحن فيه، وفي المهنة التي نختارها، لأي سبب كان. فالمهن كلها جيدة وشريفة - شرط ألا تتعارض مع الشريعة الإلهية – وعلينا أن نُطعّمها بالحب لله ... إن المسيح أرادنا في هذا العالم ... أن نكون كالخميرة في العجين، وأن نعيش كالملائكة بين البشر ... وأن نكون بذارا، وأن نثمر ... لا يهمني إن يُقال عن أحدهم إنه ابن صالح، ومسيحي صالح، إذا كان إسكافيا رديئا ! فإذا لم يسعَ إلى إتقان مهنته بامتياز، لن يستطيع أن يقدسها، ولا أن يقدّمها للرب. وتقديس العمل اليومي هو، كما يُقال، محور الروّحانية الحقّة لنا جميعا، نحن المنهمكين في الواقع الزمني، والرّاغبين في التقرب من الله".
سنة 1943 أسس القديس خوسيماريا أيضا جمعية "الصليب المقدس" الكهنوتية، التي أصبحت جزءا لا يُجزّأ من "عمل الله". وعند وفاته كان أعضاء "عمل الله" أكثر من ستين ألفا ينتمون إلى ثمانين دولة. وهم يقدّمون خدمات جُلّى للكنيسة والكرسي الرسولي. وهذا يؤجج نار الحقد والكراهية في صدور أعداء الكنيسة.
564
ما هي مؤسسة أو حركة "”Pax Christi أي "سلام المسيح"؟
"سلام المسيح" حركة كنسية نشأت في فرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية واستهدفت أن تزرع روح السلام والمحبة بين الشعبين الفرنسي والألماني. ثم أصبحت حركة عالمية بعد انتشارها في إيطاليا وبولندا وبعد اتحادها بحركة "السلام" البريطانية. وهكذا أصبح هدفها إعادة السلام والوحدة إلى العالم من خلال الارتقاء بالمجتمعات البشرية استنادا إلى السلام والعدل والمحبة التي غرسهما الله في قلوب الناس. وتقيم الحركة محاضرات في مختلف أنحاء العالم لبث روح السلام والمحبة بين الشعوب والمجتمعات. وقد انتشرت هذه الحركة في أميركا أيضا. وقد خرج فرعها الأوروبي وفرعها الأميركي مرارا عن خط الكنيسة وأصبحت أقرب إلى الحركة العلمانية منها إلى الحركة الكنسية.
565
هل تعلم الكنيسة أنه يجب أن يكون الفصل بين الكنيسة والدولة؟
تعلم الكنيسة في المجمع الفاتيكاني الثاني (دستور في الكنيسة في العالم المعاصر 76) أن الكنيسة بحكم وظيفتها واختصاصها تتميز في كل الاحوال عن الجماعة السياسية ولا ترتبط بأي نظام سياسي. الدولة والكنيسة مستقلتان الواحدة عن الأخرى. وكل منهما قائمة بذاتها تتساعدان بطريقة مختلفة على تحقيق الدعوة الشخصية والإجتماعية المشتركة بين المجموعة ذاتها من الناس. وبقدر ما تحاولان إيجاد تعاون سليم بينهما، بقدر ذلك تتوفقان في خدمة المصلحة العامة، على أن تراعيا في ذلك ظروف الزمان والمكان.
الكنيسة من جهتها تساهم في إشاعة العدالة والمحبة بين، وتسعى إلى توطيد العلاقات بين الأمم على ما هو حق وصالح وجميل في المجتمع الإنساني، كما تدعم السلام من أجل مجد الله وخير الإنسانية.
وكذلك ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية أن الكنيسة مستقلة عن السلطة السياسية ولا وجود لاي التباس بين السلطتين. وتبقى الكنيسة المدافع الأول عن الحياة والكرامة البشرية، وهي تحترم وتشجع حرية المواطنين السياسية كما تحترم وتشجع مسؤوليتهم.
ومن صلاحيات الكنيسة وررسالتها أيضا أن تصدر حكما أدبيا حتى في الأمور التي تتعلق بالنظام السياسي عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان الأساسية أو خلاص النفوس (راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2245– 2246)
566
ما رأي الكنيسة في الربح الحرام ؟ وهل يجوز أن يكون الربح الحرام قاعدة التعامل بين الناس؟
نقرأ في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ما يلي:
"كل طريقة لأخذ مال الغير دون حق والاحتفاظ به، هي مخالفة للوصية السابعة وإن لم تكن متعارضة مع أحكام الشريعة المدنية. وهكذا يكون حراما الاحتفاظ عمدا بما أُقرض من مال أو بما وُجد من أشياء ضائعة، والغش في التجارة، ودفع أجور غير عادلة، ورفع الأسعار اعتمادا على جهل الاخرين وعوزهم" (2409)
وقد ورد في سفر الخروج: "إذا اقرضت مالا لمسكين من شعبي فلا تعامله كالمرابي ولا تفرض عليه ربى" ( 22/24)
"ومن الأمور غير الجائزة أخلاقيا: المضاربة لتغيير تخمين قيمة الخيرات بأساليب مصطنعه، لنيل فائدة على حساب الغير، والرشوة التي بهما يبدل رأى من عليهم ان يتخذوا القرارات وفاقا للحق، واستملاك أموال عائدة لمؤسسة واستعمالها للمصلحة الخاصة، والأشغال التي لم يُحسن صنعها، والغش الضريبي، وتزوير الشيكات والفواتير، والمصاريف المفرطة، والهدر والربى. إن إلحاق الضرر عمدا بالممتلكات الخاصة أو العامة مخالف للشريعة الأخلاقية ويقتضي التعويض" (2409).
"لا يمكن القبول، من الوجهة الأخلاقية، بأي نظرية تجعل من الربح القاعدة الوحيدة، والغاية القصوى للنشاط الاقتصادي. فشهوة المال المنحرفة لا بد أن تنتج مفاعيلها الخبيثة، وهي سبب من أسباب النزاعات الكثيرة التي تبلبل النظام الاجتماعي" (2424)
567
ما رأيك في المساواة والتفاوت بين البشر؟ هل ذلك من العدل؟
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية يجيب على السؤال:
"بما أن جميع البشر قد خُلقُوا على صورة الله الأوحد، وخُصوا بنفس عاقلة واحدة، فهم ذوو طبيعة واحدة وأصل واحد. وبما أن المسيح قد افتداهم بذبيحته، فهم مدعوون إلى المشاركة في السعادة الإلهية نفسها: وهم يتمتعون إذن بكرامة متساوية. فالمساواة بين البشر تقوم، في جوهرها، على كرامتهم الشخصية والحقوق الناجمة عنها، وكل نوع من أنواع التمييز في حقوق الشخص الأساسية، سواء كان قائما على الجنس أو العرق، أو اللون، أو الوضع الإجتماعي، أو اللغة أو الدين، يجب نبذه على أنه مخالف لتصميم الله.
"لا يتمتع الإنسان، عندما يأتي إلى العالم، بكل ما هو ضروري لنمو حياته الجسدية والروحية. إنه بحاجة إلى الآخرين، فتظهر الإختلافات المرتبطة بالسن، والإمكانات الطبيعية، والذهنية أو الأخلاقية، والتبادلات التي قد يستفيد منها كل واحد، وتوزيع الثروات. فالوزنات لم توزع بالتساوي"
هذه الإختلافات أرادها الله. ولكنه يريد أن يَتقبّل كل واحد من الآخرين ما يحتاج اليه، وأن يُشرك في ما عنده الآخرين، وأن يُسعف الموسرون المعسرين في حاجاتهم. فالإختلافات تحمل الناس على العطاء والإحسان والمشاركة وأحيانا كثيرة تلزمهم بها. وهي تحفز الثقافات على أن تغتني بعضها ببعض.
"وهناك أيضا تفاوت جائر يصيب ملايين الرجال والنساء. والتفاوت ليس من الإنجيل بشىء.
"إن مساواة الناس في الكرامة تقتضي أن يتوصل المجتمع الى وضع حياتي أكثر عدالة وإنصافا وأكثر رحمة وحنانا. فالتفاوت الاقتصادي والاجتماعي المفرط بين أعضاء الأسرة البشرية الواحدة أو بين الشعوب باعث على العثار والشك، وعقبة في طريق العدالة الاجتماعية، والإنصاف، وكرامة الشخص الإنساني والسلام الإجتماعي والدولي" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1934 – 1938).
وخلاصة القول فإن المساواة بين الناس تقوم على الكرامة الشخصية وعلى الحقوق الناجمة عنها. وهي تقتضي بذل الجهد لتقليص المظالم الاجتماعية والاقتصادية المفرطة. وأما الإختلافات بين الناس فهي بتدبير من الله الذي يريد أن يحتاج بعضنا إلى بعض، وأن نمارس المحبة.
568
من هم الأصوليون المسيحيون الأميركيون؟
الحركات الأصولية المسيحية الحديثة تُعَدُّ بالألوف. وقد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال فإن الفئات التي تَدّعي أنها كنائس إنجيلية مستقلة، يزيد عددها في الولايات المتحدة على 2700 فئة، تَدّعى كل منها أنها كنيسة إنجيلية، وتتخذ لنفسها أسماء مختلفة من التوراة والإنجيل، حسب اجتهادها في انتقاء الأسماء. ونتيجة للعداء التقليدي والتاريخي بين المسيحية واليهودية، فقد أخذ بعض الصهاينة ينتمون إلى هذه الحركات الإنجيلية بقصد تدمير الإيمان المسيحي لدى الكنائس العريقة، والترويج للشعب اليهودي بأنه صاحب حق تاريخي مطلق على فلسطين. ويتبرع كثيرون من أثرياء اليهود بسخاء لهذه الفئات بقصد السيطرة عليها واتخاذها آلة لبث مبادئهم الهدامة في العالم المسيحي والإسلامي. ومن الجدير بالذكر أيضا أن انشقاق الكنائس الإنجيلية وتكاثرها وانتشارها بدأ في فترة رواج الحركة الصهيونية في أوروبا والولايات المتحدة، كما أخذ مبشروهم يغزون فلسطين والعالم العربي في تلك الفترة، وازداد تدفقهم بنوع خاص بعد حرب 1948 إذ قدم كثيرون منهم إلى هذه المنطقة متخذين من إغاثة اللاجئين وسيلة تمكنهم من إنشاء الجمعيات الخيرية وتحويلها فيما بعد إلى كنائس.
وكان الجناح الأكثر تأثيرا ونفوذا هو الحركة الإنجيلية، التي تعتمد في أصوليتها على الإرسال والتبشير. وبعد حرب حزيران 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وسيناء، فإن الأصولية السياسية التي تؤمن بعودة اليهود إلى فلسطين وعودة المسيح بعد ألف سنة إزدادت قوة ونشاطا. وأصبح لها نفوذ واسع لدى قطاع كبير من النظام السياسي الاميركي، خصوصا بعد وصول أحد ابناء التيار الأصولي إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض الأميركي وذلك عام 1976 حيث فاز جيمي كارتر في انتخابات الرئاسة. وهو أول رئيس أميركي يعلن رسميا أنه "مولود ثانية" أي أنه مسيحي أصبح أصوليا ملتزما. هذا المصطلح يُستخدم كإشارة للإيمان المسيحي الأصولي. ولكن عندما وجد الأصوليون أن جيمي كارتر لم يَفِ بوعوده لهم، خاصة بالنسبة لإقرار الصلاة في المدارس، ومنع الإجهاض، تحول الأصوليون عنه وأسقطوه في انتخابات 1980 ليأتوا برونالد ريجان كرئيس أكثر أصولية: فهو صهيوني أصولي متزمت. ولذلك انتخب ريجان لدورتين. ومن بعده أعطى الأصوليون أصواتهم إلى جورج بوش، نائبه لما عُرِف عنه من الإيمان الأصولي الخالص.
في الواقع، جميع الحركات الأصولية هي روافد للحركات البروتستنطية لأنها كلها ترفض الكهنوت والسلطة الكنسية للكنائس التقليدية وتسير على مبدأ التفسير الشخصي الحُرّ للكتاب المقدس. فهي ليست كنائس ولا طوائف بقدر ما هي حركات تضم مؤسسات مستقلة عن الكنائس، ولكنها تحاول العمل من خلال الكنائس. وقد نشأت في أمريكا باعتبارها هيئات لا تستهدف الربح، ولها نشاط ديني. ونشأت في بيئة اجتماعية أمريكية. وبالتالي فهي ليست حركة خاصة بكنيسة أو بطائفة معينة، بل هي تيار مستقل عن كل الكنائس خارج على التقاليد. الشكل الأساسي للحركات الأصولية هو الهيئات والمنظمات الموازية للكنيسة.
لقد استطاعت هذه الهيئات أو الحركات ان تفرض سلطتها في أمريكا، وأن يمتد نشاطها، حتى خلقت لها شعبية ضخمة توازي أي كنيسة أو طائفة. وهي تعمل وتُبَشّر في العالم كله كي يكون العالم كله للمسيح، وفق رؤية كل منها. وهي مرارا كثيرة تتناحر في ما بينها في محاولة للسيطرة على العالم. كل ذلك يجعل المواطن في بلادنا حائرا مرتبكا يتساءل هل هي من عند الله أم من عند الناس. هل هي سياسية بعباءة الدين أم خطة ليكون العالم كله للمسيح أم ليكون العالم كله لأمريكا؟ وهل مستقبل بلادنا سيكون صناعة أميركية؟
ويوجد في الأردن حوالي خمسين فئة من هؤلا المتجددين أي من هذه الحركات الأصولية المتصهينة. وكثيرون من المسيحيين يصغون إليهم مغرورين، ويتبعونهم رسميا مخدوعين. البعض من أتباع هذه الحركات على بساطتهم صادقون، وعلى جهلهم مقتنعون، ولا يعرفون من الإيمان سوى ما يقدمه لهم المتجددون. والأكثرية الساحقة ينتمون إليهم أو "يغازلونهم" بدافع المنافع المادية. لقد أصبح عمل الأصوليين يتبع كل قواعد لعبة المال. وأصبح الزعماء، رجال أعمال، بين أيديهم مئات الملايين من الدولارات. إنها رأسمالية جديدة، رأسمالية دينية ترتبط بالرأسمالية العالمية قدر ارتباطها بلغة المال.
569
نحن نقدر مقام الأسقف في المجتمع والكنيسة، ولكن قل لي بالضبط ما هو المفهوم الكنسي للأسقف؟
الأسقف المحلي في الكنيسة المحلية أي الأبرشية، هو راعيها، يساعده الأساقفة المساعدون. وهو يمثل الكنيسة الجامعة بسلطان من الله وبقوة ارتباطه بجماعة الاساقفة، وبالشركة الإيمانية والإدارية مع البابا، خليفة القديس بطرس هامة الرسل الكرام.
في العهد الجديد يظهر سلطان الأسقف جليا، مثلا في فل 1/1 ، و1 تسا 5/12، و 1 طم 3/2، وطي 1/5 . إن هذا السلطان هو سلطان الرئاسة والإدارة والرعاية، وهو مرتبط بمفهوم الخدمة الرعوية اللاهوتية (أعمال 20/17-36). إن الأسقفية، بحسب العقيدة الإيمانية، هي من مصدر إلهي بمعنى أن البابا، رغم أولوية ولايته على كل الكنيسة وعلى كل واحد من الأساقفة، لا يملك السلطان على محو الأسقفية. وليس الأساقفة موظفين عنده وليسوا ممثلين له، إذ لهم سلطانهم الخاص وهو من سلطان المسيح. فهم يرعون قطيعهم باسم المسيح لأنهم خلفاء الرسل الذين أقامهم المسيح ليرعوا كنيسته. هذه هي إرادة المسيح على الكنيسة وعلى السلطات التسلسلية في الكنيسة، وبالتالي فإن الأساقفة بمجملهم يقومومون مقام الجماعة الرسولية الدائمة في الكنيسة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأساقفة، إذا ما نظرنا اليهم فرديا، فإن كلا منهم ليس خليفة شرعيا لرسول معين، ولكن جماعة الأساقفة برمتهم، وعلى رأسهم البابا خليفة بطرس هامة الرسل هم خلفاء الجماعة الرسولية. فما كانت تتمتع به جماعة الرسل من حقوق وواجبات تتمتع به الجماعة الأسقفية الآن. فالجماعة الأسقفية هي وَحدة فريدة تخلف الجماعة الرسولية، لها رأسها الذي اختاره المسيح، أي بطرس وخلفاؤه على السدة البطرسية في روما. فلا يمكن أن نتصور كنيسة المسيح بدون هذا الرأس الذي أقامه المسيح. وهو على رأس الجماعة الأسقفية التي بدونه لا وجود لها، لا في المجمع المسكوني ولا في خارجه. والبابا، في أمور الإيمان والأخلاق، لا يعمل كشخص منفرد. من هنا عصمة الكنيسة من الغلط في تعليمها. والكنيسة تتمتع بهذه العصمة عندما، باسم التعليم الرسمي، يحدد البابا عقيدة من عقائد الإيمان، سواء كان هذا التحديد بصفته الخاصة رأسا للكنيسة وخليفة بطرس الرسول، أو كان متحدا مع الأساقفة خلفاء الرسل الملتئمين في مجمع، وبهذه الحالة فهو المجمع المسكوني الذي يظهر بوضوح أكبر التكاتف والمشاركة ومصادقة أعضاء الجماعة على أعمال الراس.
الأسقف ينال من البابا منطقة معينة (أبرشية) وسلطة رعايتها. ويستطيع البابا في حالة الضرورة أن يتدخل في ممارسة الأسقف لحقوقه. أما السلطات الكهنوتية النابعة من السيامة الكهنوتية والأسقفية فهي هي عند البابا وعند الأسقف، وبالتالي فإن للأسقف ملء سر الكهنوت، ويستطيع في أبرشيته أن يثبّت وأن يرسم كهنة، وأن يكرس الكنائس والمذابح والزيوت المقدسة … الخ. كذلك على الأسقف بحكم السيامة الأسقفية وتعيينه راعيا للأبرشية من قبل قداسة البابا، أن يدبر الأبرشية وأن يتحمل مسؤولية الرعاية والتعليم والمحبة، وله فيها سلطان تشريعي وقضائي، كما تقع عليه مسؤولية إدارة الأبرشية الزمنية.
570
هل الأعجوبة حدث خارق العادة؟
نسمي أعجوبة حدثا يدخل في نطاق الاختبار البشري المنظور، إنما لا نجد له تفسيرا علميا بموجب نواميس الطبيعة. ولذلك فإن كل أعجوبة تحمل في ذاتها نداء إلى الإنسان كي يتوجه بصدق إلى الرب صانع الأعجوية بالرغم من كل القوانين العلمية والبشرية. وليست الأعجوبة تبيانا اعتباطيا لقوة الله غير المتناهية، إنما هي جزء من التدبير الإلهي وتدخل في الإطار العام لتاريخ الخلاص.
لِأعجوبة قيامة المسيح رسالة لكل إنسان. فهي أعجوبة جسد المسيح المنتصر على الموت والقائم من القبر ممجدا. وهي استباق ظاهر لمصير الإنسان المدعو إلى مشاركة الله في حياته بعد الموت. إنها تؤكد قوة الله سيد التاريخ وتشهد في الوقت عينه للكمال الذي وعد الله به الإنسان، علما بأن هذا الكمال هو القوة الروحية التي تعمل بالنعمة في نفوسنا وفي حياتنا على هذه الأرض. وأما أعجوبة سر القربان والأسرار الأخرى فهي دائمة في كنيسة المسيح وتعبر كل يوم عن حب الله لكنيسته وعن رحمته ومحبته للبشر.
571
أعرف أن الكنيسة تعاقب. فما هو العقاب الكنسي أو الحرم؟
في العهد القديم، كان الحُرم يقوم بإبعاد الخاطىء الكبير عن شعب الله المقدس وبفصله عنه بطريقة رسمية وملموسة، ويعتبره شريرا وأهلا للغضب الإلهي. لهذا الإجراء التأديبي حسب الأصول درجات قبل الوصول إلى الطرد النهائي. بولس الرسول عرف هذا الإجراء وسماه "اناتيما" أي "اللعنة". ولقد استخدمه في الكنائس التي أسسها (1كو 5/1-5 ، 1 طيم 1/18 ، طي 3/9).
في الجماعة المؤمنة خطايا على جانب كبير من الخطورة يقع عليها الحرم. والحرم هو:
"أشد عقوبة كنسية تنزل بالخاطىء وتحرّم عليه قبول الأسرار وممارسة بعض الأعمال الكنسية. ولا يَحِلّ من هذا الحُرم، بموجب الحق الكنسي، إلا البابا والأسقف المحلي او من ينتدبانه من الكهنة. في حال خطر الموت يجوز لكل كاهن، وإن لم يفوَّض اليه سماع الاعترافات، أن يحل من كل خطيئة ومن كل حرم" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1463)
وقد تناولت مجموعة الحق القانوني، في الكتاب السادس، في المواد 1311 – 1399 موضوع العقوبات الكنسية، ومنها العقوبات التأديبية مثل منع قبول الأسرار، والعقوبات التكفيرية التي يمكن انزالها بالجانح بصورة دائمة أو لمدة محددة.
والكنيسة تنزل عقوبة الحرم، إما تلقائيا وإما بإعلانها رسميا مثل الجُنَح ضد الديانة ووحدة الكنيسة، والسلطات الكنسية وحرية الكنيسة، وحياة الإنسان وحريته … الخ.
أما الهدف من الحُرم فهو أن يتوب الخاطىء وأن يرجع الى حظيرة الكنيسة، وحالما يبدي التائب التوبة الصادقة يستطيع ان يتوجه إلى السلطة المختصة لكي تحله من الحُرم ومن خطاياه.
572
ما هو "الحق القانوني " أو "مجموعة الحق القانوني"؟
أُعيد النظر في القوانين الكنسية، بعد المجمع الفاتيكاني الثاني وظهرت مجموعة الحق القانوني الجديد الساري المفعول في أوائل سنة 1983، وتُرجمت العبارة اللاتينية بحرفيتها Codex Iuris Canonici ب "مجموعة الحق القانوني" بينما كنا نكتفي قبلا بالقول "الحق القانوني".
"الحق لقانوني" أو "مجموعة الحق القانوني" تعني القانون الكنيسي اللاتيني الساري المفعول الذي يُنظّم حياة الكنيسة ويُنظّم نموها. إنه أساس ودعامة لبنيان الكنيسة. وهو مؤلّف من شرائع إلهية وشرائع طبيعية وشرائع كنسية. ويحتوي على أقسام كثيرة. فبعد أن يبيّن القوانين العامة، يتناول القوانين الخاصة بشعب الله في جميع طبقاته، ثم يتناول مهمة الكنيسة التعليمية ومهمتها التقديسية، كما يتناول أموال الكنيسة والعقوبات في الكنيسة والمحاكمات الكنسية.
573
ما الفرق بين الدولة والحكومة؟ وما هي العلاقة بينهما؟
1 – الدولة في المعنى العام هي مجتمع منظم له حكومة مستقلة وشخصية معنوية تميزه عن غيره من المجتمعات المماثلة له. فالدولة هي الجسم السياسي والحقوقي الذي ينظم حياة مجموع الأفراد الذين يؤلفون الأمه. والفرق بين الدولة والحكومة أن الدولة هي الأمة المنظمة تجمعها صفات واحدة ومصالح وآمال وأهداف مشتركة.
ويطلق لفظ الدولة أيضا على مجموع المصالح والإدارات العامة، وبهذا المعنى فالدولة هي أيضا الإدارات الإقليمية والمحلية والنظام السياسي الذي يجعل جميع الوظائف الإجتماعية من انتاج وخدمات، في يد الدولة.
2 - أما الحكومة في إصطلاح الفلاسفة فهي الإدارة والتدبير والتوجيه كإدارة الأعمال وتدبير شؤون الدولة وتوجيه سياستها. وهذا المعنى مأخوذ من توجيه الربان لدفة السفينة، لأن معنى اللفظ اللاتيني الذي منه يشتق لفظ الحكومة: Government, Gouvernement, Governo ...الخ، هو Gubernare ومعناها "حَكَمَ"، ومنه Gubernaculum "الدّفّة" أي دفّة السفينة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فللحكومة معنيان:
أ – المعنى العام أي جميع سلطات الدولة: السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية والسلطة التشريعية. وأما المقصود بالمعنى الخاص فهو السلطة التنفيذية لا غير، أي الهيئة أو الهيئات المؤلّفة من الأفراد الذين يدبرون شؤون الدولة، كرئيس الدولة، (رئيس الوزراء)، والوزراء، وسائر الموظفين.
ب – المعنى المجرد أي الحكم أو فن الإدارة والتدبير والسياسة.
الأصل في الحكومة أن تلبي مطالب الشعب وأن ترعى مصالح المواطنين، وأن تصون حقوقهم. وهذا الامر إما أن يكون عاما كتدبير شؤون الدولة وإدارة أعمالها وتوجيه سياستها، وإما أن يكون خاصا كسياسة الإنسان نفسه وسياسة أهل بيته ... الخ.
على كل دولة، أن تضمن للناس حقوقهم وأمنهم واستقرارهم. وقوانين الدولة هي ملزمة للمواطنين. فعلى الدولة أن تسعى إلى تحقيق الصالح العام، مع العلم أنها ليست هي ربة ذلك الخير العام ولا هي الوحيدة التي تقع عليها هذه المهمة، ويجب احترام مبدأ التعاون والابتعاد عن احتكار الوظائف والسلطة. وواجب المواطنين أن يشاركوا في الحياة العامة، في حدود إمكاناتهم. ولكن عندما تأمر الدولة بقوانينها ما يجرح جديا الخير العام، فليس على المواطنين أن يطيعوها. وعندما تأمر بما يناهض أو يدمر الأخلاق السليمة، وحق الإنسان على الحياة (كالإجهاض) فالطاعة اذذاك خطيئة أمام الله.
3 - أما بالنسبة لعلاقات الكنيسة بالدولة، فيجب ألا تتجاهل أحداهما الاخرى. فالاختلاف بينهما واضح وكون الكنيسة الكاثوليكية منفصلة تماما عن الدولة، فإنها تتمتع بكامل حريتها لكي تقطع الطريق المؤدي إلى تأليه الدولة وسلطتها ونظامها، وتحمي الإنسان من الدولة التي تنتهك القوانين الطبيعية والإلهية أحيانا. فهي ترفع صوتها عاليا وتبين للناس ان للدولة حدودا وقوانين وأصولا لا يجوز أن تتعداها.
574
ما هي علاقة "العهدة العمرية" بكوني مسيحيا استنادا إلى سر العماد المقدس، ومواطنا أردنيا استنادا إلى أصلي وفصلي وإلى دستورنا الأردني؟
بالنسبة للمواطن الأردني في الأردن، أو المواطن الفلسطيني في فلسطين، فإن ذكر العهدة العمرية في انتمائنا الوطني هو مغالطة وطنية لا يجوز الصمت عنها. فنحن مواطنون، أبناء المملكة الأردنية الهاشمية، ولسنا أبناء العهدة العمرية. ونحن نعتز ونفتخر بأردننا الغالي وبقيادتنا الهاشمية الرائدة، وبدستورنا الأردني الذي يحفظ حقوقنا ويصونها، كما يحفظ ويصون حقوق جميع الأردنيين، ليس اتكالا على العهدة العمرية، بل استنادا إلى عروبتنا وجذورنا المتأصلة في تراب وطننا الحبيب.
كذلك فان ذكر العهدة العمرية في هذا الأمر مغالطة تاريخية لا يجوز الصمت عنها إطلاقا. فالخليفة عمر بن الخطاب أعطى القدس وسكانها أمانا يُعرف بالعهدة العمرية. والعهدة العمرية هي شروط "القائد المنتصر" التي يمليها ليضبط المدينة وسكانها المغلوبين على أمرهم. ويورد التاريخ عدة صور للعهدة العمرية. فهناك رواية الطبري، ورواية الطرطوشي والبلاذري وسعيد بن بطريق... الخ، وهي تقدم معلومات متناقضة أحيانا، وخصوصا المتأخرة منها زمنيا. فبعضها ينسب إلى عمر شروطا مذلة على نصارى القدس، وأخرى تمنح النصارى مكانة ممتازة في حمى الإسلام، وأخرى تهب الأماكن المقدسة لملة الروم الملكيين، وتصف الأماكن المقدسة وصفا لا يتفق مع طبيعة هذه الأماكن في عصر "الفتح" الإسلامي. ولعل أقرب العهود العمرية إلى التصديق، هي التي يذكرها الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك"، وهي تتفق وبيئة الفتح العربي التاريخية، إذ أن الفاتحين أحسنوا معاملة المدن المفتوحة سلما من غير قتال، على أن تدفع الجزية وتظل على دينها. وحيث أن المسلمين عانوا من كيد اليهود، فقد اشترطوا على نصارى القدس أن "لا يسكن بإيليا (القدس) معهم أحد من اليهود"، واشترطوا جلاء الروم (أي العنصر البيزنطي) من فلسطين، إلا أن فلسطين احتفظت بعدد من سكانها اليونانيين في مدن الساحل. وظل الكرسي البطريركي الأورشليمي شاغرا 65 سنة بعد وفاة البطريرك صفرونيوس عام 639. لكن الأساقفة المحليين، ومنهم يوحنا أسقف فيلادلفيا (عمان) قد دبّروا خلالها بطريركية القدس. ثم جلس على الكرسي البطريركي أناس من ابناء البلاد الأصليين حتى احتلال الأتراك للقدس، باستثناء فترة احتلال الصليبيين.
575
تُخصص البلديات أراضي لدفن الموتى. في القديم أين كان الناس يدفنون موتاهم؟
تشهد التقاليد القديمة أن الناس كانوا يدفنون موتاهم في المغاور الطبيعية بقرب الأماكن المأهولة. فكثيرا ما نجد في بلادنا مغاور هي مقابر قديمة. في سفر التكوين، نقرأ أن ابراهيم اشترى في حبرون أرضا فيها مغارة المكفيلة ودفن فيها سارة، ثم دُفِن هو أيضا فيها (تك 23/19 ، 25/9). وكانوا أيضا يحفرون في الارض ويدفنون موتاهم، فهكذا دفن بنو إسرائيل عظام يوسف التي أصعدوها من مصر في شكيم، في الحقل الذي اشتراه يعقوب من بني حمور(يش 24/32). وقد جرت العادة في دفن الإنسان في أرضه. صموئيل النبي دُفن قريبا من بيته في الرامة (1 صم 25/1). ومات الملك منسى فدفن في بستان بيته ، في بستان عُزّا (2 مل 21/18). ويذكر إرميا النبي أنه كانت هنالك أيضا مدافن للفقراء ( إر 26/23).
كان الدفن في القبر العائلي علامة حياة مباركة ومحبة. فكم من المرات نقرأ في الكتاب المقدس: "إنضم إلى آبائه" أو "دُفن مع آبائه"، أو "مع عشيرته" (تك 49/29 ، 2 صم 2/32 ، 17/23 ، 1 مل 14/31 ، 15/24 ...الخ). وعدم الدفن مع عائلته أو عدم الدفن كليا كان علامة شقاء كبير ولعنة (2 مل 9/10، إر 8/2، مز 79/3). وكان الدفن من مسؤولية العائلة والأصدقاء، وكان عليهم أن يقوموا بكل الطقوس الجنائزية. وكانوا يضعون نصبا يدل على القبر، او كوما من الحجارة ( 2 صم 8/17).
بالنسبة لأورشليم ، في العصر الحديدي، كانت معظم القبور خارج سور المدينة. ولكن حين نمت المدينة وبنيت حولها الأسوار المتعاقبة وجدت مقابر داخل المدينة، بعد أن كانت في الأصل خارجها. في الحقبة الملكية كانت القبور تحيط بالمدينة وكانت محفورة في منحدر الوادي: مدافن سلوان ومدافن هنّوم وتواصل هذا التقليد في الحقبة الهلنستية والرومانية مع بناء مدافن في وادي قدرون شرقي ساحة الهيكل. يوسف الرامي هيّأ لنفسه في أرضه، خارج السور، مدفنا كان قد حفره في الصخر (متى 27/60) وفيه دفن فيه يسوع.
576
يبدو واضحا في مجتمعاتنا عادات كثيرة موروثة، منها طقوس الحداد فهل من مرجع تاريخي لها؟
هذه الطقوس أو العادات قديمة جدا ولا يمكن البحث عن أصولها. وهي تظهر في التوراة لدى الشعب الإسرائيلي كما تظهر لدى الشعوب الاخرى. وهي في مجملها البكاء وتمزيق الثياب، وانتزاع شعر اللحية، ومرارا تخديش الوجه ولبس المسح الذي تحول إلى لبس الثياب السوداء.
لما قال إخوة يوسف لأبيهم يعقوب إن وحشا أكل يوسف:"مزق يعقوب ثيابه ولبس المسح حدادا على ابنه، وناح أياما كثيرة" (تك 37/34). ولما علم داود بموت شاول: "أمسك ثيابه ومزقها وكذلك فعل جميع الرجال الذين معه وناحوا وبكوا وصاموا إلى المساء على شاول ويوناتان ابنه وعلى شعب الرب بني اسرائيل لأنهم سقطوا في الحرب" (1 صم 1/11-12).
كذلك كانت هذه الطقوس خارج الحداد على الميت، في مناسبات خاصة، تُعبّر أيضا عن حزن كبير، كما نقرأ في سفر يشوع بعد فشل الاستيلاء على عاي بسبب خطيئة عاكان بن كرمي بن زبدي بن زارح من قبيلة يهوذا: "مزق يشوع ثيابه وانحنى بوجهه على الارض قدام تابوت العهد إلى المساء هو وشيوخ بني إسرائيل وألقوا التراب على رؤوسهم" (يش 7/6).
أما بالنسبة لتخديش الوجه والجسد وقص اللحى فقد حرمها سفر اللاويين: "لا تحلقوا رؤوسكم حول اطرافها، ولا تقضوا شيئا من لحاكم. لاتجعلوا خدوشا في أبدانكم حدادا على ميت" (أح 19/27-28).
طقوس الحزن والحداد التي يمارسها الشعب المسيحي على أمواتهم اليوم، اكتسبت صفتها الحضارية لدى الكثيرين. ولكنها بقيت لدى كثيرين غيرهم، تعبر عن عادات وثنية مثل مقاطعة الصلاة والأمتناع عن الذهاب إلى الكنيسة أربعين يوما، والصياح والبكاء بطريقة تدل على عدم الإيمان برحمة الله ومحبته للبشر. أما النحيب والمعيد فهما، في بعض المناطق، عادة اجتماعية للتعبير عن حب الميت وتقدير مكانته عند أقاربه ومحبيه.
577
لماذا تمتد أبرشية البطريركية اللاتينية إلى أربعة بلدان: فلسطين والأردن وإسرائيل وقبرص؟ هل هذا الوضع طبيعي؟
التاريخ يشرح ذلك. عندما قرر الطوباوي البابا بيوس التاسع أن يقيم بطريرك القدس في مدينة القدس حدد له ابرشيته جمع فيها هذه البلدان التي كانت تحت الحكم العثماني، ولم يكن هنالك أية مشلكة للتنقل بينها، ولم يكن لإسرائيل والأردن من وجود.
بعد الحرب العالمية الأولى، تم تقسيم البلاد إلى: قبرص وفلسطين وإمارة شرقي الأردن. وبعد الحرب الإسرائيلية العربية سنة 1947-1948 نشأت دولة إسرائيل. ولذلك فإن الوضع الجغرافي لأبرشية البطريركية اللاتينية ليس وضعا طبيعيا مريحا، خصوصا بالنسبة للمعهد الإكليريكي ولتنقل الكهنة من دولة الى أخرى.
578
كيف نشأت صلاة "درب الصليب" التي نقيمها أيام الجمعة من الزمن الأربعيني؟
ورثنا صلاة درب الصليب عن المسيح الذي أقامها بشخصه الكريم يوم الجمعة العظيمة. وقد وصف الإنجيليون الدرب التي سلكها بصليبه إلى الجلجلة. فراح المؤمنون منذ مطلع المسيحية، يكرّمون الأماكن التي مرّ بها ويطوفون فيها ويصلون، ويتأملون في الآمه وفي معانيها اللاهوتية لخلاص البشر. وقد ساهم في قيامها قديسون كثيرون، وحجاج كثيرون زاروا الأماكن المقدسة وطافوا وصلّوا فيها. وقد وصف الراهب الدومنيكاني رينالدوس دي مونتة كروشيس سنة 1294 في كتابه "الحج والسياحة" أنه صعد إلى القبر المقدس في أورشليم بالدرب التي سلكها المسيح حاملا الصليب، ووصف مراحل هذه الدرب كما نعرفها.
أما بمراحلها الأربع عشرة، وبترتيبها المألوف عندنا، فقد نشأت صلاة درب الصليب في اسبانيا، ومنها انتقلت إلى إيطاليا وإلى سائر أنحاء العالم الكاثوليكي. وقد أقام الراهب القديس ليوناردوس دي بورتو ماوريسيو سنة 1751 درب الصليب في مدرّج الكولوسيوم، في روما، حيث استشهد عشرات الألوف من المسيحيين في عصور الإضطهاد، وبقيت على شكلها هذا حتى اليوم.
الكنيسة توصي بصلاة درب الصليب لأنها من أروع الصلوات، ومِن أقدمها وأحبها على قلوب المؤمنين. فهي مشاركة روحية كنسية في الآم المسيح. وقد درجت العادة على إقامتها جماعيا في كنائسنا، أيام الجمعة من الزمن الأربعيني. قال القديس فرنسيس الأسيزي: " الصليب باب المسيح الضيق. ولا يدخل أحد إلى المسيح بغير بابه".
579
هل تسمح لي بأن أسألك سؤالا خاصا: ما هو أجمل يوم في حياتك؟ بيني وبين صديقي شرط: أنا قلت إنه يوم سيامتك الكهنوتية، بينما يقول صديقي إنه يوم سيامتك الأسقفية. أنت ماذا تقول؟
أعتقد أنك تخسر الشرط. وكذلك صديقك. لأن اجمل يوم في حياتي لم يأتِ بعد. حياتي كلها تحضير موصول لأجمل يوم فيها. إنه يوم وفاتي، يوم لقاء المسيح وجها لوجه في سعادة أبدية، يوم أضم موتي إلى موت المسيح، وأنطلق إليه وأدخل في الحياة الأبدية التي لا تفنى.
اليوم الأخير من حياتي على الأرض هو أجمل يوم فيها، لأني سأسمع فيه يسوع يقول لي: "اليوم تكون معي في الفردوس". هذا ليس رأيا، ولكنه من صميم قلبي وإيماني ورجائي. فالمسيح جاء من أجل الخطأة، وأنا أوّلهم. وما قاله لخاطىء كبير مثلي، سيقوله لي أيضا: "اليوم تكون معي في الفردوس". الرحمة الإلهية المتدفقة من قلب يسوع على الصليب تصنع لي المستحيل: "اليوم تكون معي في الفردوس".
أنت أيضا: لماذا لا تجعل آخر يوم في حياتك أجمل يوم فيها؟
580
يا سيدنا المطران، أنا "تربية مدرسة حكومة"، تربيتي الدينية "سكر خفيف". لم أكن أعرف باب الكنيسة. دخلت الشبيبة الجامعية قبل أشهر قليلة، فبماذا تنصحني لكي أكون شابا مسيحيا على "كيف كيفك"؟
لكي تكون شابا مسيحيا على "كيف كيف يسوع"، أنصحك بما يلي:
1 – أن تواظب على الإشتراك في قداس الأحد، مهما كلف الأمر، وعلى الإقتراب من سر التوبة بتواتر، وأن تصلي صباحا ومساء، لكي تبقى شمس يسوع تضىء دربك.
2 – أن تقيم علاقة إيمان ثابت ومحبة صادقة مع يسوع في سر القربان. فهو صديقك ورفيق حياتك، إليه تلجأ، ومنه تستمد القوة للثبات في محبته. خصِّص له كل يوم ربع ساعة - في الكنيسة إن أمكن، أو في بيتك أو في أي مكان آخر - كي تختلي به وتتأمل في كلمة من كلماته أو في أي مقطع من الكتاب المقدس وبنوع خاص من العهد الجديد. وكن مواظبا على مناولات الجمعة الأولى من الشهر إكراما لقلبه الاقدس.
3 – كن أمينا على تلاوة سبحتك الوردية يوميا، وعلى مناولات السبت الأول من الشهر إكراما لأمك مريم البتول. أنك عندما تمسك سبحتك للصلاة، فإن امك مريم تغمرك بحبها وعطفها وحنانها. ومَن منا لا يحتاج إلى عطف أمه السماوية وحبها وحنانها؟.
4 – "لا تخافوا من أن تصبحوا قديسين". بهذه العبارة خاطب البابا يوحنا بولس الثاني الشبان والشابات، في يوم الشبيبة العالمي في مزار القديس يعقوب دي كوبوستلا في إسبانيا عام 1989. هذه الكلمات تعبّر عن أمر السيد المسيح القائل: "كونوا كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل" (متى 5/48). فلا تخف من أن تطمح إلى القداسة، لأن القداسة هي الغاية الأسمى للدعوة المسيحية. كثير من العلمانيين أمثالك، رجالا ونساء، يلبون أمر السيد المسيح ويسيرون في طريق القداسة، ويواظبون على التقوى، بتصرفاتهم الإنسانية والمسيحية، في حياتهم الفردية والأسرية والاجتماعية. قد يشعرون بالإحباط من جراء الضعف البشري، ولكنهم يصغون دوما إلى السيد المسيح، ويسمعونه يشجعهم ويعزيهم قائلا: "لا تخف أيها القطيع الصغير، فقد حسن لدى أبيكم أن يُنعم عليكم بالملكوت ... فحيث يكون كنزكم يكون قلبكم" (لو 12/32، 34)
4 – واظب كل يوم على تلاوة صلاة الشبيبة وهي:
أبانا الذي في السموات،
إنّا نكرس لك شبابنا،
ونقف على خدمتك نفوسنا،
فامنحنا إيمانا نتغلب به على الفساد،
لنصون على الطهارة قلوبنا،
ونتمم على الدوام مشيئتك.
أعطنا أن نكون للإنجيل شهودا أمناء،
فنكون رسل نور وطمأنينة وسلام.
هبنا أن نكون في كل حين،
إخوة أوفياء لفادينا الحبيب
فنحب جميع الناس كما أحبنا. آمين.
- يا سيدة الشبيبة
- صلي لأجلنا
وتأمل في معانيها السامية لكي تلتزم بها. فهي بكلماتها الوجيزة، تغذّي فيك دينامية الفضائل المسيحية، فتشهد للمسيح شهادة حسنة، وتحب جميع الناس كما أحبك المسيح.